الثلاثاء، ١٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ١٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

التربية الاجتماعية في مرحلة الطفولة (7) مراعاة الحقوق الاجتماعية

مِن أهم الأسس الاجتماعية التي ينبغي أن يهتم بها الأبوان في تربية أطفالهما: التزام الحقوق الاجتماعية

التربية الاجتماعية في مرحلة الطفولة (7) مراعاة الحقوق الاجتماعية
عصام حسنين
الثلاثاء ٢٦ يناير ٢٠٢١ - ٠٩:٥٦ ص
285

التربية الاجتماعية في مرحلة الطفولة (7) مراعاة الحقوق الاجتماعية

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمِن أهم الأسس الاجتماعية التي ينبغي أن يهتم بها الأبوان في تربية أطفالهما: التزام الحقوق الاجتماعية؛ من حق الوالدين، والإخوة والأخوات، والأجداد والجدات، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات، وسائر الأقارب والأرحام، والجيران، والأصدقاء، والمعلم، والضعفاء من الفقراء والمساكين وغيرهم، والمظلومين، والطريق، والوطن.

ونركز في هذا المقال علي الوسائل العملية المعينة لأداء هذه الحقوق.

أولًا: حق الوالدين:

- أهم وسيلة تربوية في ذلك هو القدوة؛ فمن المهم جدًّا أن يري الطفل الاحترام المتبادل بين أبيه وأمه، وألا يري خلافًا؛ فإن كان من خلاف أو نقاش ففي حجرة بعيدة عن الأطفال.

- وأن يتوافقا في طريقة التربية، وأن يكون هناك تبادل أدوار بينهما، فإن كان خطأ من ولد، ويتطلب أخذ موقف، فلابد أن يكونا جميعًا، حتي يشعر الولد بخطئه؛ فيبادر بالاعتذار وعدم العود، وإن كان في حق أحدهما، يقوم الطرف الآخر بتأنيب الولد، وجعله يعتذر له، فإن اعتذر قبل عذره بشرط عدم العود.

- وأن يعلمه أن الله -عز وجل- قد أمر ببر الوالدين، والإحسان إليهما بالقول والفعل،

قال القاسمي -رحمه الله-: "الأدب مع الوالدين: هو أن يسمع كلامهما، ويقوم لقيامهما، ويمتثل أمرهما، ولا يمشِ أمامهما، ولا يرفع صوته فوق أصواتهما، ويلبي دعوتهما، ويحرص على مرضاتهما، ويخفض لهما الجناح (أي: يتواضع)، ويحسن إليهما جهده، ويبرهما، ويكرمهما في حالتي عسره ويسره، ويتوخّى مسرتهما، وترويح قلوبهما، ولا يمُنَّ عليهما بالبر بهما، ولا بالقيام بأمرهما، ولا ينظر إليهما شزرًا (نظر غضب)، ولا يقطّب وجهه في وجوههما (لا يعبس)، ولا يسافر إلا بإذنهما" (جوامع الآداب).

- حكاية قصص البر، والأفضل في ذلك أن تحث الأم أولادها علي بر أبيهم، وتحكي لهم قصص الصالحين في ذلك، والأب يحث أولاده علي بر أمهم، ويحكي لهم قصص الصالحين في برهم لأمهاتهم.

فيحكي الأب لأولاده:

- قصة الثلاثة الذين آواهم المبيت إلي غار.

- وقصة ابن مسعود -رضي الله عنه- مع أمه، فعن أنس بن النضر الأشجعي قال: "استقت أم ابن مسعود ماء في بعض الليالي، فذهب فجاءها بالماء، فوجدها قد ذهب بها النوم فثبت بالماء عند رأسها حتى أصبح!".

- وقصة أبي هريرة -رضي الله عنه- مع أمه، حيث كان إذا دخل البيت قال لها: "رحمك الله كما ربيتني صغيرا"، فتقول أمه: "وأنت رحمك الله كما بررتني كبيرًا".

- وقصة حيوة بن شريح مع أمه؛ فقد كان -رحمه الله- يقعد في حلقته يُعلم الناس، فتقول له أمه: "قم يا حيوة فألق الشعير للدجاج"؛ فيقوم ويترك التعليم.

- وقصة محمد بن سيرين مع أمه، فعن حفصة بنت سيرين قالت: "كانت والدة محمد بن سيرين يعجبها الصبغ، وكان محمد إذا اشترى لها ثوبًا اشترى ألين ما يجد؛ فإذا كان عيدٌ صبغ لها ثيابًا، وما رأيته رافعًا صوته عليها، كان إذا كلمها كالمصغي إليها".

- وقصة إياس بن معاوية لما ماتت أمه؛ فعن حميد قال: "لما ماتت أم إياس بن معاوية بكي، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: كان لي بابان مفتوحان إلى الجنة، وغُلق أحدهما".

وتحكي الأم لأولادها:

- قصة ابن عمر -رضي الله عنهما- وقد رأي رجلًا يطوف بالكعبة حاملًا أمه على رقبته، فقال: "يا ابن عمر أترى أني جزيتها؟ قال: لا، ولا بطلقة واحدة، ولكنك أحسنت، والله يثيبك على القليل الكثير".

- وقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "مَن نظر إلى أبيه شزرًا فقد عقّه".

- وقول عامر بن عبد الله بن الزبير -رحمه الله-: "مات أبي، فما سألت الله -حولًا- إلا العفو عنه".

- وقول عطاء: "لا يؤم الرجل أباه وإن كان أفقه منه".

- وقول عمر بن ذر لما مات ابنه، وقد قيل له: كيف بره بك؟ قال: "ما ماشيته قط بالنهار إلا مشى خلفي، ولا بالليل إلا مشى أمامي، ولا رقى سطحًا أنا تحته".

ثانيًا: حق الإخوة والأخوات:

خير ما يؤسس للعلاقة الطيبة بين الإخوة والأخوات هو: العدل بينهم حتي في القُبل، وبذلك جاءت الأدلة.

قال العلامة السعدي -رحمه الله-:

"يتعيَّن على الإنسان أن يَعدل بين أولاده، وينبغي له إذا كان يحبُّ أحدهم أكثر من غيره أن يخفي ذلك ما أمكنه، وأن لا يفضِّله بما يقتضيه الحب من إيثار بشيء من الأشياء، فإنه أقرب إلى صلاح الأولاد، وبرِّهم به، واتفاقهم فيما بينهم؛ ولهذا لما ظهر لإخوة يوسف من محبَّة يعقوب الشديدة ليوسف وعدَم صبره عنه وانشغاله به عنهم، سعَوا في أمرٍ وَخيم، وهو التفريق بينه وبين أبيه، فقالوا: (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ) (يوسف:8-9)، وهذا صريحٌ جدًّا أن السبب الذي حملهم على ما فعلوا من التفريق بينه وبين أبيه هو تميزه بالمحبَّة" (تفسير السعدي).  

وعن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- أن أباه أتى به إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إِنِّي نَحَلْتُ -أي: وهبته عبدًا كان عندي- ابْنِي هَذَا غُلاَمًا، فَقَالَ: (أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ)، قَالَ: لاَ، قَالَ: (فَارْجِعْهُ) (متفق عليه)، وفي رواية: (أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟) قَالَ: لَا، قَالَ: (فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا، فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ) (متفق عليه).

قال الكاساني -رحمه الله-: "وفي حديث النعمان -رضي الله عنه- إشَارَةٌ إلَى الْعَدْلِ بَيْنَ الْأَوْلَادِ فِي النِّحْلَةِ وَهُوَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ فِي التَّسْوِيَةِ تَأْلِيفَ الْقُلُوبِ، وَالتَّفْضِيلُ يُورِثُ الْوَحْشَةِ بَيْنَهُم".

وقَالَ الدَّمِيرِيُّ -رحمه الله-: "لَا خِلَافَ أَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ أَيْ الْأَوْلَادِ مَطْلُوبَةٌ حَتَّى فِي التَّقْبِيلِ".

وعن إبراهيم النخعي قال: "كانوا يستحبُّون أن يعدل الرجل بين ولده حتى في القبل".

والتسوية في البر يشمل الذكور والإناث.

- ثم يُعلم الطفل أن لأخيه حق البر عليه، وهو محبته، ومعاملته باللطف واللين والرعاية إن كان صغيرًا، وباللطف والتوقير والإكرام إن كان كبيرًا، فعن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

- قال القاسمي -رحمه الله-: "الأدب مع الإخوة مِن النسب: يلزم الفتى أن يتأدب معهم، ويحترمهم، ويعرف أنهم أقرب الناس إليه بعد الأبوين، ويحب لهم النفع والشرف أكثر من جميع الناس؛ فأما أخوه الأكبر فإنه يجعله في منزلة أبيه، فلا يرفع صوته عليه، ولا ينازعه، ولا يخالفه في وصاياه الجميلة، ليكسب حبه، ويسعى في منافعه. وأما الذين هم أصغر منه فيواسيهم، ويشفق عليهم، ولا يضربهم، ولا يشتمهم، ويلاطفهم، ويستجلب محبتهم بحسن الأخلاق، ولطف المعاملة.

وإذا رأى منهم ما لا يليق، فعليه أن ينهاهم باللطف والمعروف، ويعرفهم ضرره، ولا يسعى بهم عند أبيه بالفتنة، فتكثر الكراهة بينهم، ويألفون الشر، ويعتادونه بسببه، فيعود الوبال عليهم، وجلِيٌّ أن إخوة المرء هم أعوانه على سعادته وحسن حاله" (جوامع الآداب).

- ويعلِّم ابنه أن لأخته عليه حقًّا عظيمًا من الرحمة والمحبة والشفقة، وحسن الرعاية والصحبة؛ فعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ، أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ، أَوِ ابْنَتَانِ، أَوْ أُخْتَانِ، فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ، وَاتَّقَى اللَّهَ فِيهِنَّ، دَخَلَ الْجَنَّةَ) (رواه الترمذي وابن حبان، وحسنه الألباني).

ومِن الوسائل العملية في تعميق هذا الحق:

- أن يلعبوا جميعًا.

- أن يتهادوا فيما بينهم.

- أن يتعاونوا فيما بينهم على أمرٍ ما؛ نحو توزيع صدقة، أو حفظ قرآن، ونحو ذلك.

- التأكيد دومًا على معنى الاحترام للكبير؛ فيُقال للصغير: احترم أخاك الكبير. ويقال للكبير: ارحم أخاك الصغير.

يتبع -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً