الثلاثاء، ١٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ١٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

المطر من آثار رحمة الله تعالى

ينزل الغيث على من يشاء، ويمنعه عمن يشاء

المطر من آثار رحمة الله تعالى
إبراهيم جاد
الأحد ١٧ يناير ٢٠٢١ - ٢٠:١٤ م
2734

المطر من آثار رحمة الله تعالى

كتبه/ إبراهيم جاد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد قال -تعالى-: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ . هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (لقمان:10-11).

الله ربنا هو الرحمن الرحيم، عظيم الفضل، كثير الإحسان، واسع الرحمة، عمت رحمته جميع عباده، وأنزل رزقه لجميع خلقه، يعطي مَن يشاء ويمنع مَن يشاء؛ مقاليد الأمور ومفاتيحها بين يديه، له الكبرياء والعظمة؛ جل شأنه، وعظمت قدرته، فالأمر أمره، والعبد عبده، والكون كونه.

ينزل الغيث على من يشاء، ويمنعه عمن يشاء، هو سبحانه وتعالى أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين، له الحمد الحسن، والثناء الجميل.

نزول المطر من آثار رحمة الله، فأحببت مستعينًا بربي، منخلعًا من حولي وقوتي إلى حوله وقوته -جل وعلا- أن أذكِّر نفسي أولًا ثم إخواني، فأرتب وأجمع، وأقف وقفات مع نزول المطر.

1- نعمة نزول المطر.

?- مِن الحِكَم في تقدير نزول المطر.

?- عبوديات وقت نزول المطر.

أولًا: نعمة نزول المطر:

لا شك ولا ريب: أن نزول الماء على الأرض نعمة عظيمة من نعم المنعم؛ لأنه جعلها سرًّا من أسرار حياة جميع المخلوقات، بل هي مِن وقودها الأساسي التي لا غنى لأحد قط عنها، فسبحان المنعم! قال الله -تعالى-: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) (الأنبياء:??).

أوَلم يعلم الذين كفروا بالله أن السماوات والأرض كانتا مُلْتصِقتين، لا فراغ بينهما فينزل منه المطر، ففصلنا بينهما، وجعلنا من الماء النازل من السماء إلى الأرض كل شيء من حيوان أو نبات، أفلا يعتبرون بذلك، ويؤمنون بالله وحده؟! (المختصر في التفسير).

ويقول -تعالى-: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ . أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ . لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ) (الواقعة:68 - 70).

وأنه الذي أنزله من المزن، وهو السحاب والمطر، ينزله الله -تعالى- فيكون منه الأنهار الجارية على وجه الأرض وفي بطنها، ويكون منه الغدران المتدفقة، ومن نعمته أن جعله عذبا فراتًا تسيغه النفوس. (تفسير السعدي).

بل إن نزوله بقدر نعمة، فلو زاد وفاض؛ لهلكت الكائنات الحية! قال ابن القيم -رحِمه الله-: "ثمَّ تأمَّل الحِكْمة البالغة في إنزاله بقدرِ الحاجة، حتَّى إذا أخذتِ الأرضُ حاجتَها منه، وكان تتابُعُه عليها بعد ذلك يضرّها، أقلع عنها وأعقبه بالصَّحو، فهُما -أعني الصَّحو والتَّغييم- يعتقِبان على العالم لِما فيه صلاحُه، ولو دام أحدُهُما كان فيه فسادُه، فلو توالتِ الأمْطار لأهلكتْ ما على الأرض، ولو زادتْ على الحاجة أفسدتِ الحبوب والثِّمار، وعفنت الزُّروع والخضروات، وأرْخت الأبدان، وخثرت الهواء، فحدثت ضروب من الأمراض، وفسد أكثَرُ المآكِل، وتقطَّعت المسالك والسُّبُل، ولو دام الصَّحو لجفَّت الأبدان، وغِيض الماء، وانقطع مَعين العيون والآبار والأنْهار والأودِية، وعظم الضَّرر، واحتدم الهواء، فيبس ما على الأرْض، وجفَّت الأبدان، وغلب اليُبْسُ، وأحدث ذلك ضروبًا من الأمراض عسرة الزَّوال، فاقتضت حكمة اللَّطيف الخبير أن عاقبَ بين الصَّحو والمطَر على هذا العالَم، فاعتدل الأمْر، وصحَّ الهواء، ودفع كلُّ واحد منهما عادية الآخر، واستقام أمْرُ العالَم وصلح" (مفتاح دار السعادة).

ثانيًا: من الحِكَم في تقدير نزول المطر:

?- أنه مِن أخص خصائص الربوية لله -تعالى- وحده: (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) (النمل:60).

?- أن الأرض تحيا بالماء، وتموت إذا فقدته هي ومَن عليها: قال الله -تعالى-: (وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) (النحل:65).

?- أن مَن أحيا الأرض بعد موتها بالماء قادر على إحياء الموتى بعد الممات، جلت حكمته وعظمت قدرته: قال -تعالى-: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (الأعراف:57).

?- أن البشر عاجزون حتى في تخزينه إلا بأمر الله -تعالى-: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ) (الحجر:22).

قال ابن كثير -رحمه الله-: "وما أنتم له بحافظين؛ بل نحن ننزله ونحفظه عليكم، ونجعله معينًا وينابيع في الأرض، ولو شاء -تعالى- لأغاره وذهب به؛ ولكن مِن رحمته أنزله وجعله عذبًا، وحفظه في العيون والآبار والأنهار وغير ذلك؛ ليبقى لهم طول السنة يشربون ويسقون أنعامهم وزروعهم وثمارهم" (تفسير ابن كثير).

?- إن نزول الماء العذب رزق وبركة، وتطهير للقلوب والأبدان، بل فرحة كبرى لكل الخلق: قال -تعالى-: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ) (ق:?)، (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (الروم:??).

ثالثًا: عبوديات وقت نزول المطر:

?- الخوف والفزع خاصة إذا اشتدت الريح ساعة نزول مطر خشية أن يكون عذاب من الله -تعالى-، قالت عَائِشَة -رضي الله عنها-: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا كَانَ يَوْمُ الرِّيحِ وَالْغَيْمِ عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ فَإِذَا مَطَرَتْ سُرَّ بِهِ وَذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: (إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عَذَابًا سُلِّطَ عَلَى أُمَّتِي، مَا يُؤَمِّنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ قَدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا) (متفق عليه).

?- الاعتراف بأنه من فضل الله ورحمته بنا جميعًا، وأنه علامة على صحة توحيد العبد: فعن زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه- قال: صَلَّى لَنَا رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- صَلَاةَ الصُّبْحِ بالحُدَيْبِيَةِ علَى إثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أقْبَلَ علَى النَّاسِ، فَقالَ: (هلْ تَدْرُونَ مَاذَا قالَ رَبُّكُمْ؟) قالوا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: (أصْبَحَ مِن عِبَادِي مُؤْمِنٌ بي وكَافِرٌ، فأمَّا مَن قالَ: مُطِرْنَا بفَضْلِ اللَّهِ ورَحْمَتِهِ، فَذلكَ مُؤْمِنٌ بي وكَافِرٌ بالكَوْكَبِ، وأَمَّا مَن قالَ: بنَوْءِ كَذَا وكَذَا، فَذلكَ كَافِرٌ بي ومُؤْمِنٌ بالكَوْكَبِ) (متفق عليه).

?- نزول المطر من مواطن إجابة الدعاء: فعن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ثِنتانِ ما تُرَدّانِ : الدُّعاءُ عِنْدَ النِّداءِ، وَتَحْتَ المَطَرِ) (رواه الحاكم، وحسنه الألباني).

وقال الشافعي -رحمه الله- في الأم: "حفظت عن غير واحد: طلب الإجابة عند نزول الغيث، وإقامة الصلاة).

?- الدعاء بالأدعية المأثورة: فَيُسَن أن يُقال: اللهم صَيِّبًا نَافِعًا، فعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا رأى المطر، يقول:  (اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا) (رواه البخاري).

وإذا كثر المطر وخشي ضرره، يُسَن أن يقال: "اللهم حوالينا ولا علينا"، ففي حديث أنس -رضي الله عنه- قال: قَامَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ أَوْ قَالَ غَيْرُهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ، وَغَرِقَ الْمَالُ؛ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: (اللهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا) (متفق عليه).

?- واسْتَحَب أهل العلم للمرء عند أول المطر أن يكشف عن بعض بدنه؛ ليناله المطر؛ لحديث أنس -رضي الله عنه- قال: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَطَرٌ، قَالَ: فَحَسَرَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَوْبَهُ، حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ الْمَطَرِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ: (لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ -تَعَالَى-) (رواه مسلم).

أسأل الله أن يرزقنا المطر النافع الذي تحيا به الأرض، والقلوب والأبدان، وتحيا به بلادنا وبلاد المسلمين، وأن يسقينا منه مغيثًا مريئًا، نافعًا غير ضار، عاجلاً غير آجل. 

اللهم آمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم..

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة