الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الفساد (79) سلبيات أبرزتها أزمة كورونا (7) ضعف المنظومة الطبية

لقد ساهمت جائحة كورونا التي عرفها العالم في وضع المنظومات الصحية في العالم في موضع تساؤل

الفساد (79) سلبيات أبرزتها أزمة كورونا (7) ضعف المنظومة الطبية
علاء بكر
الاثنين ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٠ - ١٣:٢٨ م
458

الفساد (79) سلبيات أبرزتها أزمة كورونا (7) ضعف المنظومة الطبية

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمِن السلبيات التي ساهمت أزمة كورونا في إبرازها، وجعلتها أكثر وضوحًا وأشد أثرًا: ما شاهدناه من ضعف النظم الصحية في كثيرٍ مِن دول العالم شرقًا وغربًا.

لقد كان الاعتقاد السائد أن هناك العديد مِن الدول المتقدمة التي تمتلك نظامًا صحيًّا قويًّا يكفل لها تقديم الخدمات الصحية لمواطنيها بكفاءة، ويمكنه التصدي بقوة لأي ظروف أو أزمات صحية تتعرض لها هذه الدول، ثم جاءت أزمة فيروس كورونا لتكشف الكثير مما كان خافيًا، (فقد كشفت الجائحة عن كثيرٍ من أوجه النقص والعوار في النظم الصحية والاقتصادية، وفي جاهزية القادة والحكومات للتعامل مع صدمة بهذا الحجم، والأرجح أن كل ذلك سوف يصبح وقودًا في معارك سياسية وأيدلوجية تنتظر لحظة السيطرة على الوباء للدخول في صراعات إعادة صياغة عالَم ما بعد الجائحة أو الحياة الطبيعية الجديدة).

وبما أن العدالة والمساواة في الرعاية الصحية هي العدالة الاجتماعية في المجال الصحي، فإن التفاوت واللامساواة في الرعاية الصحية تتعلق بخلل في وجه من أوجه العدالة الاجتماعية؛ (لأنها تعبِّر عن تمييز أو إقصاء مقصود أو غير مقصود، وبحيث تكون ذات أثر في تعزيز الهشاشة والحرمان الاجتماعيين، وعلى أساس المقاييس المحددة للتفاوت الصحي تكون قياسات الإنصاف الصحي والعدالة الصحية وما يستوجبانه من التزام السياسات العامة بالبناء عليها، والتزام السياسات العمومية بتحقيقها) (انظر: "مجلة الديمقراطية" عدد يوليو 2020م، ص 24 -38  بتصرف).

(لقد ساهمت جائحة كورونا التي عرفها العالم في وضع المنظومات الصحية في العالم في موضع تساؤل، وعرت حدود السياسات النيوليبرالية التي عملت منذ عقود على التقليص من الدعم الحكومي لمنظومات الرعاية الصحية الاجتماعية العمومية لصالح القطاعات الخاصة في أوروبا والولايات المتحدة، كان خيار التقليص من ميزانيات الصحة كارثيًّا مثلما بينت جائحة كورونا؛ لم تقدر المستشفيات على استيعاب الأعداد الكبيرة من المصابين، واضطر الكثير من تلك الدول إلى بناء مستشفيات ميدانية والتضحية بكبار السن) (المصدر السابق، ص 87).

ولهذا وفي ظل ترأس ألمانيا للاتحاد الأوروبي لمدة ستة أشهر بداية من يوليو 2020م (دعت المستشارة الألمانية لأن يولي الأوروبيون اهتمامًا أكبر وخاصًّا لإقامة نظام صحي أوروبي فعَّال لمواجهة فيروس كورونا الذي تؤكد منظمة الصحة العالمية أنه لن يختفي سريعًا من عالمنا، وسيظل يشكل تهديدًا للبشر لما لا يقل عن العام وربما العامين؛ خاصة أن مواجهة هذا الفيروس المستجد كشفت ضعف الأنظمة الصحية في الدول الأوروبية، بل وانهيارها في بعضها كما حدث في إيطاليا وإسبانيا التي اكتظت المستشفيات فيهما بالمرضى، ولم يجد كثيرون مكانًا لهم في هذه المستشفيات، وظهر النقص الشديد في أَسِرة الرعاية المركزة وأجهزة التنفس الصناعي بها، بل حتى نقص في الطواقم الطبية وفي الكمامات، وبدل الوقاية الطبية، وارتفعت أصوات قادتها يطلبون الغوث والمساعدة من الجميع، وفي حلوقهم غصة؛ لأن أشقاءهم الأوربيين خذلوهم في محنتهم القاسية والمريرة حينما عجزوا عن وقف تدفق توابيت الموتى وعلاج المصابين.

كما أكدت المستشارة ميركل أنها ستركز خلال قيادتها للاتحاد الأوروبي على إقامة هذا النظام الصحي الأوروبي الفعال لمواجهة أي جوائح والتصدي لأي فيروس جديد، وليس فيروس كورونا المستجد فقط، وذلك حتى تكون أوروبا أكثر تأقلمًا مع القرن الحادي والعشرين) (راجع: "رؤساء وكورونا" عبد القادر شعيب - كتاب الجمهورية - أغسطس 2020م، ص 82 -83).

(ويشير تقرير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة حول تأثير جائحة كوفيد 19 إلى تفاوت قدرات الأفراد على النفاذ إلى خدمات صحية جيدة، ولم يقتصر هذا التفاوت على البلدان النامية فقط، بل امتد إلى البلدان المتقدمة التي تتفاوت في قدراتها على التعامل مع التداعيات الصحية للأزمة وَفقًا لدرجة شمول وجودة الخدمة الصحية. وفي هذا الإطار يشير التقرير إلى وجود تفاوت كبير بين البلدان المتقدمة والنامية في مستوى حجم الخدمات الصحي المقدمة للأفراد) (راجع: مجلة الديمقراطية - عدد يوليو 2020م، ص 18).

وبالنسبة لمصر:

فـ(يتكون القطاع الصحي الحكومي في مصر من نحو 691 مستشفى حكومي تتبع غالبيتها لوزارة الصحة والتعليم العالي، ويعمل به نحو 75 ألف طبيب و143 ألف عضو بهيئات التمريض. ويمثل الإنفاق العام على قطاع الصحة في المتوسط نحو 5% من إجمالي الإنفاق العام خلال الفترة (2010 - 2020م)، كما يمثل نحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أقل من متوسط الإنفاق العالمي على قطاع الصحة في العالم، حيث يمثل نحو 20% من الإنفاق الحكومي ونحو 7 % من الناتج المحلي الإجمالي).

وتواجه الموازنة المتعلقة بقطاع الصحة في مصر العديد من التحديات، منها: (ضيق الحيز المالي للإنفاق على الصحة نظرًا لكثرة البنود الإلزامية بموازنة قطاع الصحة والمتمثلة في سداد الرواتب والأجور للعاملين بالقطاعات الطبية، والتي تمثل نحو 57 % من جملة الإنفاق العام على القطاع، ونحو 21 % لشراء السلع والخدمات البند الثاني من الإنفاق، ونحو 5% للإنفاق على الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية من جملة المصروفات العامة بقطاع الصحة عن العام المالي 2019- 2020 م، وهو الأمر الذي يقيد من حرية صانعي السياسة المالية بقطاع الصحة وإعادة توجيهها لصالح بنود تتعلق بالاستثمار العام بإنشاء مستشفيات جديدة أو وحدات صحية أو تطوير المستشفيات القائمة).

ومنها: (ضعف المخصصات المالية الموجهة إلى بعض البنود الموجهة بصفة عامة إلى البحوث وتدريب العاملين في هذا القطاع، والتي لم تتخطَ أكثر من 5.0 % من إجمالي مخصصات الباب الثاني أي نحو 73 مليون جنيه، والبنود المخصصة لصيانة الأجهزة والمعدات لم تتخط أكثر من 11 % من جملة مخصصات الباب الثاني، وهو ما يشير إلى ضعف الممكنات الرئيسية لعمل هذا القطاع، ناهيك عن ضعف الأجور والمرتبات الخاصة بالأطقم الطبية وكافة المستلزمات الرئيسية التي يتم استخدامها بالقطاع الطبي) (راجع: "مجلة الديمقراطية عدد يوليو 2020 م، 109 - 110 بتصرف).

وتقوم معظم الخدمات الصحية في مصر على المنظومة الحكومية الصحية، إلى جانب مساهمة من القطاع الصحي الخاص، فوزارة الصحة هي المصدر الرئيسي للخدمات الصحية من خلال الرعاية الصحية الأساسية وتتكفل بها مراكز الرعاية الأساسية الصحة والمستشفيات المحلية والمستشفيات الجامعية.

ورغم تطور المنظومة الصحية؛ إلا أن هناك لا عدالة في الرعاية الصحية من خلال عدم المساواة بين المحافظات المختلفة في التشخيص والعلاج، واستهلاك الأدوية، وتفاوت الحالة الصحية للمواطنين، ورغم التغطية شبه المجانية للتشخيص والعلاج في المنظومة الصحية الحكومية، فإن الكثير من العائلات المقتدرة تتكفل بنفسها بمصروفات الكشف والعلاج بشكل مباشر؛ مما يعني أن اللا عدالة الصحية تتزايد في ظل عدم اللا مساواة، خاصة مع ضعف دعم الدولة لمنظومة الصحة الحكومية، والنقص الحاد في البنية التحتية الصحية وحاجة الموجود منها للتحسين، وعدم اكتمال فاعليتها وأدائها.

وتشير إلى ذلك مؤشرات، منها: معدلات وَفَيات الأطفال في المستشفيات الحكومية، ومعدلات الولادة في المنازل دون مساعدة طبية، وتفاوت الرعاية بين المستشفيات، ونقص بعض التخصصات، بل ونقص الأطباء المتخصصين، وفقد الأجهزة والتجهيزات الطبية اللازمة في العديد من المحافظات بالمقارنة بالقاهرة -العاصمة- والمحافظات والمدن الكبرى، فالخريطة الطبية في مصر غير عادلة، خاصة في محافظات ومدن وقرى الصعيد ومحافظات الحدود، التي تعاني من نقص كبير في التجهيزات الطبية كمًّا ونوعًا، وفي أعداد الأطباء والتمريض؛ خاصة في التخصصات الطبية المهمة؛ مما يستوجب رسم سياسة صحية جديدة تأخذ في الاعتبار الحق في الرعاية الصحية كحق إنساني رئيسي، وجزء من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين في كل المحافظات والمدن والقرى المصرية.

ويعد هذا النقص وسوء التوزيع في الخريطة الصحية من أهم عوامل اللا عدالة الصحية؛ إذ يجبر الكثيرين من المرضى على الذهاب إلى القطاع الخاص؛ مما يكلفهم وعائلاتهم مصاريف إضافية تسهم في الإضرار بهم اقتصاديًّا؛ خاصة في علاج الأمراض المزمنة والخطيرة، وفي إجراء العمليات الجراحية التي تتطلب تكاليف عالية.

وفي مقابل ذلك: فتمتلك مصر من الناحية التاريخية نظامًا وقائيًّا يمتد لأكثر من قرن ونصف قرن، فـ(عندما ضرب وباء الكوليرا مصر عام 1848م بنت الدولة المصرية وقتها إجراءات احترازية كان من أهمها إنشاء مؤسسة للحجر الصحي، ونتيجة لهذه الخبرات المتراكمة لمصرفي مواجهة الأوبئة يعد قطاع الطب الوقائي أكثر القطاعات تميزًا في وزارة الصحة المصرية؛ ولذلك واجهت مصر بنجاح شهدت به منظمة الصحة العالمية العديد من الأوبئة فيما بين العقود الأخيرة من القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مثل: فيروس سارس، وإنفلونزا الطيور، وإنفلونزا الخنازير) (راجع: "رؤساء وكورونا" عبد القادر شهيب - كتاب الجمهورية - أغسطس 2020م، ص 184).

مصر وأزمة كورونا:

على الرغم من الضعف النسبي للمنظومة الصحية في مصر، فإن التعامل الرسمي مع أزمة كورونا كانت نتائجه نسبيًّا إيجابية، حيث عملت السلطات على حصر انتشار الفيروس وعلى السيطرة على تزايد الإصابات لمنع انهيار المنظومة الصحية بسبب فيروس كورونا، الذي إن حدث لكانت كارثة كبرى.

كانت مصر من الدول السباقة مع بداية أزمة كورونا في أخذ الإجراءات الاستباقية، ويمكن القول نسبيًّا أن الاقتصاد الطبي في مصر من خلال القطاع الصحي والمنشآت الطبية خصوصًا مستشفيات الصدر والحميات أمكنه تغطية حدود الأمان وتجاوز المرحلة الصعبة، أما ما وقع من حدوث زيادة في أعداد المصابين وفي أعداد الوفيات في بداية الأزمة فكان لطبيعة المرض وعدم وجود وعي كافٍ به.

لقد (استوعبنا الجائحة فأصبحنا في منطقة آمنة من المرض، وهذا الدرس يعلمنا أهمية وجود الاقتصاد الطبي القوي لأي دولة من دول المنطقة، أيضًا زاد الاحتياج بعد هذه الأزمة لوجود التأمين الصحي الشامل وهو الحل لمواجهة مثل هذه المواقف، والحقيقة أن مصر من أقدم دول المنطقة في التأمين الصحي والصروح الطبية العديدة التي تحتاج إلى تطوير، وقد بدأنا بالفعل هذا المشروع ويستكمل في السنوات القادمة) (راجع: مجلة "طبيبك الخاص" عدد محرم 1442هـ - الموافق سبتمبر2020م، ص15).

جهود وزارة الصحة لمواجهة الفيروس:

(سارعت السلطات الصحية في تجهيز أول مستشفى عزل للمصابين في مرسى مطروح، هي مستشفى (النجيلة)، ومعسكر عزل للمشتبه إصابتهم، وبمرور الوقت زاد عدد مستشفيات العزل تحت ضغط الحاجة حتى بلغ مبكرًا نحو 20 مستشفى عزل بسعة تفوق الثلاث آلاف (3124) سرير، من بينها 527 سرير رعاية مركزة، ومع تصاعد عدد الإصابات وتزايد الضغوط على بعض مستشفيات العزل التي لم تعد تكفي كل المصابين بالفيروس خاصة في المحافظات الأكثر إصابة، وصار العثور على سرير لمصاب في مستشفى عزل ليس بالأمر السهل، كانت السلطات الصحية قد استعدت قبلها لمثل هذا اليوم حينما قررت استخدام نزل الشباب والمدن الجامعية كأماكن عزل، غير أن هذه الأماكن اضطرت الحكومة لاستخدامها لعزل العائدين من الخارج بعد أن تقرر إعادتهم إلى بلادهم بناءً على رغبتهم؛ خاصة أن منهم مَن صار وجوده بالخارج صعبًا ومكلفًا؛ ولذلك قررت السلطات الصحية أن تجهز نحو 43 مستشفى حميات على مستوى الجمهورية لتخفيف الضغط على مستشفيات حميات القاهرة والجيزة يتم فيها عزل المصابين بالفيروس.

وعندما تزايدت الإصابات أكثر قررت السلطات الصحية إدخال نحو 320 مستشفى جديدة في خدمة المصابين بالفيروس للفحص والعزل، ليصبح إجمالي المستشفيات المخصصة لعلاج هذا المرض نحو 370 مستشفى، ووافقت السلطات الصحية أيضًا على علاج المصابين بالمستشفيات الخاصة، وعندما ثارت شكوى من مغالاة هذه المستشفيات في أسعار خدماتها الطبية؛ وضعت وزارة الصحة لها تسعيرة استرشادية، ثم لجأت وزارة الصحة إلى ما سبق أن اتبعته دول أخرى وهو العزل المنزلي للحالات الخفيفة من الإصابات بالفيروس، والتي تتجاوز 80 % من حالات الإصابات بالبلاد، مع تقديم العلاج للمصابين يكفي لخمسة أيام طبقًا للبروتوكول العلاجي، مع متابعة أحوالهم بشكل مستمر، وبمرور الوقت تزايدت أعداد المصابين الذين يعالجون في المنازل، بينما يتم استقبال الحالات المتوسطة في مستشفيات العزل، ونقل الحالات الصعبة للرعاية المركزة) (المصدر السابق، ص 186-187).

وفي (غضون ثلاثة أشهر ونصف شهر منذ اكتشاف أول حالة إصابة وحتى نهاية شهر مايو كان قد تم إجراء نحو 220 ألف فحص وتحليل (بي. سي. آر) حيث ارتفع متوسط عدد المسحات من بضعة مسحات إلى عدة آلاف مسحة في اليوم، ومع ذلك كان ما زال رقم المسحات ليس كبيرًا بالمقارنة بدول أخرى مثل روسيا وأمريكا وكوريا الجنوبية، وألمانيا وفرنسا والصين، ولعل ذلك كان سببًا لتقدير وزير التعليم العالي والبحث العلمي عددا أكبر من الإصابات بالفيروس عن الرقم الرسمي المعلن من قِبَل وزرارة الصحة، وحتى تعالج مشكلة إجراء الاختبارات، سمحت الحكومة لعددٍ من المراكز الطبية بإجراء هذه الاختبارات بعد ربطها بمركز التحاليل المركزية لوزارة الصحة) (المصدر السابق، ص 187).

تحسين أحوال الأطباء:

نظرًا لما كانت عليه أوضاع الأطباء من قبل أزمة كورونا، ونظرًا لما قدَّموه خلال الشهور الأولى للأزمة، ونظرًا لما تعرَّضوا له من مخاطر وظروف صعبة، سارعت الدولة باتخاذ قرارات وتدابير خاصة، كان منها:

(فتح اعتمادات إضافية لوزارة الصحة فور حدوث الجائحة بنحو 200 مليون جنيه، منها نحو 160 مليون جنيه لشراء المستلزمات الطبية الخاصة بمواجهة الجائحة، ونحو 40 مليون جنيه مكافآت للطواقم الطبية والعاملين بالحجر الصحي ومستشفيات العزل - زيادة قيمة بدل العدوى للطواقم الطبية بنحو 75 % بتكلفة سنوية نحو 52و2 مليار جنيه - زيادة قيمة المكافأة الخاصة بأطباء الامتياز إلى 2200 جنيه بدلًا من 400 جنيه بتكلفة سنوية 320 مليون جنيه. كما قامت وزارة المالية بإتاحة مخصصات مالية إضافية بنحو 11 مليار جنيهات لدعم القطاع الصحي بالدولة بمختلف مؤسساته على مستوى الجمهورية وتلبية الاحتياجات الملحة والحتمية من الأدوية والمستلزمات الطبية بما يمكِّن هذا القطاع الحيوي من اتخاذ الإجراءات والوقائية لفيروس كورونا المستجد، وصرف مكافآت تشجيعية صافية (تتحمل الخزانة العامة الضرائب والتأمينات المستحقة عليها بالكامل) للأطقم الطبية والعاملين بمنافذ الحجر الصحي، ومستشفيات العزل والمعامل المركزية وفروعها بالمحافظات، وفِرَق العمل المركزية ومعاونيهم، وفرق الترصد الوبائي وهيئة الإسعاف.

كما تم تدبير مبلغ 400 مليون جنيه سنويًّا لتمويل تعيين 7 آلاف معيد ومدرس مساعد بكليات الطب بالجامعات، وتكليفهم بالعمل بالمستشفيات الجامعية؛ إضافة إلى تعيين 1200 زميل وزميل مساعد من الأطباء بالمستشفيات التعليمية التابعة لوزارة الصحة، وذلك اعتبارًا من تاريخ تسلمهم العمل لدعم القطاع الصحي بالدولة في مواجهة فيروس كورونا المستجد، بما يسهم في توفير الرعاية الصحية اللازمة للمرضى).

كما (تم تخصيص 6و2 مليار جنيه خلال العام المالي 2020-2021م لرفع بدل التعرض لخطر العدوى لأعضاء المهن الطبية بنسبة 75 %، وكذلك رفع مكافأة أطباء الامتياز بالمستشفيات الجامعية) (راجع: "مجلة الديمقراطية" عدد يوليو 2020م، ص 110).

وعندما تقدمت نقابة الأطباء ببعض المطالب الخاصة لحماية الطواقم الطبية بعد تزايد حالات الإصابة بالفيروس بين الأطباء أنفسهم كان (إعلان رئيس الحكومة قبول طلباتها الخاصة بتوفير الحماية للأطباء والطواقم الطبية، كما ظهر أيضًا في توجيه وزارة الصحة زيادة عدد الأطباء بتدريب نحو ثمانية آلاف طبيب للعمل في مستشفيات وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية المخصصة لعلاج مرضى فيروس كورونا من المعيدين والمدرسين المساعدين وأطباء التكليف، والتوسع في إجراء الاختبارات الخاصة بالكشف على الفيروس واللجوء إلى الأشعة على الصدر وتحليل الدم)، و(توجيه السلطات الصحية بتوفير الأدوية التي تستخدم في علاج كورونا بعد أن شهدت نقصًا في الصيدليات، وذلك بزيادة شركات الأدوية إنتاجها منها مع الاهتمام بتخصيص مستشفيات لمرضى الأمراض المزمنة خاصة أنهم الأكثر عرضة هم وكبار السن للإصابة بفيروس كورونا المستجد) (راجع: "رؤساء وكورونا" 198 - 199 بتصرفٍ).

رسالة أخيرة من طبيب:

في فترة من أصعب وأقسى الفترات التي شهدتها وتشهدها مهنة الطب في مصر توالت الأنباء عن وفاة أطباء كثيرين بعد إصابتهم بفيروس كورونا وهم يقومون بدورهم النبيل في مواجهة أزمة فيروس كورونا المستجد، حيث يضحون بوقتهم وراحتهم والبقاء في أحضان عائلاتهم، بل ويضحون بأنفسهم من أجل اكتشاف وعلاج ورعاية المصابين بالمرض والمشتبه في إصابتهم به، في مخاطرة كبيرة تفرضها عليهم أعباء المهنة وواجبهم تجاه أهاليهم وبلدهم، في ظل صمت وتجاهل إعلامي يشوبه نكران وجحود لما قدموه ويقدمونه.

لقد أصبح الاستيقاظ كل يوم على نبأ وفاة ورحيل طبيب بعد إصابته بالفيروس وهو يؤدي عمله في مواجهته ملمحًا من ملامح حياتنا في هذه الفترة الصعبة.

يقول د. "محمد حسن البنا" في مقال له نشر في يوميات جريدة الأخبار القاهرية بعنوان: (الرسالة الأخيرة): (ونحن في هذا المقام لا يفوتني الرسالة الباكية التي خطها الشهيد طبيب أحمد ماضي أخصائي الأمراض الصدرية بالإسكندرية، الذي كان يعالج مرضى كورونا، وتوفي متأثرًا بإصابته بالفيروس. الدكتور أحمد نموذج لمئات الآلاف من الأطباء الذين واجهوا بشجاعة وشهامة مصيرهم مع كورونا. الرسالة التي نقلها عنه زميل له تقول: (وبينما أنا راقد على سريري بالعناية المركزة أكافح كي أتنفس الهواء بصعوبة، وأعاني من ألم رهيب ينهش كل قطعة فيَّ من جسدي الذي لم يبقَ فيه شيء غير متصل بأنابيب وخراطيم، أراقب نظرات زملائي من الأطباء والتمريض ما بين خوف ورجاء، وتحركات سريعة ومضطربة لتجهيز جهاز التنفس الصناعي لهبوط حاد في نسبة الأكسجين بالدم، معلنًا فشل جهازي التنفسي الرباني في العمل، وبداية طريق أنا أعلم نهايته المحتومة، طالما شاهدته وأنا الطبيب المسئول عن علاج هذا المرض، واستطيع أن أرى نهايته الآن بوضوح. منذ أيام ودعت زميلًا لي كان يرقد على بعد خطوات مني، وكان قد سبقني إلى ما أنا ذاهب إليه الآن. لست والله خائفًا، فأنا أشهد الله أني لم أقصر في أداء الواجب وتحمل الأمانة، وأرجو من الله أن يتقبلها خالصة لوجهه الكريم، وأن يجعل عملنا ومرضنا هذا في ميزات حسناتنا يوم نلقاه. كل ما أرجو إن بادر بي الأجل وحانت لحظة الفراق أن يتكفل الله برعايته وحفظه أسرتي وأطفالي الذين أفتقدهم بشدة، ويعتصر قلبي فراقهم. وصيتي إليك يا الله أطفالي الضعفاء الذين لن أفرح بهم. أستودعك يا الله هؤلاء الأطفال الذي لا حول لهم ولا قوة إلا بك، وأن تذكروني إخوتي بكل جميل، ولا تنسوني من صالح دعائكم. أحمد ماضي) (راجع: جريدة الأخبار - عدد الخميس 20 أغسطس 2020م، الصفحة الأخيرة بتصرفٍ يسيرٍ).

مقترحات أخرى للتعامل مع الأزمة:

نظرًا لاستمرارية الأزمة وأخطارها، ونظرًا لأهمية دور المنظومة الصحية في التعامل معها، ومع أي أزمات أخرى تأتي بعدها تشبهها، فهناك العديد من المقترحات المقدمة لتحسين الأوضاع وحسن التعامل معها، منها:

1- تعزيز التعاون والشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص ومنظمات وجمعيات المجتمع المدني في تقديم الخدمات الصحية، والتعاون فيما بينها بشكل أفضل، من خلال تحديد الأدوار والتنسيق في تقديم تلك الخدمات وأوجه المساعدة؛ للخروج من تلك الجائحة بأقل الأضرار الممكنة.

2- إعادة النظر في بند الدعم للصناعات الطبية في موازنة الدولة لزيادة الدعم للصناعات الطبية ذات الصلة بأزمة فيروس كورونا.

3- إعفاء كافة الأنشطة الصحية والخدمات الأساسية المرتبطة بها، وكذلك إعفاء كافة المؤسسات الخيرية والشركات التي تقدم مساعدات وإعانات تتعلق بهذه الجائحة من كافة أنواع الضرائب والرسوم المقررة عليها -على الأقل- لحين زوال الأزمة.

4- تقديم دعم وتمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة العاملة في مجال الخدمات الطبية؛ ضمانًا للوفاء بمتطلبات هذا القطاع في ظل الأزمة الراهنة.

5- تقديم الدعم المباشر للعاملين في جميع الصناعات الداعمة وذات الصلة بالجائحة، خاصة العاملين في مجالات الصناعات الغذائية والنقل والبتروكيماويات والمستحضرات الصيدلانية والطبية.

6- تحويل نفقات التدريب الإداري بالجهات الحكومية غير ذات الأولوية في الوقت الحاضر إلى تدريب العاملين بالخدمات الصحية وتوفير متطلباتهم الأساسية، مع تحويل التدريب الإداري إلى تدريب تفاعلي عن طريق الإنترنت.

7- العمل على منح المحافظات صلاحيات إدارة الاستثمارات العامة المتعلقة بقطاع الصحة بصورة غير مركزية؛ ليتسنى لها التعامل مع أولويات مواطنيها، واحتياجاتهم المرتبطة بتلك الأزمة.

8- مد سن المعاش للعاملين بالقطاعات الصحية، وتدريب عدد أكبر من الأطباء والتمريض ومعاوني الخدمات الصحية للتعامل مع تلك الأزمة.

9- إعادة هيكلة الموازنة العامة للدولة بما يضمن التوزيع الأمثل للموارد، مع التركيز على القطاعات ذات الأولوية في النمو كالتعليم والصحة والبحث العلمي، وزيادة قيمة الاستثمارات العامة بهم.

10 - تدعيم وصول الخدمات الصحية إلى القطاعات غير الرسمية والأكثر فقرًا، ويمكن أن يتم ذلك من خلال الإسراع بتنفيذ برنامج التأمين الصحي الشامل الذي بدأت فيه الدولة ليتم الانتهاء منه في أقرب وقت ممكن (انظر في ذلك: "مجلة الديمقراطية" عدد يوليو 2020م، ص 110 - 111).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة