الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

هل شرب الماء يفطـِّر الصائم؟!

والناس مع نفوسهم على مراتب ودرجات: فمن الناس مَن ملك قلبه نفسه وأخضعها لإمرته وقهرها -أعني النفس الأمارة- فصارت

هل شرب الماء يفطـِّر الصائم؟!
إيهاب الشريف
الثلاثاء ٠٩ أغسطس ٢٠١١ - ٠١:٢٨ ص
6888
هل شرب الماء يفطـِّر الصائم؟!
9-رمضان-1432هـ   8-أغسطس-2011     

 

كتبه/ إيهاب الشريف

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلا شك أن الجميع يعلم إجابة هذا السؤال، بل البعض ربما استنكره؛ ليسره وسهولته، وأقول للقارئ الكريم: مهلاً.. مهلاً.. فإن العجب في أيامنا هذه لا ينقضي، ويومًا بعد يوم ترى ما لم يكن متوقعًا، ولعلك تعذرني في سؤالي بعد استكمال قراءة مقالي.

الماء مِن نعم الله -عز وجل- علينا، وشربه حلال في سائر الأوقات والأيام ما لم يكن العبد صائمًا، فإذا صام حرم عليه الطعام، والشراب، والجماع، وسائر المفطرات.. قال -تعالى-: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) (البقرة:187)، وهذا أمر معلوم أيضًا، لكن التناقض فيمن يلتزم بهذا الحكم، أعني تحريم الماء الحلال على الصائم، ويتهاون بالحرام!

وأوضح أكثر فأقول:

شرب الماء حلال في غير الصيام، لكنه حرام في الصيام، لكن النوم عن الصلاة وتأخيرها عن وقتها حرام في الصيام وفى غيره، بل من الكبائر، والغيبة حرام، وهي: (ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ) (رواه مسلم)، وهي من الكبائر أيضًا، واستماع الغناء محرم في الصيام، وفي غيره؛ لقوله -تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) (لقمان:6)، قال ابن مسعود -رحمه الله-: "والله الذي لا إله إلا هو إن ذلك هو الغناء".

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ) (رواه البخاري معلقًا مجزومًا به، ووصله الطبراني وغيره، وصححه الألباني)، ولا عبرة بقول مَن أجازها؛ فإنما هي زلة من الزلات.

والنظر إلى مفاتن النساء وهضم حقوقهن والإساءة إليهن حرام في الصيام وغيره.. والغش، والرشوة، والإهمال في العمل حرام في الصيام وغيره، وهلم جرًا.. أليس من التناقض أننا نمتنع عن الحلال (طعام - شراب - جماع) بسبب الصيام، ثم نقع فيما حرمه الله علينا في رمضان وغير رمضان؟! أليس عدم امتثالك لأوامر الله بفعلك هذه الأمور المحرمة في كل وقت مع امتناعك عن الحلال -امتثالاً لأمره- يشكّل تناقضًا صارخًا يصعب تفسيره؟!

ماذا استفدنا من الصيام إذن؟!

ماذا تعلمنا من مدرسة الثلاثين يومًا؟ أو ليس الهدف من الصيام التقوى (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183)؟! فأين اتقاء ما حرم الله مخافة عذابه -سبحانه-؟! هلا فهمنا المعنى الحقيقي للصيام فانطلقنا في تغيير النفوس وإصلاحها؟!

هل استعنا بالله -تعالى- ثم بما يسره لنا من تحريم الحلال (طعام - شراب - جماع)؛ لننتصر على النفس الأمارة، ونخضعها لسلطان القلب مرة أخرى؟!

وحتى تتضح لنا معالم خطة الإصلاح وعملية التهذيب، أقول:

والناس مع نفوسهم على مراتب ودرجات: فمن الناس مَن ملك قلبه نفسه وأخضعها لإمرته وقهرها -أعني النفس الأمارة- فصارت وزير صدق له، معاونة له على طاعة الله -عز وجل-؛ فبعد أن كان يرغمها على الطاعة ويكرهها على فعلها، وهي تنفلت منه؛ أصبح إذا أمرها بها بادرت إلى فعلها، فإذا قال لها: صومي. قالت: ما ألذ الصيام. وإذا سألها النفقة. قالت: ما أجمل مواساة الفقراء. جاهدي.. بادرت.

فإن أتاها الشيطان يأمرها بالمعصية كنظرة محرمة أو كلمة آثمة. قالت: أعوذ بالله، وكيف أتحمل هذا الأذى؟ وهل في الخلق مَن يرتاح لسماع هذه الأصوات المنكرة من غناء وغيره.. ؟! وهل يوجد من يتسلى برؤية المناظر الفاضحة العارية؟! بل لو وقع النظر -رغمًا عنها- على هذه الصور تألمت أشد الألم وشعرت بالحزن والضيق! أما دعت أم جريح على ولدها ألا يموت حتى يرى وجوه الزانيات؟! فإذا كان النظر إلى وجه الزانية عقوبة؛ فكيف بالنظر إلى ما زاد على ذلك من الأجساد العارية كما في المواقع الإباحية؟! إنها عقوبة إذن وليست مسرة.

إنها النفس المطمئنة والتي لا يصل إليها العبد إلا بعد المجاهدة والتهذيب والاجتهاد في طاعة الله -عز وجل- (علمًا وعملاً ودعوة)، قد صارت الطاعة عندها ألذ الأشياء، قد أصبحت العبادة لها كالماء والهواء.. اللهم ارزقنا نفوسًا مطمئنة.

ومن الناس مَن قلبه مع نفسه في صراع ونزال، يغلب مرة وتغلبه مرة يحافظ على الطاعات أحيانًا، وتجذبه الشهوات أحايين، يحاول أن يرقى بروحه إلى الملأ الأعلى ونفسه تشده إلى الأرض وتجذبه إليها، فهذا على خير ولا عليه إلا أن يزيد من استعانته بالله وحسن التوكل عليه، والتضرع وسؤال النصر والغلبة مع الاجتهاد في الطاعات واتقاء المحرمات، والأهم في ذلك كله ألا ييأس فيترك المجاهدة ويستسلم! وهذه هي النفس اللوامة.

وقسم ثالث غلبتهم نفوسهم وقهرتهم وأسرت القلوب، فصار القلب الذي هو محل نظر الرب -سبحانه-، ومحل الإيمان والعلم، والحكمة والنور والهدى؛ صار مأسورًا محبوسًا! أمره لا ينفذ في مملكته! لا سيطرة له على الجوارح والأعضاء فإذا أمر العين بالغض عن الحرام لم تطاوعه، وإذا نهى اليد عن لمس الحرام وتناوله لم تستجب له، بل إن النفس تزين لجوارحه فعل تلك الآثام، ومِن وراء ذلك الشيطان اللعين؛ فصار الأمر والنهي والتحكم للنفس الأمارة بالسوء، ومع طول الأسر والحبس قد ينقلب الأمر، ويزداد الحال سوءًا فيرى المنكر معروفًا والمعروف منكرًا.

فبعد أن كان يقاوم تلك الآثام صار يحاجج ويجادل مَن ينهاه عنها (الانتقال من اللوامة إلى الأمارة) وهذا مكمن الخطر؛ إذ القلب قد انتكس! فصار كما وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- قلب المنافق: (كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ) (رواه مسلم)، (مُجَخِّيًا): مقلوبًا.

صار ما تأمر به النفس هو الحق! انهزم القلب في المعركة! أصبح يرى الحق باطلاً والباطل حقًا! فلا تعجب إذن إن سمعت من يقول تحكيم الشريعة ظلم للشعوب، والحدود وحشية وبربرية، أو من يرى حكم غير الله ديمقراطية حضارية! وموالاة الكفار مصلحة ومنفعة، والذل لأعداء الله نجاة وحماية! وغير ذلك.. من المفاهيم المعكوسة التي تدلك على الهزيمة والانتكاس القلبي الذي جعلهم يرون الطاعة (من صلاة في المساجد، وحج، وغير ذلك.. ) خطرًا على الأمة، بل وضررًا! ويرون المعصية على العكس من ذلك -نعوذ بالله من الخذلان والحرمان-!

والسؤال الخطير هنا -لي ولكَ أيها القارئ الكريم-:

هل أنت ممن تحكم في نفسه الأمارة بالسوء أم تحكمت هي فيه؟ هل وجدت لذة العبادة؟ هل ما زلت تُكره نفسك عليها؟ هل تغلب نفسك أم تغلبك؟ هل تتعب بدنك في الأخذ بدين الله تعلمًا وعملاً ودعوة أم تؤثر الراحة والسلامة؟ أم مازلت مع نفسك في نزال وسجال تغلبها مرة وتغلبك مرة أخرى؟ أم كانت أخطر المراتب: أسر القلب وحبسه ولربما كان الانتكاس والانقلاب عياذًا بالله -تعالى-؟!

على كل الأحوال.. فنحن الآن في فرصة عظيمة، وجولة من جولات الصراع مع النفس والتحكم فيها.. جولة فيها من المعونات ما فيها، فالشيطان تسلسل وتصفد (وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ) (رواه مسلم)، وهو العدو الأول وأبواب النار تغلق (وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ)، وأبواب الجنة تفتح (فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ)، والناس وثّابين إلى الخير حريصين عليه.

أما العدو الثاني (النفس): فهي في أضعف حالتها؛ إذ الصيام يمنعها شهواتها الأصلية "طعام - شراب - شهوة"، (يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي) (متفق عليه)؛ فهل فرصة أعظم من هذه الفرصة لتحقق نصرًا على نفسك وشيطانك؟!

فأنت في رمضان لا تأكل ولا تشرب من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، فلم يعد الأمر إذن كلما اشتهيت الأكل أكلت، أو الشرب شربت، بل تتعلم التحكم في النفس وتقوية الإرادة فتأكل إذا أُذن لك، وتمتنع إذا منعت، وتتحمل ألم الجوع والعطش لله -تعالى-، ولو تأملت آيات الصيام، وبعد ذكر الرخصة للمريض والمسافر نجد قوله -تعالى-: (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة:184)، فكأنها إشارة إلى أن الأفضل الصيام لمن أطاقه، ولم يلحق به ضررًا.

ولعل هذا أيضًا هو السر في كون أفضل الصيام صيام داود -عليه السلام- كان يصوم يوم يومًا ويفطر يومًا؛ لأنه أشق على النفس بمصادفة مألوفها يومًا ومفارقته يومًا آخر، تُعطى يوم الفطر حظها، وتستوفي يوم الصيام تعبدها، فتجمع بين ما لها وما عليها وهو العدل، وتدور بذلك بين الشكر والصبر، والإيمان نصفان: شكر وصبر.

وبتقوية الإرادة يتحرر الإنسان من أسر العادة، ومع طول فترة التغيير وشمولها للكثير من أنشطة الحياة (مواعيد النوم والاستيقاظ، أوقات الطعام والشراب.. )، وكذلك كثرة السابحين معك في نفس التيار، هذا كله يعينك على كره قيد العادة، والخروج على المألوف.

يقول الإمام المناوي -رحمه الله-: "وإنما شرع الصوم كسرًا لشهوات النفوس، وقطعًا لأسباب الاسترقاق والتعبد للأشياء، فإنهم لو داموا على أغراضهم؛ لاستعبدتهم الأشياء، وقطعتهم عن الله، والصوم يقطع أسباب التعبد لغيره، ويورث الحرية مِن الرق؛ لأن المراد من الحرية أن يملك الأشياء ولا تملكه؛ لأنه خليفة الله في ملكه، فإذا ملكته فقد قلب المملكة، وصيّر الفاضل مفصولاً، والأعلى أسفل" انتهى.

وهذه مِن أحلى أعطيات رمضان، وأجل تدريباته، وخلال 30 يومًا يتخرج العبد بنفس جديدة.. نفس طيّعة منقادة، صار يتحكم فيها بعد ما كانت تتحكم هي فيه، صار يستطيع أن يقول لها: "لا" حين تكون معصية أو مخالفة، وإذا كان قد صبر عن شهواته الأساسية؛ أفلا يصبر عما هو أقل منها؟!

فيا مَن امتنع عن شرب الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي.. الماء الذي قد يصبر الإنسان عن الطعام ولا يصبر عليه، ومع ذلك يمتنع عن شربه من الفجر إلى المغرب.. يا مَن استطعت ذلك وانتصرت في هذه المعركة.. أمامك حرمات أخرى وقوعك فيها يذهب أجر صومك: كالغيبة، والنميمة، وسائر أنواع الفحش، وبذاءة اللسان؛ يقول -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) (رواه البخاري)، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: (رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ) (رواه أحمد، وصححه الألباني)، بل يوضح -صلى الله عليه وسلم- المعنى الحقيقي للصيام فيقول: (لَيْسَ الصِّيَامُ مِنَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ، إِنَّمَا الصِّيَامُ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، فَإِنْ سَابَّكَ أَحَدٌ أَوْ جَهِلَ عَلَيْكَ فَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ) (رواه ابن حبان والحاكم والبيهقي، وصححه الألباني).

قال: (لَيْسَ الصِّيَامُ مِنَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ.. ) ألا تفجع هذه الجملة أصحاب الصيام عن الطعام والشراب الذين لا يتورعون عن المحارم؟!

ألا تفجع هذه الجملة مَن يتهاون بالصلاة، ومَن تركت الحجاب، ومَن يرسل لسانه يفري في لحوم الناس، ومَن يسلي صيامه -زعم- بما حرم الله؟!

ثم أكمل الحديث: (إِنَّمَا الصِّيَامُ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ)، واللغو ما لا نفع فيه ولا فائدة، بل ينبغي أن يُلغى ويُترك، وكم في رصيد كلامنا مثل ذلك وأثقل؟ بل إذا شتم الصائم أحدٌ لم يرد عليه بأكثر من قوله: (إِنِّي صَائِمٌ)، أي تربية هذه على حسن الخلق؟!

إنه الفم الطيب الطاهر الذي رائحته أطيب عند الله من ريح المسك، وهل تفوح ريح المسك عمن اشتغل بأكل لحوم الناس والوقوع في أعراضهم؟!

وهل يكون صيامه جُنة بهذه الصورة؟ كلا بل إن حسناته عليه تضيع، وأجره ينمحي ويضمحل؛ فلا ثواب له على هذا الصيام، وهو غير مقبول عند الله -عز وجل-؛ لأنه أفطر بقلبه، وإن لم يفطر بفمه وبطنه.

هل ينتظر مَن يقع فيما هو أشد من الزنا ثوابًا على صيامه؟! يقول -صلى الله عليه وسلم-: (الرِّبا اثْنانِ وَسَبْعُونَ بَابًا أدْنَاهَا مِثْلُ إِتْيانِ الرَّجُلِ أُمَّهُ، وَإِنَّ أَرْبَى الرِّبَا اسْتِطالَةُ الرَّجُلِ فِي عَرْضِ أَخِيهِ) (رواه الطبراني في الأوسط، وصححه الألباني)، فأشد الربا الذي أدنى مراتبه مثل إتيان الأم -أي الزنا- أشد الربا الوقوع في عرض المسلم!

ثم نبشِّر هؤلاء بصورتهم يوم القيامة، والتي جاءت في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَمَّا عَرَجَ بِي رَبِّي -عَزَّ وَجَلَّ- مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ مَنْ هؤُلاَءِ يَاجِبْرِيلُ؟ قالَ: هؤُلاَءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ في أَعْرَاضِهِمْ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).

فهل تحتمل؟ إذن فلتجاهد نفسك في التخلص من هذا المرض الخطير! ولتجاهد نفسك أيضًا أيها الصائم.. يا مَن يريد صون رمضان مِن سائر ألوان العصيان، لتجاهد نفسك في غض البصر فإن زنا العين النظر كما صرح بذلك رسولنا -صلى الله عليه وسلم-، بل بدأ به الحديث؛ لأنه أصل زنا اليد والرجل والفرج، يقول -صلى الله عليه وسلم-: (كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنْ الزِّنَا مُدْرِكٌ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلامُ وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ) (رواه البخاري ومسلم).

وما قلناه حول الطعام والشراب نقوله حول الزوجة؛ فقد حُرّم على الصائم الجماع في نهار رمضان، وهو حلال للزوجين في ليل رمضان؛ فليكن المنع منه نهارًا تدريبًا لنا على ضبط الشهوات، خاصة أخطرها شهوة الجنس، والتي أشار نبينا -صلى الله عليه وسلم- إليها بقوله: (مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ) (متفق عليه).

والعين مرآة القلب فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته، وإذا أطلق بصره أطلق القلب شهوته، والله لم يكلفنا ما نعجز عنه أو ما لا نطيق؛ ولذا إذا وقعت عينك بغير قصد على صورة محرمة أو منظر كذلك فبادر إلى صرفه عنها ولا شيء عليك: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) (النور:30).

أيها الحبيب: مَن أطلق بصره أتعب خاطره، ومن كثرت نظراته ضاعت أوقاته ودامت حسراته، فيا من يريد النجاة والسلامة غض بصرك وأقصر عن محارم الله طرفك، ولا تقلل من شأن النظر وتستصغره فإن كل الحوادث مبدؤها النظر، ومعظم النار من مستصغر الشرر. تكون نظرة ثم خطرة، ثم خطوة، ثم خطيئة -عافاني الله وإياك من السوء-.

ثم نختم مقالنا بما يختم به رمضان من الرحمة العظيمة والغنيمة الباردة، فخير رمضان في آخره إذ فيه ليلة القدر أعظم ليلة في السنة كلها، ولقد شرع لنا الاعتكاف لتحريها والتماسها فلا تحرم نفسك منه، فهو نعم العون لك على طاعة الله إذ تمكث عشرة أيام في بيت الله تصحب الصالحين وتتعلم منهم، وتتعاون معهم على طاعة الله، وتحفظ بصرك ولسانك عما حرم الله، وهو علاج ناجح لآفات اللسان وشره، وكذا صحبة السوء والكثير من العادات الضارة، بل المحرمة كالتدخين وغيره، وهذا بشرط أن تحقق المعنى الصحيح للاعتكاف إذ هو أنس بالله -تعالى- وخلوة به واجتهاد في ذكره وطاعته، وجلسات محاسبة ومراجعة، ودمعات حارة على ما فرط العبد في جنب الله وتوبة وإنابة، وعَزَمات صلبة لمواجهة الواقع المنحرف عند الخروج، بل وتغييره؛ وهذا هو الاعتكاف المثمر.

أحبتي في الله: هكذا نعيش رمضان فيغيرنا إلى ما يحب الله -تعالى- ويرضاه.

أيها الكرام: إن شجرة التقوى التي تساقطت أوراقها طوال العام قد حان وقت إنباتها وإثمارها كي نستمتع خلال عامنا بظلها الوارف ونقتطف ثمارها الدانية من خشية الله -عز وجل-، والحرص على مرضاته وقربه، وتعلم الدين ونشره.

فهل من مشمر؟!

نسأل الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه.

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً

دعمًا للنسوية! (3)
55 ٠١ ديسمبر ٢٠٢٢
دعمًا للنسوية (2)
92 ٠٤ أكتوبر ٢٠٢٢
دعمًا للنسوية!
94 ٢٤ سبتمبر ٢٠٢٢
خطة إبليسية!
150 ٠٣ مارس ٢٠٢٢