الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

التربية الاجتماعية في مرحلة الطفولة (3)

كان مِن عادة العرب أن يُحضروا أبناءهم مجالس الكبار

التربية الاجتماعية في مرحلة الطفولة (3)
عصام حسنين
الأربعاء ٠٩ ديسمبر ٢٠٢٠ - ٠٩:٥٩ ص
480

التربية الاجتماعية في مرحلة الطفولة (3)

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد تكلمنا في المقال السابق عن السُّنة كوسيلة ثانية يستقي منه المربون -خاصة الأبوين- التربية الاجتماعية لأطفالهم، وتكلمنا عن أسس اجتماعية جاءت بها السُّنة، منها: اصطحاب الطفل إلى المسجد، وفي هذا المقال نتكلم على أساس مهم في التربية الاجتماعية، وهو: اصطحاب الطفل لمجالس الكبار الفضلاء من أهل العلم والفضل، وهو ما يعرف حديثًا بالتربية عن طريق المخالطة بأصحاب الخبرة.

الأساس الثاني: اصطحاب الطفل إلى مجالس الكبار:

قد جاءت أحاديث عنه -صلى الله عليه وسلم- تبيِّن أن الصغار كانوا يحضرون مجالسه -صلى الله عليه وسلم- بصحبة آبائهم، وكانت مجالسه -صلى الله عليه وسلم- مجالس علم وحلم، وأدب ووقار، يجلسون حوله كأن علي رؤوسهم الطير، حريصين على العلم والاهتداء، وكان -صلى الله عليه وسلم- يعلمهم مما علمه الله بكل وسائل التعليم، فعنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا لِأَصْحَابِهِ: (أَخْبِرُونِي عَنْ شَجَرَةٍ، مَثَلُهَا مَثَلُ الْمُؤْمِنِ فَجَعَلَ الْقَوْمُ يَذْكُرُونَ شَجَرًا مِنْ شَجَرِ الْبَوَادِي)، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَأُلْقِيَ فِي نَفْسِي أَوْ رُوعِيَ، أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَجَعَلْتُ أُرِيدُ أَنْ أَقُولَهَا، فَإِذَا أَسْنَانُ الْقَوْمِ، فَأَهَابُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، فَلَمَّا سَكَتُوا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (هِيَ النَّخْلَةُ) (رواه مسلم).

قال النووي -رحمه الله-: "في هذا الحديث فوائد، منها: استحباب إلقاء العالم المسألة على أصحابه، ليختبر أفهامهم، ويرغبهم في الفكر والاعتناء.

وفيه: ضرب الأمثال والأشباه.

وفيه: توقير الكبار كما فعل ابن عمر، لكن إذا لم يعرف الكبار المسألة فينبغي للصغير الذي يعرفها أن يقولها.

وفيه: سرور الإنسان بنجابة ولده، وحسن فهمه، وقول عمر -رضي الله عنه-: "لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا" أراد بذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو لابنه، ويعلم حسن فهمه ونجابته" (شرح النووي على مسلم).

و"استحباب الحياء ما لم يؤدِّ إلى تفويت مصلحة؛ ولهذا تمنى عمر -رضي الله عنه- أن يكون ابنه لم يسكت. وفيه توقير الكبير وتقديم الصغير أباه في القول، وأنه لا يبادره بما فهمه. وفيه: أن العالم الكبير قد يخفى عليه بعض ما يدركه من هو دونه؛ لأن العلم مواهب والله يؤتي فضله مَن يشاء" (فتح المنعم).

وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُخالط الصغار ويُلاعبهم؛ فعن أنس -رضي الله عنه- قال: إِنْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيُخَالِطُنَا، حَتَّى يَقُولَ لِأَخٍ لِي صَغِيرٍ: (يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ) (متفق عليه).

- وكان مِن عادة العرب أن يُحضروا أبناءهم مجالس الكبار، خاصة مجالس العز والشرف ليمهِّدوا لهم طريق السيادة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (شَهِدْتُ مَعَ عُمُومَتِي حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ، وَإِنِّي أَنْكُثُهُ) (رواه أحمد وابن حبان، وصححه الألباني). "وحِلْفُ المُطيِّبِين: كان قبلَ الإسلامِ، وقد حضرَهُ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وهو صغيرٌ مع أعمامِهِ؛ حيثُ تحالفَتْ قريشٌ -ومنهم بَنو هَاشمٍ، وبنو زُهرةَ، وَبنو تَمِيمٍ، ورؤساءُ الناسِ- على نُصرةِ المظلومِ، وكفِّ الظالمِ، ووَضَعوا أيديَهُم في قَصْعَةٍ ممْلوءةٍ بالطِّيبِ والعِطْرِ؛ ولذلك سُمِّيَ حِلْفَ المطيِّبينَ، فهذا إذا وقَعَ في الإسلامِ كان تأْكيدًا لموجِبِ الإسلامِ، وتقْويةً له" (عون المعبود وحاشية ابن القيم).

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً