الثلاثاء، ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٣ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

تذكير البررة بفضائل العشرة

فقد جعل أيام العشر نفحة من نفحات الدهر، فتعظيما لها أقسم -سبحانه وتعالى- في القرآن بها...

تذكير البررة بفضائل العشرة
الأحد ٣٠ نوفمبر ٢٠٠٨ - ١٣:٢٠ م
2068

تذكير البررة بفضائل العشرة

كتبه/ عبد المعطي عبد الغني

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلما نصبت رايات: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (آل عمران:97)، و(قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا) (رواه مسلم), و(رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) (متفق عليه)، و(لَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ) (رواه الترمذي، وقال الألباني: حسن صحيح)؛ رخـُصَ على المستطيعين كل غالٍ، فبذلوا المال، وتركوا الأهل والعيال، وظعنوا راحلين أو على رحال، وقلوبهم إلى بيت ربهم مشتاقة، وأرواحهم إلى الطواف والسعي تواقة، تسكب جفونهم العبرات، وتلهج ألسنتهم بالدعوات، وتردد حناجرهم التلبيات، فإذا وقفوا على عرفات؛ تنزلت عليهم الرحمات، وباهى بهم ربهم أهل السماوات، ونكست لإبليس الرايات، وحُطت الخطايا، ومحيت السيئات.

هذا؛ ولم يَحرم الله -تعالى- القاعدين على عذر من الغنيمة والأجر، فقد جعل أيام العشر نفحة من نفحات الدهر، فتعظيمًا لها أقسم -سبحانه وتعالى- في القرآن بها؛ (وَالْفَجْرِ . وَلَيَالٍ عَشْرٍ) (الفجر:1-2)، وهي الأيام المعلومات التي شرع الله فيها لعباده الذكر (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) (الحج:28)، وهي خاتمة الأشهر المعلومات أيام الحج: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) (البقرة:197)، وقيل: إنها من جملة الأربعين التي أتمها الله لموسى -عليه السلام-: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) (الأعراف:142).

فإذا كان المعذور قد حرم أن يكون من أهل الموسم هذا العام؛ فقد جعل الله له أعمالاً يعملها وهو في بيته دون أن يخرج من بلده، أو يرحل عن أهله وولده، أجرها كأجر المجاهد في سبيل الله -تعالى-، ففي "الصحيح" عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ) قَالُوا: وَلا الْجِهَادُ قَالَ: (وَلا الْجِهَادُ إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ) (رواه البخاري)، وفي رواية: (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ) يَعْنِى: أَيَّامَ الْعَشْرِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: (وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

فمن حُرِمَ الحج لعذر، بل من حرم الجهاد تحت ظلال السيوف لا يحرم أن يكون له -بعمل صالح من صلاة وقيام، وذكر وصيام، وصدقة ونفقة، وبر وإحسان- أجر المجاهد بنفسه وماله في سبيل الله فلم يرجع بماله فقد أنفقه، ولم يرجع بنفسه ففي سبيل الله قد أزهقها.

وقد شرع للقائمين على العذر ما يشاركون به إخوانهم السائرين إلى البيت الحرام، من ذلك:

- إخلاص النية، فقد يدرك العبد بحسن نيته أجر العامل، وفي حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما خرج في غزوة تبوك: (إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ: (وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ) (رواه البخاري).

يا سائرين إلى البيت العتيق لقد         سرتم جسوما وسرنا نحن أرواحا

إنا أقـمنا عـلـى عذر وقد رحـلوا         ومـن أقـام عـلـى عـذر كـمن راحا

- الإكثار من الذكر؛ فإذا كان أفضل الحج العج -الإكثار من التلبية والذكر-، والثج -إراقة الدماء-، فإن القاعدين داخلون في عموم قول الله -تعالى-: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ)، وقد ذكر البخاري في "صحيحه" عن ابن عمر -رضي الله عنهما- وأبي هريرة -رضي الله عنه- أنهما كانا يخرجان إلى السوق في العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما.

- شراء الأضاحي وإعدادها، فكما يعد الحاج هديه؛ لينحره شكرًا لله على بهيمة الأنعام، فكذلك القاعد يعد أضحيته؛ ليصلي لربه يوم العيد ثم ينحر (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر:2).

- وكذلك يشارك القاعدون إخوانهم في التشبه بهم في بعض الإحرام، فإن من دخل عليه العشر وأراد أن يضحي، فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره، ففي "الصحيح" عن أم سلمة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِذَا رَأَيْتُمْ هِلالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ؛ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ) (رواه مسلم).

- ولما كان الحج عرفة، وقد شرع لهم ما تـُكفر به الذنوب، شرع أيضا للقاعدين صياما يكفر سنتين ماضية ومستقبلة، فالحاج على عرفات تغفر ذنوبه، والقاعد الصائم تـُغفر له ذنوبه فعن أبي قتادة -رضي الله عنه- مرفوعا: (صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ: سَنَةٍ مَاضِيَةٍ، وَسَنَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

- ولما شُرع للحجيج الذكر في أيام التشريق عند رمي الجمرات، شرع للقاعدين الذكر المطلق وعقب الصلوات، فمن فجر عرفة إلى آخر أيام التشريق يكبر الناس بعد كل صلاة: "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد".

فيا أخي قم فقد حان وقت الوصال، استغفر لذنبك، وأطع ربك، واسعَ عساك أن تدرك.

اللهم بلغ حجاج بيتك، واجعل سعيهم مشكورًا، وذنبهم مغفورًا، وأعدهم إلى بلادهم بأجر وغنيمة، ولا تحرمنا بركة دعائهم.

.salafvoice.

الكلمات الدلالية