الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

كورونا ودروس من البلاء

وقفت قوتهم النووية، وأسلحتهم الإستراتيجية، وصواريخهم البالستيه عاجزة أمام هذا الفيروس

كورونا ودروس من البلاء
علاء رمضان
السبت ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٠ - ١٧:٤٣ م
502

كورونا ودروس من البلاء

كتبه/ علاء رمضان

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فلقد وضع وباء كورونا COVID 19 العالَم بأسره أمام تحدٍّ كبير، وابتلاء عظيم؛ فتُوفِّي بهذا المرض مئات الآلاف، وتجاوزت الإصابات حتى الآن السبعين مليونا، وأحدث أضرارًا بالغة بالاقتصاد، وأظهر كثيرًا من عوار هذه الحضارة المادية، فها هي قوتهم التي كانوا يتشدقون بها تقف عاجزة أمام مخلوف ضعيف جدًّا في نفسه، بل هو كالجماد، ولا يتحول إلى كائن حي؛ إلا إذا دخل إلى جسد الإنسان، ولا يُرى إلا بعد أن يتم تكبير حجمه بالميكروسكوبات مئات الآلاف من المرات!

وقفت قوتهم النووية، وأسلحتهم الإستراتيجية، وصواريخهم البالستيه عاجزة أمام هذا الفيروس، وأغلقت دول ومدن، ولا تزال تغلق، وفرَّق بين الأهل والأقارب، وعزل الزوج عن زوجته، والابن عن والديه، والأخ عن أخيه، (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ) (المدثر:31).

ومع ذلك قلَّ مَن يتوقف عند الرسائل الربانية من هذا الابتلاء، ومنها:

- أن القوة لله جميعًا، وهو العزيز الذي لا يغالب، يقدر ما يشاء في الوقت الذي يشاء، يصيب به من يشاء ويصرفه عنن يشاء، فسبحانه له الحمد على ما شرع، وله الحمد على ما قضى وقَدَّر.

- وأنه -عز وجل- يرسل الآيات يخوِّف بها عباده، قال -تعالى-: (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا) (الإسراء:59)، ولكن أهل الكفر والغفلة لا يعتبرون؛ قال ربنا: (وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا) (الإسراء: 60).

- وأن البشر مهما آتاهم الله مِن قوة، فهم عاجزون وقاصرون، وينبغي عليهم الاعتراف بذلك والإقرار به، والخضوع لمن له القوة جميعًا في الدنيا قبل أن يقروا بها صاغرين يوم القيامة: (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) (البقرة:165).

- وينبغي أن يوقن الجميع بأنه "ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة"؛ ولذلك ندعو العالم بأسره أن يعود إلى الله، وأن يتوب من الكفر والطغيان، وأن يبتعد عن الفواحش والمنكرات، وأن يترك الصد عن سبيل الله ودينه الحق، وألا ينشر الفسق والفجور والضلال، (قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) (آل عمران:64)، (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (المائدة:73-74).

- وينبغي علينا أيضًا؛ حكامًا ومحكومين، رجالًا ونساءً، شيبًا وشبانًا أن نفر مِن الله إليه -سبحانه-: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ > وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (الذاريات:50-51).

- ويا أهل الاسلام ليكن لكم في هذا الوباء عبرة وعظة، ولنأخذ بالأسباب، ومنها: أسباب الوقاية، وأسباب العلاج مع عدم التهوين أو التهويل؛ فلقد قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ) (رواه مسلم).

وليعلم المؤمنون أن البلاء لأهل الإيمان تكفير ورحمة، ولأهل الكفر والطغيان عذاب ونقمة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِأُمَّتِي وَرَحْمَةٌ لَهُمْ , وَرِجْسٌ عَلَى الْكَافِرِينَ) (رواه أحمد، وصححه الألباني)، وفي الحديث: (مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ، وَلَا نَصَبٍ، وَلَا سَقَمٍ، وَلَا حَزَنٍ حَتَّى الْهَمِّ يُهَمُّهُ، إِلَّا كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ) (رواه مسلم).

فلنأخذ بالأسباب، ولنتوكل على الله، ولنوقن جميعًا أنه: (لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (التوبة:51).

نسأل الله أن يرحم موتانا، وأن يشف مرضانا، وأن يكشف عن بلادنا وبلاد المسلمين الغلاء والوباء، والفتن وأن يردنا إليه ردًّا جميلًا.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة