الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

تجديد الإيمان بآيات الرحمن من سورة الحجرات (3)

تجديد الإيمان بآيات الرحمن من سورة الحجرات (3)
أحمد حرفوش
الأربعاء ١٠ مارس ٢٠٢١ - ١٨:١٣ م
269

تجديد الإيمان بآيات الرحمن من سورة الحجرات (3)

كتبه/ أحمد حرفوش

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فلقد حذَّر الله -تعالى- المؤمنين مِن الاستماع للأخبار بغير تثبت، فقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) (الحجرات:6)، أي: إِذا أتاكم رجل فاسق غير موثوق بصدقه وعدالته بخبرٍ مِن الأخبار (فَتَبَيَّنُوا) أي: فتثبتوا مِن صحة الخبر (أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ) أي: لئلا تصيبوا قومًا وأنتم جاهلون حقيقة الأمر (فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) أي: فتصيروا نادمين أشد الندم على صنيعكم.

عن الحارث بن أبي ضرار الخزاعي -رضي الله عنه- قال: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَعَانِي إِلَى الْإِسْلَامِ، فَدَخَلْتُ فِيهِ وَأَقْرَرْتُ بِهِ، وَدَعَانِي إِلَى الزَّكَاةِ فَأَقْرَرْتُ بِهَا، وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْجِعُ إِلَيْهِمْ، فَأَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ، فَمَنِ اسْتَجَابَ لِي جَمَعْتُ زكاته، وترسل إليَّ يا رسول الله رسولًا إبَّان كَذَا وَكَذَا لِيَأْتِيَكَ بِمَا جَمَعْتُ مِنَ الزَّكَاةِ، فَلَمَّا جَمَعَ الْحَارِثُ الزَّكَاةَ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لَهُ، وَبَلَغَ الْإِبَّانَ -الموعد- الَّذِي أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ، احْتُبِسَ عليه الرسول، ولم يأته، وظن الْحَارِثُ أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ فِيهِ سُخْطَةٌ مِنَ الله -تعالى- ورسوله، فَدَعَا بِسَرَوَاتِ -كبراء- قَوْمِهِ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ وَقَّتَ لِي وَقْتًا يُرْسِلُ إليَّ رَسُولَهُ، لِيَقْبِضَ مَا كَانَ عِنْدِي مِنَ الزَّكَاةِ، وَلَيْسَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْخُلْفُ، وَلَا أرى حبْس رسوله إلا مِن سخطه.

فانطلقوا بنا نأتي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبة) إِلَى الْحَارِثِ لِيَقْبِضَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِمَّا جَمَعَ مِنَ الزَّكَاةِ، فَلَمَّا أَنْ سَارَ الْوَلِيدُ حَتَّى بَلَغَ بَعْضَ الطَّرِيقِ فَرِقَ -أي: خاف- فرجع حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْحَارِثَ قد منعني الزكاة وأراد قتلي، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وبعث البعث إلى الحارث -رضي الله عنه-، وَأَقْبَلَ الْحَارِثُ بِأَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا اسْتَقْبَلَ الْبَعْثُ وَفَصَلَ عَنِ الْمَدِينَةِ لَقِيَهُمُ الْحَارِثُ، فَقَالُوا: هَذَا الْحَارِثُ، فَلَمَّا غَشِيَهُمْ قَالَ لَهُمْ: إِلَى مَنْ بُعِثْتُمْ؟ قَالُوا: إِلَيْكَ، قَالَ: وَلِمَ؟ قَالُوا: إِنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث إِلَيْكَ (الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبة) فَزَعَمَ أَنَّكَ مَنَعْتَهُ الزكاة وأردت قتله، قال -رضي الله عنه-: لا والذي بعث محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بِالْحَقِّ مَا رَأَيْتُهُ بَتَّةً، وَلَا أَتَانِي، فَلَمَّا دَخَلَ الْحَارِثُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنَعْتَ الزَّكَاةَ وَأَرَدْتَ قَتْلَ رَسُولِي؟!) قَالَ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا رَأَيْتُهُ وَلَا أَتَانِي، وَمَا أَقْبَلْتُ إِلَّا حِينَ احْتُبِسَ عَلَيَّ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، خشيت أن يكون سُخطةً من الله -تعالى- ورسوله، قَالَ: فَنَزَلَتِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ) إِلَى قَوْلِهِ: (فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

(واعلموا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ الله) أي: واعلموا أيها المؤمنون أنَّ بينكم الرسول المعظَّم، والنبيُّ المكرم المعصوم عن اتباع الهوى، (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأمر لَعَنِتُّمْ) (الحجرات:7)، أي: لو يسمع وشاياتكم، ويصغي بسمعه لآرائكم، ويطيعكم في غالب ما تشيرون عليه مِن الأمور؛ لوقعتم في الجهد والهلاك.

قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي: اعلموا أنَّ بين أظهركم رسول الله فعظّموه ووقروه، فإنه أعلم بمصالحكم، وأشفق عليكم منكم، ولو أطاعكم في جميع ما تختارونه؛ لأدَّى ذلك إلى عنتكم وحرجكم. كَمَا قَالَ -تعالى-: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ) (المؤمنون:71)، (ولكن الله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمان) أي: ولكنه -تعالى- بمنّه وفضله نوَّر بصائركم، فحبَّب إلى نفوسكم الإِيمان (وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) أي: وحسَّنه في قلوبكم، حتى أصبح أغلى عندكم من كل شيء.

(وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ) (الحجرات:7)، أي: وبغَّض إلى نفوسكم أنواع الضلال، من الكفر والمعاصي، والخروج عن طاعة الله.

قال ابن كثير -رحمه الله-: "والمراد بالفسوق الذنوبُ الكبار، وبالعصيان جميع المعاصي".

(أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) أي: أولئك المتصفون بالنعوت الجليلة هم المهتدون، (الرَّاشِدُونَ) في سيرتهم وسلوكهم، والجملة تفيد الحصر، أي: هم الراشدون لا غيرهم، وكان مِن دعائه -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِنَا، وكرِّه إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ) (رواه أحمد، وصححه الألباني). وفي الحديث: (مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ) (رواه الطبراني، وصححه الألباني). (فَضْلاً مِّنَ الله وَنِعْمَةً) (الحجرات:8)، أي: هذا العطاء تَفَضُّلٌ منه -تعالى- عليكم وإِنعام، (والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أي: عليمٌ بمَن يستحق الهداية، حكيم في خلقه وصنعه وتدبيره.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة