الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الفساد (74) سلبيات أبرزتها أزمة كورونا (2) ازدياد تدهور العدالة الاجتماعية (2-3)

الفساد (74) سلبيات أبرزتها أزمة كورونا (2) ازدياد تدهور العدالة الاجتماعية (2-3)
علاء بكر
الاثنين ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٠ - ١٢:٥٦ م
506

الفساد (74) سلبيات أبرزتها أزمة كورونا (2) ازدياد تدهور العدالة الاجتماعية (2-3)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛   

فرغم أن الفقر أمر دائم غير مؤقت؛ إلا أن أحوال الناس تتفاوت حول خط الفقر، وتتبدل ما بين فقر شديد مدقع، وفقر مطلق غير مدقع، وقد يتأرجح حال البعض بين البقاء على هامش خط الفقر أو فوقه أو النزول تحته، وربما غاص في أعماق الفقر الشديد.

معدل الفقر في مصر:

طبقًا لآخر بحث للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في تحديد معدل الفقر القومي في مصر في عام 2017م - 2018م، فإنه يعيش تحت خط الفقر المطلق مَن يَقِلُّ دَخْلُه عن 6و537 جنيهًا شهريًّا أو 2و24 جنيهًا يوميًّا، بينما يعاني الفقر المدقع مَن يَقِلُّ دَخْلُه عن 8و490 جنيهًا شهريًّا أو 6و16 جنيهًا في اليوم.

ويَقُوم مفهوم الفقر المدقع على عدم القدرة على الحصول على تكلفة السلع الغذائية اليومية التي توفِّر للفرد السعرات الحرارية والبروتينات اللازمة للنشاط العادي، والبقاء على قيد الحياة، بينما يقوم مفهوم الفقر المطلق على عدم توفر بقية الاحتياجات الأساسية للفرد -بعد الغذاء- من السَّكن والملبس والمواصلات، ومياه الشرب النقية، والصَّرْف الصِّحِي، والتعليم والخدمات الصحية.

ويجب مُرَاعَاة أن مؤشِرات الفقر هذه ليست ثابتة، ولكن ترتفع بالطبع بارتفاع الأسعار، وارتفاع تكلفة الخدمات المُقدَّمَة للفرد، ويزداد بارتفاعها نسبة الفقراء؛ فقد أعلن جهاز التعبئة والإحصاء في نتائج بحثه: أن معدَّل الفقر المطلق في مصر ارتفع ليبلغ 5و32 % من السكان في عام 2018م مقابل 8و27 % في عام 2015 م، أي: أن هناك تقريبًا فقيرًا واحدًا بين كل ثلاثة من المصريين، بينما ارتفع معدل الفقر المدقع إلى 2و6 % من السكان مقابل 3و5 في عام 2015 م، أي: أن هناك تقريبًا بين كل خمسة من هؤلاء الفقراء لا يجد فقير منهم يوميًّا ما يكفيه من الغذاء (راجع في ذلك: "الفقراء وعاصفة كورونا" عبد القادر شعيب - كتاب الهلال - يونيو 2020 م، 46 - 47).

والملفت للانتباه: أن هذا الارتفاع في معدلات الفقر المطلق والفقر المدقع حدث رغم الارتفاع الذي سَجَّله جهاز التعبئة والإحصاء في متوسط الدخل السنوي للأسرة في عام 2018 م، وبالتالي: ارتفاع إنفاقها، ويرجع السبب في ذلك: إلى ارتفاع معدل التضخم وارتفاع الأسعار، فالدخل الحقيقي انخفض ولم يرتفع، حيث زاد الإنفاق نقدًا، بينما انخفضت القدرة على تدبير الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها: الغذاء.

(وهكذا فإن المصريين أنفقوا في عام 2018م نقودًا أكثر، ولكن قدراتهم على تدبير احتياجاتهم الأساسية رغم هذا الإنفاق الزائد تراجعت بسبب معدل التضخم والتهاب الأسعار) (المصدر السابق، ص 51).

تذبذب معدل النمو الاقتصادي:

إن المواجَهَة الحقيقية لمشكلة الفقر تستدعي أن يكون هناك دائمًا معدل متزايد ومستمر من التنمية المستدامة لفترة طويلة مناسبة، بل وأن يفوق معدل النمو الاقتصادي معدل نمو السكان، ولكن كانت المعضلة في مصر وما زالت أنها لا تحافِظ على معدل نمو اقتصادي مرتفع لفترة طويلة (فهي لأسباب سياسية لم تتمكن في الخمسينيات من تحقيق معدل نمو مرتفع، تمثَّلت في عزوف مزدوج لرأس المال الداخلي والخارجي عن تنفيذ استثمارات تحتاجها البلاد، فكان ذلك سببًا في خوض الدولة بنفسها غمار عملية التنمية الاقتصادية وتنفيذ استثمارات حكومية بعد أن أقدمت على تمصير شركات أجنبية ثم تأميم شركات مصرية. وخلال الخطة الخمسية الأولى التي بدأت مع عقد الستينيات نجحت مصر في إحراز معدل نمو اقتصادي مرتفع، وصل في نهاية الخطة الخمسية الأولى (1965م) إلى 5و6 %، غير أن ذلك لم يستمر، فقد واجهت الخطة الخمسية الثانية مصاعب وتحديات عديدة كان أغلبها من خارج البلاد، فتعثرت خطى التنمية الاقتصادية وتأجل تنفيذ الخطة الخمسية الثانية، ثم جاءت هزيمة يونيو 1967م لتوقف تنفيذ هذه الخطة تقريبًا؛ نظرًا لأننا قمنا بتعبئة كل الموارد المالية والاقتصادية من أجل إعادة بناء قواتنا المسلحة وإعدادها جيدًا لمعركة استعادة الأرض السليبة). وبعد حرب أكتوبر وحتى نهاية حكم السادات لم تكن هناك فرص متاحة للمضي في التنمية الاقتصادية (المصدر السابق، ص 75).

(لقد كنا دومًا نرجع حدة مشكلة الفقر لدينا منذ هزيمة يونيو 1967م بأننا نُخَصِّص قدرًا كبيرًا من مواردنا للاستعداد للحرب، وبعد الحرب كنا نقول: إن مشاكلنا الاقتصادية نتاج لسنوات الاستعداد للحرب، لكن لم يعد مناسبًا أو مقبولًا أن نعلل استمرار مشاكلنا الاقتصادية وتزايد حدتها بذلك، ونحن لم نخض حربًا عسكرية منذ أن حققنا نصر أكتوبر1973م) (المصدر السابق، ص 17).

(وعندما تولى "حسني مبارك" رئاسة مصر بعد اغتيال السادات بدأ حكمه بعقد مؤتمر اقتصادي للتوافق بين خبراء الاقتصاد في مصر على خطة لإصلاح أوضاع اقتصادنا؛ غير أن إدارة اقتصادنا في سنوات الثمانينيات من القرن الماضي مضت في سبل مختلفة عما تم التوافق عليه في المؤتمر الاقتصادي وعبر سبل متعددة، ولكنها كانت تسير في اتجاه التحول إلى اقتصاد السوق، مع الاحتفاظ بالدعم العيني للسلع والبطاقات التموينية والطاقة، وجرت محاولات في النصف الثاني من الثمانينيات؛ لتحقيق إصلاح مالي خلال فترة تولي د. "علي لطفي" رئاسة الحكومة، لكنها لم تكتمل؛ لذلك مضت سنوات الثمانينيات والأزمة الاقتصادية تشتد، وظهر ذلك في تزايد عجز الموازنة، وأيضًا: في نقص موارد النقد الأجنبي، وتراكم الديون الخارجية، وبالتالي: لم يكن متاحًا أن نحقق معدل نمو اقتصادي مناسب أو مرتفع) (المصدر السابق، ص 76).

وجاء بعدها إسقاط الديون الأمريكية العسكرية المستحقة على مصر، وديون بعض الدول العربية الخليجية وإعادة جدولة ديون نادي باريس بعد حرب الخليج الأولى (حرب تحرير الكويت)؛ لكي تمنح مصر فرصة جديدة لإحراز اقتصادنا معدلًا مرتفعًا للنمو الاقتصادي، كان متوقعًا أن يحدث ذلك ونتمكن من السيطرة على ظاهرة الفقر لدينا وهو ما تحقق بعد ذلك بسنوات، تحديدًا مع بداية النصف الأول من العقد الأول للألفية الجديدة، حيث بدأنا نحقق معدلًا متزايدًا من النمو الاقتصادي بلغ 5و7 % في عام 2007 م، ولكنه تراجع في عام 2008م إلى 4 و5 %؛ بسبب الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي أثَّرت سلبًا على حجم الاستثمارات المحلية، وأيضًا الأجنبية، ولم يتمكن رغم انحسار الأزمة المالية الاقتصادية العالمية من أن يعاود الارتفاع مجددًا في عامي: 2009م و2010م حيث بلغ 5و5% (ثم جاءت الظروف السياسية التي مَرَت بها البلاد بعد يناير2011م لتدفع معدل النمو الاقتصادي للانخفاض ليصل إلى أدنى مستوى له وهو 2 %. وبعد جهود استعادت البلاد استقرارها السياسي، ونجحت في رفع معدل النمو الاقتصادي عامًا بعد عام من 2014م ليصل في عام 2019 م إلى 4و5 %، ولكنه سوف ينخفض طبقًا للتقديرات الرسمية إلى 3و4 % هذا العام نتيجة التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا التي أصابت الاقتصاد العالمي بداء الركود) (المصدر السابق، ص 77-78).

(غير أن ذلك التذبذب في معدل النمو الاقتصادي لا يكفي وحده لتفسير ازدياد أعداد الفقراء، خاصة وأن السنوات التي أحرزنا فيها معدلًا مرتفعًا للنمو الاقتصادي لم ينخفض فيها عددُ مَن يعيشون تحت خط الفقر، بل زاد هذا العدد؛ حدث ذلك في عامي: 2006م - 2007م اللَّذَيْن شَهِدا ارتفاعًا مطَّرِدًّا وملحوظًا في معدل النمو الاقتصادي)، (وحدث ذلك أيضًا في عام 2017م - 2018م حيث ارتفعت نسبة مَن يعيشون تحت خط الفقر إلى 5و32 % في عام 2018م مقابل 8و27 % في عام 2015م رغم زيادة معدل النمو الاقتصادي الذي حققناه ليصل إلى 4 و5 % خلال عام 2018م، وتمثَّلت أسباب الارتفاع المستمر في مؤشرات الفقر والزيادة التي لا تتوقف في أعداد الفقراء في أسباب خاصة تختلف من فترة إلى أخرى، ففي عام 2003م كان خفض قيمة الجنيه المصري وتغيير سعر صرفه أمام العملات الأجنبية سببًا، وفي نهاية عام 2016م كان تعويم الجنيه وما أعقبه من انفلات في التضخم سببًا.

وهناك أسباب أخرى عامة دائمة وثابتة، منها:

1- التوزيع غير العادل لعائد التنمية: وهو سبب رئيسي؛ إذ لا يحصل الفقراء وأصحاب الدخول المحدودة في نهاية المطاف على نصيبهم من ثمار النمو الاقتصادي، والتي يكون الأغنياء القادرون أول مَن ينالون نصيبهم منها دومًا، وبِنِسَبٍ كبيرة، (إن إنقاذ الفقراء يحتاج إلى الجمع ما بين تحقيق التنمية المستدامة بإحراز معدل نمو مرتفع وما بين عدالة توزيع ثمار هذه التنمية، ولذلك انتشر في الأدبيات الاقتصادية مصطلح (استهداف الفقراء) أي: التوجه مباشرة إلى الفقراء، والمناطق التي يكثر وجودهم فيها لإنقاذهم من الفقر والحرمان الذي يعانونه) (المصدر السابق، ص 80).

(إن الدعم النقدي الذي يُقدَّم للفقراء الذين لا يقدرون على العمل أو يعملون عملًا، لا يكفي لانتشالهم من تحت خط الفقر، وهذا أمر يتضح من مقارنة ما يقدَّم للشخص الواحد غير القادر على العمل في إطار برنامج كرامة بخط الفقر الذي حدده جهاز التعبئة والإحصاء في عام 2018م، والذي يقدِّر الحدَّ الأدنى من الدخل اللازم لتوفير الاحتياجات الضرورية للإنسان، فهذا الدعم يبلغ 325 جنيهًا بينما هامش خط الفقر يبلغ أكثر من ضعف هذا الرقم (735 جنيهًا) (المصدر السابق، ص 114).

2- وقوع السوق المصري تحت سيطرة مجموعة من محتكرين لم تتمكن السلطات الاقتصادية من وقف ممارساتهم الاحتكارية، فرغم قيام نظام السوق على نظرية آليات العرض والطلب والتي يتم الاعتماد عليها في تحقيق توازن الأسواق وعلاج التضخم وارتفاع الأسعار (فنحن لدينا في الأغلب الأسعار تتحرك في اتجاه واحد فقط وهو الارتفاع إذا زاد الطلب عن العرض أو نقص المعروض عن المطلوب وانخفضت بالطبع قيمة الجنيه، أما عندما يحدث العكس أي: يزيد المعروض على الطلب أو يرتفع الجنيه لا تتحرك الأسعار بمرونة إلى أسفل كما حدث عندما تحركت إلى أعلى، والسبب وقوع السوق المصري تحت سيطرة مجموعة من المحتكرين) (المصدر السابق، ص 80 -81). هذا رغم أن لدينا قانونًا يحظر الممارسات الاحتكارية ويجرِّمها، ورغم أن لدينا أيضًا جهازًا نشطًا لحماية المنافسة ومكافحة الاحتكار.

وهذا يؤكد (أن مواجهة الاحتكار يتعين أن تكون شاملة تنخرط فيها كل المؤسسات الاقتصادية في الدولة لتفكيك الكيانات الاحتكارية، وإشاعة مناخ مشجع للمنافسة من خلال توزيع دائرة المشتركين في النشاط الاقتصادي الخاص (تجار ومستثمرون) (المصدر السابق، ص 81).

(وهنا يتعين علينا القول: إنه لا يكفي لقياس أحوال الناس الاقتصادية أن نعتمد فقط على المؤشرات الاقتصادية العامة، مثل: ارتفاع معدل النمو الاقتصادي، ومثل انخفاض عجز الموازنة وتحقيق ميزان المدفوعات فائضًا مقابل العجز وانخفاض معدل البطالة وحتى تراجع معدل التضخم، فهذه المؤشرات تكتمل بمؤشرات التنمية البشرية التي ترصد حصول عموم الناس على احتياجاتهم الأساسية أولًا من الغذاء ثم المسكن والملبس، وخدمات الصحة والتعليم، ومياه الشرب والصرف الصحي والطاقة، وغيرها) (المصدر السابق، ص 81 -82).

3- عدم كفاية برامج الحماية الاجتماعية المعمول بها سواء القديمة أو المستحدثة، وبطء تنفيذ برامج استهداف الفقراء، وتحديدًا القرى الأكثر فقرًا، والتي ضمت قائمتها نحو الألف قرية تمثِّل ربع مجموع عدد القرى المصرية.

لقد (انطلقنا بقوة للتحول إلى اقتصاد السوق والذي اقتضى خصخصة قائمة كبيرة من شركات قطاع الأعمال العام بلغت منذ عام 1991م إلى عام 2004م نحو199 شركة ووحدة إنتاجية بقيمة 1و17 مليار جنيه، بينما بلغت الشركات والوحدات الإنتاجية التي تم خصخصتها منذ عام 2004 م حتى عام 2010 م نحو 33 شركة ووحدة بقيمة 3و7 مليار جنيه.

وقد كان من آثار عمليات الخصخصة هذه فقدان أعداد ليست بالقليلة من العاملين أعمالهم سواء باختيارهم من خلال آلية المعاش المبكر أو رغمًا عنهم عندما قام الملاك الجدد للشركات التي تم خصخصتها بتسريح ما رأوه فائضًا من العمال عن احتياجات شركاتهم للتخلص من عبء العمالة الزائدة في هذه الشركات، والنتيجة انخفاض المتاح لأسر هؤلاء العاملين من الدخول، وبالتالي: تراجع قدراتهم على الوفاء باحتياجاتهم الأساسية.

لقد كان كل ما لدينا خلال العقد الأول من الألفية -الجديدة- برامج وآليات فقط لتقديم منح وإعانات محددة خاصة في حالات الكوارث والحوادث، أي: كنا نتعامل مع الفقراء في هذا الصدد بذات منهج عددٍ من الجمعيات الأهلية، وهو منهج العمل الخيري الذي يعتمد على الصدقات والهبات والتبرعات، وهو نهج رغم أهميته وضرورته ليس نهجًا لمكافحة الفقر الذي يستهدف زيادة قدرات الفقراء على تدبير احتياجاتهم الأساسية من خلال توفير دخول مناسبة لهم أعمال دائمة لهم، مع توفير خدمات السكن والتعليم والعلاج والطاقة والصرف الصحي ومياه الشرب والنقل بلا عناء له، ولم نبدأ في مراجعة هذا النهج وصياغة مظلة اجتماعية للفئات الاجتماعية الأقل قدرة إلا متأخرا) (المصدر السابق، ص 83-84).

4- أن المظلة الاجتماعية (لم تشمل من يعيشون على هامش خط الفقر ولذلك لن تحمهم من السقوط تحت هذا الخط؛ أي: أنه في الوقت الذي ساعدت فيه مظلة الحماية الاجتماعية أُسرًا فقيرة وأعدادًا من الفقراء وانتشلتهم من تحت خط الفقر فتخلصوا من فقرهم فإنها لم تكن كافية لمنع أسر أكثر وأعداد أكبر من المواطنين من السقوط تحت خط الفقراء)، خاصة في ظل التضخم وارتفاع الأسعار والخدمات ورفع جزءٍ من الدعم.

5- أن مد مظلة الحماية الاجتماعية لتتسع للتزايد في الفقراء يحتاج لتمويل أكبر مما يُنفق حاليًا أو خصص لها في الموازنة، والبالغ قدره 18 مليار جنيه، وليس بالطبع من السهل زيادة هذا التمويل في إطار السعي لتخفيض عجز الموازنة، وهذا يجعلنا (نتأكد من أن محاربة الفقر لا تقتصر على جهد الحكومة وحدها، فمهما كانت قدرتها المالية سيكون صعبًا عليها وحدها أن تقدم للفئات الأقل قدرة الحد الأدنى المناسب من احتياجاتها الأساسية والضرورية، فما بالكم في بالظروف غير العادية والطارئة مثل تلك التي تعيشها الآن بسبب جائحة كورونا) (المصدر السابق، ص 116)، (ولذلك لا بد أن تكون هناك جهود أكبر لرجال الأعمال والمجتمع المدني في حرب الفقر أي يجب أن تتضافر الجهود الرسمية الحكومية وغير الرسمية الحكومية) (المصدر السابق، ص 117).

6- النقص في قاعدة البيانات الخاصة بالفقراء: فمع نقص قاعدة البينات الكاملة للفقراء كانت صعوبة تحديد الفقراء وتحديد أماكنهم، وبالتالي: التباطؤ في تنفيذ خطة استهداف الفقراء وتخفيض أعدادهم خاصة استهداف القرى الأكثر فقرًا، وعدم استيعاب مظلة الحماية الاجتماعية لكل الفقراء.

وقد تم بالفعل في عام 2008م إعداد خريطة بأفقر ألف قرية في مصر بالأسماء والمواقع وخصائص كل قرية اجتماعيًّا واقتصاديًّا. وفي شهر مارس 2020م: أعلنت وزيرة التضامن أنه لدى الدولة قاعدة بيانات تشمل 15 مليون فقير تشملهم مظلة الحماية الاجتماعية، ومع بداية شهر إبريل 2020م تمت زيادة عدد الأسر المستفيدة من برنامج (تكافل وكرامة) بنحو مائة ألف أسرة في ظل أزمة كورونا. (وإذا كان ذلك يعد قفزة كبيرة من أجل استهداف الفقراء لإنقاذهم من الفقر، فإن قاعدة بيانات الفقراء ما زالت لدينا لا تشمل نحو 5و16 مليون فقير من الفقراء الموجودين بالبلاد طبقًا لتقديرات آخر بحث لجهاز التعبئة والإحصاء)، (وهؤلاء الذين يمثِّلون النصف الآخر من الفقراء لا يجدون لهم مكانًا تحت مظلة الحماية الاجتماعية؛ ولذلك لم يتمكنوا من القفز إلى ما فوق خط الفقر) (انظر المصدر السابق، ص 84-114).

ومعلوم (أن قوائم الفقراء ليست ثابتة وإنما هي متحركة ومتغيرة، فكل يوم يتخلص أعداد من الفقراء من الفقر بينما تسقط أعداد أخرى تحت خط الفقر لينضموا إلى قوائم الفقراء، وسوف تزداد هذه الأعداد نتيجة التداعيات الاقتصادية لوباء كورونا، أي: أن الجهد المطلوب في إعداد وتحديث قاعدة بيانات الفقر هي جهد دائم مستمر، وسنحتاج في ظل أزمة كورونا مضاعفة هذا الجهد) (المصدر السابق، ص 115).

7- الزيادة المطردة في عدد السكان: حيث يؤكد بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك لجهاز التعبئة والإحصاء أن الأسر التي تتكون من فرد إلى ثلاثة أفراد بلغت نسبة الفقر فيها 6و5 %، بينما كلما زاد عدد أفراد الأسرة زادت نسبة الفقر لتصل إلى 9و74 % في الأسرة التي يزيد عدد أفرادها على العشرة.

8-  الانفلات في التضخم والأسعار: الذي أدَّى إلى تآكل الدخول الحقيقية لشرائح اجتماعية واسعة كانت تعيش على هامش الفقر، فسقطت أعداد منهم تحت خط الفقر فزادت معهم أعداد الفقراء.

9- انتهاج سياسة التحول إلى اقتصاد السوق: التي تتضمن إلغاء الدعم لبعض المواد وخفض الدعم لآخر منها، وبالتالي: زيادة أسعار الكهرباء، ومياه الشرب، والخدمات الحكومية؛ بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة خدمات التعليم والصحة حتى في ظل مجانية التعليم، ووجود مستشفيات عامة شبه مجانية.

10- عدم وجود خطة واضحة الملامح لمحاربة الفقر وإنقاذ الفقراء، فـ(لم يكن لدينا حتى وقت قريب جدًّا خطة ممنهجة للتخلص من الفقر أو حتى تقليصه، وتخفيض أعداد الفقراء، وإن كان لدينا بالطبع جهود متناثرة غير ممنهجة أو منظمة لاستهداف الفقر، وفي ذات الوقت كان لدينا سياسات تؤدي إلى زيادة أعداد الفقراء واتساع الفقر (المصدر السابق، ص 87).

فرغم أننا بدأنا التحول إلى سياسات اقتصاد السوق من السبعينيات ومعلوم: (أن هذا التحول سوف يأتي معه بفرض أعباء اقتصادية ضخمة على الطبقات المتوسطة وما تحتها من شأنها زيادة مشكلة الفقر في البلاد، وكان ذلك سببًا مباشرًا لانتفاضة يناير 1977م التي اندلعت احتجاجًا على قرارات صادمة بخفض الدعم السلعي في موازنة الدولة، وهو ما أسفر عن زيادة أسعار قائمة واسعة من السلع الأساسية والضرورية، في وقت كان ينتظرون كثيرون فيه أن يتراجع ما تحملوه من معاناة معيشية في أعقاب هزيمة يونية 1967م بعد الانتصار الذي حققناه في أكتوبر 1973م، وعندما مضينا بخطى أسرع في عملية التحول إلى اقتصاد السوق بالتوسع في عملية الخصخصة.

ورغم أننا نفذنا أكثر من برنامج للإصلاح المالي والهيكلي لاقتصادنا في التسعينيات وبداية العقد الأول من الألفية؛ إلا أننا لم نكترث بأن نقوم بعمل ممنهج لمواجهة الفقر ووضع خطة لاستهداف الفقراء، وكل ما قمنا به المحافظة على دعم المنتجات البترولية والطاقة، وأيضًا: دعم بعض السلع الغذائية، وفي مقدمتها: رغيف العيش)، (فقط بعد أن بدأ العالم بمؤسساته الاقتصادية يمنح اهتماما أكبر لمشكلة الفقر ويضع لنفسه أهدافًا لتخفيض أعداد الفقراء في توقيتات محددة، بدأنا نحن أيضًا في ظل انفتاحنا على العالم والتأثر بما حدث حولنا نهتم بمشكلة الفقر في البلاد، وأخذنا نتحدث عن ضرورة إيجاد حل لهذه المشكلة؛ خاصة وإننا كنا نتلقى نصائح من البنك الدولي وصندوق النقد في هذا الصدد).

لقد (كان ملفتًا للانتباه أننا حينما ذهبنا إلى صندوق النقد الدولي عام 2016م لإبرام اتفاقٍ معه؛ لنحصل على 12 مليار دولار في إطار تنفيذنا لخطة إصلاح مالي وهيكلي لاقتصادنا، كانت إحدى توصيات الصندوق لنا: التوسع في برامج الحماية الاجتماعية) (المصدر السابق، ص 88-89).

الدستور والفقراء:

(إن مظلة الحماية الاجتماعية التي مَدَّتها الدولة للفقراء هي ضرورة اجتماعية في ظل وجود فقر وفقراء، وقد تنبهت الدولة لأهميتها؛ فقررت التوسع فيها، وحثت عليها منظمات دولية اقتصادية عليها؛ فضلًا عن أن الدولة ملتزمة بها دستوريًّا، فإن دستورنا يتضمن العديد من المواد التي تُلزم الدولة بتقديم حماية اجتماعية لمن يحتاجونها، سواء الأقل قدرة أو الذين يعانون عجزًا أو إصابات أو المسنين العاجزين عن العمل الذي يوفِّر لهم دخلًا يفتقدونه لتوفير احتياجاتهم الأساسية من الغذاء والكساء والمسكن، وخدمات التعليم والصحة، ومياه الشرب والصرف الصحي) (المصدر السابق، ص 110).

ففي المادة الثامنة من الدستور: (أن المجتمع يقوم على يقوم على التضامن الاجتماعي وتلتزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية، وتوفير سبل التكافل الاجتماعي بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين على النحو الذي ينظِّمه القانون).

وفي المادة 18: (لكل مواطن الحق في الصحة والرعاية الصحية المتكاملة وفقًا لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدِّم خدماتها للشعب، ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي، وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3 % من الناتج القومي تتصاعد تدريجيًّا حتى تتفق مع المعدلات العالمية، وتلتزم الدولة أيضًا بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين يغطي كل الأمراض).

وفي المادة 27: (يهدف النظام الاقتصادي إلى تحقيق الرخاء في البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، بما يكفل رفع معدل النمو الحقيقي للاقتصاد القومي، ورفع مستوى المعيشة وزيادة فرص العمل، وتقليل معدلات البطالة والقضاء على الفقر)، (ويلتزم النظام الاقتصادي اجتماعيًّا بضمان تكافؤ الفرص والتوزيع العادل لعوائد التنمية، وتقليل الفارق بين الدخول والالتزام بحد أدنى للأجور والمعاشات بما يضمن الحياة الكريمة، وبحد أقصى في أجهزة الدولة لكل مَن يعمل بأجر وفقًا للقانون).

وفي المادة 79: (لكل مواطن الحق في غذاء صحي وكافٍ، ومياه نظيفة، وتلتزم الدولة بتأمين الموارد الغذائية للمواطنين كافة. وتكفل السيادة الغذائية بشكل مستدام، وتضمن الحفاظ على التنوع البيولوجي الزراعي، وأصناف النباتات المحلية للحفاظ على حقوق الأجيال).

وفي المادة 83: (التزام الدولة لضمان حقوق المسنين صحيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا وترفيهيًّا، وتوفر معاشًا مناسبًا يكفل لهم حياة كريمة، وتمكِّنهم من المشاركة في الحياة العامة، وتراعي الدولة في تخطيطها للمرافق العامة احتياجات المسنين، كما تشجع منظمات المجتمع المدني على المشاركة في رعاية المسنين).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة