الثلاثاء، ٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

القرآن يرفعك

القرآن يرفعك
وائل عبد القادر
الأربعاء ١٢ مايو ٢٠٢١ - ١٠:٥٩ ص
2342

القرآن يرفعك

كتبه/ وائل عبد القادر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ: أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ لَقِيَ عُمَرَ بِعُسْفَانَ، وَكَانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى مَكَّةَ، فَقَالَ: مَنْ اسْتَعْمَلْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي؟ فَقَالَ: ابْنَ أَبْزَى، قَالَ: وَمَنْ ابْنُ أَبْزَى؟ قَالَ: مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا، قَالَ: فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى؟! قَالَ: إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ، قَالَ عُمَرُ : أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ)، وفي رواية الإمام أحمد وابن ماجه و(قَاضٍ).

قوله: (إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا)، يعني: يُشرَّف، ويكرم في الدنيا والآخرة؛ وذلك بسبب الاعتناء به، والعلم به، والعمل بما فيه.

(وَيَضَعُ): يعني: يحقِّر ويصغِّر في الدنيا والآخرة، وذلك بسبب تركه، والجهل به، وترك العمل به؛ فقد أقر عمر -رضي الله عنه- خلافة عبد الرحمن بن أبزى -رضي الله عنه- رغم أنه مِن الموالي؛ نظرًا لاستجماعه شروط الولاية، وهو حفظ القرآن وإتقانه، والعمل به، وهو ما ظهر في معرفته بعلم المواريث وتقسيم التركات، وهو مِن العلوم التي قد تشق على كثيرٍ مِن طلبة العلم، وهو تنبيه على أنه لما سواه مِن أبواب الفقه أتقن وأجود كذلك.

فالقرآن يرفع أهله الذين هم أهله على الحقيقة؛ تلاوة وتجويدًا، وتدبرًّا، وعملًا، وتحكيمًا واستشفاءً؛ هذا هو الذي ينتفع بالقرآن في الدنيا والآخرة، وهذا الذي يرفعه القرآن في الدنيا والآخرة، مهما اختلفت موازين البشر في الحكم على بعضهم ورفع بعضهم على بعض بالمال أو الجاه أو السلطان أو غير ذلك، يبقى حامل القرآن عند الله هو المقدم، وهو صاحب الشأن والرفعة.

فالأمر على ما عند الله لا على ما عند الناس، وموازين الحكم على الأشياء شرعية لا عرفية، فالله -تعالى- جعل الشرف والرفعة في الأخذ بكتابه، قال -تعالى-: (لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) (الأنبياء:10). أي: لقد أنزلنا إليكم هذا القرآن، فيه عزُّكم وشرفكم في الدنيا والآخرة إن تذكرتم به، أفلا تعقلون ما فَضَّلْتكم به على غيركم؟

وقال -عز وجل-: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) (الزخرف:44)، والمعنى: وإن هذا القرآن لَشرف لك ولقومك، وسوف تُسألون أنت ومَن معك عن الشكر لله عليه والعمل به.

ومِن صور هذه الرفعة والشرف: أن حامل القرآن مقدَّم في الدنيا على غيره في إمامة أعظم أركان الدين، وهي الصلاة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا) (رواه مسلم).

(يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ) ولم يقل: سيدهم، ولا أشرفهم ولا أنسيهم، إنما جاء إلى وصف في الإسلام، وهو الربط بالأصل الذي هو كتاب الله، وفي هذا توجيه الأمة بأكملها أن تتجه إلى إجادة قراءة القرآن؛ لأن هذه الصفة تؤهلهم إلى إمامة القوم.

انظر كيف كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يشرف أهل القرآن، فجعلهم بين الناس وبين ربهم في الإمامة التي هي المقام الشريف والمنصب المنيف، فيكون بين العباد وبين ربهم مؤتمنًا على أركان الصلاة وشرائطها وواجباتها، فهو شرف عظيم لمَن تحمل هذه المهمة.

كذلك صاحب القرآن مقدَّم في حياة البرزخ، ففي صحيح البخاري وغيره عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُولُ: (أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ)، فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ، وَقَالَ: (أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاَءِ يَوْمَ القِيَامَةِ)، وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُغَسَّلُوا، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ.

قال ابن الجوزي: "وإِنَّمَا قدم أَكْثَرهم قُرْآنًا لفضله على غَيره".

قال المباركفوري: "وفيه أنه يقدم الأكثر أخذًا للقرآن على غيره لفضيلة القرآن، كنظيره في الإمامة في الحياة، وأما في الآخرة فمنزلة صاحب القرآن معلومة أيضًا كما في السنة، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ، وَارْتَقِ، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا) (رواه أبو داود، وقال الألباني: حسن صحيح).

قال بعض العلماء: "فَهَذَا يدل على أَن فِي الْجنَّة دَرَجَات على عدد آي الْقُرْآن، وهِي تنيف على سِتَّة آلَاف آيَة".

وقَالَ الْخَطَّابِيُّ في معالم السنن: "جَاءَ فِي الْأَثَرِ: أَنَّ عَدَدَ آيِ الْقُرْآنِ عَلَى قدر درج الجنة في الآخرة فيقال للقارئ: ارْقَ فِي الدَّرَجِ عَلَى قَدْرِ مَا كُنْتَ تَقْرَأُ مِنْ آيِ الْقُرْآنِ، فَمَنِ اسْتَوْفَى قِرَاءَةَ جَمِيعِ الْقُرْآنِ اسْتَوْلَى عَلَى أَقْصَى دَرَجِ الْجَنَّةِ فِي الْآخِرَةِ وَمَنْ قَرَأَ جُزْءًا مِنْهُ كَانَ رُقِيُّهُ فِي الدَّرَجِ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ فَيَكُونُ مُنْتَهَى الثَّوَابِ عِنْدَ مُنْتَهَى الْقِرَاءَةِ".

وعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَانِ) (رواه مسلم).

قال النووي في شرح مسلم: "الْمَاهِرُ الْحَاذِقُ الْكَامِلُ الْحِفْظِ الَّذِي لَا يَتَوَقَّفُ، وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ بِجَوْدَةِ حِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ. قَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى كَوْنِهِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ أَنَّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مَنَازِلَ يَكُونُ فِيهَا رَفِيقًا لِلْمَلَائِكَةِ السَّفَرَةِ لِاتِّصَافِهِ بِصِفَتِهِمْ مِنْ حَمْلِ كِتَابِ اللَّهِ -تَعَالَى-. قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ عامل بعملهم وَسَالِكٌ مَسْلَكَهُمْ".

اللهم ارفعنا بالقرآن، واجعله حجة لنا لا علينا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة