الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الفساد (69) سلبيات ممارسة كرة القدم وتشجيع فرقها (4-4)

تجوز ممارسة كرة القدم ودخول مسابقاتها بنية الترويح وتقوية البدن شريطة ألا يصحبها أو تؤدي إلى فعل محرم

الفساد (69) سلبيات ممارسة كرة القدم وتشجيع فرقها (4-4)
علاء بكر
الأحد ١٣ سبتمبر ٢٠٢٠ - ٢٣:٤٩ م
860

الفساد (69) سلبيات ممارسة كرة القدم وتشجيع فرقها (4-4)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فممارسة الرياضة في الإسلام -أي: كما ينبغي أن تكون- ليست غاية في ذاتها، بل هي وسيلة لتحقيق التربية البدنية التي هي أحد مقومات الشخصية باكتساب الفرد للياقة البدنية، والقوة والصحة والعافية التي هي أساس من أسس المؤمن القوي الذي هو أحب إلى الله -تعالى- وأفضل من المؤمن الضعيف.

والترويح حالة طارئة يحتاج إليها المرء مِن وقتٍ لآخر لتجديد نشاطه، ودفع السأم والملل عن نفسه ليعاود مواصلة العمل والإنجاز، ووقت الترويح أو الفراغ هذا ليس للفرد فيه مطلق التصرف، بل له ضوابط يجمع فيها الفرد بين الترفيه وبين النفع والاستفادة من وقت الفراغ -أو التوقف عن العمل الجاد- كما أنه يحظر عليه في وقت الترويح فعل ما هو حرام أو يخالف الشرع، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّ مَا يَلْهُو بِهِ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ بَاطِلٌ؛ إِلَّا رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ، وَتَأدِيبَهُ فَرَسَهُ، وَمُلَاعَبَتَهُ امْرَأَتَهُ) (رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني).

يذكر ابن القيم في كتابه: (الفروسية) أن المغالبات تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم محبوب مرضٍ لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، معين على تحصيل محابه: كالسباق بالخيل والإبل، والرمي بالنشاب، وقسم مبغوض مسخوط لله ورسوله موصل إلى ما يكرهه الله كسائر المغالبات التي توقع العداوة والبغضاء، وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة: كالنرد وما أشبهه، وقسم ليس بمحبوب لله ولا مسخوط له، بل هو مباح؛ لعدم المضرة الراجحة: كالسباق على الأقدام، والسباحة، والصراع ونحو ذلك) (راجع: "الفروسية" لابن القيم، ص 301).

أما المسابقات في هذه الألعاب فلا تخلو من ثلاثة أحوال:

الأولى: أن تكون معينة على الجهاد والقتال: كالرمي، وركوب الخيل، فهي مسابقات محبوبة لله -تعالى-، ويجوز التسابق فيها، ويجوز أخذ المال في مسابقاتها.

الثانية: أن تقوم على المصادفة والحظ لا المقدرة: كلعب النرد والطاولة؛ فهي ممنوعة، وكذلك ما فيه ضرر مؤكد أو صاد عن الواجبات الشرعية؛ فهي أيضًا ممنوعة.

الثالثة: ما لا يعين على الجهاد ولا القتال، ولا يقوم على المصادفة والحظ، ولكن فيه تقوية للبدن وإعانة، فيجوز التسابق فيه، لكن يحرم أخذ المال عليه (يراجع في ذلك: كتاب "المسابقات وأحكامها في الشريعة الإسلامية: دراسة فقهية أصولية" تأليف: د. سعد بن ناصر بن عبد العزيز الشثري - ط. دار الحبيب الرياض - ط. الثانية 1420هـ - 2000 م، ص 233).

جواز إقامة المسابقات الكروية:

تجوز ممارسة كرة القدم ودخول مسابقاتها بنية الترويح وتقوية البدن شريطة ألا يصحبها أو تؤدي إلى فعل محرم. وقد أشرنا من قبل إلى صورٍ كثيرةٍ مِن المحرمات الشرعية تقع من ممارسي -بل ومن مشجعي- لعبة كرة القدم من المحرمات العقدية، والفعلية والقولية، والتي معها يتحول هذا اللعب من مباح إلى محرم، بل من كبائر الذنوب.

أما أخذ المال على لعب كرة القدم بالمشاركة في مسابقاتها أو الفوز فيها؛ فهو محرم، ولا يجوز شرعًا، وهذا الحكم الشرعي يعلمه -ولا يشك فيه- مَن درس الفقه وتعلم الشرع؛ فـ(لعب الكرة من باب التريض وبدون استهلاك لأغلب الوقت وبدون جوائز مالية جائز، أما إذا كانت فيها مسابقة وجوائز فتحرم أيًّا كان مصدر هذه الجوائز، وأما التكسب من اللهو واتخاذه مهنة فحرام بيِّن، والمسابقة عليه لا تجوز ولو كانت الجوائز من المتسابقين، ويزداد الأمر خطورة إذا كانت من المال العام).

(فإذا ما اعتبرنا التربية الرياضية ضرورية لما تحققه من أهداف ومنافع، فإن الضرورة يجب أن تقدر بقدرها، فينبغي أن تقصر هذه المرتبات والأجور والاعتمادات المالية على أقل قدرٍ يمكن به تحقيق هذه الأهداف وتلك المنافع.

أما اللاعبون: فلا يجوز أن يتخذوا لعب كرة القدم مهنة للتعايش منها، والحصول على الآلاف المؤلفة من الجنيهات، فينبغي أن يكون لكل لاعب عمله الجائز شرعًا مصدرًا لعيشه، ثم ليكن هذا اللعب في أوقات فراغه رياضة وترويحًا، لا أساسًا وهدفًا ومعيشة) (راجع في ذلك: "بغية المشتاق في حكم اللهو واللعب والسباق" تأليف: حمدي عبد المنعم شلبي - مكتبة ابن سينا القاهرة - 1410هـ - 1990 م، ص 101)، (أنه لا قائل من أهل العلم المعتبرين قديمًا وحديثًا بدخول الكرة في المسابقات التي يجوز أن تكون بجوائز، ومن هنا يعلم أن مسابقات الدوري والكأس وغيرها، من المحرمات التي لا يجوز المشاركة فيها والتفاعل معها) (المصدر السابق).

حكم أخذ المال في المسابقات الكروية:

نوجز هنا كلام الفقهاء في حكم اتخاذ كرة القدم مهنة للتكسب منها والانتفاع بجوائزها، والعمدة في ذلك حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لَا سَبَقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ، أَوْ خُفٍّ، أَوْ حَافِرٍ) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

ولكلمة (السبق) في الحديث روايتان لكل رواية أحكامها:

1- ففي الرواية الأولى: كلمة (السبق) بسكون الفاء: تعني المسابقة والتسابق، وهو مشروع في الجملة، دل عليه الكتاب والسُّنة والإجماع، قال -تعالى- عن إخوة يوسف: (إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا) (يوسف:17).

قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي: (نستبق إما على الأقدام أو الرمي والنضال) (تفسير السعدي).

وشرع مَن قبلنا شرع لنا ما لم يأتِ ما يخالفه، وقال -تعالى-: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) (الأنفال:60)، ومن وسائل إعداد القوة: التدرب عليها، ومن رباط الخيل: المسابقة والتسابق فيها، وما لا يتم المشروع إلا به فهو مشروع، وقد حثَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على سباق الخيل، ففي الصحيحين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سابق بين الخيل التي أضمرت من الحفياء وأمدها ثنية الوداع، وسابق بين الخيل التي لم تضر فأرسلها من الثنية إلى مسجد بني زريق.

قال ابن حجر -رحمه الله-: (وفي الحديث: مشروعية المسابقة، وأنه ليس من العبث، بل مِن الرياضة المحمودة الموصلة إلى تحصيل المقاصد في الغزو، والانتفاع بها عند الحاجة) (فتح الباري).

وفي الحديث: أنه كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- ناقة تسمى العضباء لا تُسبق فجاء أعرابي على قعود فسبقها، فشق ذلك على المسلمين، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ) (رواه البخاري).

قال ابن حجر -رحمه الله-: (وفي الحديث: اتخاذ الإبل للركوب والمسابقة عليها) (فتح الباري).

وسابقت عائشة -رضي الله عنها- النبي -صلى الله عليه وسلم- على رجلها فسبقته مرة وسبقها مرة، فقال لها: (هَذِهِ بِتِلْكَ السَّبْقَةِ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).

وسابق سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- رجلٌ مِن الأنصار عدوًا إلى المدينة في سفر، وأقره النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك (رواه مسلم).

وأقر النبي -صلى الله عليه وسلم- نفرًا مِن (أسلم) ينتضلون، وقال لهم: (ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا) (رواه البخاري).

وفي الحديث: صارع النبي -صلى الله عليه وسلم- ركانة، فصرعه النبي -صلى الله عليه وسلم- (رواه أبو داود والترمذي، وحسنه الألباني).

وحكى الإجماع على جواز المسابقة في الجملة: ابن عبد البر، وابن حزم، وابن قدامة، والقرطبي، وابن القيم، وغيرهم. (انظر: "المسابقات وأحكامها في الشريعة الإسلامية"، ص23 - 34).

وعلى ذلك فقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا سَبْقَ) -بسكون الباء: أي مسابقة- إِلَّا فِي نَصْلٍ، أَوْ خُفٍّ، أَوْ حَافِرٍ) ليس للتخصيص بهذه الثلاث المذكورة، وإنما المراد: لا أولى ولا أفضل مِن المسابقة على هذه الثلاث، ويشرع السباق في ما عداها كما جاء في الأحاديث والإجماع.

2 - وفي الرواية الثانية -وهي الرواية الأرجح- فكلمة (السَّبَق) بفتح الباء: تعني المال المشروط للسابق على سبقه، فهو ما يعطى من الأموال والجوائز لمن يسبق. ويسميه الفقهاء بأسماء، منها: "الجعل (بضم الجيم) - العوض - الرهن - السبق - الخطر- الوجب - النوال"، وهذا المال المبذول (الجعل أو العوض) يكون شرعًا من الإمام (الدولة)، أو من أجنبي ليس من المشاركين في السباق، أو من أحد المتسابقين بضوابطه عند الفقهاء لا على إطلاقه.

أما بذل العوض من المتسابقين جميعًا، يدفع كل متسابق جزءًا منه ويدفع المال كله لمن يسبق فهذا ممنوع؛ لكونه من المقامرة (الميسر)؛ هذا كله في الصور التي وردت في الحديث وما في حكمها لا غير، وهو محل كلامنا هنا، إذ لا يدخل فيها -بلا خلاف- لعبة كرة القدم، فلا يجوز في المسابقات الكروية أخذ اللاعبين فيها لشيء من المال عليها، أي: أنه تجوز لعبة كرة القدم والتسابق فيها، ولا يجوز أخذ مال على هذا التسابق فيها (المصدر السابق، ص 201- 208).

قال ابن عبد البر -رحمه الله-: (وأجمع العلماء على أن السبق لا يجوز على وجه الرهان؛ إلا في الخف والحافر والنصل) (التمهيد).

وقد قاس عليها العلماء ما هو مِن آلات ووسائل الحرب في زماننا؛ إذ لم تعد الحروب قاصرة على الخيل والإبل والنبل، وقصر المسابقة عليها مع عدم الحاجة إليها في الحروب الآن، بل على غيرها فيه تفريق في الحكم بين المتماثلات، وجعل الشريعة صالحة لزمان دون زماننا؛ لذا أجاز العلماء السبق بعوضٍ وبدون عوض بضوابطه الشرعية في آلات الحرب الحديثة من سيارات ومدرعات ودبابات وطائرات وسفن؛ للحث على التدريب عليها وإتقان استخدامها؛ إذ هي من وسائل الجهاد والقتال في زماننا، ولا يلحق بها بالطبع كرة القدم بلا خلاف.

كرة الصولجان:

عرف المسلمون صورة من صور اللعب بالكرة وردت في كتب التاريخ واللغة، حيث كانت تلعب باستخدام جسم شكله مستدير دائري محشو بالشعر أو الصوف ونحوه، يقوم الرجل -أو الرجلان- وهو فوق دابته (فرسه) بضرب هذا الجسم ويدورونه بعصا معكوفة ونحوها (تسمى الكوجة أو الصولجان)، ويكون التنافس في دفعها إلى حفر فيها حصى، وهذه اللعبة كان غايتها تدريب الفارس وترويض الفرس على الجهاد بالكر والفر والمطاردة، واللحاق والسباق؛ إذ هي مِن الوسائل الجادة المعينة على الجهاد بما تحتاجه من ركوب الخيل والمهارة فيه، والإعانة على فنون الحركة والقتال من فوق الخيل، وكان الفرسان يتسابقون فيها ولا يأخذون مالًا عليها، وأكثر العلماء وأهل العلم على إباحتها مع تحريم السبق عليها.

وفي المعجم الوجيز: الكرة كل جسم مستدير، والكرة: أداة مستديرة من الجلد ونحوه يُلعب بها، مثل كرة الصولجان، وكرة القدم، وكرة اليد، وكرة التنس، وكرة السلة، وكرة الماء.

وفي المعجم الوجيز: (الصولجان) عصا معقوف، طرفها يضرب بها الفارس الكرة، ومنه صولجان الملك: عصا يحملها الملك ترمز لسلطانه، والجمع: صوالج وصوالجة.

وذكر ابن كثير -رحمه الله- في سيرة نور الدين محمود بن زنكي: (وكان نور الدين حسن الشكل، حسن اللعب بالكرة، وكان نورالدين يحب اللعب بالكرة لتمرين الخيل وتعليمها الكر والفر) (البداية والنهاية).

وقال عنه أيضًا: (وكان يكثر اللعب بالكرة، فعاتبه بعض الصالحين في ذلك، فقال: إنما أريد تمرين الخيل وتعليمها الكر والفر، وكان لا يلبس الحرير، ويأكل من كسب يده -رحمه الله-) (راجع في ذلك: "كرة القدم وأخواتها: جمع أبي ذر القلموني، ص 45 - 47).

وقال ابن تيمية -رحمه الله- عن الكرة التي تُلعب بالصولجان والكجة: (ولعب الكرة إذا كان قصد صاحبه المنفعة للخيل والرجال، بحيث يستعان بها على الكر والفر، والدخول والخروج ونحوه في الجهاد، وغرضه الاستعانة على الجهاد الذي أمر الله به ورسوله فهو حسن، وإن كان في ذلك مضرة بالخيل والرجال فإنه ينهى عنه) (انظر مختصر الفتاوي المصرية للبعلي، ص 251).

فأين لعب الكرة على ظهور الخيل الذي مارسه المسلمون يوم حرصوا على الجهاد في سبيل الله بما فيه من قوة وفروسية وفنون قتال، من لعبة كرة القدم التي أدخلها الأجانب في بلادنا في فترات الاحتلال الأجنبي؟!

حيث كانت تلعبها الجاليات الأجنبية، وأخذناها عنهم وقلدناهم فيها، ثم توسعنا في متابعتهم فيها، فأخذنا كل ما استحدثوه في هذه اللعبة حتى عندما جعلوها وسيلة للكسب، ومهنة للاحتراف، وصناعة من الصناعات! على ما فيها مِن عبثٍ ولعبٍ ولهوٍ، وهدر للأموال، وإضاعة للوقت والأعمار، والانشغال عن مهمات الأمور، مع ما يصحبها من المخالفات الشرعية العقدية، والفعلية والقولية -كما أشرنا إلى بعضٍ منها-.

فيا ليت شبابنا عاد إلى الفروسية والتدرب عليها، وعلى فنون القتال والدفاع عن النفس، كما عرفها أجدادنا وحرصوا عليها! وإلى الله المشتكى.

خطورة التنافس الكروي والتمادي فيه وتشجيعه:

أصبحت المسابقات الكروية المحلية والدولية بمبارياتها الكثيرة قبلة الملايين بمشاهدتها وتتبع أخبارها، والتمادي في ذلك بصورةٍ غير طبيعيةٍ، صورة إذا تأملتها بإمعانٍ ونظرت في تفاصيلها وعواقبها؛ هالك الأمر، وزاد مِن هوله: أن الناس اعتادت عليه وألفته؛ فلا نكير ولا حسيب، بل التمادي والإفراط والمبالغة فيه، كأننا خُلقنا للعب الكرة ومشاهدتها، وتكييف حياتنا ومعيشتنا عليها!

فئة محدودة -بالنسبة للمجموع- كل همها في الدنيا أن تتنافس في ممارسة الكرة، والغالبية العظمى كل همها الفرجة وتشجيع هؤلاء المتنافسين!

ما هذا الهوس الكروي المشين؟!

إن فرحة الفوز ببطولة كروية أو مباراة مهمة فيها تفوق فرحة الانتصار على اليهود في فلسطين، وألم الهزيمة فيها أشد على القلوب من تقتيل وتشريد الفلسطينيين!

والحب والبغض، والولاء والبراء المبني على التعصب للفِرق الرياضية حوَّل هذا الهزل إلى قمة الجد بطريقة ساذجة صبيانية، ووسائل الإعلام الرياضية المختلفة مِن: قنوات تلفزيونية، ومذياع، وصحافة، وجرائد ومجلات، ومَن يتولى شأنها مِن سماسرة الإعلام وكتابه، وأصحاب الأقلام فيها، تنفخ في هذا الهوس ليل نهار؛ ترويجًا له وتزييفًا، بقلب الحقائق والتلاعب بالألفاظ.

تعس عبد الكرة، المشتغل بهمها ممارسة واحترافًا أو تشجيعًا وتعصبًا، وهم كثير وبالملايين!

يسوؤه أن تفوته مباراة، ولا يلتفت إلى ما يفوته مِن صلواتٍ نتيجة تتبع هذه المباريات!

يضن بتوجيه وقته وماله إلى الأمور والأعمال الصالحة، ويهدر الأوقات والأموال؛ لإرضاء نزعته الكروية، ولا يلتفت إلى ما أصبح مرتبطًا ارتباطًا شديدًا بلعب الكرة وتشجيعها مِن محرماتٍ قوليةٍ وعمليةٍ، ومالية؛ فهي مِن لوازمها التي صارت لا تنفك عنها، ولو استطاع واحد منهم -ولن يستطيع- أن ينجو بنفسه منها؛ فكيف بمَن هو معهم وبينهم وغارقون فيها، لا يستطيع أن ينكر عليهم أو يمنعهم مما يخوضون فيه!

ساءت النفوس والعقول التي همها شد الرحال للملاعب والسفر إليها، وتصورت مبارياتها جهادًا وحروبًا ومعارك، ورأت اللاعبين محاربين ومقاتلين ومرابطين، وأماكن تدريبهم معسكرات للإعداد للمعارك القادمة؛ لذا ينفق عليها وعلى مَن فيها بسخاء، ما لا ينفق على المحتاجين والمكروبين!

لقد فتنت بها القلوب وأدمنتها العيون، ولاكت وفاضت في الخوض في شئونها الأفواه والألسن، ومِن وراء ذلك كله يأتي اتحاد دولي يسير هذا القطيع الضخم بتنظيم مسابقاته الدولية، والتحكم في مسابقاته المحلية، وسن قوانين بعد قوانين؛ لزيادة الأمر إثارة وفتنة، حتى تحولت اللعبة إلى احترافٍ وصناعةٍ وقمارٍ (نظام المراهنات)، تدر المليارات من الدولارات وينفق عليها المليارات، ويُعامل رؤساء الفيفا ورجالها معاملة رؤساء الدول والعظماء من الشخصيات!

في انتظار نظام المراهنات:

معلوم أن نظام المراهنات (قمار) يؤخذ به في أوروبا في لعبة كرة القدم وغيرها بكل ما يجره مِن المفاسد، قال -تعالى-: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة:90)، وفي الصحيحين: قوله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ، فَلْيَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ)، والقمار مِن كبائر الذنوب بالإجماع، والفيفا يسعى إلى تعميمه كأحد روافد صناعة الكرة.

كتب الصحفي "إبراهيم حجازي" في جريدة الأهرام عدد الجمعة 13 يوليو 2018م مبينًا بعض سلبيات الرياضة -طبعًا الرياضة على الطريقة الغربية لا الشرعية- فقال: (وأيضًا: للرياضة سلبياتها... ومثلما رفعوا سقف الرواتب للنجوم المحترفين في لعبات كثيرة -وهذه إضافة هائلة للنجوم-؛ فإنهم في المقابل رفعوا سقف التدريب الذي يستنفد عضلات ومفاصل وأربطة الجهاز الدوري للإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم... مطلوب منه جهد هائل لأجل متطلبات البطولة، وليس مهمًا أن يكون هذا الجهد استنفادًا مباشرًا لكل أجهزة البطل، وهو ما تظهر آثاره ونتائجه بمجرد اعتزال الرياضة.

ومِن سلبيات الرياضة: المراهنات التي إن وجدت توجد التلاعب في نتائج المباريات، ونحن نتكلم عن فلوس بلا سقف تحكم وتتحكم في هذه المنظومة!).

وكتب الصحفي "السيد البدوي" في عدد الجمعة في جريدة الأهرام بتاريخ: 5 أبريل 2019 م في عاموده: (كلام صريح) تحت عنوان: (المراهنات والكرة المصرية) فقال: (علينا أن نتوقف طويلًا أمام هذا المأزق الذي وُضعت فيه الكرة المصرية بعد أن قامت شركات المراهنات بتضييق الخناق حول رقاب المسئولين، وذلك بعد أن أصبح الدوري المصري ومباريات المنتخب الوطني لكرة القدم تدخل في نطاق المراهنات دون تحريك ساكن نحو مَن يستغلون ذلك، وقد كانت هناك بعض المحاولات لإدخال هذا النظام في المسابقات المحلية، ولكن تدخل مجلس (الشعب) -النواب حاليًا- وتصدَّى لذلك، ورفض تطبيقه لأسبابٍ عديدةٍ، وكانت الضغوط ولكن عن طرق أخرى. وستقام نسخة هذا العام من كأس الأمم الإفريقية في مصر في الفترة من 21 يونيو حتى 13 يوليو.

وطبقًا للتعاقد بين الكاف والشركة فسوف تخضع كل مباريات البطولة للمراهنات، كما سيتم الترويج لها على الموقع الرسمي للكاف؛ بالإضافة إلى صفحات التواصل الاجتماعي الرسمية للكاف، وفي حالة عدم امتثال الدولة المنظمة للبطولة لالتزامات (كاف)، فسوف يستبعد منتخب البلد المضيف من كأس الأمم، كما سيتم استبعاده أيضًا مِن البطولة التالية بغض النظر عن أي عقوبات أخرى قد يفرضها الكاف.

ويجب أن تضع الدولة المنظمة ملاعب البطولة خالية من الدعاية تحت تصرف الكاف قبل ثمانية أيام من بداية منافسات البطولة؛ حتى يتسنى للكاف وضع الإعلانات الخاصة به، وبالتالي فلا يحق لمصر كدولة منظمة لكأس الأمم التدخل في تعاقد كاف مع شركة المراهنات أو منعه من وضع الإعلانات الخاصة بالشركة داخل الملاعب أو الاعتراض على خضوع منتخب مصر للمراهنات. وفي الموسم الحالي ظهرت إعلانات شركة المراهنات في الملاعب المستضيفة لدوري أبطال إفريقيا وكأس الكونفدرالية الإفريقية، بما في ذلك مباريات الأهلي والإسماعيلي والزمالك التي أُقيمت في مصر تنفيذًا لالتزامات الكاف).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة