الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

أصول الحياة السعيدة بين الزوجين

قال الله -عز وجل-: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم:21)

أصول الحياة السعيدة بين الزوجين
أحمد يحيى الشيخ
الثلاثاء ٢٣ ديسمبر ٢٠١٤ - ١١:٤٨ ص
1798

أصول الحياة السعيدة بين الزوجين

كتبه/ أحمد يحيى الشيخ

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

قال الله -عز وجل-:

(وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم:21).

1- فمن آيات الله أن جعل قلوب الرجال تأنس إلى أزواجها وتستقر عندها؛ لأن الرجل إذا طاف البلدان، لا يستقر قلبه، فإذا رجع إلى أهله، اطمأن واستقر.

2- ومن آياته أنه جعل الزواج ترويحًا للنفس وإيناسًا بالمجالسة والنظر والملاعبة، وإراحة للقلب وتقوية له على العبادة، وفي الاستئناس بالنساء من الاستراحة ما يزيل الكرب ويروِّح القلب.

وينبغي أن يكون لنفوس المتقين استراحات بالمباحات؛ ولذلك قال الله -تعالى-: (لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (حُبب إليَّ النساء والطيب، وجُعلت قرة عيني في الصلاة) [رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني]

3- ومن آياته أنه جعل بين الزوجين من المودة والرحمة ما يتوادّان ويتراحمان به من غير سابقة معرفة ولا قرابة ولا سبب يوجب التعاطف.

فلا يحب واحد من الزوجين أن يصل إلى صاحبه شيء يكرهه مع ما طبع عليه الإنسان من حب الاستئثار، فإن الود أول التخلص من داء أثر الدنيا من الغل والشحناء، فمن وّدَّ لا يقاطِع، ومن أحب واصَلَ وآثَر.

وسبحان الله فإنها آية تستحق الوقوف والتدبر والتأمل؛ فإن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء.

4- ومن آياته أن الرجل يمسك المرأة إما لمحبته لها، أو لرحمته بها، بأن يكون لها منه ولد، أو تكون محتاجة إليه في الإنفاق، أو للألفة بينهما، أو للإعفاف، وغير ذلك.

قال ابن القيم -رحمه الله-:

"فمن المحبة النافعة محبة الزوجة وما ملكت يمين الرجل، فإنها معينة على ما شرع الله -سبحانه- له من النكاح وملك اليمين من إعفاف الرجل نفسه وأهله، فلا تطمح نفسه إلى سواها من الحرام، ويعفها فلا تطمح نفسها إلى غيره، وكلما كانت المحبة بين الزوجين أتمَّ وأقوى كان هذا المقصود أتم وأكمل" اهـ

5- ومن آياته أنه جعل الزواج حصنًا من الشيطان، ودافعًا لغوائل الشهوة، ومعينًا على غض البصر وحفظ الفرج..

كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغضُّ للبصر وأحصنُ للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاءٌ) [متفق عليه]

6- ومن آياته أنه جعل الزوجة الصالحة خير متاع الدنيا وأحد أسباب السعادة..

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة) [رواه مسلم]

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاثة من السعادة: المرأة الصالحة تراها تعجبك وتغيب فتأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون وطيئة فتلحقك بأصحابك، والدار تكون واسعة كثيرة المرافق) [رواه الحاكم، وحسنه الألباني]

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الباقي) [رواه الطبراني والحاكم والبيهقي، وحسنه الألباني]

7- ومن آياته أنه جعل الزواج من أيسر الطرق لتحصيل الخيرات وكسب الحسنات..

وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجرت عليها، حتى ما تجعل في فِيِّ امرأتك) [رواه البخاري ومسلم]

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (وفي بُضع أحدكم صدقة)، قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: (أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) [رواه مسلم]

قال النووي -رحمه الله- في شرح صحيح مسلم:

"وفي هذا دليل على أن المباحات تصير طاعات بالنيات الصادقات، فالجماع يكون عبادة إذا نوى به قضاءَ حقِّ الزوجة ومعاشرتَها بالمعروف الذي أمر الله -تعالى- به، أو طلبَ ولدٍ صالح أو إعفافَ نفسه أو إعفافَ الزوجة، ومنعَهما جميعًا من النظر إلى حرام أو الفكر فيه أو الهم به، ذلك من المقاصد الصالحة". اهـ

وقال ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد:

استُدل على تفضيل النكاح على التخلي لنوافل العبادة بأن الله -تعالى- اختار النكاح لأنبيائه ورسله؛ فقال -تعالى-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا من قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً)، وقال في حق آدم -عليه السلام-: (وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا).

واقتطع من زمن كليمه عشر سنين في رعاية الغنم مهر الزوجة، ومعلوم مقدار هذه السنين العشر في نوافل العبادات.

واختار لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- أفضل الأشياء فلم يحب له ترك النكاح، بل زوَّجه بتسع فما فوقهن، ولا هدي فوقه هديه -صلى الله عليه وسلم-.

ولو لم يكن فيه إلا سرور النبي يوم المباهاة بأمته.

ولو لم يكن فيه إلا أنه بصدد أنه لا ينقطع عمله بموته.

ولو لم يكن فيه إلا أنه يخرج من صلبه من يشهد لله بالوحدانية ولرسوله بالرسالة.

ولو لم يكن فيه إلا غض بصره وإحصان فرجه عن التفاته إلى ما حرم الله -تعالى-.

ولو لم يكن فيه إلا تحصين امرأة يعفها الله به ويثيبه على قضاء وطره ووطرها فهو في لذاته وصحائف حسناته تتزايد.

ولو لم يكن فيه إلا ما يثاب عليه من نفقته على امرأته وكسوتها ومسكنها ورفع اللقمة إلى فيها.

ولو لم يكن فيه إلا تكثير الإسلام وأهله وغيظ أعداء الإسلام.

ولو لم يكن فيه إلا ما يترتب عليه من العبادات التي لا تحصل للمتخلي للنوافل.

ولو لم يكن فيه إلا تعديل قوته الشهوانية الصارفة له عن تعلق قلبه بما هو أنفع له في دينه ودنياه؛ فإن تعلق القلب بالشهوة أو مجاهدته عليها تصده عن تعلقه بما هو أنفع له، فإن الهمة متى انصرفت إلى شيء انصرفت عن غيره.

ولو لم يكن فيه إلا تعرضه لبنات إذا صبر عليهن وأحسن إليهن كُنَّ له سترًا من النار.

ولو لم يكن فيه إلا أنه إذا قدم له فرطين لم يبلغا الحنث أدخله الله بهما الجنة.

ولو لم يكن فيه إلا استجلابه عون الله له؛ فإن في الحديث المرفوع: (ثَلاَثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمُ: الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ) " انتهى كلامه -رحمه الله-

والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

ربما يهمك أيضاً