الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

مجاملة علمانية

فقد أسفرت الأحداث البرلمانية الأخيرة عن جدل جديد في الشارع المصري بصفة عامة وبين أبناء التيار الإسلامي بصفة خاصة،

مجاملة علمانية
أحمد يحيى الشيخ
الخميس ١٤ فبراير ٢٠١٣ - ٢٣:٤٧ م
2813
مجاملة علمانية
 

كتبه/ أحمد يحيى الشيخ

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد أسفرت الأحداث البرلمانية الأخيرة عن جدل جديد في الشارع المصري بصفة عامة وبين أبناء التيار الإسلامي بصفة خاصة، وأصبحت أحداث مجلس الشورى -باعتباره قائمًا بالدور التشريعي مؤقتًا- مثارَ اهتمامِ كلِّ متابع للأحداث المصرية الحالية.

وفي الوقت الذي يسعى فيه أبناء التيار الإسلامي إلى محاولة تعديل القوانين قدر الإمكان بما يتقارب مع أحكام الشريعة الإسلامية تكون المفاجأة من الإخوان المسلمين -وما أكثر مفاجآتهم- بتمرير قانون يصادم الشريعة الإسلامية أولاً، والدستور ثانيًا!

ومعلوم أن الإخوان طوال تجربتهم السياسية كان شعارهم لإقناع الناس بالتجربة الإخوانية هو: "الإسلام هو الحل"، ثم لم يلبثوا أن تخلوا عنه مراعاة لعلو الصوت العلماني المنكِر لسيادة الشريعة الإسلامية على الدستور والقانون.

وزيادة في الكرم الإخواني للفصيل العلماني... تم ترشيح بعض رموز التيار العلماني في انتخابات الشعب والشورى، وبعض انتخابات النقابات مثل: نقابة المحامين التي نجح فيها "سامح عاشور" بدعم الإخوان ضد مرشح ينتسب للتيار الإسلامي!

وقبل ذلك نجح بعض المرشحين على قوائم الحرية والعدالة في انتخابات مجلس الشعب، مثل: "وحيد عبد المجيد" الذي زادوا في إكرامه ومجاملته بما لم يحظَ به أي رجل إسلامي، فدعموه بعدها في تمثيل دور المتحدث الرسمي باسم الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور، لكن مع هذا الكرم البالغ والمجاملة التي تصل لحد المداهنة؛ لم يجد "وحيد عبد المجيد" بُدًا من الوقوف في وجه الإخوان والطعن في الجمعية التأسيسية دفاعًا عن منهجه وفكره، وكان الإخوان عنده مجرد مطية يصل بها إلى ما يريد.

ثم كان أمرُ كتابة الدستور والذي حاول فيه الإخوان أن يمثلوا دور المحايد بين التيار السلفي المطالب بسيادة الشريعة الإسلامية، وبين التيار العلماني المطالب بمدنية الدولة وقصر الدين على الشعائر التعبدية فقط، ولم يراعِ التيار العلماني وقتها الدور الإخواني في تصعيد بعض رموز الليبرالية العلمانية على قوائم حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين.

حتى هذا الوقت ربما نسمع ما يبرر به البعض الموقف الإخواني من محاولة احتواء بعض الرموز العَلمانية، وإن كنا لسنا في حاجة ماسة لذلك؛ لأن غالبية المجلس التشريعي إنما هي من فصائل التيار الإسلامي، كما أن مثل هذه المجاملات والمداهنات لم تفلح من قبل في احتواء الأحزاب العلمانية التي كانت تلدغ الإخوان من نفس الجحر في كل مرة.

وإنما الذي لا يمكن تبريره هو ذلك الموقف الإخواني من محاولة تمرير قوانين مخالفة للدستور، مثل: "كوتة المرأة" لولا اعتراض أعضاء "حزب النور" وتقديم مقترحهم الذي رفض نواب الإخوان أن يستمعوا له، لولا الضغط والانسحاب من المجلس، ليأخذ هذا الاقتراح تصويتًا بالموافقة من أغلبية المجلس!

وهذا يشكك المتابع في طريقة إدارة الجلسات وطريقة اتخاذ القرار فيها.

ثم كان الحدث الأخير الذي مثَّل بطله الدكتور "عصام العريان" في تمرير القروض الخارجية وسط اعتراضات من ممثلي "حزب النور" ومطالبات بعرض القرار على هيئة كبار العلماء، وهنا انبرى الدكتور "عصام العريان" رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الحرية والعدالة ليقرر العَلمانية في أوضح صورها قائلاً: إن الدستور لا يعطي سلطة دينية لأحد، والمادة الرابعة منه تعطي الرأي الاستشاري لهيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، والمجلس صاحب القرار في إحالة أي شيء للأزهر.

وكأن الشعارات التي كنا نسمعها يومًا ما بأن "الإسلام هو الحل" الذي يرفعه "رجال المرحلة" كان كلامًا كالهواء في القفص، وأصبح اليوم قفصًا فقط تحبس فيه الآراء لأن الأغلبية تريد ذلك!

ثم تسمع من يبرر بعد ذلك بأن هيئة كبار العلماء كانت ستوافق عليه؛ لأن أغلبهم ليسوا مختصين بالفقه الشرعي فأصبح اعتراضُ "حزب النور" لا محل له، وكأنه اطلع على النوايا وعرف الحُكم مسبقًا! فضلاً عن أن هذا تقرير لاستقلال المجلس بتفسير مدى موافقة أو مخالفة القوانين للشريعة الإسلامية برغم جهل أكثره بالفقه الشرعي أيضًا!

ولا أدري أين محل الشريعة الإسلامية إذن؟! مع أن وجود هذه المادة في الدستور كافٍ في رد هذا التبرير السخيف.

وآخر يبرر بأن فوائد القروض الداخلية أكثر من فوائد القروض الخارجية، وكأن المحرم الذي اضطُررنا له رغمًا يبرر لنا فعل محرم آخر باختيارنا!

لا يهمنا طبيعة القرار المتَّخذ بقدر ما يهمنا الحفاظ على الأصل ورفع سيادة الشريعة فوق الآراء، بل فوق الرأي الواحد الذي تريده الأغلبية.

وربما لم يجد الدكتور "العريان" من يقوم بتمثيل الدورِ العَلماني فتطوَّع هو بذلك وقام به كما يريده العَلمانيون، لكنه للأسف لن يجد شكرًا من رموز العَلمانية على هذه المجاملة الفجة والمداهنة المنكرة
!

www.anasalafy.com
موقع أنا السلفي

ربما يهمك أيضاً