الثلاثاء، ١٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ١٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الفساد (80) سلبيات أبرزتها أزمة كورونا (8) الخلل الإعلامي في مواجهة كورونا

مع تفشي وباء كورونا استخدم الإعلام لغة تنشر الخوف والذعر بشكل كبير بين الجمهور

الفساد (80) سلبيات أبرزتها أزمة كورونا (8) الخلل الإعلامي في مواجهة كورونا
علاء بكر
الأحد ١٧ يناير ٢٠٢١ - ٢٠:١٩ م
354

الفساد (80) سلبيات أبرزتها أزمة كورونا (8) الخلل الإعلامي في مواجهة كورونا

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

(فلم يكشف تفشي وباء "كوفيد -19" أوجه القصور في أقوى النظم الصحية في العالم فقط، بل كشف اختلالات التغطية الإعلامية وأوجه الضعف في نظام الإعلام الدولي، ففي الأسابيع الأولى من تفشي الوباء العالمي بدا بالنسبة لكثير من الصحفيين والمعلقين في الغرب كمرض بعيد قادم من الخارج، عندما كان مركز الوباء في الصين وإيران، وغيرها من دول آسيا باعتبارها من الدول التي أصابها الوباء في البداية، حينها لم تُظهِر وسائل الإعلام الغربية كثيرًا من الاهتمام في تحليل وتغطية أخباره -ولم يكن قد أعلن بعد أنه وباء علمي-، واتجهت التحليلات إلى تناول الوباء كاختبار لشفافية الدول السلطوية التي تحاول التغطية على نواحي القصور لديها.

ومع الوقت تحولت التغطية بشكل جذري عندما أقترب المرض إلى داخل الدول الغربية ذاتها ليصبح حدثًا أكثر محلية حتى غطت أخبار كورونا على جميع القطاعات الإخبارية الأخرى لأسابيع وحتى اليوم؛ إذ تزايدت الحاجة للحصول على المعلومات التفصيلية والخدمية نتيجة القرب الجغرافي والثقافي.

وعلى الرغم من هذا التغير في نطاق التغطية، ونبرة التغطية الإعلامية من الدولي إلى المحلي، فإن تغطية أخبار "كوفيد - 19" تجعلنا نرى الاختلالات في صناعة الأخبار على مستوى العالم بشكل أكثر وضوحًا)، (إن نظم الإعلام الدولية وآليات صناعة الأخبار تؤثِّر بشكلٍ كبيرٍ في طبيعة التغطية الإعلامية الناتجة)؛ لذا (ينبغي على الإعلام -بل ويمكنه أيضًا خاصة في ظل خطورة تداعيات هذا الوباء وتعدد أوجهها- أن يؤدي أداء أفضل ليس فقط على مستوى التوعية الطبية، بل كذلك من حيث تسليط الضوء على قضايا تتعلق بالمهمشين، مثل: عدم عدالة توزيع الموارد ومن أهمها الخدمات الصحية والعلاجية) (انظر: "مجلة الديمقراطية" عدد يوليو 2020 م، ص 94 - 95 بتصرفٍ).

أرقام إحصائية بلا تحليل ونقد:

مالت التغطية الإعلامية في كافة وسائل الإعلام إلى التركيز على الأرقام الإحصائية لتتبع حالات "كوفيد - 19"، حيث (تتصدر عدد الإصابات الجديدة والعدد الإجمالي للحالات وعدد الوفيات عناوين الأخبار، ولكن تغفل هذه التغطية شيئًا حيويًّا لفهم انتشار الوباء؛ فهي لا تقدم سياقات مجتمعية، ولا تناقش إن كان المرض انتشر في بؤرة أو داخل أسرة أو لا، بل لا تقدِّم بشكلها الحالي حتى عدد الحالات مقارنة بعدد السكان أو الناتج المحلي الإجمالي لبلد ما أو جاهزية النظام الصحي، فانتشار المرض في بلد تعاني من تبعات صراع مسلح، وتردي البنية التحتية -مثل: اليمن-، يختلف تمامًا عن انتشاره في بلد مستقر نسبيًّا -مثل: تونس-، وذلك في نفس الدائرة الثقافية.

واتسمت التغطية الإعلامية بشكل عام بعدم التركيز على قضايا: كالفقر وعدم المساواة، أو انتقاد ضعف النظم الصحية، بل وضعت التغطية الإعلامية ضغوطًا على الفرد ومدى وعيه ليتأقلم على الأوضاع باسم الوطنية). إن (من الخيارات الممكنة الاعتماد على صحافة البيانات لمقارنة مسار الفيروس عبر الدول، مثل: استخدام الرسوم البيانية التي تظهر دول العالم في ثلاث مراحل من مكافحة الوباء: دول تجاوزت الوباء، ودول في مرحلة مكافحته، ودول تحتاج لبذل مزيد من الجهود لمواجهته لارتفاع مؤشر الإصابات باستمرار)، (وتعد الرسوم البيانية مصدرًا خصبًا لمقارنات ثرية على المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية التي يمكن أن تلهم الصحفيين لتوجيه الأسئلة الصحيحة، وتفكيك الثنائيات النمطية السائدة، مثل: الدول الغربية، وغير الغربية، والديمقراطية والسلطوية والصناعية والنامية. فالانطلاق من السياقات الكلية يمكن أن يوسع دور الصحافة من مجرد العرض والوصف المجرد للحقائق إلى الفهم والنقد والتحليل) (المصدر السابق، ص 97 بتصرف).

 نشر الخوف والفزع من الوباء:

مع تفشي وباء كورونا استخدم الإعلام لغة تنشر الخوف والذعر بشكل كبير بين الجمهور، ويعني التناول الأمني اقتصار رؤية الأمور على الأمن القومي في الخطاب الإعلامي فقط، من خلال تسليط الضوء على الإجراءات العقابية والتداعيات السلبية فقط، بدلًا من تسليط الضوء على الجوانب الإنسانية أو التنموية أو التضامن لتحقيق الصالح العام)، (فالخوف محرك إنساني يضفي الأهمية على القضايا، وبينما يعد موضوع "كوفيد - 19" موضوعًا مهمًّا وتهديدًا للصحة العامة بالفعل؛ إلا أن المبالغة في نشر الذعر العام يمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية، منها: الانفضاض عن القضية تمامًا، وهذا ما توصلت له المسوح الحديثة بالفعل؛ إذ زاد معدل تجنب الأخبار، وزادت معدلات هروب الجمهور إلى المضامين الترفيهية مثلما أظهرت مواقع التواصل الاجتماعي زيادة في سلوكيات الدعاية والسخرية من الأزمة) (راجع المصدر السابق، ص 97).

نقص المعلومات وفقد الشفافية:

(وفي الجانب الآخر: لا ينبغي أن يكون دور الصحافة الأساسي هو تسليط الضوء على الإنجازات الحكومية فحسب، حاليًا يتحدث الصحفيون العرب بالفعل عن الصعوبات المتزايدة لأجل الحصول على معلومات بشفافية نتيجة خوف المصادر من التحدث) (المصدر السابق، ص 97).

إن إخفاء المعلومات عن الإعلاميين أو تجنب الإعلاميين للشفافية والمصداقية يفتح الباب للبحث عن المعلومات من مصادر مضللة أو غير محترفة؛ مما يوفِّر بيئة خصبة للإشاعات والأخبار الكاذبة.

لقد (تمكنت مواقع التواصل الاجتماعي من تغيير بنية إمداد الجمهور بالمعلومات؛ فبقدر ما يمكن أن تؤدي هذه المواقع إلى نشر الأخبار بسرعة أكبر، فإنها أيضًا تسهم في زيادة نشر المعلومات المضللة أو ما يطلق عليه الأخبار الزائفة)؛ مما تسبب في انتشار المعلومات المضللة في كافة دول العالم، التي وَجدت في مواقع التواصل الاجتماعي مجالًا خصبًا لنشر المعلومات وتداولها دون تدقيق أو مراجعة من الصحفيين المحترفين.

(وبينما لكل مجتمع نصيبه من انتشار المعلومات المضللة به، ففداحة انتشارها مرهون بنظام إعلامي مستقل يجعل المواطنين أكثر حصانة من خلال توفير معلومات دقيقة تتسم بالمصداقية؛ ولذلك يعد انصراف الجمهور عن الإعلام إلى مواقع التواصل الاجتماعي فحسب كمصدر أساسي للأخبار مؤشرًا دالًّا على فقدان التأثير في الأزمات.

من جانب آخر: يمكن أن يقدم الإعلام المرئي نموذجًا مثاليًّا يُحْتَذَى به؛ ففي المرحلة الأولى للأزمة روجت وسائل الإعلام الدولية للتدابير الاحترازية للسلامة وللوعي من خلال تطبيق قواعد التباعد الاجتماعي في المؤتمرات في المؤتمرات الصحفية، أو من خلال تزايد الاعتماد على وسائل التواصل عن بُعد عبر تقنيات الفيديو كونفرانس في برامج الإعلام، أو التخلي عن الجمهور في البرامج الحوارية دون إثارة الموضوع بشكل مباشر) (راجع المصدر السابق، ص 96).

اختلالات في التغطية الإعلامية:

لقد كان للصحفيين جهودًا في تحسين جودة الإنتاج الإعلامي (من خلال بناء تحالفات للصحفيين عابرة للدول لتبادل مصادر المعلومات، أو دفع الاهتمام بمنصات الإعلام العالمي؛ لأن مواجهة تداعيات الأزمة يحتاج التكاتف عبر الدول سواء حكومات أو إعلاميين)، ولكن التغطية الإعلامية لم تخلو مِن العديد من الاختلالات، منها:

- التركيز على النخب والمشاهير، وشخصنة القصص الخبرية، مثلما تتبع الإعلام النجوم والسياسيين الذين أصيبوا بالفيروس.

- إثارة القضايا الجدلية الساخنة التي حَوَّلت الأخبار العلمية إلى صراعات شخصية مثيرة؛ فـ(في الإعلام الألماني تَصَدَّر خلاف شهير بين علماء الفيروسات في ألمانيا عناوين الأخبار لأسابيع، خاصة بعد زيادة الاستعانة بهم في نشرات الأخبار اليومية، وبينما يظهر الاعتماد الزائد على الخبراء تحولًا حميدًا نحو تنويع المصادر واتجاهًا لتقديم العلم، والذي نادرًا ما يحظى بمثل ذلك الاهتمام وتسليط الأضواء في الأخبار المعتادة؛ إلا أن طغيان الطابع الشخصي على القضية -بدلًا من عرض الحقائق- أضر وشتت الجمهور) (راجع المصدر السابق، ص 98).

- (مِن الاختلالات الواضحة كذلك سيطرة ونفوذ جماعات الضغط (اللوبي)، ومثال على ذلك: الوقت الذي أفردته برامج تليفزيونية على الهواء مباشرة لمناقشة ضرورة العودة إلى المسابقات الرياضية -خاصة لعبة كرة القدم الاحترافية- بمجرد تراجع ذروة تفشي الفيروس في ألمانيا؛ هنا نلحظ: تأثر وسائل الإعلام بجدول أعمال جماعات الضغط والمعلنين باعتبار الإعلانات مصدر دخل مهم؛ إضافة إلى تحيز الإعلام إلى الصحفيين الرياضيين الذين باتوا بلا عمل يومي، وأسفر ذلك عن تخفيف جزئي للقيود المفروضة على الرياضة، لكن في الوقت نفسه لم تحظَ احتياجات القطاعات الأخرى التي تعاني من تبعات الإغلاق العام بنفس الاهتمام، مثل: قطاع الثقافة والمكتبات، والتعليم والمهاجرين، والأُسر بمثل هذا الاهتمام البارز في التغطية لإعلامية) (انظر المصدر السابق، ص 98).

أزمة الإعلام العربي:

يعاني الإعلام في العالم العربي بعد عقود عديدة من الاستقلال والتحرر من الاستعمار العسكري من أزمة كبيرة تلقي بظلالها على أداء هذا الإعلام بدوره المنشود، والمساهمة المطلوبة في توجيه الأمة نحو الإصلاح، وقد ساهمت أزمة كورونا في إبراز وإظهار مدى معاناة الإعلام العربي في صوره المختلفة.

 إن العالم العربي يمر (حاليًا بمرحلة تحول انتقالي بالغة الصعوبة والتعقيد، تتشابك فيها التحولات العالمية والدولية مع المتغيرات المحلية السياسية والاقتصادية والثقافية، ويتم ذلك في مشهد عربي بانورامي يزخر بالمتناقضات، حيث يتزامن القديم والجديد والوافد والموروث دون تفاعل حقيقي، وتهيمن فيه السياسة على الثقافة، وتتسع الفجوة بين التقليدي والعصري في مختلف مجالات الحياة، وتخضع في مجمله لطغيان الثقافة الاستهلاكية التي تمارسها القوى العالمية المسيطرة على وسائل الإعلام المرئي والمسموع، وتساندها الحكومات العربية التي لا تزال تحكم قبضتها على وسائل الإعلام من حيث السياسات ومصادر المعلومات وملكية وسائل الإعلام، وتشريعيًّا من خلال ترسانة قوانين محكمة. (راجع: "الصحافة والإعلام: أزمات - قضايا - رؤى بديلة" د. عواطف عبد الرحمن، دار المعارف - سلسلة اقرأ - ط. أولى سبتمبر2020 م، 11 بتصرف).

(إن هناك صراعًا دائمًا بين تيار الإصلاح المطالب بإطلاق الحريات، خصوصًا حرية الصحافة وبين التيار المعادي للحريات والمتغلغل داخل نسيج النظم العربية الحاكمة الذي يسعى بدأب لتشديد القبضة الحديدية على حرية الصحافة والإعلام؛ بحجة حرمان الإرهابيين من اختراق الرأي العام، أو بذريعة حماية الأمن القومي. والواقع أنه لا يمكن للإعلام أن يقوم بدوره سياسيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا دون إطار ثقافي اجتماعي يساعد على ترسيخ قيم الممارسة الديمقراطية ومبادئها).

(ويشير المشهد الثقافي في العالم العربي إلى وجود ثلاثة أنواع من الثقافات تتداخل وتتلاقح:

- ثقافة الخضوع والاستكانة الناتجة عن الطبيعة الأبوية السلطوية للمجتمع العربي.

- ثقافة التبعية التي تكرس التقليد والاقتباس من الثقافة الغربية بشقيها الأنجلوفوني والفرانكوفوني، وتسود هذه الثقافة بين النخب السياسية والثقافية، وتترسخ من خلال وسائل الإعلام المرئي والمقروء والمسموع.

- ثقافة المشاركة التي تعد ركيزة أساسية للممارسة الديمقراطية، وتشهد تراجعًا ملحوظًا في العالم العربي.

وهذا يعني أن أنماط الثقافة السائدة تسير في اتجاه لا يشجع على الممارسة الديمقراطية الحقيقية، بل يساند الممارسة السياسية والإعلامية التي تقوم على التعددية الشكلية، والتي لا تسعى إلى ترسيخ حقوق المواطنة السياسية والثقافية والإعلامية.

وهنا يجب التنبيه إلى ضرورة حماية الثقافة ذاتها مِن سطوة السوق، وسيادة الطابع الاستهلاكي التجاري، ومحاولات المستثمرين ورجال المال الذين يسعون إلى تسليع الثقافة من خلال المسلسلات والمنوعات والإعلانات وتهميش الثقافات الجادة، ويضاف إلى ذلك: التحديات المعلوماتية التي تشير إلى أن تدفق المعلومات في العالم العربي لا يزيد على كونه حقيقة تكنولوجية أكثر من كونها حقيقة ثقافية واجتماعية، فالمعلومات لا تصل للجموع العريضة من المواطنين في الريف والحضر؛ بسبب انتشار الفقر والأمية، والقيود الأمنية، والحكومية؛ ولذلك يعتبر غياب التدفق الحر للمعلومات وسيلة لتدعيم الصمت لدى غالبية الشعوب العربية الذين يلجأون إلى البرامج الرياضية والترفيهية، وسائر أشكال التخدير، وتزييف الوعي، مثل: البرامج الحوارية التي يتحرك معظمها في دائرة المسموحات الأمنية ومصالح رجال الأعمال) (راجع: المصدر السابق، ص 12 – 14 بتصرفٍ يسيرٍ).

(وتشير الدراسات إلى أن الشعوب العربية لا تزال تشغل مواقع المستهلكين للمنتجات المعلوماتية الغربية؛ بسبب غياب البنية التحتية في مجالات التعليم، والتدريب والبحث العلمي، كما أن عمليات نقل التكنولوجيا الاتصالية لم يستفد منها سوى رجال البنوك والتكنوقراط والمعلنين؛ علاوة على تمركز وسائل الإعلام في العواصم، وحرمان أهالي الريف والبوادي من الصحف، مع ندرة الإذاعات المسموعة والمرئية في الأطراف والمناطق النائية، ولا يمكن إغفال أزمة الإعلاميين العرب والتي ترجع إلى غياب برامج التأهيل والتدريب، وغياب الديمقراطية داخل المؤسسات الإعلامية وانتشار الشللية، وعدم توافر وتفعيل ضمانات ممارسة المهنة (التشريعات والقوانين ومواثيق الشرف) مضافًا إلى ذلك التأثير السلبي للإعلانات والمعلنين، وضعف النقابات الإعلامية أو غيابها.

وهناك غياب الإعلام المعبِّر عن منظمات المجتمع المدني؛ بسبب ضعف هذه التنظيمات، وتبعيتها للحكومات العربية، وغياب المفهوم التنموي للعمل الأهلي، وعدم قدرة العاملين على تجاوز الطابع الدعائي للإعلام عن أنشطتهم) (المصدر السابق، ص 14 - 15).

(وتتجلى أزمة العقل الإعلامي على الصعيد الأدائي في مجالي السياسات والممارسات الإعلامية عالميًّا ومحليًّا، وتعزى أساسًا لعدة أسباب، أبرزها: عدم التوازن في انسياب المعلومات من الشمال إلى الجنوب، ورسوخ الاتجاه الرأسي الأحادي الجانب للإعلام من أعلى إلى أسفل، من المراكز الدولية في الشمال المهيمنة على التكنولوجية المتقدمة، والمعرفة والتراث الإعلامي، إلى الأطراف الأفقر في الجنوب، ومن الحكومات إلى الأفراد والشعوب، ومن الثقافة الغربية المسيطرة إلى الثقافات التابعة.

ففي ظل الثورة العلمية والتكنولوجية، وفي إطار المحاولات الدؤوبة التي تقودها القوى المتحكمة في السوق العالمية من أجل عولمة الثقافة والتعليم والدِّين، وسائر مكونات المنظومة الحضارية التي كانت تحتفظ باستقلال نسبي خارج دوائر وقيم السوق العالمية، وفي ظل الهيمنة السياسية والاقتصادية للمؤسسات المالية الدولية والشركات المتعددة الجنسية والدول الثمانية الكبار بزعامة الولايات المتحدة (المصدر السابق، ص 29).

(أما على الصعيد العربي؛ فإن أسباب أزمة العقل الإعلامي تتمحور إجمالًا حول السيطرة التي تمارسها الحكومات العربية في مجال تنظيم وتوجيه أنشطة الاتصال والإعلام سواء من النواحي الاقتصادية (ملكية وسائل الإعلام - توفير موارد الاتصال)، أو مِن النواحي التشريعية: (قوانين المطبوعات والتشريعات الإعلامية) فضلًا عن تحكمها في المضامين والممارسات الإعلامية في إطار السياسات الإعلامية، والاتصالية المعلنة والمستترة، ومعاداتها للتعددية الفكرية والسياسية واحتكارها لمصادر المعلومات، وإصرارها على مصادرة الآراء المخالفة من خلال أجهزة الرقابة المتباينة الأشكال.

وهناك إلى جانب الضغوط والقيود التي تبالغ الحكومات العربية في استخدامها لتحجيم الأدوار التي يقوم بها الإعلاميون العرب تبرز الضغوط المهنية والإدارية داخل المؤسسات الإعلامية والصحفية، والتي تؤثر بصورة سلبية على بيئة العمل الإعلامي ككل سواء من ناحية مدى مشاركة الإعلاميين في صنع القرارات، ووضع السياسات الإعلامية أو على مستوى الأداء المهني وعلاقات العمل؛ علاقة الإعلاميين بالمصادر، وبالجمهور وبالزملاء والرؤساء).

(وتشير الدراسات إلى غياب المعايير الموضوعية لقياس الأداء المهني للإعلاميين والصحفيين في أغلب المؤسسات الإعلامية والصحفية في العالم العربي، فضلًا عن عدم توفر ضمانات ممارسة المهنة من خلال تفعيل التشريعات التي تحقق الحماية المهنية للإعلاميين والصحفيين، والتي تنص على ضرورة تيسير الوصول إلى مصادر المعلومات، كما تنص على ضرورة الالتزام بشرط الضمير عند التعاقد بين الصحفي والمؤسسات الصحفية) (المصدر السابق، ص 31 - 32).

(ومن أبرز صور الأزمة الأدائية عجز الإعلامين العرب عن مواكبة عصر المعلومات في ممارساتهم الصحفية والإعلامية، والتي تتمثل في غلبة الطابع الدعائي الإقناعي التقليدي على أسلوب الخطاب الإعلامي، الذي لا يزال يدور في فلك الحكام، وتأكيد روح الانبهار بالثقافة الوافدة، وإغفال الاحتياجات الاتصالية لجمهور المتلقين، حيث تتعامل معهم وسائل الإعلام العربية باعتبارهم مستهلكين وليسوا مشاركين، استنادًا إلى الرؤية التقليدية للإعلام التي تركز على الأسلوب الأحادي والرأسي الاتجاه) (راجع المصدر السابق، ص 32).

أزمة المتلقين للإعلام العربي:

(يُلاحَظ: أن وسائل الإعلام العربية تتوجَّه إلى جمهور أغلبه من الأميين؛ ولذلك تشير الدراسات إلى أن الخريطة الإعلامية العربية الراهنة تعكس المواقع الهامشية التي يشغلها جمهور المتلقين حيث تتعامل أغلب وسائل الإعلام العربية مع جماهيرها باعتبارهم مستهلكين، وليسوا مشاركين أو محاورين، وتستند في ذلك إلى النظرة التقليدية في الاتصال التي تعمد إلى إفراغه من محتواه كعملية اجتماعية تعتمد على المشاركة، وتبادل المعلومات والخبرات الإنسانية؛ إذ تصر على قصر أدواره على الوظيفة الإعلامية ذات الطابع الإقناعي الدعائي الأحادي الاتجاه.

وبرغم ما أتاحته الفضائيات من برامج حوارية، فإن تأثيرها لا يزال محدودًا، ويقتصر على قطاعات عشوائية يتم اختيارها من الجمهور بالمدن والعواصم.

والواقع: أن الجماهير العربية تقف عزلاء تحاصرها القيود التشريعية، وتسيطر عليها مشاعر الإحباط واللامبالاة في مواجهة سطوة وسائل الإعلام العربية التي لا تعترف أصلًا بالحقوق الاتصالية للجمهور؛ سواء في التعبير أو المشاركة.

وهنا يجدر الإشارة إلى حقيقة مهمة تشير إلى المركزية الشديدة في الأنشطة الإعلامية التي تسود الوطن العربي، حيث يتركز الإنتاج الإعلامي في العواصم؛ مما أدَّى إلى حرمان سكان الريف والبوادي الذين يشكلون 80 % من سكان الوطن العربي، وجاءت الثورة التكنولوجية في الاتصال والمعلومات كي تخلق فجوة جديدة بين المستفيدين من الخدمات الإعلامية الحديثة وبين هؤلاء المحرومين منها، حيث أصبح استخدام القنوات الفضائية المحلية والدولية وشبكات المعلومات مقصورًا على الأغنياء والقادرين، وأصبحت تكنولوجيا الاتصال القديمة من نصيب الفقراء؛ مما أدَّى إلى تعميق فجوة المعلومات والمعرفة بين هؤلاء الذين يملكونها ويستخدمونها بما يعنيه ذلك من قدرة للوصول إلى المعلومات والمعرفة، وبين أولئك الذين لا يستطيعون امتلاكها واستخدامها.

ويمكن القول: إن الثورة التكنولوجية قد أضافت تصنيفًا جديدًا للخريطة الإعلامية في الوطن العربي فأصبح هناك إعلام الأغنياء وإعلام الفقراء؛ سواء كانوا من المتعلمين أو الأميين في الريف أو الحضر، علاوة على الإعلام المقروء وأعني الصحافة العربية التي تخص المتعلمين فقط؛ هذا ويطلق خبراء المعلوماتية على الفجوة الطبقية في مجال المعلومات مصطلح (الفجوة الرقمية)، ويعكس هذا المصطلح جماع الفروق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنوعية والعمرية وثنائية الريف والحضر) (راجع المصدر السابق، ص 37 – 38).

جيل الإنترنت:

(تتجلى أبرز الثمار الإيجابية لشبكة الإنترنت في ظهور ما يسمَّى (جيل الإنترنت) الذي أصبح محورًا للعديد من الدراسات العلمية).

إن هذا الجيل يستعمل الكومبيوتر كوسيلة للاتصال والتعبير عن نفسه، وبهذا يختلف جيل الإنترنت والكومبيوتر عن جيل التليفزيون السلبي، فالتلفزيون يسيطر عليه الكبار، بينما يتحكم جيل الإنترنت من الشباب على معظم عالمهم، بعيًدا عن هرمية السلطة، وهذا يجعل الإنترنت أساسًا مختلفًا عن إبداعات تكنولوجيا الاتصال السابقة، مثل: الصحافة المطبوعة أو الراديو والتليفزيون التي تتسم بهرمية السلطة والمركزية، وغياب المرونة، خلافًا لوسائل الإعلام الجديدة التي تتميز بالمرونة والتفاعلية واللامركزية.

(ولا شك أن عصر الإنترنت الحالي قد أتاح لهؤلاء الصغار هامشًا فسيحًا لتفكيك علاقة السلطة الهرمية مع آبائهم ومعلميهم، مما يستلزم إعادة النظر في طرق ومناهج التعليم، وتوظيف المزايا العديدة للإنترنت والحاسوب لخلق أنماط جديدة للتعلم) (انظر المصدر السابق، ص 124 - 126).

من تحديات عصر الإنترنت:

- (تأخر معظم المجتمعات غير الغربية عن دخول عصر المعلومات بمعطياته وزخمه الحقيقي، ويعزى ذلك إلى ضعف وقصور البنى التحتية اللازمة لهذا العصر؛ خصوصًا بنية الاتصال والمواصلات، والتعليم والتدريب والبحث العلمي؛ إضافة إلى سيطرة اللغة الإنجليزية على معظم المحتوى المعلوماتي، وضعف برامج التنمية المعلوماتية والتكنولوجية.

ويؤكِّد ذلك: أن عصر المعلومات بمزاياه وفوائده قد كان حكرًا على الدول الغنية، وعدد قليل من الشرائح العليا في الدول النامية، وأن المليارات من البشر لم يشملهم حزام المعلومات حاليًا، ويواجهون التهميش السياسي والاقتصادي) (راجع المصدر السابق، ص 138).

- (برغم تزايد أعداد مستخدمي الإنترنت في الدول النامية -خصوصًا العالم العربي وإفريقيا- فإن الشواهد العملية تؤكِّد أن هذه الدول لا تزال تشغل موقع المستهلكين للمنتجات المعلوماتية الغربية؛ بسبب غياب البنية التحتية المعلوماتية في مجالات التعليم والتدريب والبحث العلمي، وعدم تمكين الشرائح الاجتماعية المختلفة من الرجال والنساء، والشباب والأطفال من المشاركة في الاستثمار العلمي والعملي في شبكة الشبكات؛ مما أسفر عن ظهور ما يُسمَّى: (الفجوة الرقمية)؛ للدلالة على الفرق بين مَن يمتلك المعلومة ومَن يفتقر إليها) (راجع المصدر السابق، ص 139).

- (لوحظ أن تطورات الحرب العالمية التي قادتها الولايات المتحدة ضد الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م قد أدَّت إلى تزايد انتشار المواقع التي تروج للإرهاب، فالمعركة الحقيقية مع الجماعات الإرهابية كما يؤكد خبراء الإنترنت والإرهاب اتسعت لتشمل الفضاء الإلكتروني، حيث اكتسب الإنترنت أهميته لدى الجماعات الإرهابية كوسيلة سريعة للنشر، وفي الوصول إلى المستهدفين، والإفلات من الرقابة الحكومية، وذلك مع استمرار ضعف الدول النامية في عمليات المواجهة، خصوصًا مع غياب التوافق العالمي حول السياسات الواجب اتباعها أو حتى في تعريف ماهية الإرهاب) (راجع المصدر السابق، ص 141 - 142).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة