الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

ترشُّح الأستاذ المرشد لمجلس النواب!

ووددتم أن تمتلئ صدورنا جميعًا بهذه المعاني السامية (فنحن أبناء أسرة واحدة، وهي الأسرة المصرية الكريمة).

ترشُّح الأستاذ المرشد لمجلس النواب!
عصام حسنين
الاثنين ١١ نوفمبر ٢٠١٣ - ٢٠:١٠ م
2122
8-محرم-1435هـ   11-نوفمبر-2013      

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فيقوم العمل السياسي على مراعاة الأصلح للناس في ضوء المقاصد الشرعية: "الدين - النفس - العرض والنسل - العقل - المال" تحقيقًا لها وإبقاءً عليها، كما عرَّف ابن عقيل -رحمه الله- السياسة الشرعية بقوله: "ما كان من الأفعال بحيث يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، وإن لم يشرعه الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولا نزل به وحي".

ولا مصلحة مرجوة من مخالفة الشرع، بل هي مفسدة محققة، قال الله -تعالى-: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(النور:63)، وما لم يحكم الحكام بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- إلا ظهرت الفاحشة وفشا الطاعون والأوجاع التي لم تكن فيمن كان مضوا كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وما كان مشاركة الدعوة السلفية في العمل السياسي إلا بعد تغير المعطيات، وكانت مشاركتها في وضع الدستور حفاظًا على الهوية، وأن تكون الشريعة هي المرجعية العليا للقوانين في البلاد، والتي بها تتحقق العدالة للمواطنين وتُحفظ لهم كرامتهم وحريتهم، وتمنع الحاكم من التسلط والاستبداد!

وكذا فتح مجالات جديدة للدعوة إلى الله، وتعريفهم بدعوتنا، ومن نحن؟ وماذا نريد؟ وتوفير الحماية الكافية للدعوة والدعاة بلا صد أو تضييق أو محاربة وتشويه! والسعي في حاجة الناس -الذين نحن جزء منهم- المظلوم، والمضطر، وغيرهم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ولأَنْ أمْشِيَ مَعَ أخِي المُسْلِمِ فِي حاجَةٍ أحَبُّ إلَيَّ مِنْ أنْ أعْتَكِفَ فِي هَذَا المَسْجِدِ شَهْراً(رواه الطبراني، وحسنه الألباني).

وقد تحقق من هذه الأهداف الكثير -والحمد لله-، وقد وقعت مفاسد كثيرة لم نكن سببًا فيها كما تكلمنا عنها سابقًا، ونسعى -الآن- جاهدين لإزالة آثارها -والله المستعان-.

وكانت مشاركة "حزب النور" في خارطة الطريق كحزب سياسي مستقل الإرادة والرؤية والكيان، وليس تابعًا لأحد، يشارك غيره من الأحزاب سواء من كان مرجعيته إسلامية أو غير إسلامية بما فيه مصلحة البلاد والعباد؛ وهذا يجب الانتباه إليه فلم ينشئ أبناء الدعوة الحزب ليكون تابعًا لحزب آخر أو تحت عباءته يبقي ببقائه ويذهب بذهابه! كما وجدنا من البعض أنه يحاول أن يؤصل لذلك!

وبناءً على ذلك كانت القرارات الموفقة للحزب في المواقف السياسية المختلفة المبنية على الخبرة بالشرع، وقواعد المصالح والمفاسد، والخبرة بالواقع، وآلية الوصول للقرار هي الشورى، قال الحسن البصري -رحمه الله-: "والله، ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأفضل ما بحضرتهم، ثم تلا: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ(الشورى:38)".

وكان آخر هذه المواقف: "المشاركة في لجنة الخمسين"، وجاء في بيان الحزب مبررات المشاركة: "قرر حزب النور الاشتراك في (لجنة الخمسين) ليشارك القوى السياسية الساعية للحفاظ على مكتسبات ثورة 25 يناير في مساعيها، وفي ذات الوقت لكي يدافع عن مواد الهوية التي تمثِّل تعبيرًا صادقًا عن هوية الشعب المصري، لا يختص بها تيار بعينه كما عبَّر عن ذلك الأزهر الشريف، وإن كان حزب النور يتشرف بأن يكون أحد المدافعين عنها سائلين الله -عز وجل- أن يوفقنا إلى توضيح الصورة الصحيحة لهذه المواد التي تبرز هوية الأمة، وتضبط ثوابتها دون أن تخل بمبادئ الدولة الحديثة.

ويأمل حزب النور أن يتعاون الجميع من أجل إخراج تعديلات ترضي الجميع مع تأجيل المختلف فيه لما بعد المرحلة الانتقالية بحيث يمكن توافق جميع القوى على التصويت بنعم لما ستقرره لجنة الخمسين؛ حتى نعبر المرحلة الانتقالية بسلام لتأتي سلطات مستقرة قادرة على حل مشكلات الجمهور، والتي بدأت تطل برأسها من جديد".

وكذا الإعذار إلى الله بأداء الأمانة: (مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(الأعراف:164)، فهي دعوة إلى الله، وكما نبهنا سابقًا أن المشاركة السياسية وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله.

وأظن أن ما ذكرته كافيًا، وإن كان البعض ما زال يشغب ويقول: ماذا سيفعل الواحد وسط لجنة يسيطر عليها اليساريون والعلمانيون؟!

فأقول: نعم واحد، ولكنه ليس كأي واحد، فالمتواجدون كالدكتور "بسام" ثم د."محمد إبراهيم" والأستاذ "صلاح عبد المعبود" -وفقهم الله- سياسيون خبيرون، ولديهم من أدوات الإقناع ما لديهم، لا يخشون في الله لومة لائم -نحسبهم كذلك والله حسيبهم-.

ثم لا ننسى أن وراءهم جيشًا من الدعاة والعلماء في كل محلة من أرض مصر المباركة، وكل منهم -إن شاء الله- سيقوم بدوره كما قام به من قبل؛ فأبشروا وأمِّلوا خيرًا، وأحسنوا الظن بالله -تعالى-، وتوكلوا عليه حق التوكل في نصرة الدين، واعلموا أن المجهودات المخلصة للتمكين لدين الله في الأرض لا تضيع؛ فإما نصر لها وإما انتصار ممن عاداها!

وأذكر -بتصرف يسير- لمن يتهم -دون حياء مِن الله أو من الناس- بالخيانة أو العمالة إلى آخر هذا القاموس المعد سلفًا للمخالف - هذا الموقف الذي ذكره الأستاذ "محمود عبد الحليم"، والذي أرجو أن يتعلم منه الجميع.

والذي سنتعلم منه:

- العمل لنصرة الدين وحماية الدعوة.

- مراعاة المصالح والمفاسد، وموازين القوة والعجز.

- العمل لمصلحة البلد، وأن المصلحة العامة تقدم على المصلحة الخاصة لاسيما عند التعارض.

- إنزال الناس منازلهم.

- استعمال الرفق واللين، وعبارات الاحترام للمسئولين "حتى وإن كانوا ظالمين"؛ فقد أرسل الله موسى وهارون -عليهما السلام- إلى فرعون، فقال: (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى(طه:44)، وكان الواحد من علماء السلف يدخل على الأمير الظالم يعظه فيقول له: "أصلح الله الأمير!".

- الثناء على الخير وتضخيمه، والنصح البالغ عند وجود خلاف ذلك لعله يرجع، فالغرض هو إيجاد المعروف لا الانتقام أو الانتصار الحزبي الضيق! ولقد كان في هذا الموقف بسبب استعمال هذه القواعد أنه قد تحقق خير كثير! -فالله المستعان-.

والآن إلى هذا الموقف الذي ذكره الأستاذ "محمود عبد الحليم" -رحمه الله-:

"ترشيح المرشد العام لمجلس النواب سنة 1942م: كان هدف الأستاذ المرشد من وراء هذا الاحتكاك -الترشح لمجلس النواب- تمهيد السبيل لتثبيت دعائم الدعوة في أنحاء البلاد، وتأمين خطواتها في هذا السبيل حتى تستكمل كل وسائل القوة المعنوية والمادية!

ومن المسلَّم به أن أية دعوة ذات أهداف نبيلة وبرامج إصلاحية تريد تحقيق هذه الأهداف والبرامج ينبغي أن يكون من وسائلها إلى ذلك، العمل على الوصول بأعضائها إلى مقاعد المجالس التشريعية -"قلت: وسائلها المشروعة مع الانتباه أنه من وسائلها، وليس وسيلة وحيدة للدعوة والتغيير"-، ولا يتأتى ذلك إلا بخوض المعارك الانتخابية، ومن بدائه الأمور أنه كلما كان عدد النواب لهيئة من الهيئات أكثر كان تحقيق آمالها أيسر، ولكن الإخوان كانوا يعتقدون أن حصولهم على مقعد واحد في مجلس النواب كفيل بأن يؤثر في هذا المجلس أبلغ التأثير إذا كان صاحب هذا المقعد هو "حسن البنا!"؛ ذلك أن لديه من قوة الشخصية والقدرة على الإقناع مع ما يتمتع به من روحانية فياضة وبلاغة آسرة ما يشد إليه الأسماع والعيون، والعقول والقلوب، وما يفعل في السامعين فعل السحر... ! وقد استطاع بهذه المواهب النادرة أن يجمع حوله من الأنصار "الذين يفتدون دعوته بأموالهم ودمائهم" مئات الألوف في أنحاء مصر، وغير مصر من الدول العربية والإسلامية.

لهذا اتخذ الإخوان قرارًا بترشيح المرشد العام عن دائرة الإسماعيلية في الانتخابات التي أعلنت حكومة الوفد إجراءها سنة 1942م... وإذا كان أعظم المرشحين لم يكن لتقدمه للترشيح من صدى إلا في دائرته التي ينتمي إليها، فإن تقدم "حسن البنا" للترشيح كان له صدى يتردد في جميع محافظات القطر، ومراكزه وحواضره وقراه، بل وقد تعدى ذلك الصدى إلى خارج مصر؛ ذلك أن في كل مكان من هذه الأماكن رجالاً ونساء يعقدون الآمال العريضة على هذا الترشيح، وينبغي أن يكون مفهومًا أن ترشيح "حسن البنا" في دائرة الإسماعيلية ليس له إلا معنى واحد هو أنه من قبل أن تجرى انتخابات قد صار عضوًا بمجلس النواب مهما نافسه في الترشيح مائة مرشح منهم رئيس الحكومة نفسها... ! وهذه الحقيقة التي يعرفها أهل الإسماعيلية، ويعرفها الإخوان في كل مكان "ويعرفها الانجليز أيضًا"، وإن كان يجهلها -حتى ذلك الوقت- فئات أخري، منهم: حكام مصر، ورجال الأحزاب المصرية الذين لم يستطيعوا أن يفهموا عن الإخوان المسلمين أكثر من أنهم جماعة تدعو إلى الدين الذي لا يخرج في تصورهم عن كونه طقوسًا وعبادات ومحاربة للمنكرات بالوعظ والإرشاد... بالرغم مما يبذله الإخوان من جهود لتوضيح فكرتهم عن الإسلام باعتباره دينًا ودولة، وعقيدة وشريعة، وبرنامجًا إصلاحيًّا شاملاً لجميع شئون الحياة.

 تقدم الأستاذ المرشد يطلب الترشيح إلى وزارة الداخلية كالمعتاد... فما الذي حدث؟!

بعد أيام قلائل جاءه رسول من قِبَل مصطفى النحاس باشا رئيس الحكومة يدعوه لمقابلته.... وسأنقل هنا نص ما جاء في تقرير الأمن العام عن هذه المقابلة، وعن هذا الموضوع عامة، وقد نشره في جريدة الأهرام في "14-2-75" الدكتور عبد العظيم رمضان مدرس التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة طنطا ضمن وثائق نشرها، قال التقرير: "لم يكد يذاع خبر ترشيح الأستاذ حسن البنا ويدفع التأمين إلا واتصل به حضرة عبد الواحد الوكيل بك صهر حضرة صاحب المقام الرفيع مصطفى النحاس باشا، وتكلم معه في موقف الإخوان المسلمين، وطلب منه الرجوع إلى رفعة النحاس باشا، وتكلم معه في موقف الإخوان المسلمين، وطلب منه الرجوع إلى رفعة النحاس باشا لكي يكون رفعته على بينة من أمرهم؛ لأن رفعته لديه فكرة غامضة عنهم، وبعد بضعة أيام تلقى دعوة بمقابلة رفعة النحاس باشا، وتمت المقابلة بفندق مينا هاوس، وقد طلب منه رفعة النحاس باشا أن يتنازل عن الترشيح، وصارحه رفعته أنه يطلب ذلك إيثارًا للمصلحة العامة ولمصلحته "أي مصلحة الأستاذ البنا" إن كان يريد الإبقاء على جماعات الإخوان المسلمين في مختلف البلدان، فرفض ذلك وقال إنه يستعمل حقًّا من حقوقه الدستورية، ولا يرى ما يمنعه من الترشيح، وإن كان هناك موانع فإنه يطلب بيانها لكي يتبين مبلغها من الصحة، وفضلاً عن ذلك فإن قرار الترشيح صدر من هيئة المكتب العام لجماعة الإخوان، وأنه شخصيًّا لا يملك الرجوع في ذلك.

 فرجاه رفعة النحاس باشا أن يعمل على إقناع الأعضاء بالعدول عن ذلك، وأن رفعته رأى أن يدعوه لينصح له بالتنازل وإلا اضطر إلى اتخاذ إجراءات أخري يراها رفعته قاسية، ولا يرتاح إليها ضميره، ولكنه حرصًا منه على مصلحة البلد مضطر إلى تنفيذها، ولما استوضحه تلك الإجراءات؛ قال رفعته: إنها حل جماعات الإخوان المسلمين ونفي زعمائها خارج القطر؛ وتلك هي رغبة هؤلاء الناس -يقصد الإنجليز- الذين بيدهم الأمر يصرفونه كما يرون، ونحن مضطرون إلى مجاملتهم؛ خصوصًا في هذه المسائل الفرعية، وفي هذه الظروف العصيبة؛ لأنهم يقدرون على كل شيء، وفي استطاعتهم إن شاءوا أن يدمروا البلد في ساعتين.

 وقد ترك رفعته فرصة للتفكير في الأمر، وأن تتم مقابلة أخرى في هذا الشأن، وقد عرض الأمر على هيئة مكتب الإرشاد فلم توافق الأغلبية على التنازل، ولكنه هو شخصيًّا وافق عليه لا خوفًا من النفي، ولكن حرصًا على قيام الجماعة واستمرارها في تنفيذ أغراضها، وأخيرًا استقر الرأي على التنازل، وتوجه مرة أخرى لمقابلة رفعة الرئيس بوساطة سليم بك زكي الذي بسط لرفعته دعوة الإخوان ومدى انتشارها في المدن والأقاليم، فانتهز هذه الفرصة وطلب من رفعته ضمانات بقيام الجمعية وفروعها، وعدم الوقوف في سبيلها، وعدم مراقبتها والتضييق على أعضائها للحد من نشاطهم؛ فوعده رفعته بما طلب.

وقد أوردت ما جاء بتقرير الأمن العام عن هذه المقابلات؛ لأنه هو فعلاً نص ما حدثنا به الأستاذ المرشد عقب رجوعه من كل من المقابلتين، فقد كنا في ذلك الوقت في المركز العام ننتظر رجوعه على أحر من الجمر؛ لأن موضوع الترشيح كان أمرًا جوهريًّا بالنسبة لنا "ولجميع الإخوان في أنحاء البلاد"، ولهذا فإنه رأى بعد أن قص علينا ما حدث أن ننتقل إلى الإسكندرية، وطنطا وغيرها من العواصم ليقصه عليهم؛ حتى يكون الجميع على صورة واضحة من الموضوع، وموقف الأستاذ المرشد في هذا الموضوع كان أحد المواقف القليلة التي جاء رأيه النهائي فيها صدمة لمشاعر الإخوان وعواطفهم، فما من أحد من أنحاء البلاد إلا وشعر بهذه الصدمة التي تمثلت لنا في صورة فرصة أفلتت منا بإرادتنا، ولو أننا تمسكنا بها لأفادت الدعوة منها أعظم فائدة، ولم يسلِّم الإخوان للأستاذ المرشد بما طلبه إليهم، ولم ينزلوا على رأيه إلا للثقة التي لا حدود لها فيه، وللاطمئنان الكامل إلى إخلاصه ومقدرته، وبعد نظره وحسن تدبيره للأمور.

 وتقريرًا للواقع أقول: إن هذا الموقف الذي وقفه الأستاذ في هذا الموضوع -وإن كان قد جرعنا في أوله بعض المرارة-؛ إلا أنه عاد على الدعوة بما لا حصر له من الفوائد، وحسب القارئ أن يعلم أن قوة الإخوان المسلمين في ظل هذا الموقف -وفي خلال أربع سنوات بعده- قد تضاعفت أضعافًا كثيرة كمًا وكيفًا حتى صارت أقوى هيئة شعبية في مصر وفي البلاد العربية على الإطلاق، ومع أن حزب الوفد الحاكم في ذلك الوقت كان حريصًا على أن يخرج من تجربته هذه مع الإخوان بكسب معنوي لحسابه، فإن الإخوان قد خرجوا منها بمكاسب لدعوتهم لا يقاس بأدناها كسب الوفد -إن كان قد كسب شيئًا- فضلاً عما أشرنا إليه آنفًا من انفتاح كل الطرق أمام الإخوان لبث دعوتهم في كل مكان دون عوائق، وإن هناك مزايا أخرى ما كانت لتنجز وتتخذ سبيلها إلى واقع الحياة في مصر لولا هذين اللقاءين الذين تما بين الأستاذ المرشد والنحاس باشا.

وعلى رأس هذه المزايا:

1- إحياء الأعياد الإسلامية لاسيما مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- وجعله عيدًا رسميًّا للدولة، وقد أصدر رئيس الحكومة حديثًا رسميًّا مستفيضًا تحية لهذه الذكري الكريمة -"قلت: ليس في أعياد المسلمين إلا عيدان: الفطر والأضحى كما جاء عنه -صلى الله عليه وسلم-، وما الاحتفال الحقيقي بمولده -صلى الله عليه وسلم- إلا بإقامة دينه وتحكيم شرعه، لا احتفالات وشعارات ثم تضييع الشريعة كما رأينا ممن تعاقبوا على حكم بلاد المسلمين!"-.

2 - إلغاء البغاء في أنحاء البلاد "وكان وصمة عار في جبينها".

3 - قانون بوجوب استعمال اللغة العربية في تعامل جميع الشركات والمؤسسات ومراسلاتها.

4 - تحريم الخمر -وإن كان التحريم قد اقتصر على المناسبات الدينية-.

5 - بذل جهد مشكور في وضع أساس إنشاء الجامعة العربية.

وقد كان الأستاذ المرشد قد أخبرنا فيما أخبرنا به عما دار بينه وبين النحاس باشا في هذين اللقاءين أنه كان حريصًا أن يلقي في روع النحاس باشا أن تنازله عن الترشيح لابد أن يقابله ما يسد هذه الفجوة بعمل إسلامي تقوم به الحكومة يثلج صدر الشعب الذي كان يؤمل الكثير من العمل الإسلامي من وراء دخولي مجلس النواب، وقال له: إن العمل الإسلامي الذي تقوم به الحكومة يقربها إلى نفوس الشعب، ويرفع اسم زعامة الوفد... وقد تعهد النحاس باشا بالنهوض بهذه المطالب، وقد وفَّى الرجل بتعهده، وقد ألقى عقب هذين اللقاءين حديثًا ضمنه هذه المعاني التي اتفق عليها، وعقب صدور هذا الحديث عن النحاس باشا تقابل عبد الواحد الوكيل باشا مرة أخرى مع الأستاذ المرشد، واقترح عليه أن يصدر بيانًا يسجل فيه أن التنازل قد تم احترامًا لقرار الوفد بترشيح شخص آخر، ويعلن فيه تأييده لسياسة الوفد في التعاون مع بريطانيا لتنفيذ معاهدة التحالف؛ فرفض الأستاذ المرشد ذلك، واكتفى بذكر فقرات في خطاب النحاس باشا معلنًا أن الإخوان عون له في سياسة الإصلاح الديني والاجتماعي... ونثبت هنا نص الخطاب الذي وجهه الأستاذ المرشد إلى النحاس باشا كما نُشر بجريدة المصري يوم 23 مارس سنة 1942م تحت عنوان: الإخوان المسلمون يستجيبون لنداء الزعيم، ويعلنون أنهم عون للحكومة في تحقيق برنامجها الإصلاحي.

كتاب قيم من المرشد العام للرئيس الجليل:

بسم الله الرحمن الرحيم.

حضرة صاحب المقام الرفيع مصطفى النحاس باشا رئيس الحكومة المصرية.

أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وأحييكم، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد....

فقد تحدثتم رفعتكم إلى الأمة المصرية حديثًا رائعًا جميلاً، ضمنتموه كثيرًا من المبادئ القويمة والأماني الطيبة التي يسر كل مصري أن يحققها الله على أيديكم... فقد أشدتم بالصراحة والتعاون والإخلاص، ودعوتم الأمة إلى مصارحتكم والتقدم إليكم بالنصح، ووددتم أن تمتلئ صدورنا جميعًا بهذه المعاني السامية (فنحن أبناء أسرة واحدة، وهي الأسرة المصرية الكريمة).

وقررتم رفعتكم أنه من دواعي سروركم أن تتعاون الأمة والحكومة في هذه الظروف الدقيقة في تنفيذ سياسة خارجية حكيمة، وتصميم سياسة داخلية بصيرة... فالواجب يقتضينا والمصلحة تدعونا إلى أن ننفذ بإخلاص وحسن نية أحكام المعاهدة التي وقعناها بمحض اختيارنا وملء حريتنا، وقصدنا من ورائها سلامة استقلالنا القومي والاحتياط لمثل هذه الظروف العصيبة، كما أن الحكومة ساهرة على اتباع سياسة عمرانية عاجلة لخير الطبقات الفقيرة قبل غيرها... ومن واجب الحكومة والبرلمان أن يضعا في رأس برنامجهما درس المسائل الاجتماعية، والسعي إلى حلها حلاً سريعًا حاسمًا، وقد أشرتم إلى التطور الجديد في حياة العالم كله تطورًا "هو مقدمة لتطور أعمق غورًا وأبعد أثرًا يجعل مظهر العالم في غير مظهره اليوم!".

ثم ختم هذا الحديث بأن علينا أن نعبر الطريق المحفوف بالمخاطر، المحوط بالمكاره، متعاونين متحدين مع الشعوب الشرقية وإخواننا أبناء العروبة الكريمة كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا، مترقبين بزوغ فجر الحرية والإخاء بين الشعوب؛ فيقوم عدل الحكام على أنقاض الظلم والاستبداد، وتتفيأ أمم ظلال الطمأنينة والسكينة... والسلام".

أصغينا إلى هذا الحديث القيم ثم طالعتنا الصحف بنصائحكم الجليلة إلى حضرات المديرين والمحافظين، ودعوتكم إياهم إلى "أن يكونوا نواة سلام، ودعاة صلح وتفاهم بين العائلات، وأن يديموا التجوال في البلاد ليتبينوا مطالب الأهلين، وينظروا فيها بالعين المجردة عن كل ميل وهوى، وأن يستمعوا إلى شكاوى المظلومين ويعملوا على رفع المظالم عنهم".

وقرأنا في الصحف أن معالي وزير الصحة أخذ يدرس باهتمام مشكلة البغاء تمهيدًا لتخليص مصر من وصمته الشائنة، وأنه قرر فعلاً البدء بإلغاء دور البغاء في القرى والبنادر من أول مايو المقبل، والإخوان المسلمون أمام هذه الآمال الصالحة، والأعمال الطيبة النافعة يرون من واجبهم أن يستجيبوا لندائكم، وأن يعلنوا أنهم حريصون كل الحرص على أن يكونوا عونًا لكم وللحكومة المصرية في تحقيق برنامجكم الإصلاحي الذي أعلنتموه، مستمسكين دائمًا بآداب الإسلام العالية، وتعاليمه القويمة، وأخلاقه الفاضلة" (الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ 1/ 294-299).

والله نسأل أن يهيئنا جميعًا لخير هذا الوطن العزيز، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً