الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

وأعوذ بك من شماتة الأعداء

كما أنها سبب لجلب العداوة بين الناس، ووسيلة من وسائل الهدم والتمزق في المجتمع

وأعوذ بك من شماتة الأعداء
عصام حسنين
الأحد ٢٣ مارس ٢٠١٤ - ١٣:٥١ م
4169

وأعوذ بك من شماتة الأعداء

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالشماتة خلق ذميم حرَّمه الإسلام؛ لما فيه من تسخط لقدر الله -تعالى-، وحسد للناس على ما آتاهم الله من فضله، وما الحسد إلا بعض ما في قلب صاحبه من حقد وعداوة وقسوة، وعدم حب الخير للآخرين.

كما أنها سبب لجلب العداوة بين الناس، ووسيلة من وسائل الهدم والتمزق في المجتمع، ونظرًا لبروز هذا الخلق بين البعض نتيجة الأحداث أحببت أن أقدِّم النصيحة محذرًا إخواني المسلمين من هذا الخلق الذميم.

فأقول: الشماتة مأخوذة من "شمت" التي تدل على الفرح ببلية تُصيب العدو.

قال القرطبي وغيره: "الشماتة هي السرور بما يصيب أخاك من المصائب في الدين والدنيا"، ولا شك في حرمة ذلك.

وقال القرطبي -رحمه الله- في تفسير قول الله -تعالى-: (فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ) (الأعراف:150): "أي: لا تسرّهم، وهي محرمة منهي عنها، وقرأ مجاهد ومالك بن دينار: (فَلا تَشْمَتُ بِيَ الأَعْدَاءُ)، أي: لا تفعل بي ما يشمت من أجله الأعداء، أي لا يكون ذلك منهم لفعل تفعله أنت بي" (اهـ من التفسير بتصرف يسير).

والشماتة من صفات المنافقين الذين يظهرون للمسلمين المودة في الظاهر، وأما في السر فيبطنون لهم العداوة، قال الله -تعالى-: (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ) (التوبة:50).

ولشدة ألم الشماتة على النفس قال هارون لأخيه موسي -عليهما السلام-: (فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (الأعراف:150).

واستعاذ النبي -صلى الله عليه وسلم- بربه منها: فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَعَوَّذُ مِنْ جَهْدِ البَلاَءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ" (متفق عليه). وعنه -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ جَهْدِ البَلاَءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ) (متفق عليه).

قال ابن حجر -رحمه الله-: "قال ابن بطّال وغيره: (جَهْدِ البَلاَءِ): كل ما أصاب المرء من شدة وما لا طاقة له بحمله، ولا يقدر على دفعه. (وَدَرَكِ الشَّقَاءِ): يكون في أمور الدنيا وفي أمور الآخرة، كذلك (سُوءِ القَضَاءِ) عام في النفس والمال، والأهل والولد، والخاتمة والمعاد... و(وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ):  ما ينكأ القلب ويبلغ من النفس أشد مبلغ" (باختصار من فتح الباري11/ 178).

ومن دعائه -صلى الله عليه وسلم-: (وَلا تُشْمِتْ بِي عَدُوًّا حَاسِدًا) (رواه الحاكم، وحسنه الألباني).

وقال الشاعر الفاضل:

كل المصائب قد تمر على الفتى                     فـتـهـون غـيـر شـماتة الأعـداء

وليحذر الشامت بأخيه أن يعافيه الله -تعالى- ويبتليه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لأَخِيكَ فَيَرْحَمَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيكَ) (رواه الترمذي، وحسنه الحافظ ابن حجر)، وليعلم المؤمن أنّه ليس من أخلاقنا أن نعيِّر أحدًا بما نعلمه فيه جزاء تعييره لنا.

 قال ابن مفلح -رحمه الله-: "نظر بعض العبَّاد شخصًا مستحسنًا، فقال له شيخه: ستجد غِبه؛ فنسي القرآن بعد أربعين سنة. وقال آخر: "عبتُ شخصًا قد ذهب بعض أسنانه فذهبت أسناني، ونظرت إلى امرأة لا تحل لي؛ فنظرَ زوجتي مَن لا أريدُ. وقال ابن سيرين: عيرت رجلاً بالإفلاس فأفلست، قال ابن الجوزي: ومثل هذا كثير، وما نزلت بي آفة ولا غم ولا ضيق صدر إلا بزلل أعرفه حتى يمكنني أن أقول هذا بالشيء الفلاني، وربما تأولت تأويلاً فيه بعد فأرى العقوبة، فينبغي للإنسان أن يترقب جزاء الذنب فقلَّ أن يسلم منه، وليجتهد في التوبة... " ثم علق ابن مفلح بقوله: "ومراده كثرة ذلك لا أنه مطرد على ما لا يخفى" (الآداب الشرعية).

وفي حديث جابر بن سُليم -رضي الله عنه- أنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اعْهَدْ إِلَيَّ" فقال -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِنِ امْرُؤٌ شَتَمَكَ وَعَيَّرَكَ بِمَا يَعْلَمُ فِيكَ، فَلا تُعَيِّرْهُ بِمَا تَعْلَمُ فِيهِ، فَإِنَّمَا وَبَالُ ذَلِكَ عَلَيْهِ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني). أي: إثم تعييره عليه؛ وهذا -ولا شك- تحذير شديد لنا جميعًا، ولا ينتفع بذلك إلا الخاشعون الذين هم من الساعة مشفقون.

ثم ليعلم هذا الشامت أن الشماتة من الحمق وقلة الدين؛ لأن ما أصابنا هو ما كتبه الله علينا، وأنت أيضًا ذلك الإنسان، قال -تعالى-: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (التوبة:51).

وصدق القائل:

إذا ما الدهر جرَّ على أنـاس             كــلاكـلـه أنـاخ بــآخــريـنـا

فـقـل للشامـتيـن بنا أفـيقوا               سيلقى الشامتون كما لقينا

والكلاكل هي المصائب.

"أما السرور لما يصيب العدو المحارب، ومثله المنافقين والطاعنين في الدين والمعادين لعباد الله المسلمين، كما يفعل كثير منهم في كتاباتهم ومقالاتهم؛ فمحمود غير مذموم، وهو من باب قوله -تعالى-: (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ . وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ) (التوبة:14-15).

فإن في قلوب المؤمنين من الحنق والغيظ عليهم ما يكون هلاكهم وحصول البلاء بهم شفاء لما في قلوب المؤمنين من الغم والهم؛ إذ يرون هؤلاء الأعداء محاربين لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- وللمؤمنين، ساعين في إطفاء نور الله، ومعاداة عباد الله" (من فتوى للشيخ المنجد).

فرحم الله عبدًا أقبل على شأنه، وأصلح من عيبه، ولم يأتِ إلى الناس إلا ما يحب أن يُؤتى إليه!

والله المستعان.

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً