الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

وأنذرهم يوم الحسرة

هذه القوارع وغيرها تجعل المؤمن دائم الخوف من هذا المصير المظلم، كثير الإلحاح على ربه أن يثبته على الهدى وأن يجنبه هذا السبيل

وأنذرهم يوم الحسرة
محمد خلف
الاثنين ٢١ ديسمبر ٢٠٢٠ - ١٦:٢٦ م
456

وأنذرهم يوم الحسرة

كتبه/ محمد خلف

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛   

فقد قال -تعالى-: (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) (مريم:??)، فذكر -تعالى- أنه مِن تمام رحمته ورأفته وعدله؛ أنه لا يعذب أحدًا إلا بعد قيام الحجة عليه بإرسال الرسول إليه، كما قال -تعالى-: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) (الإسراء:15)، وليس أحد أحب إليه العذر من الله -تعالى-، ومن أجل لك أنزل الكتب وأرسل الرسل.

وقد قال -تعالى- أيضًا: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا) (طه:113).

ونَوَّع -تعالى- وعَدَّد من ذكر أنواع العذاب الحسي والمعنوي للكافرين؛ لعلهم يتقون ويتوبون إلى الله -تعالى- في الدنيا فيرحموا ويسعدوا بدلًا مِن أن يحل بهم العذاب والنكال، ولا يجدون لهم نصيرًا؛ لا من أنفسهم ولا من غيرهم، فلا يملكون إلا الحسرة والندامة الدائمين كما أخبر -تعالى- عن حسرتهم وتأسفهم عند مجيء الموت: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ . لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (المؤمنون:??-???)، وإلى فزعهم وهلعهم وقلقهم يوم القيامة: (مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) (إبراهيم:??)؛ ولهذا قال: (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) أي: وقولبهم خالية، ليس فيها شيء؛ لكثرة الفزع والوجل.

فيود المجرم لو يفتدي بأقرب الناس إليه لينجو من عذاب هذا اليوم كما قال -تعالى-: (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ . وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ . وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ . وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ . كَلَّا إِنَّهَا لَظَى) (المعارج:11-15)؛ ليس له إلا النار الشديدة الحرارة. قال الضحاك: "تَبْرِي اللَّحْمَ وَالْجِلْدَ عَنِ الْعَظْمِ، حَتَّى لَا تَتْرُكَ مِنْهُ شَيْئًا" (انظر: تفسير ابن كثير).

وذكر الله حالهم عند وقوفهم يوم القيامة على النار، وشاهدوا ما فيها من العذاب والحميم، فقال: (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (الأنعام:??).

وعذبوا بحرمان وخسران القرب من أهليهم وأحبابهم وأقربائهم يوم القيامة، كما قال -تعالى-: (وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ) (الشورى:45).

وتبرأ منهم القادة والرؤساء الذين كانوا يتبعهم الكافرون في الدنيا، كما قال -تعالى-: (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) (البقرة:166-167).

وتحسروا على اتخاذهم قرناء السوء الذين أبعدوهم عن القرآن وعن طريق الهدى وألقوا بهم في أوحال الضلال، قال -تعالى-: (يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا . لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا) (الفرقان:28-29).

وسألوا خزنة النار أن يدعوا الله أن يخفف عنهم يومًا من العذاب ليستريحوا بعض الشيء مما هم فيه العذاب، قال -تعالى-: (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ)، فقال لهم الخزنة: (أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ) (غافر:49-50)،  فمهما دعوا لا يستجاب لهم غافر   

بل ويتمنى أن يكون كأنه لم يُخْلق أو لم يكن، أو أن يصير إلى التراب فيموت، كما هو حال الحيوانات بعد ما يفصل الله بينهم؛ حَتَّى إِنَّهُ لِيَقْتَصَّ لِلشَّاةِ الجمَّاء مِنَ الْقَرْنَاءِ. فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْحُكْمِ بَيْنَهَا قَالَ لَهَا: كُونِي تُرَابًا، فتصير تُرَابًا، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ الْكَافِرُ: (يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا) (النبأ:40)، أَيْ: كُنْتُ حَيَوَانًا فَأَرْجِعُ إِلَى التُّرَابِ. (ينظر: تفسير ابن كثير).

وقالوا في أسف وحزن شديد تتفطر منه قلوبهم نافين عن أنفسهم السمع والعقل الذي يتتفعون به ويبصرون به طريق الهديُ: (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (الملك:10).

فكل هذه القوارع وغيرها تجعل المؤمن دائم الخوف من هذا المصير المظلم، كثير الإلحاح على ربه أن يثبته على الهدى وأن يجنبه هذا السبيل، دائم الفقر والتضرع لربه يسأله الجنة ويستعيذ به من النار، يخشى من ذنوبه أن تخذله عن الخاتمة الحسنة، سريع التوبة والإنابة لربه، يحسن الظن به، ويرجو رحمته، ويخشى عذابه.

 فاللهم يا ولي الإسلام وأهله مسكنا به حتى نلقاك عليه، (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (آل عمران:8).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة