الثلاثاء، ١٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ١٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

ماذا يريد العلماء والدعاة والمصلحون لمجتمعاتهم؟!

مثلهم في الأرض كمثل النجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر

ماذا يريد العلماء والدعاة والمصلحون لمجتمعاتهم؟!
إبراهيم جاد
الأربعاء ٢٠ يناير ٢٠٢١ - ١٠:٤٢ ص
315

ماذا يريد العلماء والدعاة والمصلحون لمجتمعاتهم؟!

كتبه/ إبراهيم جاد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقبل الإجابة عن هذا السؤال لابد أن نعرف: مَن هم العلماء والدعاة والمصلحون؟!

هم المؤتمنون -بفضل الله تعالى- على دين الأمة وعمارة أوطانهم، وعقول شبابهم، والتفكير في مصالحهم الدينية والدنيوية.

هم مَن يحملون أمانة العلم ونشره والتبليغ عن الله -تعالى-، وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم- بالحكمة والموعظة الحسنة.

هم العاملون المنِّفذون لأوامر الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وهدي سلفهم الصالح، والداعون إليها، والمشتغلون بها والمتفانون فيها.

هم حجة الله -تعالى- على خلقه بعد الأنبياء -عليهم السلام-؛ لأنهم أكثر الناس خشية بعدهم لله -تعالى-، وخوفًا منه وتقربًا إليه؛ فذلك أهم ميراثهم، فهم أهل الذكر، وأهل كل خير، هم الأمناء على الدِّين والعِرض، والأرض.

وخلاصة القول كما قاله الآجري -رحمه الله- في مقدمة كتابه: (أخلاق العلماء): "إن الله -عز وجل- وتقدست أسماؤه اختص مِن خلقه مَن أحب؛ فهداهم للإيمان، ثم اختص مِن سائر المؤمنين مَن أحب فتفضل عليهم، فعلَّمهم الكتاب والحكمة وفقههم في الدِّين، وعلمهم التأويل، وفضلهم على سائر المؤمنين، وذلك في كل زمان وأوان، رفعهم بالعلم وزينهم بالحلم، بهم يُعرف الحلال من الحرام، والحق من الباطل، والضار من النافع، والحسن من القبيح، فضلهم عظيم وخطرهم جزيل، ورثة الأنبياء، وقرة عين الأولياء، الحيتان في البحار لهم تستغفر، والملائكة بأجنحتها لهم تخضع، والعلماء في القيامة بعد الأنبياء تشفع، مجالسهم تقيد الحكمة، وبأعمالهم ينزجر أهل الغفلة، هم أفضل مِن العُبَّاد، وأعلى درجة من الزُّهاد؛ حياتهم غنيمة، وموتهم مصيبة، يذكرون الغافل، ويعلمون الجاهل، لا يتوقع لهم بائقة، ولا يخاف منهم غائلة، بحسن تأديبهم يتنازع المطيعون، وبجميل موعظتهم يرجع المقصرون، جميع الخلق إلى علمهم محتاج... إلى أن قال: فهم سراج العباد، ومنار البلاد، وقوام الأمة، وينابيع الحكمة، هم غيظ الشيطان، بهم تحيا قلوب أهل الحق، وتموت قلوب أهل الزيغ، مثلهم في الأرض كمثل النجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، إذا انطمست النجوم تحيروا، وإذا أسفر عنها الظلام أبصروا" (أخلاق العلماء ص 13).

ويبقى لنا السؤال: ماذا يريد العلماء والدعاة والمصلحون من مجتمعاتهم؟!

نعلم جميعًا: أن العلم مسئولية عظيمة، وحمل ثقيل، وأمانة عظمى، ومكانة كبرى من الله -تعالى- عليهم، وهم مسئولون أمامه عنه، والجهل خراب على القلوب والبيوت والأوطان، بل حتى على البهائم والدواب، قال الله -تعالى-: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) (المجادلة:11).

فأول ما يريده العلماء والدعاة والمصلحون لله ولدينه ولعباده:

1- تعبيد الناس لربهم -جلَّ وعلا-، وبسنة نبيهم -صلى الله عليه وسلم-، وهدي سلفهم؛ فهم ورثة الأنبياء -عليهم السلام-.

قال سهل بن عبدالله التستري -رحمه الله-: "مَن أراد النظر إلى مجالس الأنبياء فلينظر إلى مجالس العلماء" (تذكرة السامع والمتكلم لابن جماعة ص 71).

قال ابن القيم -رحمه الله- معلقًا على كلام سهل: "هذا؛ لأن العلماء خلفاء الرسل في أممهم، ووارثُوهم في علمهم، فمجالسهم مجالسُ خلافةِ النبوةِ" (مفتاح دار السعادة 1/ 391).

فهم ورثة في تعليم الخَلق وتوضيح أمورهم، وإجابة أسئلتهم وبيان أحكام دينهم وتصفية دينهم من شوائب المبتدعة وشبهات الفرق واهل الضلال والانحراف، ووقوفهم سدًّا منيعًا ضد الشهوات التي تودي بدين العبد بأمر الله -تعالى-، فبالله عليكم إن لم يكن العلماء والدعاة والمصلحون أول لبنة في جدار بناء أساس المجتمع فمن يكون؟! كل هذا وهم يتوسلون إلى الله -تعالى- أن يعظم لهم الأجر ويرزقهم النية الخالصة الصالحة له.

2- الحفاظ على ثوابت هذا الأمة وعقيدتها الصحيحة النقية بعيدًا عن التفريط والإفراط وسط الرياح العاتية، والسهام الموجهه، والحملات الممنهجة، وسد أي شرخ في تماسك المجتمعات أوتآكلها أو انهيارها، وإبراز العادات الصحيحة والفطر السليمة وترسيخها، والدليل: دور العلماء في الحروب الداخلية والخارجية وفي توحيد الصفوف وجمع الكلمة على مرِّ العصور والأزمان.

قال -تعالى-: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران:18)، فالعلماء يحترقون ولا ينامون من أجل إصلاح رجال وشباب ونساء الأمة، ودحض الشبهات والشهوات عنهم؛ أوقاتهم لغيرهم، وأعمارهم لدينهم -فيما يبدو لنا، والأمر عند الله تعالى-.

3- بَثُّ روح الألفة والمحبة، والإخاء والتعايش بين أفراد المجتمع في جوٍّ اجتماعي يضرب بجذوره في القلوب، فيظهر الوحدة والارتباط، وتقوى العلاقات، وتشتد الأوصال، وتتقدم البلاد، وتسعد العباد بأمر الله -تعالى-.

والدليل: انظروا إلى أماكنهم وأحيائهم، ومناطقهم التي يعيشون فيها؛ فهي -بفضل الله تعالى- يزيد فيها الخير، وتقل فيها الجرائم، وتنتشر فيها الروح الطيبة، والحياة الهادئة، والاحترام المتبادل بين كل طوائف وطبقات المجتمع؛ فكم مِن كلمة عالم أراحت نفوسًا، وهدأت قلوبًا، وأوقفت صراعات! وكم من عمل يسيرٍ كان سببًا في التيسير على الناس!

4- السعي الحثيث والعمل الدءوب من أجل قضاء احتياجات الفقراء واليتامى والمساكين، وكل صاحب حاجة،

والتيسير والتسهيل بما يملكون، وبما يقدرون، فالعلماء أرحم الناس بالفقراء.

قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "كان شيخ الإسلام ابن تيمية يسعى في حوائج الناس سعيًا شديدًا؛ لأنه يعلم أنه كلما أعان غيره، أعانه الله" (روضة المحبين).

5- ايجاد حلول وبدائل للمشكلات، والتحديات والعقبات، والبحث عن أنسب الطرق وأفضل المخرجات التي تقوي الوطن وأمنه واستقراره، وتسهم في سدِّ احتياجاته وفي رفعته وتقدمه.

قال عبدان بن عثمان الأزدي: "ما سألني أحدٌ حاجة إلا قمت له بنفسي، فإن تم وإلا قمتُ له بمالي، فإن تمَّ وإلا استعنت بالإخوان، فإن تم وإلا استعنت بالسلطان" (سير أعلام النبلاء).

هذا بعض من أفضال العلماء والدعاة والمصلحين العالمين العاملين لله بحق؛ فأقل حقوقهم علينا: التعلم  على أيديهم، وحبهم، والدعاء لهم، والاعتراف بفضلهم ومكانتهم.

فيا شبابنا ويا رجالنا... احترام أهل العلم دين، والتخلق معهم هدي، وسلوك سلفنا والأخذ من معينهم فرصة في زمن علا فيه صوت الجهل، وكثر فيه الاختلاف، وشذ فيه المتعالمون.

قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "فإن كان ليبلغُني الحديثُ عن الرجل فآتيه وهو قائِلٌ، فأتوسَّد ردائي على بابه، فتَسفي الريح على وجهي التراب، فيخرج فيراني فيقول: يا ابن عمِّ رسول الله، ما جاء بك؟ ألا أرسلت إليَّ فآتيك! فأقول: لا، أنا أحقُّ أن آتيَك، فأسأله عن الحديث، قال: فبقي الرجلُ حتى رآني وقد اجتمع الناسُ عليَّ، فقال: كان هذا الفتى أعقلَ مني" (رواه الدارمي والحاكم في المستدرك، بسندٍ صحيحٍ).

ومن حقوقهم علينا: الدفاع عنهم والذب عن أعراضهم، والنزول على رأيهم، وقت الفتن وإحسان الظن بهم، قال الله -تعالى-: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) (النساء:83).

وكذلك دعمهم المعنوي، والوقوف بجوارهم والالتفاف حولهم، وتعريف الناس بهم، وغرس حبهم فيهم، والإقبال عليهم، لا التشهير والتقليل من شأنهم؛ فضلًا عما هو أسوأ مِن ذلك، فالله الله فيهم يا أرباب شبكات التواصل الاجتماعي، فوالله هم أول حصوننا، لو سقطت حكمنا على أنفسنا بالجهل، والخراب والدمار.

ولا يغرنكم حلمهم وحسن خلقهم، فالله يدافع عن المؤمنين؛ فكيف بأهل العلم والفضل منهم؟!

فاللهم إنا نشهدك أننا نحب أهل العلم مِن العلماء العاملين، والدعاة المخلصين والمصلحين، والأئمة المشهود لهم بالعلم والديانة، وصحة المنهج وسلامة المعتقد.

فاللهم أعنهم وسددهم، واجمعنا وإياهم مع النبي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- في أعالي الجنان.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين -صلى الله عليه وسلم-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة