السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

ضوابط التكفير في ضوء منهج أهل السنة والجماعة (2)

فلا تتلقى هذه المسائل إلا عنهم فان المتأخرين لم يفهموا مرادهم فانقسموا فريقين ...

ضوابط التكفير في ضوء منهج أهل السنة والجماعة (2)
عادل نصر
الثلاثاء ٠٢ سبتمبر ٢٠١٤ - ١٥:٢٣ م
3013

ضوابط التكفير في ضوء منهج أهل السنة والجماعة (2)

كتبه/ عادل نصر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ـ وبعد؛

إن مما يلزم بيانه ونحن نتكلم عن ظاهرة التكفير في ضوء منهج أهل السنة والجماعة إن نذكر أهم الأصول عند أهل السنة في هذا الباب والتي تمثل معالم منهجهم وبها يفارقون أهل البدع والضلال من الفرق الزائغة التي انحرفت عن سبل السبيل وأهم هذه المعالم هي :

1- وسطية أهل السنة والجماعة بين الخوارج والمرجئة في مسائلة التكفير .

2- التكفير حكم شرعي وحق لله تعالى .

3- التكفير مبناه على التثبت والتحري لا على الاندفاع والتجري .

4- أهل السنة يفرقون بين إحكام الدنيا وإحكام الآخرة .

5- أهل السنة والجماعة يفرقون بين كفر العموم وكفر التعيين .

6- أهل السنة والجماعة لا يكفرون بالمآلات ولا لوازم القول إذا المقاصد معتبره .

بعد إن ذكرنا هذه المعالم إجمالاً نفصل القول فيها حتى يتضح المقصود بعون الرب المعبود فنقول :

أولاً : وسطية أهل السنة والجماعة بين الخوارج والمرجئة في مسائلة التكفير : ومن أهم خصائص أهل السنة في قضية التكفير أنهم وسط بين الخوارج والمرجئة كما هم وسط بينهم في مسائل الإيمان فهم يخالفون الخوارج فلا يكفرون بكل ذنب بل لابد إن يكون الذنب من الكفر الأكبر المزيل لأصل الإيمان ولذا اتفقت كلمتهم على إن مرتكب الكبيرة لا يكفر حتى يستحل .

يقول ابن القيم ـ رحمة الله عليه ـ : وهذا التفصيل هو قول الصحابة الذين هم أعلم الأمة بكتاب الله وبالإسلام وبالكفر ولوازمهما ، فلا تتلقى هذه المسائل إلا عنهم فان المتأخرين لم يفهموا مرادهم فانقسموا فريقين فريق أخرجوا من الملة وقضوا على أصحابهم بالخلود في النار , وفريقا جعلوهم مؤمنين كاملي الإيمان فهؤلاء غلوا وهؤلاء جفوا ، وهدى الله أهل السنة للطريقة المثلى والقول الوسط الذي هو في المذاهب كالإسلام في الملل فها هنا كفر دون كفر ونفاق دون نفاق وشرك دون شرك وفسوق دون فسوف وظلم دون ظلم .

فالمعاصي عند أهل السنة والجماعة من شعب الكفر وفروعه لا تنقل عن الملة ولا تخرج من الإسلام إلا إذا استحلها فاعلها ولكنها تنقص الإيمان وتعرض صاحبها للعقوبة فلا يزيل الإيمان عند أهل السنة والجماعة إلا الكفر الأكبر أو الشرك الأكبر أو غير ذلك من النواقص .

وكما خالف أهل السنة والجماعة الخوارج خالفوا كذلك المرجئة الذين حصروا الكفر في مجرد التكذيب والجحود كما جعلوا الإيمان مجرد التصديق وهذا مذهب باطل مخالف لأدلة الكتاب والسنة والتي دلت على أن الكفر غير محصور في التكذيب بل منها كفر أعراض وإباء واستكبار وغير ذلك مما يختص بالتكذيب بل تكون مع التصديق فنواقض الإيمان عند أهل السنة والجماعة ليست محصورة في النواقض القلبية كيف وقد انعقد الاجتماع على عدد من المكفرات القولبة والعملية وكثيراً منها لا يتضمن التكذيب كما هو معلوم .

ثانياً : التكفير حكم شرعي وحق لله تعالى : إن التكفير حكم من الإحكام الشرعية التي لا مدخل لرأى فيها أو هوى بل هو سمعي محض فالمؤمن من حكم الله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ له بالإيمان وكذا الكافر من كفره الله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فليس لأحد إن يطلقه على أحد بمجرد الظن أو الهوى كما أنه لا يحكم بإسلام أو إيمان لمن كفر الله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ عليه رحمة الله ـ : فان الكفر والفسق أحكام شرعية ليس ذلك من الإحكام التي يستقل بها العقل , فالكافر من جعله الله ورسوله كافراً , والفاسق من جعله الله ورسوله فاسقاً , كما إن المؤمن والمسلم من جعله الله ورسوله مؤمناً ومسلماً , والعدل من جعله الله ورسوله عدلاً , ومعصوم الدم من جعله الله ورسوله معصوم الدم , والسعيد في الآخرة من أخبره الله ورسوله أنه سعيد في الآخرة , والشقي فيها من أخبره الله ورسوله أنه شقي فيها ـ إلى إن قال ـ : فهذه المسائل كلها ثابتة بالشرع .

ويقول ابن الوزير : إن التكفير سمعي محض لا مدخل للعقل فيه وأن الدليل على الكفر لا يكون إلا سمعياً قطعياً ولا نزاع في ذلك . (العواصم من القواصم) .

ولما كان التكفير حكماً شرعياً وحقاً الله تعالى كان لزاماً على العبد النقي الذي يخشى ربه ويخاف يوم الحساب ألا يعاقب به فليس له أن يكفر من كفره ، فنحن مطالبون إن نمتثل شرع الله ـ عز وجل ـ مع من لا يمتثله ، وأن نتقى الله فيمن لا يتقى الله فينا ، وقد كان هذا بفضل الله تعالى صنيع أهل السنة مع مخالفيهم عبر العصور .

يقول شيخ الإسلام : فلهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم وإن كان ذلك المخالف يكفرهم لأن الكفر حكم شرعي فليس للإنسان أن يعاقب بمثله كمن كذب عليك وزنى بأهلك ليس لك أن تكذب عليه وتزني بأهله لأن الكذب والزنا حرام لحق الله تعالى ، وكذلك التكفير حق لله تعالى فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله .

فلما سَلَّم أهل السنة والجماعة لنصوص الوحيين سَلِمُوا من البدع ، ولما اعتصموا بالله ـ عز وجل ـ عُصِمُوا من الضلال والزيغ ، ولله در الإمام الطحاوى حيث يقول : فإنه ما سَلِمَ في دينه إلا من سَلَّمَ لله ـ عز و جل ـ ولرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وردَّ علم ما اشتبه عليه إلى عالمه ، ولا تَثْبُت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام .

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة