الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

إنا هدنا إليك

من أعظم أسباب حصول المطلوب ودفع المحذور: التوبة والاستغفار لله -تعالى-،

إنا هدنا إليك
محمد خلف
الثلاثاء ٢٧ أكتوبر ٢٠٢٠ - ٢٣:٥٥ م
448

إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ

كتبه/ محمد خلف

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فمن أعظم أسباب حصول المطلوب ودفع المحذور: التوبة والاستغفار لله -تعالى-، فما استجلبت نعم الله -تعالى- ولا دفعت نقمه، بمثل التوبة والإنابة إليه.

ولقد علم الأنبياء والصالحون هذا الأمر؛ فلذلك حتى في سؤالهم ربهم وتضرعهم إليه، قدَّموا بين يدي سؤالهم عملًا صالحًا، وهو: التوبة والإنابة إليه، كما قال موسى -عليه السلام-: (وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) (الأعراف:156).

والشاهد قوله -تعالى-: (إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ)، أي: تبنا وأنبنا ورجعنا إليك معترفين مقرين بتقصيرنا، فأجب دعوتنا يا أرحم الراحمين.

قال الشوكاني -رحمه الله- في فتح القدير: "وجُمْلَةُ (إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ): تَعْلِيلٌ لِما قَبْلَها مِن سُؤالِ المَغْفِرَةِ والرَّحْمَةِ والحَسَنَةِ في الدُّنْيا وفي الآخِرَةِ، أيْ: إنّا تُبْنا إلَيْكَ ورَجَعْنا عَنِ الغَوايَةِ الَّتِي وقَعَتْ مِن بَنِي إسْرائِيلَ".

وكذا في دعاء الصالحين قال -سبحانه وبحمده-: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (الأحقاف:15).

والشاهد في ختم دعائهم بقوله -تعالى- بهذا التضرع والمسكنة، والتذلل لربهم -سبحانه وبحمده- بقولهم: (إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)؛ لعلمهم بمحبة ربهم -تعالى- لهاتين الصفتين لما فيهما من الخضوع والإنابة والاستسلام لرب العالمين، فمَن كان كذلك يُرجَى له -بإذن الله تعالى- عظيم إجابة من ربه القريب المجيب، وقد كان فقال -تعالى- مبرزًا عظيم منته وإجابته لهم فقال: (أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) (الأحقاف:16).

وانظر كيف قدَّم سليمان -عليه السلام- سؤال الله -تعالى- المغفرة قبل أن يشرع في طلبه وبغيته، كما قال -سبحانه وبحمده-: (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ . قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (ص:34-35).

قال الشيخ العثيمين -رحمه الله-: "( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي): بدأ بطلب المغفرة قبل طلب الملك العظيم الذي لا ينبغي لأحدٍ مِن بعده؛ وذلك لأن زوال أثر الذنوب هو الذي يحصل به المقصود، فالذنوب في الحقيقة تتراكم على القلب وتمنعه مِن كثيرٍ مِن مصالحه، فيسأل الإنسان التخلُّص من آثار هذه الذنوب قبل أن يسأل ما يريد".

وصلى اللهم وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة