الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

فوائد وعِبَر مِن قصة نبي الله الخضر -عليه السلام- (2) (موعظة الأسبوع)

(رحلة موسى -عليه السلام- إلى الخضر، وفضل الرحلة في طلب العلم)

فوائد وعِبَر مِن قصة نبي الله الخضر -عليه السلام- (2) (موعظة الأسبوع)
سعيد محمود
الأربعاء ٢٠ يناير ٢٠٢١ - ١٠:٤٦ ص
442

فوائد وعِبَر مِن قصة نبي الله الخضر -عليه السلام- (2) (موعظة الأسبوع)

(رحلة موسى -عليه السلام- إلى الخضر، وفضل الرحلة في طلب العلم)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

المقدمة:

- تذكير بما سبق باختصار.

- الإشارة إلى تناول القصة من خلال حديث قصة موسى والخضر -عليهما السلام-؛ لما فيها من تفصيل مجمل القرآن، ثم الإشارة إلى تقطيع القصة إلى مشاهد، مع الوقوف على الفوائد والعِبَر في كل مشهد.

- الإشارة إلى أن قصة الخضر -عليه السلام- هي قصة العلم وأهله.

(1) المشهد الأول: سبب القصة:

روَى الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما عن سعيدِ بن جُبَير قال: قلتُ لابن عباس: "إِنَّ نَوْفًا الْبِكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- صَاحِبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَيْسَ هُوَ مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللهِ، سَمِعْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: قَامَ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَسُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ، قَالَ فَعَتَبَ اللهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ: أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ، قَالَ مُوسَى: أَيْ رَبِّ كَيْفَ لِي بِهِ؟ فَقِيلَ لَهُ: احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ، فَحَيْثُ تَفْقِدُ الْحُوتَ فَهُوَ ثَمَّ".

الفوائد والعِبَر حول المشهد الأول:

- رد الفضل في كل شيء إلى الله -تعالى-، فقد عاتب الله نبيًّا على ذلك، مع كونه أعلم الناس، فأجرى عليه هذه القصة لتكون درسًا لنا: ففي الحديث: "فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ، قَالَ فَعَتَبَ اللهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ".

- تواضع موسى في استعداده وسؤاله عن كيفية لقاء الخضر وهو أعلم منه بلا شك: ففي الحديث: "فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ: أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ، قَالَ مُوسَى: أَيْ رَبِّ كَيْفَ لِي بِهِ؟"(1).

صور مِن تواضع العلماء(2):

- تواضع عطاء بن أبي رباح: قال عطاء بن أبي رباح: "إن الرجل ليُحدِّثني بالحديث، فأنصت له كأني لم أسمعه، وقد سمِعتُه قبل أن يولد" (سير أعلام النبلاء للذهبي).

- تواضع أحمد بن حنبل: "قال يحيى بن معين: ما رأيتُ مثل أحمد، صحبناه خمسين سنةً، ما افتخر علينا بشيء مما كان فيه من الخير" (سير أعلام النبلاء).

(2) المشهد الثاني: ارتحال موسى للقاء الخضر -عليهما السلام-:

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ثَمَّ فَأَخَذَ حُوتًا فَجَعَلَهُ فِي مِكْتَلٍ، ثُمَّ انْطَلَقَ وَانْطَلَقَ مَعَهُ بِفَتَاهُ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ، حَتَّى إِذَا أَتَيَا الصَّخْرَةَ وَضَعَا رُءُوسَهُمَا فَنَامَا، وَاضْطَرَبَ الحُوتُ فِي المِكْتَلِ، فَخَرَجَ مِنْهُ فَسَقَطَ فِي البَحْرِ (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي البَحْرِ سَرَبًا) (الكهف:61)، وَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنِ الحُوتِ جِرْيَةَ المَاءِ، فَصَارَ عَلَيْهِ مِثْلَ الطَّاقِ ، وفي رِواية: (حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ، فَنَزَلاَ عِنْدَهَا، قَالَ: فَوَضَعَ مُوسَى رَأْسَهُ فَنَامَ، وَفِي أَصْلِ الصَّخْرَةِ عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا: الحَيَاةُ لاَ يُصِيبُ مِنْ مَائِهَا شَيْءٌ إِلَّا حَيِيَ، فَأَصَابَ الحُوتَ مِنْ مَاءِ تِلْكَ العَيْنِ، فَتَحَرَّكَ وَانْسَلَّ مِنَ المِكْتَلِ، فَدَخَلَ البَحْرَ)، وفي روايةٍ: (فَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُ جِرْيَةَ البَحْرِ، حَتَّى كَأَنَّ أَثَرَهُ فِي حَجَرٍ) قَالَ لِي عَمْرٌو: هَكَذَا كَأَنَّ أَثَرَهُ فِي حَجَرٍ، وَحَلَّقَ بَيْنَ إِبْهَامَيْهِ وَاللَّتَيْنِ تَلِيَانِهِمَا. (رواه البخاري). فقال فتاة: لا أُوقِظه حتى يستيقظَ، فلمَّا استيقظ نسِي صاحبه أن يُخبرَه بالحوت، فانطلقَا بقية يومهما وليلتهما، حتى إذا كان من الغدِ قال موسى لفتاه: (آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا)، ولم يجِدْ موسى النصبَ حتى جَاوَزَ المكان الذي أمرَه الله به، قال له فتاه: (قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إلى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا) قَال: فَكَان لِلحُوت سَرَبًا، ولمُوسَى وفَتَاه عَجَبًا، فَقَال: (ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا).

الفوائد والعِبَر حول المشهد الثاني:

1- فضل العلم حيث سافر نبي في طلبه فهو الرشاد والهدى:

(قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) (الكهف:64)، وقال -تعالى-: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) (طه:114)، وقال -تعالى-: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (الزمر:9)، وقال -تعالى-: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) (المجادلة:11)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) (رواه مسلم).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (فَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْرَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني). وروي عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: "العلم خيرٌ من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والعلم يزكو من النفَقَة، والمال تنقصه النفَقَة، والعلماء باقون في الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة".

وقيل لابن المبارك -رحمه الله-: "إلى متى تطلب العلم؟ قال: حتى الممات -إن شاء الله-".

وقال ابن مناذر: "سألت أبا عمرو بن العلاء: حتى متى يحسُن بالمرء أن يتعلم؟ فقال: ما دام تحسن به الحياة".

وسُئِل سفيان بن عيينة: "مَن أحوج الناس إلى طلب العلم؟ قال: أعلمهم؛ لأن الخطأ منه أقبح".

وقال المنصور بن المهدي للمأمون: "أيحسن بالشيخ أن يتعلَّم؟ فقال: إن كان الجهل يعيبه، فالتعلُّم يحسن به".

وقال أبو غسان: "لا تزال عالمًا ما كنت متعلمًا؛ فإذا استغنيت كنت جاهلًا".

2- فضل الرحلة في طلب العلم والرغبة في تحصيله:

ففي القصة: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى? لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى? أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا) (الكهف:60)، وعن كثير بن قيس قال: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، أَتَيْتُكَ مِنَ الْمَدِينَةِ، مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِحَدِيثٍ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُ بِهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قَالَ: فَمَا جَاءَ بِكَ تِجَارَةٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: وَلَا جَاءَ بِكَ غَيْرُهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، حَتَّى الْحِيتَانِ فِي الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

وقال جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-: "بلغني حديث عن رجل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فابتعتُ بعيرًا فشددت عليه رَحْلي، ثم سرت إليه شهرًا، حتى قدمت الشام، فإذا عبد الله بن أُنَيس الأنصاري، فأتيتُ منزله وأرسلت إليه أنَّ جابرًا على الباب فرجع إليَّ الرسول. فقال: جابر بن عبد الله؟ فقلت: نعم، فخرج إليَّ فاعتنقته واعتنقني، قال: قلت: حديثٌ بلغني عنك أنك سمعته مِن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المظالم لم أسمعه أنا منه" قال: فذكر الحديث.

- ورحل أبو أيوب الأنصاري من المدينة إلى مصر ليسألَ عقبة بن عامر عن حديثٍ سمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سِتر المسلم لم يبقَ ممَّن سمعه من الرسول -صلى الله عليه وسلم- غيره وغير عقبة، فلمَّا سأله عن الحديث، ركب راحلته وانصرف إلى المدينة وما حلَّ رحله.

وقال سعيد بن المسيب: "إن كنتُ لأسير الليالي والأيام في طلب الحديث الواحد".

وقال الشعبي قال: حدَّثَنا أبو بُرْدَة عن أبيه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وذكر الحديث"، ثم قال: "خذها -يعني: بغير شيء- قد كان الرجل يرحل فيما دونها إلى المدينة".

3- اختيار الرفيق في الرحلة:

خروج موسى ومعه فتاه يوشع: عن مبارك بن سعيد قال: أردت سفرًا فقال لي الأعمش: "سل ربك أن يرزقك صحابة صالحين، فإن مجاهدًا حدثني قال: خرجت من واسط، فسألت ربي أن يرزقني صحبة، ولم أشترط في دعائي، فاستويت أنا وهم في السفينة، فإذا هم أصحاب طنابير -يعني معازف-" (الجامع لأخلاق الراوي، والمجالسة وجواهر العلم).  

وقال بعض السلف: "التمسوا الرفيق قبل الطريق".

وقيل: "ابتغِ الرفيق قبل الطريق، فإن عرض لك أمر نصرك، وإن احتجت إليه رفدك"-يعني أعانك-.

وقال الأصمعي: "كان يقال: الصاحب والرفيق رقعة في قميص الرجل فلينظر بمن يرقعه" (الجامع لأخلاق الراوي).

وقال مجاهد: "صحبت ابن عمر وأنا أريد أن أخدمه، فكان هو الذي يخدمني".

وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال: "للسفر مروءة، وللحضر مروءة؛ فأما مروءة السفر: فبذل الزاد، وقلة الخلاف على أصحابك، وكثرة المزاح في غير سخط الله".

وقال عمر بن مناذر: "كنت أمشي مع الخليل بن أحمد، فانقطع شسعي فخلع نعليه، فقلت: ما تصنع؟ قال: أواسيك في الحفاء" (الجامع لأخلاق الراوي).

4- حكم الرحلة في طلب العلم:

حكمها يختلف بحسب حال الشخص والعلم الذي يريد أن يتعلمه:

- فإن كان علم فرض لا يمكن تحصيله إلا بالرحلة وجب عليه أن يرحل ويأثم لو لم يرحل، والله قد قال: (فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ) (التوبة:122)، فطلب العلم فريضة على كل مسلم، وقد أوجب الله الخروج لتحصيل العلم الواجب تحصيله.

- وقد تكون الرحلة مستحبة إذا كان لزيادة علم للزيادة من علم ليس فرضًا تحصيله.

- وقد تكون مكروهة إذا كان يمكن أن يكون في بلده يحصل العلم، فإذا رحل تألم أهله مثلًا، وأولاده للفراق.

- وقد تكون الرحلة محرمة إذا كان فيها تضييع للأولاد والأهل مع عدم وجود ما يوجب عليه الذهاب، أو إذا قصد بالرحلة حب الظهور والشهرة، وأن يقال: رحل للقاء فلان أو فلان، ويعدد المشايخ والبلدان، ونحو ذلك(3).

خاتمة: عود إلى القصة:

- وهكذا رحل نبي الله موسى -عليه السلام- لطلب العلم على يد نبي الله الخضر -عليه السلام-؛ فكيف كان اللقاء؟ وما الشروط التي وضعها الخضر -عليه السلام- لقبول موسى -عليه السلام- طالبًا؟ وكيف كان أدب موسى -عليه السلام- وصبره في الطلب؟

هذا ما يأتي حوله الحديث في المرة القادمة -إن شاء الله-.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المقصود: بـ"هو أعلم منك" حيث عَلِم بعض المسائل التي لا يعلمها موسى -عليه السلام-، وإن كان موسى -عليه السلام- أعلم منه فيما دون ذلك.

(2) أين الكثير من طلاب العلم من هذا الخُلُق؟!

قال الشيخ عبد الله الحكمي: "ظهرت نابتة من صغار الطلاب، تعاملوا مع الكتب ولم يجالسوا ويلزموا أهل العلم يتأدبوا بأدبهم، ويتعلموا من سمتهم وهديهم، فظهرت لديهم ظواهر لا تليق بطلاب العلم: كالتعالم، والتعالي، وعدم الاعتراف بالخطأ، والرغبة الجامحة في تتبع أخطاء أهل العلم، والفرح بالرد عليها، وإفرادها في كتب مستقلة، وتسمع في كلامهم، وتقرأ في كتاباتهم ما يترجم عن حقيقة هذا المسلك عندهم، كأن تسمع مَن يقول منهم: هذا منهجنا الذي نسير عليه من زمن بعيد، ومن يعرفنا يدرك ذلك في دروسنا، ومؤلفاتنا.

وقال آخر: حققنا هذه المسألة في كتابنا الفلانيّ بما لا مزيد عليه. وتجد آخر يقول: وانظر لزامًا ما كتبناه في هذه المسألة في كتابنا الفلاني. وتجد من يقول: نحن مِن أعرف الناس بهذا العلم، وتصانيفنا تشهد بذلك.

ومِن ذلك الإسراف في تكرار كلمة (قُلتُ) على سبيل الاعتداد، وهي كلمة لا تجدها في تصانيف كثير من الحفاظ الأعلام. وإنك لتسمع مثل هذا الكلام من صغار بعض الطلاب الذين لم يخطّ الشيب مفارقهم والله المستعان (موقع المتون العلمية - مقالة بعنوان: صور من تواضع العلماء).

وقال إسماعيل بن إسحاق السراج: "قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل أول ما رأيته: يا أبا عبد الله، ائذن لي أن أُقبِّلَ رأسك، قال: لم أبلغ أنا ذاك" (الآداب الشرعية لابن مفلح).

- تواضع أحمد بن تيمية: "قال عمر بن علي البزار عن شيخه أحمد بن تيمية: وأما تواضع ابن تيمية، فما رأيت ولا سمعت بأحد من أهل عصره مثله في ذلك، كان يتواضع للكبير والصغير، والجليل والحقير، والغني الصالح والفقير، وكان يدني الفقير الصالح ويكرمه ويؤنسه، ويباسطه بحديثه المستحلى زيادة على مثله من الأغنياء؛ حتى إنه ربما خدمه بنفسه، وأعانه بحمل حاجته جبرًا لقلبه وتقرُّبًا بذلك إلى ربِّه" (الأعلام العلية للبزار).

(3) فائدة حول الرحلة في زماننا المعاصر:

- مطالب الحياة الدنيا الآن في هذا الزمان قد تعقدت وزادت -المآكل والمشارب والملابس والبيوت-، وليست كما كانت في الماضي في سهولة عيش الناس، وفي يسر أمورهم، فالسفر الآن يحتاج إلى تأشيرات وجواز سفر، ويحتاج إلى تصديق وأختام وأشياء، وتضييق في الحدود وفي المطارات؛ ولذلك لابد من مراعاة لهذه الظروف الموجودة. فالرحلة ليست مطلوبة لذاتها وليست شهوة، فإن السفر قطعة من العذاب، وليس من المصلحة أن يترك الإنسان أهله ويمشي إلا لشيء أعظم.

وعليه فإن وَجَد طالب العلم العلماء في البلد فلا داعي حينئذٍ للسفر؛ لاسيما وأن طلب الإسناد ورواية الحديث قد انقطع، ولم يبقَ إلا لقاء الشيوخ والعلماء.

قال الخطيب البغدادي -رحمه الله- في كتابه الجامع: "المقصود في الرحلة في الحديث أمران: أحدهما: تحصيل علو الإسناد وقدم السماع. والثاني: لقاء الحفاظ والمذاكرة لهم، والاستفادة منهم، فإذا كان الأمران موجودين في بلد الطالب ومعدومين في غيره فلا فائدة في الرحلة" (الجامع لأخلاق الراوي).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة