الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

من تاريخ الصراع بين السلفية والإخوانية

في حين أن الصحوة الإسلامية في مصر كانت تنحى في بدايتها إلى النهج السلفي ، كان فكر وثقافة الإخوان المسلمين في أطوارها المتأخرة أوشكت على إتمام اختراق

من تاريخ الصراع بين السلفية والإخوانية
الجمعة ٠٧ فبراير ٢٠١٤ - ١٠:٥٣ ص
9849

مرحلة من تاريخ الصراع بين السلفية والإخوانية

في بعض البلاد العربية

كتبه / وائل سرحان

الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله ، صلى الله عليه وسلم .. وبعد ..

فقد تحير بعض أبناء الدعوة السلفية من موقف بعض المنسوبين إلى العلم خارج مصر من الدعوة السلفية والإخوان والأحداث المعاصرة ، وهذا يرجع إلى عدم الانتباه إلى طبيعة التيارات الفكرية وتأثر البلاد العربية والإسلامية بعضها ببعض .

وهذا موجز شديد جدًّا للحركة الفكرية والمنهجية ، خاصة بين مصر والسعودية . في فترة الستينيات وما تلاها

ففي حين أن الصحوة الإسلامية في مصر في السبعينيات كانت تنحى في بدايتها إلى النهج السلفي ، كان فكر وثقافة الإخوان المسلمين في أطوارها المتأخرة أوشكت على إتمام اختراق الدولة السعودية سلفية المنشأ ، حتى كاد أن يكتسي الطابع التعليمي والثقافي في الدولة السعودية بالطابع الإخواني أو بشبه الإخواني ، إن لم يكن قد تم بالفعل .

ولقد عرفت المملكة فكر الإخوان في مرحلة حسن البنا إلا أنه لم يحظ وقتها بانتشار واسع ، ولقد طلب البنا إيجاد فرع لجماعته في السعودية ، إلا أن الدولة رفضت وجوده رسميًّا ، ثم وجد فكر الإخوان في فترة الخمسينيات على يد أشخاص ذوي تأثير ، وكانت لهم صلة وثيقة بالدوائر الحاكمة في حينها ، ثم عرفته من خلال هجرة الإخوان لها في الستينيات وما قبلها بعد انقلاب عبد الناصر على حلفائه – أعني الإخوان – ويبدو أن هذه المرحلة كان فكر الإخوان ما زال في طوره الأول رغم أن حمل بين طياته بذور وبدايات الطور الثاني ، كما سيأتي .

ثم جاءت مرحلة السبعينيات بعد خروج الإخوان من السجون وجاءت معها هجرة أخرى إلى المملكة ، لكن بأعداد فاقت الهجرة الأولى كثيرًا ، وحملت هذه الهجرة في هذه المرة الفكر القطبي إلى المملكة السلفية التي كان الإخوان المهاجرون في الستينيات بدءوا في اختراقها ومهدوا السبيل لمن جاء بعدهم ، ولم تكن الدولة رسميًّا منتبهة إلى الخلاف بين منهج الإخوان ومنهج المملكة الوهابي السلفي ، فسمحت – أو استعانت - لأفراد كثر من جماعة الإخوان إلى التواجد في أماكن رسمية تعليمية وثقافية بالأساس ، ولو أضفنا إلى ذلك قدرة الإخوان - ومن كان منهم يومًا ما - على التنظيم والعمل السري ، والتلون والتدسس الناعم ، لفهمنا كيف اكتسى الطابع التعليمي والثقافي - أو كاد – في المملكة بالطابع الإخواني خاصة في طوره الأخير .

وهجرة إخوانية ثالثة كانت متزامنة مع الهجرتين الأخريين هي هجرة الشوام إلى المملكة ، وكان من المهاجرين أسماء لامعة ذات تأثير بالغ في الفكر والثقافة السعودية .

أضف إلى المنتدبين – من غير المهاجرين - من الإخوان للعمل في مجالي التعليم والثقافة بالأخص ، أو مجالات أخرى ، عمل على انتدابهم المهاجرون القدامى من الإخوان أو بتأثير أو إيعاز منهم على الأقل .

وتلاقت هذه الفئات الإخوانية الستة وحدث بينهم توافق أو تناغم ، أو ترتيب وتعاون ، وإن حدث بينهم خلاف إلى حد تشويه بعضهم بعضًا ، إلا أنه لم يكن يومًا ما قويًّا أو فكريًّا ومنهجيًّا ، إنما كان خلافًا تنظيميًّا لم يلبثوا أن تجاوزوه للأهداف المشتركة.

على أن هناك فرقًا كبيرًا بين الفكر الإصلاحي للمدرستين ، المدرسة الوهابية (السلفية) والمدرسة الإخوانية ، فالأولى فكرتها الإصلاحية تعتمد على الدين ومنهج السلف والتصفية والتربية (أوالتعليم والتربية)، والثانية على الإصلاح السياسي ، والوقوف في مواجهة الغرب ، الذي تطور - في مرحلة سيطرة فكر سيد قطب وهيمنته وانتشاره - إلى مواجهة الأنظمة الجاهلية أو المجتمع الجاهلي ، ويعني بالجاهلية جاهلية الكفر ، فتحول التوجه من مواجهة الغرب إلى مواجهة المجتمع المسلم .

لكن انتهى الحال لدمج الفكرتين أو محاولة التجاور ، وبالأحرى محاولة (إضفاء مسحة سلفية) على الفكر الإخواني والقطبي ، أي كسوتهما بثوب سلفي ، إلا أن الفكرة الإصلاحية الأولى حوصرت في الجانب العقدي والفقهي ، والثانية كانت أوسع انتشارًا من حيث الفكر ، والثقافة ، والحركة ، واحتلال مراكز التأثير الرسمي ، والاجتماعي ، الشبابي منه خاصة ، وكانت منتبهة في تحديد غاياتها ، وأكثر قدرة على التنظيم والعمل المنظم وأخذ خطوات واضحة لتحقيق هذه الغايات ، ولم تحاول أن توجد أشكالًا من النشاط يوقظ أصحاب الفكرة الأولى لها ، أو يكون غير منسجم مع مفاهيمهم ورؤاهم ، حتى أخرجت لصالحها جيلًا كاملًا من الشباب .

أما أصحاب الفكرة الأولى (السلفية الوهابية) فدفعهم التاعطف مع الإخوان المسلمين لما نالهم من التنكيل على يد عبد الناصر أو على يد حافظ الأسد ، مع كونهم قد هجروا أوطانهم أو نفوا منها – والإخوان دائمًا ما يجيدون دور الضحية أو المظلومية مع قدرتهم على شيطنة المخالفين والخصوم -  كما دفعتهم الأخوة الإيمانية (أو عقيدة الولاء) الأصيلة في الفكر السلفي ، دفعهم ذلك إلى الغفلة عن تحركات الإخوان السرية والمنظمة ، على اختلاف أطيافهم ، بل وفروا لهم الدعم المادي والمعنوي والحماية ، وكان لهم دورهم في تلميع رموزهم واكتسابهم شعبية جارفة خاصة في وسط التيار الإسلامي.

وللحديث بقية إن شاء الله.

------------

(**)ملحوظة هذا مختصر من بحث أعدته (أكاديمية أسس للأبحاث والعلوم) عن تاريخ السلفية المعاصرة ولمًّا ينشر ، ولا يعدو ما جاء فيه أن يكون رأيًا لكاتبه.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة