الأربعاء، ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٤ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

السعادة في رمضان

ومِن علاج النفس الإمارة بالسوء: تذكر عظمة الله -عز وجل-، ومراقبته في السر والعلن

السعادة في رمضان
حسن عمر
الأربعاء ٢٩ أبريل ٢٠٢٠ - ٠٠:٣٥ ص
569

السعادة في رمضان

كتبه/ حسن عمر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فرمضان شهر الرحمة والغفران، والنجاة من النار، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ) (متفق عليه).

جاءت الفرصة لتحقيق سعادة العبد في الدارين، وعلى المسلم انتهاز الفرصة؛ لتحقيق تلك السعادة والمسلم الفطن الذي يبدأ رمضان بهمة عالية مع تعلم أحكامه وفضائله، وقد قال ابن القيم -رحمه الله-: "لا تتحقق سعادة العبد إلا باستكمال قوتيه: العلمية والإرادية".

أولًا: القوة العلمية النظرية:

وهي المتعلقة باعتقاد العبد، ولا تتحقق إلا باستكمال خمسة أحوال:

1- معرفة الله بأسمائه وصفاته:

قال الله -تعالى-: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) (الأعراف:180).

قال كبير تلاميذ أبي الحسن: "دخلت على الشيخ وفي نفسي أن أكل الخشن وألّبس الخشن، فقال لي الشيخ: يا أبا العباس، اعرف الله وكن كيف شئت".

2- معرفة الطريق الموصلة إليه:

قال الله -تعالى-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب:21)، وقال -تعالى- في سورة الفاتحة: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الفاتحة:2).

ويشمل الطريق إلى الله الأسس الآتية:

أولًا: المنهج الرباني لإدارة الحياة: مِن تلاوة القرآن، والقيام، وذكر الله، والتبتل، والصلاة في سائر العبادات.

ثانيًا: التوكل على الله: قال الله -تعالى-: (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا) (المزمل:9).

ثالثًا: الصبر على الابتلاء وهجر المخالفين.

رابعًا: الجحود هو أصل الكفران، فالحذر كل الحذر من الجحود.

3- معرفة آفات الطريق:

- الفتور: وهو "داء يصيب السائرين إلى الله؛ أدناه الكسل، وأعلاه الانقطاع".

- الغرور: وهو التكبر والإعجاب بالنفس.

ومِن أسباب الفتور: السرف، وهو مجاوزة الحد في تعاطي المباحات.

قال سليمان الداراني -رحمه الله-: "مَن شبع دخل عليه أربع آفات: فقدَ حلاوة المناجاة، وحرمه الشفاعة على الخلق، وثقلت عليه العبادات، وزادت عليه الشهوات".

- مفارقة الجماعة وايثار حياة العزلة: قال الله -تعالى-: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) (الكهف:28)، وقال -تعالى-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) (آل عمران:103)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ، وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ) (رواه ابن أبي عاصم في السنة، وحسنه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الجَنَّةِ فَلْيَلْزَمُ الجَمَاعَةَ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

- دخول جوفه شيء محرم: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّ لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ، فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ) (رواه الطبراني، وصححه الألباني).

- قلة تذكر الموت والدار الآخرة: قال أبو علي الدقاق: "من أكثر مِن ذكر الموت، أُكرم بثلاث خصال: بتعجيل التوبة، ونشاط في العبادة، وقناعة في القلب".

وذكر الموت يقلل كل كثير، ويكثر كل قليل، ويزهد في الدنيا، والإكثار من ذكر الموت هو سبيل المؤمنين وعباد الله المتقين، وهو علاج لقسوة القلب، وإن من أعظم الخذلان أن يموت الإنسان ولا تموت سيئاته، ومِن أعظم المنح أن يموت الإنسان ولا تموت حسناته.

4- معرفة النفس: قال -تعالى-: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا . قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) (الشمس:7-10).

- إن النفس منبع الأفكار، فإن غلب خيرها شرها واطمأنت إليه؛ فهي النفس المطمئنة، وإن تأرجحت بين الحسنات والسيئات، ولكنها سرعان ما ترجع من الذنب إلى التوبة والاستغفار؛ فهي النفس اللوامة، وإن غلب شرها خيرها فهي النفس الإمارة بالسوء، ومجاهدة النفس الإمارة بالسوء والحرص على استقامتها وعودتها إلى بارئها مِن أوجب الأعمال التي ينبغي للعبد الحرص عليها، قال الله -تعالى-: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) (يوسف:53)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا) (رواه مسلم).

- ومِن علاج النفس الإمارة بالسوء: تذكر عظمة الله -عز وجل-، ومراقبته في السر والعلن، قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:135).

- ومن علاج النفس الإمارة بالسوء: طلب العلم الشرعي.

- ومِن علاجها: الاجتهاد في العمل الصالح؛ فهو وظيفة الدنيا وحسنة الآخرة.

5- معرفة عيوب النفس:

وعيوب النفس هي:

1- استكشاف الضُر ممَن لا يملكه.

2- الفتور في الطاعة وكثرة الذنوب، وعدم الشعور بلذة الطاعة.

3- رؤية فضله على إخوانه وتوهم النجاة.

4- الغضب والكذب والشح والبخل.

5- الأمن من مكر الشيطان والإصرار على الذنب.

6- الحرص على الدنيا وطلب الرئاسة بالعلم.

7- العجب بالعمل وإحسان الظن بالنفس واتباع الهوى.

8- توهم اللذة عند اقتراف الذنب ونسيان العقوبة وألم المخالفة.

القوة العملية الإرادية:

وهي تتعلق بالجوارح، وهي تتحقق باستكمال اربعة أحوال:

1- معرفة الحقوق: والحقوق هي أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وأولها: توحيد الله -تعالى- والبراءة من الشرك، وسائر الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة، وحق الله يشمل أمره ونهيه، قال -تعالى-: (وَالْعَصْرِ . إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر)، والحقوق تشمل أعمال القلب واللسان والجوارح، وهي عبادات تمثِّل حقوق الله -تعالى-.

2- القيام بالحقوق: هو عبادة الله وحده، وصرف الجميع الأعمال الله -تعالى-؛ إخلاصًا وصدقًا، ومتابعة ومحبة، وتترك المعاصي؛ فإن الله -تعالى- يحب أن يراك حيث أمرك، وأن يفتقدك حيث نهاك، فلا يتصور من العبد الذي امتلأ قلبه بحب الله -تعالى- أن يصر على ارتكاب المعاصي.

3- شهود المنة: قال -تعالى-: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الحجرات:17)، وقال -تعالى- عن أهل الجنة: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (الأعراف:43).

- الموفق للطاعة ابتداءً وانتهاءً هو الله: قال -تعالى-: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) (النحل:53)، وقال -تعالى-: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) (النساء:79)، وقال -تعالى-: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (الحجرات:17-18).

- مشاهدة منة الله عليه توجب للعبد نوعين من العبودية: محبة المنعم، واللهج بذكره.

- سيد الاستغفار: (اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ) (رواه البخاري).

- وعبادة القلب تشمل الخشوع والتوكل والخشية، وغيرها، وعبادة اللسان تشمل تلاوة القرآن والأذكار والنصح للمسلمين، وعبادة الجوارح في إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان، والأوامر والنواهي؛ أي: أمره -تعالى- أو نهيه .

4- شهود التقصير: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

قال ابن القيم -رحمه الله-: "يحتاج العبد إلى سوء الظن بنفسه؛ لأن حسن الظن بالنفس يمنع كمال التفتيش، ويلبِّس على العبد فيرى المساوئ محاسن والعيوب كمالًا، ولا يسيء الظن بنفسه إلا مَن عرفها، ومَن أحسن الظن بنفسه؛ فهو من أجهل الناس بنفسه".

وبعد، فهذه مسالك وطرق رمضان، هو وقتها، تكون سببًا في سعادة الإنسان وفوزه ونجاته في الدنيا والآخرة، والله مِن وراء القصد، وهو هادي السبيل.

وتقبل الله منا ومنكم، وأعاننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.

وصلى الله وسلم على محمدٍ، وآله وصحبه وسلم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة