الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

وقفات مع قصة أصحاب الكهف (10) وقفة عقدية: بناء المساجد على القبور

معلوم أن الأنسان في آخر حياته إذا تكلم بشيء تكلم بأهم الأمور عنده

وقفات مع قصة أصحاب الكهف (10) وقفة عقدية: بناء المساجد على القبور
سعيد محمود
الأحد ١١ أكتوبر ٢٠٢٠ - ١٥:٣٢ م
778

وقفات مع قصة أصحاب الكهف (10) وقفة عقدية: بناء المساجد على القبور

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فإنه قد يتوهم بعض أصحاب البدع مِن المعظِّمين للقبور والأضرحة: أن في القصة دليلًا على جواز بناء المساجد على القبور والعكس، وظنوا أن في قول الله -عز وجل- حكاية عن أهل المدينة لما وصلوا إلى كهف الفتية: (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا) (الكهف:21)، دليلًا على جواز بناء المساجد على القبور، أو جعل القبور في المساجد.

وهذا ظن باطل مردود في الجملة مِن وجهين:

- الوجه الأول -كما قالت طائفة من أهل العلم-: أن هذا على أحسن أحوال هؤلاء كان في شريعة مَن قبْلنا، أي: أن هذا كان جائزًا في شريعتهم هم، وليس في شريعتنا أهل الإسلام، وهذا الوجه وإن ذكره طائفة من أهل العلم إلا أنه مرجوح؛ لقوله -تعالى-: (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ) فلا مناسبة لذكر وصف غلبتهم على الأمر، وهو السلطان والنفوذ والكلمة؛ إلا لأجل أنهم كانوا يجهلون الحكم الشرعي فغلبوا أهل الحق بسلطانهم؛ ولذلك قال كثيرٌ من العلماء: إن هذا كان بسبب جهل هؤلاء أصحاب النفوذ والسلطان، وهذا هو الوجه الثاني.

- وعلى القول الأول أو الثاني؛ فإن ذلك محرم في شريعتنا، فلا يجوز بناء المساجد على القبور والعكس؛ لقول أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- وهي تحكي لنا مشهد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ومعلوم أن الأنسان في آخر حياته إذا تكلم بشيء تكلم بأهم الأمور عنده، وأهم الأمور عند النبي -صلى الله عليه وسلم-: أعظم قضايا الدين؛ تقول أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما حضرته الوفاة جعل يلقي على وجهه طرف خميصة له، فإذا اغتم كشفها عن وجهه وهو يقول: (لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ) تَقُولُ عَائِشَةُ: "يُحَذِّرُ مِثْلَ الَّذِي صَنَعُوا" (متفق عليه)، أي: إياكم أيتها الأمة أن تفعلوا ذلك.

- ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يؤكِّد على ذلك ويكرره في حياته في كل مناسبة تتعلق بذلك، ومِن ذلك: ما حكته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: أنه -صلى الله عليه وسلم- كان جالسًا بين بعض أزواجه يومًا ومِن بينهن أم حبيبة وأم سلمة -رضي الله عنهما-، وكلتاهما هاجرت الى الحبشة في الفترة المكية، فجلسن يحكين عن المعابد والكنائس اللاتي رأينها في الحبشة، ويذكرن له ما كان فيها مِن تصاوير، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِيكَ الصُّوَرَ، أُولَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ) (متفق عليه).

- وكل هذا يدل على أن هذا محرم في شريعتنا، وقد نهانا ربنا -سبحانه وتعالى- عن تعظيم ودعاء غيره في بيوته، فقال -سبحانه-: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) (الجن:18).

وهذا يأخذنا إلى الجانب الفقهي في هذه الوقفة، وهو حكم الصلاة في هذه المساجد؟

والجواب عن ذلك مرجعه إلى كتب الفقه المفصلة، لكن في جملة يسيره نقول: إن العلماء تكلموا عن ذلك بتفصيل وهذا لتغير أحوال الناس في ذلك، فإن مِن الناس مَن يذهب إلى هذه المساجد التي فيها الأضرحة والقبور قاصدًا إياها؛، فهذا على الأصح عند العلماء تبطل صلاته ويأثم، وأما مَن لم يقصدها ووقع ذلك اتفاقًا لا قصدًا فقد اختلفوا فيه اختلافًا واسعًا، وأصح الأقوال في ذلك: أن صلاته صحيحه مع الكراهة الشديدة؛ لأنه لا يجوز الصلاة في هذه المساجد، فالإنسان الذي يصلي في هذه المساجد صلاته محل جدل وخلاف بين العلماء؛ إما باطلة، وإما مشكوك فيها، وعلة النهي عن ذلك أنها ذريعة للشرك؛ وذلك لأن الأمم من قبلنا كان الشرك فيهم بسبب الأضرحة، وبسبب قبور الصالحين، هذا بالنسبة لقصة أصحاب الكهف.

- وهناك شبهه أخرى يطرحها أصحاب بدعة تعظيم الأضرحة فيقولون: ما تقولون في المسجد النبوي؟ وهل تمنع الصلاة فيه؛ لأن فيه قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-؟!

- والجواب باختصار شديد جدًّا: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما دفن في المسجد، ولكن دفن في حجرة عائشة -رضي الله عنها- وظل ذلك حتى عام ثمانية وثمانين من الهجرة، وكان الأمر في عهد الخلفاء إذا أرادوا توسعة المسجد فكانوا يوسعونه في الجهات الثلاث، ولا يتطرقون الى هذه الجهة التي فيها قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى قام أحد الأمراء الأمويين بقصد توسعة المسجد بضم الجزء المحيط لحجرة عائشة -رضي الله عنها- والتي فيها قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فضمه إلى المسجد، وقد نهاه بعض السلف في هذا الوقت، فلم يلتفت إلى ما قالوا.

وكذلك لا يجوز لأحدٍ أن يقول: إن قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسجد فلا نصلي فيه؛ فهذا مردود لفضيلة الصلاة في هذا المسجد، فإن الصلاة في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- تعدل ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، ثم إن المسجد النبوي فيه قطعة هي من الجنة، أو فيها ما فيها من معاني روح الجنة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما بيْنَ بَيْتي ومِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِن رِيَاضِ الجَنَّةِ) (متفق عليه)، والكذابون الجهلة يحرِّفون هذا الحديث فيقولون: "ما بين قبري ومنبري"، وهذا كذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ وعليه فإنه لا يجوز للمسلم أن يصلي في المساجد التي فيها قبور، ولا يجوز للمسلمين أن يقيموا على القبور مساجد والعكس، فإن هذا من سنة أهل الكتاب الملعونين على ذلك الفعل، وهو من ذرائع الشرك بالله -عز وجل- لما يحدث عند هذه القبور.

- ومَن أراد أن ينظر فليذهب إلى قبر البدوي وأبي العباس والحسين، وغيرهم، وسيرى مظاهر الشرك -والعياذ بالله- مِن سؤال الناس لأصحاب الأضرحة الشفاء والنجاح، والفلاح لهم ولأولادهم وأزواجهم وغير ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

والخلاصة: أن الآية في قصة أصحاب الكهف: (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا) ليست دليلًا لأصحاب تعظيم الأضرحة والقبور مِن الشيعة والصوفية ومِن على شاكلتهم.

- فنصوص الشريعة المحمدية تنهى عن ذلك؛ فليحذر المدعون محبته -صلى الله عليه وسلم- مِن مخالفة شريعته: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النور:63).

وللحديث بقية في وقفاتٍ قادمةٍ -إن شاء الله-.

والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة