السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

ضوابط التفكير في ضوء منهج أهل السنة والجماعة (4)

فيه دليل للقاعدة المعروفة في الفقه والأصول أن الأحكام يعمل فيه بالظواهر والله يتولى السرائر .

ضوابط التفكير في ضوء منهج أهل السنة والجماعة (4)
عادل نصر
الجمعة ٠٥ سبتمبر ٢٠١٤ - ١٧:٠٩ م
2890

ضوابط التفكير في ضوء منهج أهل السنة والجماعة (4)

كتبه/ عادل نصر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وبعد؛

ولازال الحديث موصولاً عن المعالم المنهجية لأهل السنة والجماعة في قضية التكفير ، وكلامنا هذا الأسبوع عن أهل السنة يفرقون بين أحكام الدنيا وأحكام الآخرة : من المعالم المهمة لمنهج أهل السنة والجماعة والسمات الرئيسة لهم في هذا الباب أنهم يفرقون بين أحكام الدنيا وأحكام الآخرة , فالأحكام في الدنيا تجرى على الظواهر فمن أقر بالشهادتين وأظهر الإسلام فهو المسلم له ما للمسلمين وعليه ما عليهم , وتجرى عليه أحكام الإسلام من نكاح , وأرث , وعتق , وعصمة للدم والمال , وغير ذلك يستوي في هذا من قاله من قلبه ومن قالها نفاقاً وطلباً للدنيا فلم نؤمر أن نشق عن قلوب الناس فلنا الظاهر ونكل السرائر لله تعالى ، أما في الآخرة فلا ينفع ظاهر لا باطن له ، ولذا كان المنافقون في الدرك الأسفل من النار مع أنهم عوملوا في الدنيا معاملة المسلمين فلقد ورث عبد الله بن عبد الله بن أبى بن سلول أباه مع انه رأس المنافقين .

يقول شيخ الإسلام ـ رحمه الله يجب ـ : إن يفرق بين أحكام المؤمنين الظاهرة التي يحكم فيها الناس في الدنيا وبين حكمهم في الآخرة بالثواب والعقاب فالمؤمن المستحق للجنة لابد إن يكون مؤمناً في الباطن باتفاق جميع أهل القبلة .

ولأهل السنة أدلتهم من الكتاب والسنة والتي تؤيد هذه القاعدة فمنها :

1- قوله تعالى : (يا أيها الذين امنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا) .

2- قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله" والشاهد من الحديث قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "وحسابهم على الله" .

قال الإمام البغوى : وفى الحديث دليل على أن أمور الناس في معاملة بعضهم بعضاً إنما تجرى على الظاهر من أحوالهم دون باطنها وان من أظهر شعار الدين أجري عليه حكمه ، ولم يكشف عن باطن أمره ، ولو وجد مختون فيما بين قتلى غلف ، عزل عنهم في المدفن ، ولو وجد لقيط في بلد المسلمين حكم بإسلامه . "شرح السنة للبغوى 170" .

وقال ابن رجب : وأما في الآخرة فحسابه على الله ـ عز وجل ـ ، فإن كان صادقاً أدخله الله بذلك الجنة ، و إن كان كاذباً فإنه من جملة المنافقين في الدرك الأسفل من النار .

وقال الحافظ في الفتح : وحسابهم على الله أي أمر سرائرهم .. وفيه دليل على قبول الأعمال الظاهرة والحكم بما يقتضيه الظاهر .

3- واستدلوا أيضاً بقصة أسامة ـ رضي الله عنه ـ المشهورة قال : بعثنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الحرقة من جهينة قال فصبحنا القوم فهزمناهم . قال ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم قال فلما غشيناه قال لا اله إلا الله قال : فكف عنه الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته فلما قدمنا بلغ ذلك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : فقال لي : "يا أسامة أقتلته بعدما قال لا اله إلا الله" قال : قلت يا رسول الله إنما كان متعوذاً . قال : "أقتلته بعدما قال لا اله إلا الله ؟" قال فما زال يكررها على حتى تمنيت أنى لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم . (رواه البخاري في صحيحه .

قال النووي ـ رحمه الله - : وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟" فيه دليل للقاعدة المعروفة في الفقه والأصول أن الأحكام يعمل فيه بالظواهر والله يتولى السرائر .

ونود التنبيه هنا على أن هناك شيئين يستثنيان من هذه القاعدة هما :

1- وقوع الكفر من المسلم الذي ثبت له عقد الإسلام بيقين ، فإنه لا ينسحب عليه الوصف إلا بعد ثبوت الشروط وانتفاء الموانع وذلك لورود أدلة الشريعة الموجبة للإحتياط في شأن المعين كما سيأتي تفصيله .

2- ما وقع من خلاف بين أهل العلم في قبول توبة الزنديق حيث قال بقبول توبته الشافعي وراوية عن أحمد وحكاه الخطابي عن الأكثرين وذهب إلى عدم قبولها مالك وأبو حنيفة وأحمد في الرواية الأخرى ورجحه أبن تيمية وابن القيم .

لاشك أنك أيها القاري الكريم تلحظ معي دقة منهج أهل السنة وعظيم تحرى أئمته الأكابر فتقدر ما قاله سلفنا الصالح (إن من نعمة الله على الشاب إذا نسك أن يوفقه الله إلى صاحب سنة يحمله عليها) .

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة