الثلاثاء، ٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

المشاركة السياسية وقانون مجلس النواب

اختلف نظر العلماء المعاصرين الذين وقفوا أمام هذه المسألة الجديدة الحادثة التي لم تكن موجودة في نظام المسلمين السياسي

المشاركة السياسية وقانون مجلس النواب
عصام حسنين
الثلاثاء ١٠ مارس ٢٠١٥ - ١٢:١٢ م
2584

المشاركة السياسية وقانون مجلس النواب

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

تعريفات بين يدي البيان:

--------------------------

- العمل بالسياسة الشرعية من صميم الدين بل من عري الدين كما قال النبي (صلي الله عليه وسلم):"تنقض عري الإسلام عروة عروة فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها فأولهن نقض الحكم وآخرهن الصلاة".

وهذا الحديث دليل أيضًا علي أن الإسلام دين ودولة.

-السياسة الشرعية أوسع بكثير من مجرد الحكم وإن كان منها فهي فعل الأصلح في قيادة الناس وما يكونون معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد.

- الحزب السياسي: هو وليد الديمقراطية النيابية ويقصد به "اجتماع مجموعة من أفراد الشعب لهم أيدولوجية معينة على إنشاء حزب سياسي يريدون من خلاله الوصول للحكم عن طريق آلية الانتخاب لتطبيقها على الشعب "

- والانتخاب هو "اختيار الناخبين لشخص أو أكثر من بين عدد من المرشحين لتمثيلهم في حكم البلاد"

- والمجالس الجماعية: هي التي تصدر قرارًا بالأغلبية يطلق عليها في الاصطلاح السياسي المعاصر "مجلس الشيوخ، مجلس النواب، مجلس الشعب، مجلس الشورى"

وهي تقوم على أساس برلماني ونظام البرلمان من النظم السياسية الحديثة التي عرفها المسلمون عن طريق الاستعمار ولم تكن معروفة من قبل في نظام حكمهم، وتهدف هذه المجالس إلى كفالة التوازن والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وتقوم هذه المجالس بسياسة البلاد وإدارة شئونها

جاء في المادة (101) من دستور جمهورية مصر العربية 2013

"يتولى مجلس النواب سلطة التشريع، وإقرار السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وذلك كله على النحو المبين في الدستور"

وأعضاء هذه المجالس هم نواب الأمة، تنتخبهم الأمة في الغالب لينوبوا عنها(انظر ولاية المرأة في الفقه الإسلامي ص 321ومابعدها)

ويمثلوها في إدارة البلاد وتدبير سياسة شئونها لأنه لا يمكن أن تتولى الأمة كلها مباشرة القيام بجميع شئون البلاد من السياسة وغيرها وفي بعض الأحيان يعين أعضاء أحد المجلسين أو بعضهم من قبل الحكومة أو بشروط معينة حسب قانون البلد.

ولابد من توفر شروط في كل فرد يريد أن يدخل هذه المجالس من مستوى علمي وفكري، والتجربة والتخصص، والثقة من قبل الشعب حتى يكون أهلا لما يسند اليه من المهام

وبعض المعاصرين يقول: إن أعضاء هذه المجالس هم من يطلق عليهم أهل الشورى أو أهل الحل والعقد والمراد بهم:

"جماعة أهل والعقد من المسلمين وهم الأمراء والحكام والعلماء ورؤساء الجند وسائر الرؤساء والزعماء الذين يرجع إليهم الناس في الحاجات والمصالح العامة. فهؤلاء إذا اتفقوا علي أمر أو حكم وجِبَ أن يُطاعوا فيه بشرط أن يكونوا أمناء وأن لا يخالفوا أمر الله ولا سنة رسوله التي عُرفت بالتواتر، وأن يكونوا مختارين في بحثهم في الأمر واتفاقهم عليه" أ.هـ (تعريف الشيخ محمد عبده).

يلاحظ على التعريف أنه قيَّدهم بالمسلمين!، وهذا أمر بَدهي لأنه يختص بالتشاور وإصدار القرارات والقوانين بما يخص المسلمين وبلدهم، وبعض العلماء أجاز أن يكون غير المسلم عضوًا في مجلس الشورى فيما يخص أهل ملته.

هذه المجالس وليدة الديمقراطية النيابية التي من دعائمها المساواة سواء بين الرجل والمرأة أو بين المسلم وغير المسلم، بل من شروط قيام الأحزاب السياسية ألا تكون قائمة على هذا التمييز.

اختلاف العلماء في حكم دخولها.

وعليه فاختلف نظر العلماء المعاصرين الذين وقفوا أمام هذه المسألة الجديدة الحادثة التي لم تكن موجودة في نظام المسلمين السياسي مجتهدين لإصدار حكم عليها ولمن يدخلها.

- وجدوا أن النظام الديمقراطي يصاحبه مخالفات وسلبيات وصراعات فماذا يفعلون ؟

1- هل يعتزلون المشاركة لوجود هذه المخالفات ويتفرغون للدعوة إلى الله (التعليم والتربية)أم يشاركون بضوابط وقيود ؟!

منهم من قال: نعم ليسلم ديننا ! لكن هذا مشروط بشرط أن لا يفضى إلى شر أكبر أو كان غير قادر على التغيير أصلاً .

ومنهم من قال: إن اعتزلنا تركنا المجال مفتوحًا أمام المخالفين من اليساريين وغيرهم ليضعوا دستوراً للبلاد ويسنوا قوانين وينظموا لوائح دون تقيُّد بالشريعة الإسلامية، مما ينتج عنه مفاسد تفوق مفاسد ترك المشاركة بل قد يُضيق على الإصلاحيين والملتزمين بدينهم _ بالقانون _ حتى لا يستطيعوا أن يعيشوا بدينهم وله كما حدث  في العراق عندما عزف أهل السنة عن المشاركة سيطر الروافض على البرلمان ثم ساموهم بعدُ سوء العذاب. وأنزلوا بهم النكال0

كما يُرجى من هذه المشاركة تعطيل مشاريع القوانين المخالفة واقتراح لقوانين موافقة صالحة أي: فيها من تحصيل منافع للناس، وتعطيل شر عنهم ومعلوم أن دعوة المصلحين تقوم على ذلك، قال الله تعالى على لسان شعيب (عليه السلام) "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب"

والخلاف بينهم في ذلك سائغ :" فهي مسألة قابله للأخذ والرد وليست من أصول الدين التي يلحق المخالف فيها تضليل أو تفسيق أو تبديع أو تكفير ، بل ربما  رأى المرء نفسه لأمور تظهر له بعد خفاء عنه ، ناهيك عن اختلاف القول فيها من زمن لزمن ومن بلد لآخر"

 

وللقواعد الشرعية : " ما لا يدرك كله لا يُترك جله"

و " لا واجب مع عجز ولا حرمة مع اضطرار "

و" الضرر يزال "

والسياسة كما قال ابن عقيل: ما كان من الأفعال بحيث يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، وإن لم يشرعه الرسول (صلى الله عليه وسلم)  ولا نزل به وحى.

والشريعة الإسلامية جاءت بتكميل المصالح أو تحصيلها عند العجز عن التكميل ، وبتعطيل المفاسد أو تقليلها عند العجز عن التعطيل، وقد علم الله (عز وجل) أن الشر سيكثر في الأمة بعد زمن النبوة والخلافة الراشدة، وزمن عزة الأمة وقوتها، أو أن الشر سيمتزج ببعض الخير، إلا وصاحبه بعض الشر، أو لا يُترك الشر إلا وتُرك معه بعض الخير، فجاءت شريعتنا بهذه القاعدة الكبرى قاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد، وذلك عند تزاحم المصالح والمفاسد، أو التزام المفسدة القليلة لدفع المفسدة العظيمة، أو إذا تقابل محظوران أو ضرران أو مكروهان ، ولم يمكن الخروج عنهما وجب ارتكاب أخفها.

ومن لم يفقه هذه القاعدة وما كان في معناها مثل "ترك الواجب لما هو أوجب منه" و"ارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعظمها" و"الضرورات تبيح المحظورات" وغير ذلك من القواعد، فلم يفقه حقيقة الفقه الشرعي، بل لم يفقه حقيقة ما جاءت به الرسل، وليس له أن يتكلم في أمور العامة، وربما كان بجموده يصد عن سبيل الله، فاتحًا لباب التشكيك في الشريعة، معطيًا لخصومه سهمًا من كنانته يرمون  به شريعتنا بقصورها وعجزها عن علاج مشاكل الأمة العامة والمستجدة !." أ.هـ العمل السياسي صـ17ــ 

"كما أن تاريخ المسلمين حافل  بمشاركة أهل الخير في الأعمال العامة التي تخدم الأمة في أزمنة انتشر فيها الفساد، وكانوا لا يستطيعون إزالة الشر كله، فكانوا يخففّون منه ما استطاعوا، مع ارتكابهم في سبيل ذلك بعض المنكرات، ولم يكونوا بذلك آثمين ولا مسيئين ولا ضامنين لصدق نيتهم وصحة طريقتهم، ومن أخذ بسياسة إما أن نحقق الشيء كله، وإلا تركنا الأمر كله لخصومنا، من كان كذلك، فقد خالف النقل والعقل، بل خالف الواقع في أموره الخاصة به!

وأين هذا من قاعدة "مالا يدرك كله لا يترك جله" ؟

وانظر رسالة الشوكاني _ رحمه الله _ "رفع الأساطين عن حكم الاتصال بالسلاطين" لكن لابد من مراعاة قيود ذلك، حتى لا يقع المرء في إفراط أو تفريط" أ.هـ السابق صـــ18ــ

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( رحمه الله) "فالواجب على المسلم أن يجتهد في ذلك بحسب وسعه; فمن ولي ولاية يقصد بها طاعة الله وإقامة ما يمكنه من دينه ومصالح المسلمين وأقام فيها ما يمكنه من الواجبات واجتناب ما يمكنه من المحرمات، لم يؤاخذ بما يعجز عنه; فإن تولية الأبرار خير للأمة من تولية الفجار . ومن كان عاجزًا عن إقامة الدين بالسلطان والجهاد ففعل ما يقدر عليه من النصيحة بقلبه والدعاء للأمة ومحبة الخير وفعل ما يقدر عليه من الخير، لم يكلف ما يعجز عنه؛ فإن قوام الدين بالكتاب الهادي والحديد الناصر كما ذكره الله تعالى ." أ.هـ

كما أن في المشاركة من المصالح إضافة إلى ذلك:

-         إيجاد مظلة سياسية وحقوقية تحمى الدعوة والدعاة.

-         السعي في مصالح الناس وتحصيل حقوقهم ودفع الظلم عنهم قدر الاستطاعة.

وكل ذلك قد تحصّل منه خير كثير والحمد لله.

والملاحظ في فتاوى العلماء المعاصرين حول المشاركة نجد أنه وصَّف واقع هذه البرلمانات أولاً ثم بنى حكمه على قاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد.

ولنمثل على ذلك بفتوى الشيخ ابن باز (رحمه الله تعالى) قال: "هذا الدخول خطير يعنى برلمانات ومجالس نيابية ونحوها، الدخول فيها خطير.

لكن من دخل فيها عن علم وعن بصيرة يريد الحق، ويريد أن يوجه الناس إلى الخير، ويريد أن يعرقل الباطل ليس الأصل هو الطمع في الدنيا، ولا الطمع في المعاش، وإنما قد دخل لينصر دين الله وليجاهد في الحق وفى ترك الباطل بهذه النية الطيبة، أنا أرى أنه لا حرج في ذلك ، وأنه ينبغي حتى لا تخلو هذه المجالس من الخير وأهله، إذا كان دخل بهذه النية وهو عنده بصيرة حتى يجادل عن الحق، وحتى يدعو إلى ترك الباطل، ولعل الله ينفع به حتى تحكم الشريعة بهذه النية بهذا القصد مع العلم والبصيرة، فالله جل وعلا يأجره على ذلك." أ.هـ السابق صــ227ــ

ودليل قاعدة الموازنة بين المصالح المفاسد من الكتاب والسنة كثيرة منها، قوله تعالى في قصة الخضر مع موسى (عليه السلام) "أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً..... " الآية..

ففيه دليل لقاعدة ارتكاب أخف الضررين.

وقصة الأعرابي الذى بال في المسجد، وتركه (صلى الله عليه وسلم)،  ومنها عدم قتل المنافقين خشية أن يقول الناس "إن محمداً يقتل أصحابه"

فهذا ترك لإقامة الحد دفعًا لشرَّ أكبر

وفى صلح الحديبية قبل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) شروطاً أصرَّ عليها المشركون

بدل (بسم الله الرحمن الرحيم) بـ (باسمك اللهم)

وترك "هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله" لقول "محمد بن عبد الله"

وذلك ترك عملي لا اعتقادي(وهو ما يجوز تركه) تحقيقاً لمصلحة مرجوة عظيمة من هذا الصلح تمحى في جانبها مفاسد ذلك التي ليس فيها رضى بالكفر ولا إقرار به أو عملاً به.

وقد أنزل الله تعالى (سورة الفتح) مرجعه (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة وكانت هذه في صلح الحديبية التي سماها الله فتحاً .

قال ابن تيمية (رحمه الله) "ليس العاقل الذى يعلم الخير من الشر، وإنما العاقل الذى يعلم خير الخيرين وشر الشرين" ويُنشد: "إن اللبيب إذا بدى من جسمه ** مرضانِ مختلفانِ داوى الأخطر" أ.هـ

ولا شك أن المشاركة السياسية لحزب النور قد تحقق منها مصالح كثيرة ودُفع بها مفاسد، وللحفاظ على هذه المصالح وتكثيرها لابد من استكمال المسيرة بعلم وحكمة !.

وقد استُعمل مع الحزب لإيقافه أو إلجاءه إلى الانسحاب من المشهد السياسي أساليب تشويه وإقصاء عن طريق سَن قوانين تصطدم مع ما يتبناه الحزب من مرجعية شرعية في مسائل دخول المرأة وغير المسلم هذه المجالس، وآخرها الأخذ بنظام القائمة المغلقة التي إما أن تنجح كلها أو تخفق كلها، ووضعوا شروطاً معينة لهذه القائمة من نسبة معينة للنساء ونسبة أخرى محددة لغير المسلمين، فكان لابد من حل شرعي وواقعي لذلك مع الوضع في الاعتبار هذه المكاسب التي حققناها فيما سبق من دستور تحكمه أحكام الشريعة الإسلامية كما في حكم المحكمة الدستورية سنة 1985 وأنهم يحتاجون إلى وقت لتنقية القوانين المخالفة لأحكام الشريعة.

وهذا من الناحية النظرية أما من الناحية العملية فيحتاج إلى من يحرك ذلك بعلم وحكمة كما ذكرنا.

وكذا المشاركة الفعالة في خدمة قضايا الوطن من بناء وتنمية وتطهير وتحذير من خطر التكفير وسفك الدماء وخطر التقسيم والحرب الأهلية !.

وكذا الإصلاح في دائرة صنع القرار ومؤسسات الدولة الذين بصلاحهم صلاح أفراد المجتمع .

والسعي في مصالح الناس ودفع الشر عنهم وتقليله حسب الطاقة والوُسع.

وكذا توضيح أنفسنا للداخل والخارج بما يتحقق معه تمييز عن التيارات المنحرفة فكرياً.

ولأننا قد ملأنا مساحة كبيرة بالخير فإن تركناها ملأها غيرنا، وقد يكون هذا الآخر له أيدولوجية معادية للمادة الثانية من الدستور؛ فيكون خسارة وخطر عظيم على البلاد والعباد نُسأل عنهُ أمام الله تعالى يوم القيامة؛ فما لا يُدرك كله لا يُترك جله.

ومن كان له قدرة على تحصيل بعض الخير ودفع قليل من الشر فإنّه يلزمه ذلك !!.

لهذه المعطيات لابد من الرجوع إلى الأدلة الشرعية وقواعدها ومقاصدها للبحث عن مخرج ..

والحمد لله على شريعتنا شريعة اليُسر والرحمة والشمول؛ فقد جعل الشرع لحالة الاختيار أحكاماً، ولحالة الاضطرار أحكاماً.

والقاعدة الشرعية :_((لا واجب مع عجز ولا حُرمة مع اضطرار)).

وقاعدة(ارتكاب اخف الضررين عند العجز عن دفعهما جميعاً).

ففي حالة الاختيار نرجح أنّها ولاية عامة لا يجوز المرأة ولا لغير المسلم تولّيها، وقد فعلنا ذلك في انتخابات2011 وجعلنا المرأة آخر القائمة – لتيقن أنّها لن تدخل.

وأما في حالتنا هذه فقد وُضع قانون لإقصائنا عن الحياة السياسية حتى صرّح وزير الأوقاف أننا إذا أردنا المنبر فلندع السياسة !!

كما أن قضية حل الحزب على المحكّ!، وأقوى الأدلة التي سيعتمد عليها الخصوم الممارسة الفعلية؛ فإن قلت لا أقبل بغير مسلم فشهادة منك على نفسك أن الحزب قد قام على أساس ديني يُفرق بين المسلم وغير المُسلم، وإن قلت لا أقبل بنزول امرأة فهذا تمييز!.

وكما ذكرنا القواعد الشرعية توجب علينا المحافظة على هذه المكاسب ودرء ما ذكرنا من المخاطر.

فتأتي هنا قاعدة أخف الضررين!!..

فهناك من النساء من تدعو إلى الالتزام بالدين، ونشر الفضيلة في المجتمع ولابد من وجود النساء في البرلمان القادم فبقاعدة أخف الضررين تختار المرأة الصالحة المصلحة ارتكاباً لأخف الضررين وهذه قدرتنا ولا يؤاخذنا الله بما عجزنا عنه.

وكذا القول في الأقباط فيُختار منهم الأقرب إلى المسلمين والأخف وطأة عليهم ؛ وبذلك أفتى الشيخ الألباني –رحمــه الله- حيث سُئل –رحمه الله- عن قول بعض طلبة العلم بجواز انتخاب الأصلح من المرشحين النصارى من باب أخف الضررين، فهل هذا يجوز؟ ثم ألا يُعد هذا من تكثير سوادهم وعددهم ما ينعكس سلبًا على نظرة الناس لشعبية المسلمين؟

فقال الشيخ:- هذا السؤال وُجّه إلىَّ أكثر من مرة .....

هذا النصراني المرشح إما أن يكون مفروضاً على المسلمين أن يُرشح أحد النصارى شاءوا أم أبوا، وحينئذ فإما أن يكون هناك عدد من النصارى رشحوا أنفسهم ولابد ان ينجح واحد منهم، في هذه الحالة تأتي القاعدة المذكورة آنفاً اختيار أخف الضررين ..

مفروض على الشعب أن يختاروا من هؤلاء الذين رشحوا أنفسهم؛ ومفروض على الشعب أن يكون في مجلس الأمة أفراد من النصارى، فحسب النسبة بيضعوا أنه هالبَلَد بدُّو أي:- يحتاج  مثلاً اثنين من النصارى إذا المسلمين ما اختاروهم بيختاروا بنو دينهم ..

فهم على كل حال راح ينجحوا، لكن المرشحين منهم كما قلنا أربعة أو خمسة،

المسلمون في ذلك البلد بيقولوا : فلان بعثي مع كونه كافرًا .، والثاني مع كونه كافرًا فهو شيوعي، الثالث مع كونه كافرًا في الأصل هو ملحد ..إلخ،

فلان والله متدين بنصرانيته وما يعادي المسلمين، يا ترى ما دام ولابد أنّه بِدُّو ينجح واحد أو اثنين من هادُول، شو موقف المسلمين بقى؟!

ثم أجاب الشيخ على لسان غيره مُستنكراً جوابه:

نحن ما بندِخُل، ها دُول نصارى! بيقولوا عندنا بالشام: فخار بيكسر بعضه !.

لا مُوهيك القضية! ها دُول اللي بيقولوا : فخار بيكسر بعضهم بدو ينجح منه شخصين رغم أنوفكم.

فيا مسلمون يا عقلاء، أليست القاعدة هذه ترد في هذه الصورة ولّا  لأ؟

الآن أنا أقول نعم؛ لأن المسلمين واقعين بين شرين الآن، كما هو الشأن تماما بالنسبة للمسلمين، المسلمين فيهم بعثيين وفيهم شيوعيين وفيهم ملاحدة ...نقعد نتفرج، ولا نختار أقلهم شراً ؟!.

وإذا كنّا هذا بنقوله في الكفّار،  فكيف لا نقوله في المسلمين؟

قال أحد الحضور: هل لكم رأي مخالف؟

الشيخ: لا أبداً، لا قديماً ولا حديثاً؟

قال سائل: نعتزل هذا الأمر الذي هو مبني على خطأ بل أخطاء.

قال الشيخ: نرجع إلى نفس القاعدة، أحنا معترفين إن هذا النظام قائم على خطأ، ما في خلاف في هذا، لكن نحن الآن أمام مشكلة واقعية، نُعالج الشر الأكبر بالشر الأصغر ولّا لأ؟

هذه قاعدتنا اللي بنمشي عليها"(ا.هـ) الإسلاميون والعمل السياسي ص232

وراجع للفتوى بنصها وزيادتها وفيها فوائد على موقع اليوتيوب (حكم انتخاب النصارى).

وسُئل الشيخ وصي الله عباسي(أحد علماء المسجد الحرام من أصل هندي) عن حكم التصويت في أمريكا لبعض النصارى في الانتخابات المحلية لما فيه من مصلحة للمسلمين قال : ووالله الذي يظهر لي (إن شاء الله) إذا كان يُرجى من وراء هذا التصويت خير نصوِّت للشخص ولو كان كافرًا، ما دام هو قائم بمصالح المسلمين،  أو يعد أنّه يقوم بمصالح المسلمين، فلا ينبغي أن يمتنع المسلمون عن التصويت له، وخاصة إذا كان هناك اشتراطات نؤتيك أصواتنا بشرط أن تعمل  لنا، وهذا ليس لأمريكا فقط، بل لأي بلد يكون المسلمون فيه أقلية، قد يحتاجون إلى وضع يد وإحسان على هؤلاء الوزراء وغيرهم بمثل هذه الأعمال، حتى هم يقومون بأعمال  في صالح الإسلام والمسلمين ...

إلى أن قال: وقد أفتى به مشايخنا في الهند، وكذلك أفتى الشيخ ابن باز فيما سمعنا (رحمه الله) كان يُفتي بالاشتراك في الانتخابات وغيرها لبعض الإخوان.

..وأنا عن انشراح الصدر أقول هذا الكلام؛ لأننا سمعنا مشايخنا يفتون بهذا، خاصة ما دام يترتب عليه مصالح المسلمين، وهو في الهند أيضًا بعض الناس يفعلون هكذا، بعض الوثنيين يقومون للمسلمين في البرلمان بمصالحهم وبقضاياهم، وقد يؤيد الله الدين بالكافر أيضاً (أ-هـ)السابق ص270:271.

وقال الشيخ أبو الحسن المأربي (حفظه الله) :

"قد يحتاج  السلفيون إلى دخول مَن ليس منهم معهم، بل قد يحتاجون إلى مَن يُخالفونه في كثير أو قليل من أصول الدين، لكنهم يرون أن وجوده معهم خيراً لهم أوْ له من عدم ذلك، إما لقدرته على التأثير النافع في باب ما، أو لتأليفه أو لدفع شره، أو لتفويت الفرصة على من يوجِّهه للنكاية بالصالحين، وقد سبق الكلام على تحالف النبي (صلى الله عليه وسلم) مع خزاعة، ومدحه لحلف الفضول، وأيضاً فقد وَثق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأبو بكر (رضي الله عنه)  في رجل مُشرك يدلّهما في الهجرة على طريق آمن إلى المدينة.

ثم تكلم عن الشروط التي ينبغي اعتمادها فيمن نتعاون معه:

1- أن لا يكون معارضاً للمشروع الإسلامي .

قلت بل ولأهداف الحزب أيضًا.

2- أن يكون مخلصاً للمصلحة العامة للبلاد، فلا يكون عدوّا، أو متهماً بالتواطؤ والعمالة للمتربصين ببلاد المسلمين ومصالحهم الدينية والدنيوية .

3- ألا يكون أحمق ولا أرعن فيُفسد أكثر مما يُصلح .ص190 وفي ص50 قال :"إن التعاون مع المخالف إذا تحققت شروطه فلا بأس بذلك

وهذه الشروط هي :

أن يكون التعاون في أمر شرعي قد جاءت به الشريعة ، ويُفتي به علماء السنة لا الهوى والمحنة .

أن يفضى التعاون إلى مصلحة الدين وأهله في المعاش والمعاد ، أو في الحال والمآل .

أن يكون الرجل الصالح عاجزاً عن القيام وحده أو بمن كان على شاكلته بهذه المهمة .

أن يكون تقدير المصلحة والمفسدة الكبرى منها والصغرى، وكذا تقدير العجز وعدمه بفتاوى وتقدير أهل العلم والخبرة بالدليل الشرعي والواقع العملي، وليس كلأً مباحاً لكل أحد؛ فيصير المعروف منكراً والمنكر معروفاً .

ألا يكون هناك سبيل قطعي أو راجح الاحتمال لتحصيل المصلحة الكبرى أو درء المفسدة الكبرى إلا بالتعاون أو التحالف مع المخالف للسنة أو للإسلام .

ومن الأمثلة التطبيقية لذلك، ما ذكره الإمام   ابن القيم (رحمه الله) في كلامه على فوائد صلح الحديبية؛ ومنها أن المشركين وأهل البدع والفجور، والبغاة الظلمة إذا طلبوا أمرًا يُعظمون فيه حرمة من حرمات الله (عز وجل) أُجيبوا إليه، وأُعطوه، واُعينوا عليه  (وإن مُنعوا غيره) فيُعانون على تعظيم حرمات الله لا على كفرهم، ويمنعون ما سوى ذلك كائنًا من كان ما لم يترتب على إعانته على ذلك المحبوب مبغوض لله أعظم ، وهذا من أدق المواضع ، وأصعبها، وأشقها على النفوس"

فتأمل ولا تكن من المتهورين.

ولعل مما يستبشر به ويُوضح المسألة جلية لإخواننا ذلك اللقاء الذي أعدّه وائل الإبراشي بين اثنين من أقباط 38 الذين سينزلون على قوائم حزب النور واثنين من الأقباط الأرثوذكس الرافضين لذلك.

ورأينا كيف أنهما تكلما عن رضائهما بمرجعية الشريعة ودفاعهما عن حزب النور وعن السلفيين، وفي المقابل رأينا العداوة الشديدة جميعاً من المُعِد والآخران فضلاً عمن اتصل؛ فإذا ترشح هؤلاء جميعًا ولابد من كوتة لهم في البرلمان القادم، فمن تختار؟.

تختار أقلهم شراً !.

ولا شك أنّهما ومن كان على شاكلة أقباط 38. والله تعالى أعلم.

ثم يجب المُحافظة على الكيان ورأس المال ويكون ذلك بالآتى :

1- التوعية الشاملة لمعرفة الإمكانيات والمتاحات والطموحات والتحديات .

2- نشر فتاوى جمهور كبار أهل العلم والمجامع الفقهية والعلمية بالجواز .

3- بيان المسألة المختلف فيها وأنّها من جملة المسائل الاجتهادية التي لا يجوز عقد ولاء وبراء بعض الصالحين من أجلها وأن من فعل ذلك فقد سلك مسلك أهل البدع .

4- احتفاظ من منع المشاركة برأيه لنفسه، دون سعي لتمزيق الكلمة، وعلى الأقل عليه أن يدرك أن تقدير جمهور كبار علماء الأمة للمصالح والمفاسد على خلاف تقديره، فلا يجعل منازعة هؤلاء العلماء من أهم أولويات دعوته وبهذا نحافظ على رأس المال، ونسعى في تحقيق الربح سواء في هذه المسألة أو غيرها، فما أكثر المسائل التي من هذا الصنف، فإذا كانت كل مسألة سنتركها بحجة الحفاظ على رأس المال؛ فستفوتنا جميعًا مصالح كثيرة، ومع ذلك فالناس لا يتركون ما يرونه حقا، مما سبقهم إليه العلماء، ولا يرون مُلجئًا إلى تركه والله أعلم. السابق ص192:193.

نسأل  الله التوفيق والسداد.

والله تعالى أعلم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً