الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

التحالف الإيراني الصهيوغربي من السر إلى العلن

إيران الثورة لم تكن يوما مع الغرب في حالة عداء بل تحالف وتوافق أجندات

التحالف الإيراني الصهيوغربي من السر إلى العلن
عادل نصر
الاثنين ١٣ أبريل ٢٠١٥ - ١١:٠٨ ص
1743

التحالف الإيراني الصهيوغربي من السر إلى العلن

كتبه/ عادل نصر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

بعد الاتفاق الإيراني الغربي الأخير الذي منح إيران اعترافا بأنها قوة نووية، انطلقت التفسيرات والتحليلات عن التحولات السياسية الخارجية الإيرانية تجاه الغرب والانتقال من حالة العداء والفراق إلى التقارب والاتفاق.

وهذه تحليلات ناتجة عن أحد أمرين: إما نظر سطحي لا يتعامل إلا مع الشكليات والادعاءات العلنية في السياسة، وإما عن معرفة للحقائق مع السعي في إخفائها.

أقول ذلك لأن إيران الثورة لم تكن يوما مع الغرب في حالة عداء بل تحالف وتوافق أجندات، فالغاية لهما واحدة وهي تفتيت العالم الإسلامي وتدمير مقدرات هذه الأمة والتسلط على شعوبها تمهيدا لسيناريو التقسيم وهو ما يعرف بسيناريو الـ"شرق أوسط جديد" .

فقد كان هذا التحالف سريا، فأضحى علنيا بعدما اقترب من تحقيق أهدافه، ولم يعد بالإمكان إخفاؤه، وبما أن الدعاوى لا بد لها من بينات فها نحن نلقي نظرة تاريخية على هذه العلاقة بعيدا عن الشعارات الخادعة، ولكن من خلال الحقائق التاريخية وسبر الأحداث بدءًا من الثورة وحتى يومنا هذا.

ألم يقم الخميني بثورته من فرنسا التي استضافته وقامت بواجب الضيافة على أكمل وجه ووفرت له كل وسائل الاتصال بشعبه وأتباعه حتى أنجز ثورته، فهل كان هذا بعيدًا عن أعين مخابراتها أم كان حبًّا من الغرب في الإسلام وتحول في موقفه العدائي لهذه الأمة منذ الحروب الصليبية وحتى اليوم ! أعتقد أن الإجابة واضحة وأن الغرب وجد فيه وفي طائفته بغيته وأن خير من سيعينهم على تنفيذ مخططاتهم ضد هذه الأمة هو ذاك الرجل وتلك الطائفة، وتاريخها عند أعداء الإسلام معلوم.

وكما رتب الغرب للخميني الأجواء في المنفى ووفروا له كل السبل لتعينه على القيام بمهامه، هيأ له الأمريكان الأمر داخل إيران كما تتكلم الوثائق؛ حيث زار الجنرال "هويزر" - نائب رئيس أركان القيادة الأمريكية - إيران قبل الثورة مباشرة، وكانت زيارته سرية تواصل فيها مع قادة الجيش لتحييدهم، والعجيب أنه لم يغادر إيران إلا بعد الثورة ببضعة أيام.

وبالفعل أعلن الجيش أنه يقف على الحياد مما غير مجرى الأمور تماما، فأصدر قادة الجيش الإيراني بيانا جاء فيه:" للحيلولة دون انتشار الفوضى ولمنع إراقة الدماء قرر المجلس الأعلى للجيش الاحتفاظ بحياده بمنأى عن الخصومات السياسية الحالية، ولهذا السبب يعطى أمرا لجميع الجنود بالعودة إلى ثكناتهم ووحداتهم" . وجميع المصادر -على اختلاف مشاربها- تكاد تجمع على أن أمريكا هي التي كانت وراء تحييد الجيش، وبعد أن كان عازما على سحق حركة الخميني، ولا شك أن هذا الموقف كان من أكبر عوامل نجاح ثورة الخميني.

ولقد كان للإدارة الأمريكية آنذاك برئاسة كارتر وريجان في خلع الشاه ونجاح ثورة الخميني (لاحظ دور الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه كارتر في نجاح ثورة الخميني ودور الديمقراطية الآن بزعامة أوباما في استكمال السيناريو بوضع إيران في مصاف الدول النووية فضلا عن إطلاق يدها في العراق وسوريا وغيرهما ).

نعود إلى موضوعنا ونستعرض بعض ردود فعل الإدارة الأمريكية على منتقديها آنذاك على موقفها من الشاه والثورة الخمينية من خلال ما نشر في وسائل الإعلام:

نشرت التايمز في 5 مارس 1979 تصريحا للرئيس الأمريكي كارتر رد فيه على معارضيه، فكان مما قال : ( إن الذين يطلبون من الولايات المتحدة أن تتدخل بشكل مباشر لوقف الأحداث مخطئون ولا يعرفون الحقائق القائمة في إيران). 

وحينما وقع  الهجوم على السفارة الأمريكية في الأيام الأولى للثورة قال كارتر : ( إن حكومة الدكتور بازرجان كانت متعاونة للغاية في تأمين سلامة الرعايا الأمريكيين مما يشجع على استمرار الأمل بقيام تعاون سليم وفعال مع القيادة الإيرانية الجديدة. وأضاف قائلا : ( أننا سنحاول العمل بطريقة وثيقة مع الحكومة القائمة في إيران، وقد سبق أن أجرينا اتصالات مع أبرز زعمائها (!!) منذ بعض الوقت".[1]

وحينما زار شاه إيران أمريكا بعد نجاح كارتر قال له كارتر: ( إني فخور بصداقتك لأنك حولت إيران إلى جزيرة أمان، ولأنك حميت الديمقراطية). وعلق بوش الأب على هذا الكلام قائلا: إن كارتر في ذلك الحين كان قد أعطى كلمة السر للمخابرات المركزية بأن تبدأ بتدمير سلطة الشاه.

وللعلم أن بوش خدم في المخابرات المركزية ويعرف خفايا أمورها".

وحينما عثر مقتحمو السفارة الأمريكية في طهران على وثائق تثبت عمالة مهدي بازركان شريك الخميني في ثورته وأول رئيس وزراء له، تدخل الخميني لصالح شريكه وتم تجاوز الأمر.

ومن أراد المزيد من المعلومات عن حقيقة الثورة الإيرانية وعلاقتها بالغرب فليراجع موسوعة التاريخ الإسلامي، لمحمود شاكر، الجزء الخاص بإيران، وكذلك كتاب "وجاء دور المجوس"، وغير ذلك من المصادر.

المهم .. وبعد نجاح الثورة الإيرانية بدأت مرحلة جديدة من التعامل بين إيران والغرب ظاهرها العداء والتراشق، فإيران الخميني ترفع شعار الموت لأمريكا الموت لإسرائيل وتلقب أمريكا بالـ"الشيطان الأكبر "، وأمريكا من جهة أخرى تصف إيران بالـ " الدولة المارقة " مع فرض عقوبات صورية، وأما باطن هذه العلاقات فالتواصل واللقاءات بل والصفقات وتلاقي الأجندات، كما ظهر ذلك جليا بعد ذلك في العراق وأفغانستان، وما إن استتب الأمر للخميني حتى دارت رحى الحرب بينه وبين العراق والتي استمرت ثماني سنوات انتهت بهزيمة إيران وتحطيم حلمها في التوسع بالقوة، وبدا للجميع أن بقاء العراق وجيشها القوي سيكون عائقا من تحقيق أهداف التحالف الإيراني الصهيوأمريكي والمتمثلة في تدمير العالم الإسلامي وتفتيت دوله تمهيدا للتقسيم وإقامة إسرائيل الكبرى من جهة وإمبراطورية فارس المتآمرة من جهة أخرى، فما كان من أمريكا والغرب إلا أن تكفلوا بتدمير العراق وجيشه بل وتسليمه لإيران على طبق من ذهب بعد أن تآمرت معهم على غزوه حتى قال محمد علي أبطحي نائب رئيس إيران السابق "لولا إيران ما دخلت أمريكا العراق ولا أفغانستان ".

ولك أن تلاحظ ما يلي:

أولا : في الوقت الذي شنت أمريكا ومن معها الحرب على العراق لغزوه الكويت، والذي تبين بعد ذلك أنه كان طعمًا ابتلعه صدام، تسكت أمريكا ومن معها على الغزو الإيراني للدول وقتل الشعوب وارتكاب الأهوال كما في العراق وسوريا وغيرهما، بل يدعمونها، كما نرى ذلك واضحا في العراق حيث جيء بالميليشيات الشيعية من إيران على دبابات أمريكا ليتسلموا مفاتيح العراق.

ثانيا : حينما بدأت العراق مشروعها النووي تم تدميره مبكرا عام 1981 عن طريق الطائرات الإسرائيلية، وكانت الذريعة بعد ذلك لغزو العراق هي امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل والتي أثبت الواقع كذبها بعد ذلك، في حين تركت إيران تبني المفاعلات، بل تواردت الأخبار عن مشاركة مهندسين إسرائيليين في ذلك، وتطور برنامجها، والغرب لا يفعل إلا الإدانة والعقوبات الصورية مع التهديدات الجوفاء ثم الاجتماعات والتمطيط في الوقت، حتى تمكنت من تحقيق هدفها.

وأخيرا الاتفاق الذي تصبح بموجبه إيران دولة نووية اعترف بها؛ لأن الغرب يعلم يقينا أن سلاح إيران لن يوجه إلا إلى هذه الأمة كما يشهد بذلك الواقع والتاريخ وكما هو دأب الرافضة على مر العصور.

في الوقت الذي يسعى الغرب للتدخل بكل قوة في شئون الدول السنية باسم حقوق الإنسان تارة ومقاومة الاستبداد ونشر الديمقراطية تارة أخرى لا نراه يحرك ساكنا إزاء الجرائم والمجازر التي ترتكبها إيران في حق السنة والتي تعاملهم كمواطنين من الدرجة الثالثة بل أدنى من ذلك، فضلا عن معارضيها في الداخل، بل مكنت أمريكا وإيران من تصفية منظمة خلق المعارضة في العراق.

يحاول الغرب لصق تهم الإرهاب بكل ما هو إسلامي سني حتى لو كانت الأمة تقاومه كالفكر التكفيري، بينما يغض الطرف تماما عن الإرهاب الشيعي الذي تقوده إيران والذي قتل واغتصب الملايين، بل يدعمه كما رأينا في العراق وسوريا.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: لماذا حرص الغرب وإيران على سرية هذا التحالف طيلة السنوات الماضية، بل حينما انكشف المخبوء على أرض العراق بعد الغزو الأمريكي حيث تعانقت إيران وأمريكا فوجئ الناس بالحرب في الجنوب اللبناني 2006 بين حزب الله وإسرائيل والتي صرفت الأنظار عن التحالف الإيراني الصهيوني الغربي !!

والجواب عن هذا التساؤل: أن هذا التحالف الرافضي الصهيوغربي لو كان واضحا من أول يوم لما تمكنت إيران من التمدد والاختراق للتجمعات السنية حتى يتسنى لها نسفها من الداخل، فكان لا بد من إطلاق الشعارات وادعاء العداء للغرب وإسرائيل لخداع الشعوب وتخدير المشاعر، أما الآن وقد اقترب السيناريو من النهاية وبلغت خيانة إيران والروافض لهذه الأمة مبلغًا يستحيل إخفاؤه ولا يدعي عدم رؤيته إلا من أعمى الله بصيرته، فكان لزامًا أن يخرج هذا التحالف من مرحلة التخفي إلى الجهر والإعلان، ولكن شاء الله عز وجل أن تفيق الأمة في هذه اللحظات الفارقة لتقاوم هذا المخطط الإجرامي، وصدق الله عز وجل'' وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ " .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] واشنطن الوكالات 12-2-1979

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة