الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

السلفية ومناهج الإصلاح - 1

هذا المنهج هو الرجوع إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة

السلفية ومناهج الإصلاح - 1
عبد المنعم الشحات
الخميس ٠٢ أبريل ٢٠١٥ - ١٠:٤٤ ص
2115

السلفية ومناهج الإصلاح

الشريط الأول

الشيخ/ عبد المنعم الشحات

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .

أما بعد ،،،

نشرع بإذن الله تبارك وتعالى في تدارس بحث " السلفية ومناهج التغيير "

هذا البحث نشر في مجلة صوت الدعوة التي كانت تصدر عن الدعوة السلفية في العدد الثالث منها في شوال سنة 1412 هجرية ، وربما هذا البحث كان في صدر نشر في مجلة صوت الدعوة التي كانت تصدرها الدعوة السلفية في العد الثالث منها سنة 1412 هجرية ، وتم تدارسه عدة مرات ولعله قد طال العهد بنا فلم نتدارسه منذ فترة .

بين يدي هذا البحث نريد أن نعرف أين موضع هذا البحث من خريطة منهج الدعوة :

نحن نقول إجمالاً  " نحن مسلمون " وهذه قضية مبدأية ، فماذا نريد ؟ نريد أن نفهم الإسلام وأن نعمل بالإسلام وأن نطبق الإسلام .

ثم نتيجة وجود اختلافات بين المسلمين في فهم الإسلام وفي تطبيقه وجدت مناهج مختلفة لفهم الإسلام . هذا موضوع قد يطول شرحه ولكن نكتفي الآن بهذه الإشارة ، فهناك مناهج مختلفة لفهم الإسلام .

نحن نسمي المنهج الذي نرتضيه بالمنهج السلفي ، هذا  كلقب على هذا المنهج .

أما ما هو تعريف هذا المنهج ؟

نحن نعرفه بعبارة مجملة جدا ً: " أن هذا المنهج هو الرجوع إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة "

صار هنا نتكلم على الإسلام وعن المنهج الذي نرتضيه في فهم الإسلام ، وهو الرجوع إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة .

الرجوع إلى الكتاب : يكاد يكون قاسم مشترك بين جميع المنتسبين إلى الإسلام ، كل المنتسبين إلى الإسلام يدعي الرجوع إلى الكتاب ، وإن كان هذه القضية صارت الآن محل نظر ، وستأتي الإشارة إلى وجود العلمانيين الذين يصرحون بأنه لا ينبغي الرجوع إلى القرآن أصلاً فيما يتعلق بشئون الحياة وأنظمة الحكم وأنظمة المجتمع مع تصريحهم بأنهم مسلمون ، وهذه قضية قد تأتي الإشارة إليها .

ولكن لو استبعدنا هذا الشذوذ العجيب الذي نشأ في السنوات الآخيرة أو في العصور المتأخرة ، فنحن نقول الرجوع إلى الكتاب قاسم مشترك بين جميع المسلمين ، حيث مبدأ الإبداع ، وإلا فالكتاب يلزم بالرجوع إلى السنة ويلزم بالرجوع إلى فهم السلف ، الكتاب يلزم  {  وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب } [الحشر/7] الكتاب يقول في حق جيل الصحابة رضي الله عنهم { فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا } ولكن دعوى الرجوع إلى الكتاب تكاد تكون متفق عليها من الجميع .

يأتي الرجوع إلى السنة ، أو الاعتراف بمرجعية السنة أو حجيتها يفرق هذا بين فريق من الأمة وفريق آخر رفض الرجوع إلى السنة كالعقلانيين القدماء والمعاصرين على درجات متفاوتة منها فيمن يرفضون الرجوع إلى السنة ، أو يشترط في السنة أن يعرضها على العقل أولاً أو غير ذلك .

سيظل أيضا أن الرجوع إلى الكتاب والسنة قاسم مشترك بين أطياف كثيرة من الأمة ، ولكنهم يتوسعون في فهمهم الخاص للكتاب والسنة ، فيبقى هذا القيد الجديد بفهم سلف الأمة ، هذا هو المنهج " الرجوع إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة " .

إذن هنا تميز هذا المنهج عن غيره من المناهج بأنه يرى أن طريقتنا في فهم الإسلام وتطبيقه لابد وأن تكون نابعة من الرجوع إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة .

هنا نطاق الكلام مع المسلمين ، ربما تكلمنا في مناقشات مع غير المسلمين فيكون نقطة الالتقاء بيننا وبينهم هو العقل ، فدائما ً عند الكلام في زاوية لها رأس وضلعيها يبتدعان ، إن أردت أن تضهما إلى بعضهم تبدأ من نقطة الالتقاء ثم تقوم بالتقريب فإما أن يقتربا وإما لا يقتربا ، لكن أهم شيء تكون هذه النقطة التي تبدأ منها . ففي المناقشات والمحاورات وغيرها بين طرفين ذوي منهجين مختلفين دائماً نبتدأ من نقطة الالتقاء ، فما هي الأرضية المشتركة التي تمثل مرجعية مشتركة يرجع لها الطرفيين ؟ قلنا يحدث خلل كبير في هذه الجزئية ، فعند مناقشة واحد عقلاني في قضية تولي المرأة القضاء وهي القضية المثارة الآن فمستحيل أن تصل معه لحل ولا هو يصل معك لحل ، لأن مرجعيته غير مرجعيتك ، فالقضية ليست قضية تولي المرأة القضاء ، القضية قضية مرجعية ، فلو ناقشته وقلت ( ما أفلح قوماً ولوا أمرهم امرأة ) وهو يقول حقوق الإنسان والمساواة ، وهو إن عرج على النصوص الشرعية سيعرج عليها دون ان يأخذ منها المأخذ الصحيح  ودون أن يكون منقاد لها الانقياد الكامل . فدائماً نبدأ من نقطة الالتقاء .

فلو تكلمنا مع غير المسلمين نقول له أنت عاقل تعالى فتدبر في الأديان الموجودة وما هو الكتاب الذي فعلاً نقدر أن ننسبه إلى الله وفيه مظاهر الإعجاز غير متناقض مع نفسه ، فكل هذا كلام عقلي ، تتكلم بالعقل إلى أن تثبت صحة الرسالة والرسول ، وتثبت بطلان ما خالف ذلك من الأديان الغير منتسبة للوحي الإلهي أو المنتسبة ثم حرفت بطرق علقية تثبت التحريف والتبديل والتناقض .

نحن عندما نتكلم مع المسلمين فالقاض المتفق عليه عند جميع المسلمين هو الرجوع إلى القرآن.

وعند الكلام مع العقلانيين ونذكر لهم السنة يرفضون ، فنقول ألستم اتفقتم معنا على أن القرآن هو المرجعية ؟ فالقرآن يقول { وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } القرآن يأمر بأوامر مجملة { وأقيموا الصلاة } لو لم يقم القرآن فيه إشارة للمكان التي تأتي منه بتفسير هذا المجمل لا يكون كتاب هداية ، ولكنه فيه المجمل وفيه من أين تأتي ببيان المجمل ، فالذي يقول القرآن وفقط ، بذلك يطعنون في القرآن دون أن يدروا ، فنبدأ مع من يقول " القرآن فقط " فنقول نحن الآن متفقين على القرآن ونحتج عليك من القرآن بأن القرآن يلزمك بالرجوع إلى السنة .

وهناك فريق آخر يأخذ بالكتاب والسنة :

ولكننا لو أتينا إلى قول السلف يقول هم رجال ونحن رجال .

فنقول أنت اتفقت معنا على الكتاب والسنة والكتاب يقول { فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا } والكتاب يقول { ومن يشاقق الرسول ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى } فالذي يتبع غير سبيل المؤمنين يكون مشاقق للرسول ، ومن أولى الناس بوصف الإيمان ؟ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اتفقوا على شيء ، فإجماع الصحابة والسلف حجة .

فيقول أن السلف اختلفوا .

نقول : إذا اتفقوا صار إجماعهم حجة على من بعدهم ، وإذا اختلفوا فليس معنى الخلاف أن المسألة صارت خلافية بإطلاق ، وهذا الكلام نجده قريب في مسألة ستر الوجه والكفين مثلاً كنموزج من النمازج ، يمكن أن يختلف السلف في مسألة ما ولكن يبقى هناك قدر متفق عليه بينهم  ، في مسألة ستر الوجه والكفين هناك من قال أنه واجب وهناك من قال أنه مستحب ، فالقدر المتفق عليه بينهم أنه قربه وأنه مشروع ، فتقدر أن تقول أن هناك إجماع من السلف على أن النقاب قربة أو أنه مشروع ، ولا يصح أن نخالف هذا الإجماع ، فالمسألة نعم خلافية ولكن عندما تنظر إلى الأقوال في المسألة تجد هناك قدر مجمع عليه لا يصح أن تخرقه ، وأما درجة المشروعية إما الوجوب أم الاستحباب ، فهنا ممكن نقول أن السلف اختلفوا ، فإذا اختلفوا نرجح بين أقوالهم بالنظر في الأدلة بنفس طريقتهم في التعامل مع الخلاف .

فنحن هنا نقول الرجوع للكتاب والسنة بفهم سلف الأمة .

القضايا المجمع عليها بين السلف منتهية ، أما المختلف فيها نعود ونقول ننظر كيف كان السلف يتعاملون مع مسائل الخلاف ؟ فكان هناك خلاف قبلوه بينهم وتناظروا فيه وهناك خلاف بدعوا فيه المخالف ، فنقول يسعنا ما وسع السلف ولا يسعنا ما لم يسعهم ، فهذا موضوع فقه الخلاف وربما درسناه من قبل في كتاب فقه الخلاف للشيخ ياسر برهامي حظفه الله وقلنا أننا نبدأ من القاعة المجملة " يسعنا ما وسع السلف ولا يسعنا ما لم يسعهم " ولكنا بحثنا ما هي القواعد التي كان السلف يميزون بها بين ما يسعهم من الخلاف وما لا يسعهم .

إذن نقول أننا نرجع إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة وهذا المنهج الإجمالي .

أما المنهج التفصيلي بأن نفعل ذلك في كل مسائل الدين ـ العقيدة ، الفقه ، المعاملات ، الأخلاق ، السياسة الشرعية ـ أي مسألة من مسائل الدين نقوم بجمع الأدلة من القرآن التي تخص المسألة والأدلة التي في السنة وأقوال السلف ونعرف ما هو القدر المتفق عليه بينهم في هذه المسألة .

فهذا لا يكون الاجتهاد فيه وصار ملزم ، وننظر في القدر المختلف بينهم فيه ، وننظر في الأدلة وننظر كيف تناظر السلف في هذه المسألة التي اختلفوا فيها وكيف تناظر من بعدهم إلى أن يطمئن كل فريق في مسألة الخلاف السائغ فيطمئن كل إنسان للقول الذي يراه أقرب إلى الصواب دون أن ينكر على مخالفه أو يبدع مخالفه .

فهذا المفروض فعله في كل مسألة .

فلو هناك مسألة مستحدثة :

هناك قواعد للاجتهاد والاستنباط موجودة في الكتاب والسنة وطريقة اجتهاد واستنباط السلف وننظر في هذه المسألة فمن الممكن أن تكون مستحدثة ولكنها تدخل تحت نصوص قطعية وتقدر أن تقول أنها مقطوع بها ، مثل مسألة تأجير الأرحام فهي مسألة مستحدثة تماماً وكل من عنده علم بالشرع يقول أن مفسدة هذه المسألة تعادل مفسدة الزنا أو تزيد أو هي مثل مسفدة الزنا ، فكل ناظر فيها يقطع بالتحريم رغم أنها مسألة مستحدثة ولكن نرجع في المسائل المستحدثة لأن نصوص الكتاب والسنة فيها عمومات ، والعمومات تتسع أن يدخل تحتها أمور كثيرة مستحدثة ولكن تجد وكأن النص نزل فيها .

قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا ضرر ولا ضرار ) تقول وكأن النص نزل فيها ، وتقول أنها محرمة بالنص .ولكن هذا النص نص عام وعمومه يشمل أمور كانت موجودة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأمور حدثت وستحدث بعده ولكن فيها علة التحريم فإذا وجدت هذه العلة ووجد هذا الوصف الموجود في هذا النص العام صارت محرمة بهذا النص .

فنحن يجب أن نطبق هذا المنهج على كل جزئيات الدين .

فهذا الكلام الذي نقوله بشيء من الاختصار أو بكثير من الاختصار نسميه منهج الاستدلال .

وعندما تنظر في أي اتجاه فكري على مدار التاريخ يكون أهم شيء تنظر فيه ما هو مرجعيته وما هو منهجه في الاستدلال .

فلما نتكلم عن تعريف الدعوة السلفية ومنهجها :

نقول منهجنا في الاستدلال هو الرجوع إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة ، وطبعاً هذه القضية تحتمل الكلام على عدد من القواعد والأصول والضوابط ولكن هذا تعريف سريع جداً .

منهج الاستدلال تطبقه على كل الجزئيات

فلو قيل أبرز لنا على وجه الخصوص الأبواب التي حدث فيها خلافات كبرى بين المنتسبين للإسلام . سيأتي على رأسها قضايا الاعتقاد .

ونطبق هذا المنهج في قضايا الأسماء والصفات كأحد قضايا الاعقتاد التي وجدت فيها فرق عقلانية ، فالفرق العقلانية لا ترجع للكتاب أو تزعم أنها ترجع للكتاب ولكنها لا ترجع للسنة أو تزعم أنها ترجع للكتاب والسنة ولكنها لا ترجع إلى فهم السلف ، والذين يقولون أن فهم السلف أسلم وفهم الخلف أعلم وأحكم ، فيصرحون أنهم لا يتبعون منهج السلف وهم الأشاعرة ومن صار على نهجهم .

فنطبق هذا المنهج في قضايا الدين كله ويبرز على رأسها قاضيا الاعتقاد .

وطبعاً مناهج الاستدلال تعتبر أصل يحكم قضايا الاعتقاد ، بمعنى أنه على حسب منهجك في الاستدلال يتأثر المنهج العقدي بلا شك .

مناهج الاستدلال والمنهج العقلي نجدهم دائماً عندما نتكلم على الفرق الإسلامية مثل المعتزلة والأشاعرة والشيعة والخوارج ، وتستطيع أن تعرف منهج كل فرقة في الاستدلال وتعرف ما منهجها العقدي .

الخلاف الفقهي كان دائماً محدود ، إلا أن الخلاف الفقهي تضخم جداً بين الشعية وأهل السنة ، ولذلك أنهم قالوا إن الأمة انقسمت إلى شيعة وسنة ، وكلمة سنة أحياناً تطلق ويراد بها الذين ليسوا شيعة ، فتجد داخلهم الأشاعرة وغير ذلك من الفرق المتبدعة التي تصنف إجمالاً أنها سنة بمعنى أنهم ليسوا شعية .

حصل اختلاف كبير جداً بين الشيعة والسنة في الفقه نتجية أن الشيعة من حقدهم رفضوا أصول كتب السنة بالكلية ، هم لم يرفضوا الأحاديث التي تتعلق مثلاً بفضل الخلفاء الراشدين أو نحو ذلك ، بل رفضوا الكل وتعمدوا أن يكون لهم فقه خاص يتميزون به فبدأ ينحرفون تماماً في الفقه .

بقية الفرق المنتسبة إلى السنة رغم أنهم يعادون نصوص السنة التي تتعلق بقضايا العقيدة التي يأخذون فيها منهج خاص ، لكن كانوا غالباً في الفقه يتعلمون فقه أهل السنة ويأخذون على ما فيه بنفس طريقة الاستدلال وبتعظيم نفس الكتب وأصول كتب السنة التي جمعت فيها السنة ونحو ذلك .

فكان دائماً عند كلامنا على الفرق نتكلم على منهج الاستدلال والمنهج العقدي . وكان الخلاف الفقهي محدود وإن كان ظهرت خلافات فقهية كبيرة بين الشيعة والسنة ،وظهرت بعض مسائل فقهية ارتقت إلى أن تدرك ضمن الأصول لتميز بعض أهل البدع بها مثل كتب بعض العقيدة التي تدرج مسألة المسح على الخفين في أصول أهل السنة لتميز الشيعة بإنكار المسح على الخفين . فهم يسحون على الأرجل وإن لم يكن بها خف ويمنع المسح على الخفين .

وهناك مسائل أخرى برزت أيضاً كمسائل فقية ولكن صارت لها أثر مثل مسائل الإمامة كفرق وهو أحد الفروق بين الشيعة والسنة ولها قدر من الأثر في الخلاف بين أهل السنة وبين الخوارج والمعتزلة مسائل الولاية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتغيير المنكر ونحو ذلك فصارت لها قدر من الظهور عندما تتكلم على أهل السنة وعلى الخوارج والمتعزلة لأن لهم فكر خاص أو منهج خاص في معالجة هذه القضايا التي هي في أصلها قضايا فقهية ، ولكن في الجملة كان دائماً الكلام على الفرق الإسلامية فيكون الكلام على منهج الاستدلال والمنهج العقدي وبعض القضايا الفقية كانت ترتقي بأن توضع وسط الأصول أبرزها قضية الإمامة لأنها تعتبر عقيدة محورية عند الشيعة ففقه الخلافة والإمامة صار مهم بيانه عند أهل السنة وما هي شروط الإمامة وكيف يختار ، لأن الآخرين يقولون أن الإمامة في آل البيت وأنها محصورة فيهم وأن الإمام معصوم ، فيها تفاصيل كثيرة تتقاطع فيها القضايا العقيدة مع القضايا الفكرة ، وأيضاً قضية تغيير المنكر وإقامة الحدود ونحو ذلك وهي قضايا ربما يظهر فيها خلاف بين أهل السنة والخوارج والمتعتزلة .

في الجملة كانت القضايا التي نهتم بها منهج الاستدلال والمنهج العقدي وبعض القضايا الفقهية التي ترتقي فتدرج ضمن هذه القضايا .

هذا كان قديماً ، أما حديث فهناك تطورات :

هذه التطورات كانت في أواخر الدولة العثمانية وتبلورت بقوة عقب سقوطها ، بأنه صار عدم وجود خليفة للمسلمين ، وتزامن هذا قبله وبعده مع وجود حرب فكرية شرسة من الغرب على الإسلام وعلى ثوابت الإسلام وعقيدة الإسلام وعلى القرآن ومحاولة الطعن في القرآن وثبوت القرآن والعمل على تغيير الأحكام المطبقة عملياً على أرض الواقع بقوانين مستمدة من القوانين الغربية ونشر الثقافة الغربية ومحاولة جعل الأخلاق والعادات الغربية هي الأصل بين الناس ووجود درجة كبيرة من الجهل ، تستطيع أن تقول مظاهر تأخر كبيرة جداً ومظاهر انحراف شملت تقريباً كل مناحي الحياة ، كل مناحي الحياة لم تسلم ، نعم قد يبقى شيء من الخير مع شيء من الشر ولكن صار الشر يشمل العقيدة ويشمل العبادة ودخل فيها البدع والتقصير ويشمل المعاملة ودخل فيها معاملات الكفار ومعاملات الكفار تشمل أمور كثيرة جداً .

وبدأ ينشأ ما اصطلح على تسميته بجماعات الدعوة إلى الله ، وهذه قضية ليست جديدة ولكن المصطلح هو الجديد ، لكنك لو ارجعت تاريخ الأمة حتى في عصورها الذهبية أو في عصور الانكسار التي لم يبلغ حد ما وصل إليه في العصر الحديث ستجد مصطلحات مثل " المدارس الفقية " و" تلاميذ الإمام فلان " وهؤلاء يكون بينهم وبين بعضهم نوع من التعاون .

فوصل مثلاً في عصر شيخ الإسلام بن تيمية أن شيخ الإسلام وتلامذته يقومون بواجب التعلم والتعليم ويتعلمون من الله تبارك وتعالى ويواجهون البدع من الصوفية والشيعة والأشاعرة ولغيرهم من أهل البدع ، وكانوا بالإضافة إلى ذلك ينكرون المنكرات وبالإضافة إلى ذلك يخرجون في الجهاد ، وكان لهم دور كبير في القضاء على التتار والقضاء على الصليبيين ونحو ذلك .

هذا كله كان موجود ولكن كانت التسمية الشائعة آنذاك هي المدارس الفقية أو المدارس العلمية ونحو ذلك .

في العصر الحديث بدأ ينشأ مصطلح الجماعات ، وبدأ يحدث الخلط بين بعض الناس بين مصطلح الفرق ومصطلح الجماعات ، فيقول أن  من منهم الجماعة الناجية ومن منهم الجماعات النارية ، نقول لا بل هذا الكلام يكون على الفرق ، الفرق التي بشر عنها صلى الله عليه وسلم وقال : ( ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ) وسئل عنهم صلى الله عليه وسلم فقال : ( هم من على مثل ما أنا عليه أنا وأصحابي ) ، فهذا بالنسبة إلى الفرق التي لهم مناهج تخالف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فهناك من يكون على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهذا ناج ، وأما ما خلاف ذلك فهو يستحق العقاب بدرجات متفاوتة بمقدار انحرافه عن مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، أما الجماعات فمن الممكن يكون المنهج الواحد سواء حق أو باطل فمن الممكن أن يكون هناك أناس على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم في مكان ما ويوجد إخوان لهم على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم في مكان آخر ، ومن الممكن الأوائل يسمون تلاميذ الشيخ فلان والآخرين يسمون تلاميذ الشيخ الآخر ، والتسمية غير التسمية ولكن المنهج غير المنهج ، فسواء قلنا تلاميذ فلان أو جماعة كذا أو جمعية كذا ، فهذه المسمات تعبر عن كيان مجموعة من الناس اجتمعوا لظروف جغرافية أو غيرها وصاروا يتعاونون معاً على .... ماذا ؟ فهذه هي القضية ، فمن الممكن أن يكون القطر الذين يعيشون فيه يسمح بتأسيس جمعيات فقاموا بتأسيس جمعية ، أو أنهم يعيشون في مكان معين ولهم شيخ فصار يوجههم ويتعاون معهم على البر والتقوى ونحو ذلك .

نترك قضية الاسم الشكل العضوي الذي تكونون به ، لأن هناك أشكال كثيرة .

دعك عن هذا كله وابحث عن المنهج .

بالإضافة إلى المنهج يكون جزء من منهج أهل السنة والجماعة أنهم يدعون إلى الوحدة والائتلاف ، فهذه قضية ممكن نرجئها الآن عندما نقول أننا وجدنا أكثر من تجمع على منهج واحد فلماذا لا يكون التعامل بينهم تعاون حقيقي بدلاً من التعاضض القلبي لتبادل الخبرات ونحو ذلك ، لو كان هذا ممكن فجزء من منهج السلف أن يفعل ويطبق ، فلو كان هذا مستحيل أو يكون مفاسده أكبر أو نحو ذلك فيكون أيضاً من منهج السلف أن يكون بينهم وبين بعض تواصل وحب ومناصرة ودعاء كما كان هناك مدارس فقهية صعب جداً يكونون مدرسة واحدة ، فكان الإمام مالك والإمام الليث ، فهذا إمام وهذا إمام ولكن هذا في الحجاز وهذا في مصر ولكن ربما احتاج  أحدهما إلى أن يستشير الآخر ولكن هذه تكون نادرة جداً ، بخلاف كونهم في مكان جغرافي واحد ويوجد بينهم شيخ إمام مبرز يتعلم الباقون على يديه وينشرون أيضاً .

فمجال تفصيل هذه القضية ليس هذا وقته ولكننا نحكي واقع أو يكون كتمهيد .

نقول نشأ مصطلح جماعات الدعوة إلى الله أو جماعات الدعوة الإسلامية أو جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كجماعات تحاول سد فراغ كبير حصل بعد سقوط الخلافة وفساد كبير حصل قبل سقوطها وازداد بعد سقوطها وتعددت المسميات وتعددت الأشكال العضوية التي تكونت بها هذه الاتجاهات .

وسبحان الله كان الغرب يحاول أن يسوق بلاد المسلمين بطريقة معينة فبدأ يبث ما يعرف باسم الجمعيات الأهلية لكي يمرر جمعيات الروتري والليونز وهذه الأمور ، ولكن في المقابل نشأت جمعية الشبان المسلمين وغيرها من الجمعيات التي أخذت هذا الإطار مثل جمعية أنصار السنة وجمعية الإخوان المسلمين وقبل ذلك كانت الجمعية الشرعية ، وبغض النظر عن المناهج الآن ولكني أشير أن هناك صورة الجمعيات الخيرية كانت صورة كإحدى الصور العضوية الأكثر انتشاراً في ذلك الوقت .

بغض النظر عن هذه المسميات والظروف التي أدت إلى أن يكون صورة العمل الدعوي في شكل جمعية خيرية نقول أن هناك جمعيات كانت تعتبر على منهج أهل السنة حتى وإن تسمت باسم خاص ، فهذا الكلام يحتاج إلى بسط للمناهج وليست مجرد الأسماء أو الشكل العضوي الذي تكون به اتجاه ما .

بالإضافة إلى أنه يكون الأفضل دائماً متى أمكن أن يكون هناك اندماج بين هذه الكائنات العضوية إن أمكن فإن لم يمكن فتعاون وثيق فإن لم يمكن فعلى الأقل التناصر والتناصح ، وكل حسب الممكن والمستطاع .

نتيجة وجود منكرات كثير ونتيجة أن هناك قوانين غربية ونتيجة انتشار المنكرات في جهات متعددة برز بين الجماعات الإسلامية خلاف يشابه الخلاف الذي نشأ بين الفرق قديماً في " ما هي الطريقة المثلى للدعوة وما هي الطريقة المثلى  لتغيير المنكر " فبدأنا نتكلم على مناهج الدعوة ومناهج التغيير ، فمن الممكن أن تجد اتجاه دعوي هو من حيث منهج استدلاله ومنهجه العقدي يعتبر فرقة من فرق الضلال ، فهذا انتهيت منه كجماعة التكفير الذين كانوا يسمون أنفسهم جماعة المسلمين ومازالوا موجودين بصور ومسميات مختلفة ، بل ممكن الآن تجد جماعات تكفيرية في بعض العالم الإسلامي تسمى الجماعة السلفية ، وطبعاً العلمانيين وغيرهم ينشرون ما يفعله هذه الجماعات باسم الجماعة السلفية ، فالعبرة ليست في الاسم ولكن العبرة بالمنهج . هناك جماعت من هذا النوع وهي في الواقع جماعات تكفير ، فهؤلا خوارج من أضل فرق الضلال .

 

فنحن ننظر إلى منهج الاستدلال كأصل حاكم للاتجاهات ككل وننظر إلى المنهج العقدي .

بدأ يظهر معنا مناهج الدعوة ومناهج التغيير ، فما الأسلوب المعتمد عند الفريق الفلاني بغض النظر عن شكل الكيان سواء سموه جماعة أو مدرسة أو سموه دعوة ففي النهاية ما هي الطريقة التي يعتمدها في الدعوة وما هي الطريقة التي يراها مناسبة في التغيير ، وستجد أن هذه فرع على هذه ، فكما قلنا أن المنهج العقدي فرع على مناهج الاستدلال فأيضاً منهج التغيير فرع على منهج الدعوة ، وهم كلهم فرع على مناهج الاستدلال ، وبالتالي ظهر فريق آخر ودارت مساجلات كثيرة بين دعواتنا وبين هذا الفريق الذي كان يقول " سلفية المنهج عصرية المواجهة " وكأنه يريد أن يكون المنهج العقدي سلفي ويكون منهج العقدي فيه قدر من التحلل الإطار السلفي الصارم ويمزجه بقدر من العقلانية والاستحسان ، وهذا الاتجاه ربما صعد نجمه فترة وبدأ في الأفول ، بعض رموز هذا الاتجاه صاروا عقلانيين تماماً وبعضهم بدأ يرجع مرة أخرى للمنهج السلفي ، وهذه الفكرة فشلت إلى حد كبير أو لم يعد ينادي بها عدد كبير من الرموز ، لكنها فكرة ظهرت فترة من الفترات .

فلماذا كان يقول " سلفية المنهج عصرية المواجهة " ؟

لأنه كان يرى أن الجماعات الإسلامية المعاصرية ليست صورة كربونية من الفرق ، لأن الفرق كانت تعنى بسمائل وتؤصل منهج ف الاستدلال وتتكلم في مسائل العقيدة ، أما سائر شئون المسلمين فمدارة بصورة أو بأخرى ، الآن الجماعات الإسلامية ربما نسي بعضها أن يتكلم في منهج الاستدلال ، فهناك جماعات الآن وهي جماعات لا ننكر أن عندما قدر كبير من الخير ولكن الذي ينضم إليها لا يعرف أين هو ، لأنها جامعة أو جمعية خيرية لم تقل للناس الرجوع للكتاب والسنة بفهم سلف الأمة ولم تقل غير ذلك ، منهم من يقرأ كتاب سلفي ومنهج من يسمع البرامج الدينية في إزاعة القرآن الكريم ومنهم من لا يسمع هذا ولا ذاك ، لكن الجمعية مشغولة بسد ثغرة الفقراء والأيتام ونحو ذلك ، فأولاً هذا حق للقرآن وكل من يساهم في سده يكون سد عن المسلمين هذا الجانب والأمر الثاني أن هذا صار الآن أحد أسلحة التنصير ، فتأكد أننا نسارع بدلاً من أن نفتن الناس .

ولكن هل تقول أن من انضم لهذا الاتجاه هل عرف إسلامه جيداً أو عرف الحق من الباطل ؟

لا ، بل هو سد ثغرة من الثغرات وباقي الأمور يكون فيها جاهلاً أو فيها مقبول بهذا الاتجاه .

فصار جانب منهج الدعوي أكثر بروزاً عندما تقارن بين الاتجاهات الإسلامية من جانب منهج الاستدلال والمنهج العقدي ، وإن كنا نحن كاتجاه يتبنى العودة إلى الإسلام وفهمه فهما شاملاً وتطبيقه تطبيقاً شاملاً فلابد أن لا نغفل في تقديم أي اتجاه حتى من عنده قدر من الخير ويسد ثغرة وتارك الباقي لا يقول فيها سلباً ولا إيجاباً فنقول له على الأقل قل فينا الحق مجمل ، نحن لا نريدك أن تدرس العقيدة بتفصيل ولكن على الأقل ارشد الناس أن هناك عقيدة السلف يتعلمونها وارشد الناس أن هناك فقه الدليل في الفقه وألا يقلدون أي قول ، وارشد الناس أن هناك سنن وبدع بأن يتركون البدع ويحرصون على السنة ، نحن نطالب بأنه على الأقل تكون الأصول العامة منضبطة .

فكل الاتجاهات الإسلامية بدأ يكون الأكثر بروزاً وتأثيراً المنهج الدعوي ومناهج التغيير .

فهذا المنهج الدعوي يتبنى كيفية دعوة الناس ويتفرع عليه ما هي التدابير التي يراها كفيلة بتغيير الواقع المخالف للإسلام في جوانب متعددة كما ذكرنا ، فكيف يمكن أن يتغير هذا إلى واقع موافق للإسلام .

فإذن صار هنا أحد أهم الأمور التي تميز الاتجاهات الإسلامية المعاصرة أو الكيانات الإسلامية المعاصرة .

وطبعاً بعد منهج الاستدلال والمنهج العقدي يكون مناهج الدعوة ومناهج التغيير .

وطبعاً داخل مناهج التغيير يبرز كما حدث قديماً بظهور قضية معينة احتلت الصدارة ، لأن بعض الاتجاهات الفكرية القديمة صارت لها منهج خاص في بعض القضايا الفقهية ، فهنا صار عندنا قضية فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفقه الجهاد أحد أهم القضايا التي تميز بين اتجاه وآخر .

كيف يرى فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما هي درجة لزومة وهل هو فرض عين أو فرض كفاية وما هي وسائله المتاحة وما هي أكبر قضية أثيرت في مراعات المصالح والمفاسد وهل يلزم مراعات المصالح والمفاسد أم لا وكيف تراعى المصالح والمفاسد فظهر عندنا فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . ففقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعتبر قضية عامة أحد صورها هو الجهاد لأنه عبارة أن تغيير المنكر بالسيف والقتال في أحوال مخصوصة ، فصار هذا الباب أحد الأبواب التي اختلفت فيها الاتجاهات الإسلامية .

أيضاً نتجية الواقع المعاصر وتعقيداته واشتبكاته ووجود آليات الديمقراطية وغيرها مطبقة نظرياً في بعض بلاد المسلمين ظهر مسألة إمكانية الاستفادة أو التعامل مع قضايا التطبيقات الديمقراطية وكيف يكون موقف الاتجاهات الإسلامية منها كموقف نظري وكيف يكون الموقف منها كموقف عملي وهل يمكن أن يستفيدون منها أم لا ؟ وهل من الممكن أن يدخلون في تحالفات مع اتجاهات غير إسلامية أم لا ؟ فالآن مثلاً يقولون أن هناك مرشح للرئاسة فيصرح بأنه يريد أن يطبق العلمانية الصحيحة وكأن العلمانية الموجودة ليست صحيحة وهو يريد ان يطبق الصحيحة ، ويغازل الإسلاميين فيقول أن العلمانية الصحيحة مع أنها أبعد عن الإسلام ولكن في نفس الوقت تعطي سقف حرية أكثر لكل الناس بما في ذلك الإسلاميين  ، والعلمانية أصلها أن تترك الجميع يقول ما يريد أن يقوله ، فهناك مثلاً مطبق نظامي يتكلم بلسان النظام المدني ولا يستخدم كلمة " علماني " ولكن هذا النظام المدني معه أمور دينية مراعاه لأن دين الأغلبية هو دين الإسلام ، وفي نفس الوقت هناك مسائل الحريات وغير الحريات وقد يكون حرية التعبير فهذا يعبر وهذا لا يعبر ، وهناك هامش معين من الحرية ، فهذا يقول أنه يرفع هذا الهامش لأن العلمانية الصحيحة توجب برفع هذا الهامش وفيها مزيد من محاصرة كل شخص بداخله لكن يتركه يعبر عن كل ما يريده .

فيوجد أتجاهات إسلامية أعلنت صراحة أن هذا الخيار أفضل ، ويوجد اتجاهات إسلامية مترددة وترى أن الموضود يستحق الدراسة .

نحن دائماً نقول طالما قلنا علمانية فكل الاختيارات سواء ، نحن أشرنا لشيء قريب من هذا واحتججنا على الإخوان بالذات من موقف أحد رمزهم " الأستاذ الهضيبي رحمه الله "المرشد الثاني للإخوان وكان في أول القانون المدني المصري فحدث ضجة وكان بعض رموز المجتمع من الإسلاميين وذوي التوجه الإسلامي رفضوا وكتبوا في الصحف آنذاك رفض لهذا القانون لأنه مخالف للشريعة ، وطبعاً من صاغ هذا القانون هو  " عبد الرزاق السنهوري " ويسمونه  " أبو القوانين العربية "  وكان آنذاك البرمان اسمه " مجلس الأمة " وأتوا به يناقش المعترضين من داخل المجلس أو من خارجه ، يعني لو أن مجلس الأمة وجه دعوة للمعترضين يأتون ليناقشوا رئيس اللجنة التي قامت بوضع القانون وفي الواقع هو الذي أوضعه كله تقريباً ، وكان كل واحد منهم قال كلام مختلف من المعترضين ، وقال المستشار الهضيبي رحمه الله كلام متين جداً عندما سألوه ما اعتراضك على القانون ؟ فقال ليس عندي اعتراض ، فتفاجأوا وكرروا عليه السئوال وقالوا إنك معترض والدنيا كلها تعرف أنك معترض ودعيت هنا للجلسة بصفتك معترض على القانون وأتينا بك لتدلي باعتراضاتك ليناقشها " السنهوري " فقال لهم : لو كان القانون قد كتب في دباجته أنه مستمد من الشريعة الإسلامية لكنت ذكرت اعتراضتي عليه وأما أنه قد ذكر في دباجة القانون أنه مستمد من القانون الفرنسي فخطأه وصوابه عندي سيان . وهذه قضية المرجعية التي تكمنا عليها .

تخيل لو أن الذي وضع القانون المدني وأتى إلى مسائل البيع والشراء فوجد أن الشروط الإسلامية تعجبه في ذلك فليس عند القوانين الوضعية مشكلة في القمار والشرع يجعل كثير من البيوع في خانة القمار طالما أنها فيها غرر فنفرض أن المشرع أعجبه شرط الغرر فوضعه فهل  نقول أن هذه حسنة ؟! فنقول أن أهم شيء أين المرجعية ،أأقول أني أقبل بمرجعة علمانية لأنها ستعطي سقف حرية أكبر؟! فلما نؤيد الصورة الأكثر تطرفاً في العلمانية في أي منطلق نقيدها ؟ هل نقول أن هذا صح والآخر خطأ ؟ أم أن الصحيح من المسلم أن هذا هو الإسلام ، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، فيقول ويعمل ما يقدر عليه .

المسألة أعقد كثيراً من هذا المثال الذي قلناه .

المسألة متشابكة ومعقدة وفيها تجارب .

فعندنا في مصر هناك تجارب والجزائر فيها تجارب والكويت ، وتركيا وهي أحد أبرز تجارب التصالح بين الإسلاميين والعلمانية .

طبعاً هناك مصالح ومفاسد تمت ، فأيهما أكبر وأكثر وهل هو موافق للشرع أم لا ؟ فهذه كلها قضايا تطرح عندما نتكلم على المنهج الدعوي ومناهج التغيير ، فيطرح قضايا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقضايا الجهاد وقضايا العلمانية والموقف منها وتحالفاتها والمشاركة السياسية .

في الواقع أن القضايا الثلاثة الكبرى التي تكلمنا عنهم فيهم بحوث مستقلة نشرت في مجلة صوت الدعوة أو في كتابات وفي كتاب فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للشيخ ياسر براهي وهناك بحث فقه الجهاد نشر أيضاً في مجلة صوت الدعوة وهناك نشرة نشرت أيضاً قبل مجلة صوت الدعوة حول المشاركة السياسية ، وهذا الكلام مكتوب أيضاً لكتابات مشايخ الدعوة . ولكن نقول أن في هذا البحث سنحاول نقول ملخص كل هذه الأبحاث ، لأن هذا البحث ينظر نظره شمولية لمناهج الدعوة ومناهج التغيير وبالأخص مناهج التغيير الموجودة على الساحة .

فهذا هو موقع هذا البحث على خريطة المنهج الدعوي ، بأن نتكلم على مناهج الاستدلال أو المرجعية ، وهذا اصل عظيم جداً نطبقه في العقيدة والعبادة والسلوك والدعوة والتغيير ،ولما نتكلم على العقيدة فهذا يميز عقيدة أهل السنة أو يميزنا كاتجاه من اتجاهات أهل السنة والجماعة عن سائر فرق الضلالة  ، لما نتكلم على مناهد الدعوة ومناهج التغيير نتكلم على ما يميز هذه الدعوة في سلوكها الدعوي عن بعض الاتجاهات الأخرى التي خرج بعضها عن أهل السنة من البداية بانحرافاته في مناهج الاستدلال والمنهج العقدي وبعضها قد يكون من جملة أهل السنة أو هو في قضايا العقيدة ربما يكون سلفي ولكن يوجد خلاف معه في طرقة تطبيق المنهج السلفي على بعض قضايا المنهج الدعوي والعمل الدعوي .

هذا خلاصة هذا البحث وأهميته والقضايا التي سوف نتناولها فيه .

البحث تكلم تمهيد قصير ثم شرع في مناقشة الاتجاهات المختلفة ، فنحن قلنا التمهيد الذي قلناه ثم نأخذ التمهيد الموجود في البحث أيضاً في هذه المرة إلى أن نشرع المرة القادمة إن شاء الله تبارك وتعالى في مناقشة الاتجاهات .

بقي أن نشير إلى إن الآن يقولون الدعوة إلى الإصلاح ، ولا شك أننا نتكلم عن منهج التغيير ونقول أنه تغيير من الفاسد إلى الصالح ولكن ما هو الفاسد وما هو الصالح ، من الممكن أن تجد أناس في موقف واحد ومقفهم معاكس تماماً ، تولي المرأة للقضاء في نظر جمعيات حقوق المرأة ونحو ذلك إصلاح ، وفي نظر الإسلاميين قديماً يرون أن هذا إفساد ، وهم الآن يرى بعضهم أن هذا من جملة الإصلاح ، ولكن السلفيين منهم ما زالوا يرون هذا إفساداً ، فلما يقال لك ما موقفك من الإصلاح ؟ تقول من أين تستفيد وصف شيء معين بأنه صلاح أو فساد ؟ فلو أنه موجود ووصفته بالصلاح فتريد أن تعضده وتزوده ولو وصفته بالفساد تريد أن تصلحه ، فأحياناً بعض العلمانيين يقولون أين منهجك في الإصلاح ، فمن الصعب جداً أن تتكلم مع العلمانيين في منهج إصلاح ، لأن أول شيء في الإصلاح أن يسكت العلمانيون . وانتبه العلمانيون في هذه الحالة يقولون " السلفيون ومصادرة الرأي " ، العلمانيون أشد على الإسلاميين من الإسلاميين عليهم . فالعلمانيون عندهم أول شيء في الإصلاح أن يسكت الإسلاميين ،

لماذا يسكت الإسلاميون ؟

لأنهم ليسوا من خريجي الأزهر ،

فلو اتخرجوا من الأزهر ؟

 يقوموا برفدهم وإقالتهم .

فلماذا إذن يسكتون ؟

لأنهم لم يكن عندهم قنوات رسمية ؟

 فلو عملوا قنوات رسمية فضائية ؟

يغلقونها .

فإذن العلمانيون في غاية التطرف في مواجهة الإسلاميون .

يقولون لماذا أنتم متطرفون وتريدون أن تسكتوا العلمانيون ؟

نقول لو أنكم تريدون منا أن نتكلم اتركونا نتكلم .

وانظر إلى الفضائيات ، كم قناة إسلامية وكم قناة أغاني وعلمانية ؟

لماذا تغضبون من القنوات الإسلامية وهي أصلاً ليست إسلامية صرف ؟

نقول : أنتم قديماً كنتم تشترطون التصريح وهؤلاء الآن معهم تصريح وبأموالهم أنشأوا قنوات وأخذوا بها الإجراءات الرسمية .

فيقولون : أيفسدون دين الخلق بجحة أنها بأموالهم ؟ وهل يضيعون مجهودات دعاة التنوير ؟

نقول الآن لا أحد يقل للآخر لماذا تريد أن تنفي الآخر .

رغم أننا صرحاء جداً مع أنفسنا ، نحن نقول بالفعل نحن نريد أن ننفي الآخر . وليس الآخر هو المسلم المختلف معي ، كما يقولون دائماً أننا نعتبر الآخر هو المخالف لنا ، كما يرددون دائماً " هل أضع يدي على صدري في الصلاة أم لا " بل نحن نقول أن الآخر هو الذي يرفض الكتاب والسنة ، وبالتالي نقول له أنك إذا زعمت أنك مسلم لا تخترع ولا تفتري والكتاب والسنة موجودان ونرجع إليهما والذي يخالفهما يجب أن يصمت ، إذا كان هو ليس مسلم فليس له أن يناقشنا فيما نفعل .

العلمانيون لا يتكلمون وفقط . فالإسلاميون يقولون يجب إسكات العلمانيين فهل أحد يسمع الكلام أو يتحرك ؟ وهل الإسلاميون ليديهم قدرة أن يسكتوا العلمانيين .

لكن العلمانيون يسكتون الإسلاميون فعلاً ، وتجد أن أكثر واحد من العلمانيين تشدقاً بحرية الرأي يظل يكتب بلاغات أمنية .  وفلما انتخب الدكتور محمد بديع مرشد للإخوان قام صحفي لبرالي كبير من أصحاب حرية الرأي أتى محاضر التحقيق معه في سنة 1965 وينشرها " إلى من يهمه الأمر أن هذا الرجل سبق اتهامه " وليس سبق إدانته بل سبق اتهامه بأنه يكفر وسبق اتهامه بأنه تلميذ لسيد قطب وسبق اتهامه بكذا وكذا والدنيا سوف تخرب بسببه . كيف ذلك وقد سبق إدانتكم بازدراء الأديان ، وهنا سبق إدانتكم في كتب منشورة ، وكثير منهم ثبت إدانته بتخابر مع روسيا وغيرها ،

فالقضية أن العلمانيين عندما يسألون عن منهجنا في الإصلاح ؟

نقول أن هناك مشكلة جوهرية وهي أن أول شيء في الإصلاح أن يسكت العلمانيون  ويتوبون ويعودوا إلى رشدهم

يقولون : أنكم بذلك أثبتكم على أنفسكم تهمية نفي الآخر

نقول : طيب وما هو أو شيء في الإصلاح من وجهة نظرك ، وما هو الذي ينفذ فعلياً في كثير من الأحيان ؟

فنقول أن هذا البحث يفترض أن يخاطب به أبناء الصحوة الإسلامية ، لكن الذي خارج الصحوة يقولون أن الصحوة الإسلامية ككل مدانة بأنها تتكلم كلام عاطفي بلا رصيد واقعي . يعني يقولون أنكم تتكلمون بالإسلام لأن الناس تحب الإسلام وأيضاً ماذا تفعلون في المشكلات التفصيلية .

نقول : أن المسلمين يتكلمون في عمومات في حد زعمك ، فأت لنا بأحد يتكلم تفصيلاً ؟

فدائماً من ينظر يتكلم بعمومات ، بمعنى أنهم عندما يقولون عدالة التوزيع وغيرها وغيرها فهل هذه تفاصيل ، بل كل هذه عمومات .

لأن الذي  يقول منهج يقوله بعمومات وهذه العمومات لها تفاصيل والتفاصيل لها تفاصيل ، فلو أتوا وسألونا أو سألوا بحكم انتسابهم للإسلام يعلمون تفاصيل البيع والشراء والإجارة والحدود والقضاء والأسرة والمجتمع وغير ذلك .

غير ذلك عندما يجد نقطة فراغ يعرف أن هذا الفراغ تركه الله عز وجل رحمة بالعباد ليتسع لكل زمان ومكان .

فيقولون مثلاً قضية التعليم ماذا تفعلون فيها ؟

نقول : وماذا تفعل فيها أنت الآن ، ماذا يفعل الاشتراكي واللبرالي في هذه القضية .

وفي ذات الوقت نقول أن عندنا دور للأسرة ودور للمدرس وهناك كتاب أو كتب إلى معلم الكتاتيب والذي كتبها أناس في الصدر الأول في عام 150 هجرية أو ما قاربه مثل كتاب ابن سحنون وغيره ويتكلم على معلم الكتاب .

يقولون أن هذا الكتاب يتكلم على الكُتّاب وليس على المدرسة .

نقول : غير كلمة الكتاب واجعلها مدرسة

يقولون : أن هذا الكتاب يقول أن يخلع التلاميذ أحزيتهم خارج المكان

نقول : احزف هذه من الكتاب ، ليس في هذه مشكلة .

فتجد أمور تشعر أن من يتحدث فيها صغير العقل .

لكن هذا يتكلم عن ميعاد الدراسة ومتى يكون زهن الطفل متقبل ، وماذا يبتدأ به وماذا ينتهي به ، وما هو أسلوب العقاب .

وأسلوب العقاب هي أحد القضايا التي يغيرون فيها كل حين وآخر

فابن سحنون يقول : " أن معلم الأطفال من حقه يضرب ثلاث أصوات بدون إذن الولي ، ويمكن أن يزيد على عشرة بإذن الولي ولا يزيد على ذلك " فهذا قانون . وهذا طبعاً أقتراح من المعلم ولكن استنبطه من الشرع .

فعندنا نظام عقوبة في المدرسة موضوع من سنة 150 هجرية

فيقول : أن هذا اجتهاد فقهاء

نقول : نحن نفهم الفرق بين القطعي وبين أن يكون اجتهادي

يقول : وأين توزيع المنهج عبر أيام السنة ومتى تكون الإجازات ؟ الفطر والأضحى .

وفي اليوم سيأتي من وقت الضحى حتى قبيل الظهر ، وهذا الوقت يكون حر فلا يصح أن ترهق الطفل فتعطيه راحة في هذا الوقت ، وهل يأتي بوجبة أم لا ؟

فهذا كلام معلمي الكتاتيب عند المسلمين ،فوضع نظام الكُتّاب ، وطريقة العقاب ،ومتى تعاقب ومتى لابد أن يستأذن ولي الأمر ويقول أن طفلك يحتاج إلى درجة عقاب أعلى ، ومتى يكون العقاب جريمة ؟ فلو كانت العقوبة شفاءاً لغيظ المربي فهو حرام ، فأحياناً كثير الضرب يكون لتفريغ شحنة غضب عند المربي ، فهي جريمة سواء كان المربي أب أو مدرس ، فلما يجد نفسه غضبان لا ينفذ العقوبة لأنه من الممكن أن يتعدى .

فهذه ضوابط عامة .

فيقول أن هناك مشاكل مثل الكثافة السكانية وعدد الناس مع عدد المدارس

نقول : ومن قال أن المسلمين كانوا يضعون عقولهم في ثلاجات لم يمكن أن تشتغل من القرن الثالث الهجري ؟ بل بفضل الله من الممكن أن تشتغل بدليل أن المدارس الإسلامية أنجح مدارس وأيضاً يغلقها العلمانيون بدعوى أنه ليس معه ترخيص بناء ، نقول وهل المدارس التبشيرية معها تراخيص بناء ؟ وهل الأسوار التي تبنى وتسد الشوارع معها تراخيص بناء ؟

فإذن العلمانيون يمارسون أقصى درجة تعسف مع مدرسة إسلامية في منطقة ليس بها أي مبنى له تراخيص بناء بما في ذلك المباني الرسمية نفسها ، والمدرسة خصوصاً هي التي كان لها قرار هدم لأنها ليس بها ترخيص بناء .

لماذا ؟ لأنها نجحت في تقديم رسالة ، رغم أن الذي وضع المنهج ربما يكونون أناس لا تستيطع أن تقول عليهم أنهم يحملون منهج إسلامي شامل ولكنهم أناس تربوا على الإسلام وأتيح له أن يكون مدرسة ورجع لقواعد الإسلام في التربية وقواعد الإسلام في الفصل بين البنين والبنات وقواعد الإسلام في الثواب والعقاب فحقق نتائج .

لدرجة أن من الناس من يتقدم بابنه ويصمم أن يدخله المدرسة الإسلامية ويستأذن من المدير بأن لا يجعل الطفل يقول لأمه تحجبي .

فالبيت ليس ملتزم ولكنه يريد المدرسة الإسلامية لأنها تحقق نتائج جيدة .

وهكذا من المسائل حتى البطالة ، بل التشريعات الإسلامية في أمر تحريم الربا على سبيل المثال يحل مشكلة البطالة، لأنه يسجبر أصحاب رؤوس الأموال المتوسطة أنه لا يجد لها وسيلة إلا أنه يفكر في مشروعات صغيرة ومتوسطة توجد فرص عمل .

بل لا ينتظرون المشروعات الكبرى التي في أولها تعتمد على الميكنة ولا تشغل الشباب .

فكل قضية قابلة للحل ، وقواعد الإسلام فيها تحقق نتائج مبهرة بفضل الله تبارك وتعالى .

والقضايا التفصيلية جداً المتعلقة بزمان ما ومكان ما بفضل الله عز وجل من يعرف الفقه ويعرف دين الله تبارك وتعالى يدرك قضايا المصالح المرسلة وغيرها التي تجعله يعرف حدود التفكير . وإلى أين يفكر ويستطيع أن يحل المشاكل أو يأقلم نفسه مع ظروف المجتمع الذي هو فيه . إلى غير ذلك من القضايا .

فنقول عموماً أن هذا ليس داخل معنا الرد على هؤلاء العلمانيين ، بل نكتفي بهذا الرد المجمل جداً الذي قلناه ، وربما إذا يسر الله تعالى يكون هناك ملحق نناقش فيه هؤلاء القوم بطريقة أوسع .

ونكتفي اليوم بإذن الله تبارك وتعالى ومن المرة القادمة إن شاء الله نبدأ البحث بتمهيده الموجود فيه بإذن الله تبارك وتعالى .

سبحانك اللهم ربنا وبحمدك أشهد ألا إله إلأ أنت نستغفرك ونتوب إليك .

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

الكلمات الدلالية