الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

ضوابط التكفير في ضوء منهج أهل السنة والجماعة (6)

وأن الذي عندنا في هذا الباب كله أن المعاصي والذنوب لا تزيل إيماناً ولا توجب كفراً ولكنها ...

ضوابط التكفير في ضوء منهج أهل السنة والجماعة (6)
عادل نصر
الأربعاء ١٠ سبتمبر ٢٠١٤ - ١٦:٠٥ م
1786

ضوابط التكفير في ضوء منهج أهل السنة والجماعة (6)

كتبه/ عادل نصر

الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد؛

ذكرنا في المقالات السابقة المعالم الرئيسية لمنهج أهل السنة والجماعة في مسألة التكفير واليوم بإذن الله نبدأ في توضيح ضوابط أهل السنة في تكفير المعين إذ من أصول أهل السنة في هذا الباب التفريق بين كفر العموم وكفر المعين .

فالمعين لا يكفر حتى يتحقق فيه أمران :

أولهما : أن يكون الذي أرتكبه كفراً أكبر مخرجاً من الملة وليس كفراً أصغر فهذا ينقص الإيمان ولا يزيله .

والثاني : أن تستوفى في حقه الشروط وتنتفي الموانع كما سيأتي تفصيلها .

ونبدأ الآن في تفصيل الأمرين فنقول وبالله التوفيق :

أما الأمر الأول : وهو أن يكون ما ارتكبه كفراَ أكبر أو شركاَ أكبر إذ معلوم أن الكفر عند أهل السنة كفران ، والشرك شركان ، والظلم ظلمان ، والفسق فسقان ، أكبر وأصغر فالأكبر من كل ما سبق هو الذي يزيل أصل الإيمان ويخرج من الملة أما الأصغر فهو ينقص الإيمان ولا يزيله إذ من المعلوم أن أهل السنة والجماعة لا يكفرون مرتكب الكبيرة إلا إذا استحلها .

ويقول أبو جعفر الطحاوي : ولا نكفر مسلماً بذنب ما لم يستحله . "العقيدة الطحاوية" .

ويقول أبو عبيدة القاسم بن سلام في بيان موقف أهل السنة من مرتكب الكبيرة : وأن الذي عندنا في هذا الباب كله أن المعاصي والذنوب لا تزيل إيماناً ولا توجب كفراً ولكنها إنما تنفى من الإيمان حقيقته وإخلاصه الذي نعت الله به أهله واشترطه عليهم في مواضع من كتابه فقال تعالى : {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّة} .

ويقول الشيخ حافظ بن احمد حكمي : والفاسق الملي ذو العصيان لم ينف عنه مطلق الإيمان
ولكن بقدر الفسق والمعاصي إيمانه مازال في إنقاص . ثم يقول في شرح ذلك : هذه المسائلة الثالثة وهى إن فاسق أهل القبلة لا ينفى عنه مطلق الإيمان لفسوقه ولا يوصف بالإيمان التام ولكن هو مؤمن ناقص الإيمان أو هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته فلا يعطى الاسم المطلق ولا يسلب مطلق الاسم والمراد بالفسق هنا هو الأصغر وهو عمل الذنوب الكبيرة التي سمها الله ورسوله فسقاً وكفراً وظلماً مع أجراء أحكام المؤمنين على عاملها فإن الله تعالى سمى الكاذب فاسقاً فقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ) ومع هذا لم يخرج ذلك الرجل الذي نزلت فيه الآية من الدين بالكلية ولم يمنع من جريان أحكام المؤمنين عليه . "معارج القبول2384" .

وقوله ـ رحمه الله ـ التي سماها الله ورسوله فسقاً وكفراً وظلماً يقصد الأصغر من كل ذلك ، لأن الكفر والفسق والظلم عند أهل السنة قسمان أصغر وأكبر كما أسلفنا .

ومن ثم يتضح لنا أن مقارفة الإثم وارتكاب الكبائر يؤثر في الإيمان من حيث زيادته ونقصانه لأمن حيث بقائه وذهابه إلا إذا صاحب ذلك ما يقدح في أصل الإيمان وهذا ما دلت عليه أدلة القرآن والسنة

ومن أدلة القرآن :

1- قول الله تعالى : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) فسمى الله ـ عز وجل ـ القاتل أخاً في الدين لأهل المقتول ولو كانت الكبيرة تزيل أصل الإيمان لنفى عنه الإخوة الإيمانية وما وصفه بها إذ لا أخوة البتة بين مؤمن وكافر .

2- وقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) فخاطبهم بالإيمان مع أكلهم الربا وهو من كبائر الذنوب .

وكذلك آيات الحدود إذ لو كان الذنب كفراً أكبر لطبق حد واحد وهو حد الردة .

ومن أدلة السنة :

1- عن عبادة بن الصامت وكان شهد بدراً وهو أحد النقباء ليلة العقبة أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال وحوله عصابة من أصحابه : "بيعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولاتزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا وعنه وإن شاء عاقبه" ، فبايعناه على ذلك" وفى الحديث رد على الخوارج الذين يكفرون بالذنوب ورد على المعتزلة الذين يوجبون تعذيب الفاسق إذا مات بلا توبة ويتضح هذا من أخبار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأنه تحت المشيئة ولم يقل : لابد أن يعذبه وفى أشارة إلى الكف عن الشهادة لأحد بالجنة أو النار إلا من ورد النص فيه بعينه .

2-عن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : "يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفى قلبه وزن شعيره من خير ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفى قلبه وزن بره من خير ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفى وزن ذرة من خير" والأدلة على ذلك كثيرة ومتواترة أكتفينا بذكر بعضها .

 

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة