الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

السلفية ومناهج الإصلاح - 12

مما ذكره شيخ الإسلام في قتال الطائفة الممتنعة ، فتوى عن الروافض الذين يكفرون الصحابة فهل يجب قتالهم ويكفرون بهذا الاعتقاد أم لا ؟

السلفية ومناهج الإصلاح - 12
عبد المنعم الشحات
الاثنين ٢٢ يونيو ٢٠١٥ - ١٠:٥١ ص
2892

السلفية ومناهج الإصلاح

الشريط الثاني عشر

عبد المنعم الشحات

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .

ثم أما بعد ،،،

تكلمنا في المرة السابقة عن أصناف من يقاتلون من المنتسبين إلى الإسلام وذكرنا قتال البغاة وقتال المحاربين وأشرنا إلى قتال الطائفة الممتنعة ، وذكرنا أن بعض أهل العلم يدرج نماذج من قتال حصل في عصر الصحابة رضي الله عنهم ضمن قتال البغاة كقتال مانعي الزكاة وقتال علي رضي الله عنه للخوارج ، وجاء الشيخ الإسلام ابن تيمية في ثنايا كلامه على قتال التتار وبين أن هؤلاء قسم ثالث ، وكما أشرنا من قبل أن هذا موجود في كلام أهل العلم السابقين بينما أنهم لم يفردوا هذا القسم بالتصنيف وإنما كانوا يتكلمون على البغاة في الجملة ثم يقولون ـ وشر البغاة كمانعي الزكاة والخوراج لهم أحكام خاصة عن قتال سائر البغاة ـ فإن البغاة الذين يخرجون على الإمام بخلاف سائغ لا تغنهم أموالهم ولا أسلحتهم وبينما تغنم أموال وأسلحة الخوارج ومانعي الزكاة أو من اصطلح شيخ الإسلام رحمه الله على تسميتهم بالطائفة الممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة .

تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية على الطائفة الممتنعة في عدة فتاوى موجودة في مجموع الفتاوى في الجزء الثامن والعشرين ، منها نحو ثلاث فتاوى عن التتار بعضها مختصر وبعضها مطور ، وفتوى عن الروافض ، بالإضافة أنه أشار إلى ذلك في مواطن متعددة

سنذكر اليوم إن شاء الله تبارك وتعالى بعضاً مما ذكره شيخ الإسلام في قتال الطائفة الممتنعة ، فهناك فتوى عن الروافض في الجزء الثامن والعشرين صفحة 468 ، كان السؤال عن الروافض الذين يكفرون الصحابة فهل يجب قتالهم ويكفرون بهذا الاعتقاد أم لا ؟

نص السؤال يقول : " سئل شيخ الإسلام تقي الدين عمن يزعمون أنهم يؤمنون بالله عز وجل وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر ويعتقدون أن الإمام الحق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو علي ابن أبي طالب وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نص على إمامته وأن الصحابة ظلموه ومنعوه حقه وأنهم كفروا بذلك فهل يجب قتالهم ويكفرون بهذا الاعتقاد أم لا ؟

فأجاب رحمه الله :

الحمد لله رب العالمين ، أجمع علماء المسلمين على أن كل طائفة ممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها حتى يكون الدين كله لله .

إذن هو يبرز هنا هذا المصطلح ، مصطلح الطائفة الممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة ، ويحكي هذا أن الأمة اجمعت على هذا الأمر ، وطبقوه في قتال مانعي الزكاة وقتال الخوارج ، وهو في هذه الفتوى على قتال الروافض وقتال التتار .

قال : فلو قالوا نصلي ولا نزكي أو نصلي الخمس ولا نصلي الجمعة ، فهنا الامتناع عن الأداء ، وإلا فالامتناع عن التصديق والإزعان كفر وردة ، فلو أنهم لا يعترفون بوجوب الصلوات الخمس أو لا يعترفون بوجود الجمعة فيكون هذا ردة ، ولكن لو أقروا بالوجوب وامتنعوا ؟!

الواحد المقدور عليه له حكمه ، فإذا كنا نقول في الصلاة يقتل أو لا يقتل فيكون الواحد المقدور عليه له حكمه ، أما لو أن طائفة ذات شوكة امتنعت فحينئذ يجب القتال .

لأنه كما ذكرنا قبل ذلك بأنه لا تلازم بين وجوب القتال ووجوب القتل ، الكافر يستحق القتل ما لم يعصم دمه بعهد أو أمان أو نحوه ، وبالتالي من باب أولى يقاتل المسلمون الكفار ، فالكفر يتضمن القتل والقتال ، إلا إذا وجد مانع من القتل بوجود عهد أو ذمة والمانع من القتال كذلك  وكذلك وجود مفسدة ، وهناك من يقتل وهو الذي عليه وجوب تستوجب القتل فيقتل فلو أن طائفة ممن يستحقون القتل فروا وصار معهم شوكة يقاتلون من باب أولى ، لأنه أكثر ما ينتج عنه القتال أن يقتل أو يؤسر فإذا أسر سيقتل وينفذ فيه الحد الذي فر منه وإذا قتل قبل أن يؤسر فهذا هو الحد ، فإذن من كان يستحق القتل أو مجموعة يستحقون القتل صار لهم شوكة ومنعة وامتنعوا من أن ينفذ فيهم حق الله بالقتل يقاتلون ، فهناك من يقاتلون لأن لهم شوكة ومنعة حتى وإن كان أحدهم لا يستحقون القتل ولكن طالما أن لهم شوكة ومنعة وامتنعوا من جعل الدين كله لله ، وهذا هو الدليل الذي احتج به شيخ الإسلام بعد الإجماع والتطبيق العملي من الصحابة .

أمر الله عز وجل بالقتال وجعل للقتال غاية وهي أن يكون الدين كله لله ، فإذا امتنع هؤلاء إذن لم يطبق الدين كله ولم ينفذ الدين كله ، فيجب أن يقاتلوا حتى يلتزموا بما لا يريدون أن يلتزموا به ، فلو قالوا نصلي ولا نزكي أو نصلي الخمس ولا نصلي الجمعة ولا الجماعة أو نقوم بمباني الإسلام الخمس فهم يقومون بالفرائض ، فلو قالوا لا نحرم دماء المسلمين وأموالهم أو لا نترك الربا ولا الميسر أو نتبع القرآن ولا نتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نعمل بالأحاديث الصحيحة الثابتة عنه أو نعتبر أن اليهود والنصارى خير من جمهور المسلمين أو أن أهل القبلة كفروا بالله ورسوله ولم يبق منهم مؤمن إلا طائفة قليلة .

فهذه نماذج من الامتناع ، بأن يقولون نؤدي الفرائض ولكن نمتنع عن تحريم المحرمات ، أو يمتنعون عن اعتقاد عقيدة أن جيل الصحابة هو خير القرون بل يعتقدون أنهم كفروا إلا نفر قليل ، أو قالوا لا نجاهد الكفار مع المسلمين ، أو غير ذلك من الأمور المخالفة لشريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وما عليه جماعة المسلمين .

فإنه يجب جهاد هذه الطوائف جميعها كما جاهد المسلمون مانعي الزكاة وجاهوا الخوارج وأصنافهم وجاهدوا الخرمي والقرامطة والباطنية وغيرهم من أصناف أهل الأهواء والبدع الخارجين عن شريعة الإسلام .

نلاحظ هنا أنه أتى بمناذج من أهل البدع ينص هو على تكفيرهم ، لماذا ؟

لأن هذا القتال من باب واحد ، وهو قتال الممتنعين عن أن يكون الدين كله لله ، ولكن الواحد المقدور عليه يختلف كما سيأتي ، فإذن قتال الطائفة الممتنعة فالعبارة الدقيقة أن تقول أنه كقتال المرتدين سبباً وأحكاماً .

السبب الذي يقاتل من أجله المرتدين أن يكون الدين كله لله

السبب الذي يقاتل من أجله المرتدون عن بعض شرائع الإسلام كما يسميه شيخ الإسلام وأيضاً سيأتي في ثنايا الفتاوى الآخر .

فالممتنعون عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة هم مرتدون عن بعض الإسلام ، فإذن هذا القتال نابع من أنه ينبغي أن يقاتل من يمتنع من أن يكون الدين كله لله ، وهؤلاء ليسوا في حرمتهم كحرمة من يخرجون على الإمام بتأويل سائغ ، فالآخرين يكون الغرض هو زجرهم عن الخروج عن الإمام ، فلا تغنم أموالهم ولا يستخدم سلاحهم في حربهم ونحو ذلك ، بينما هؤلاء يقاتلون ويغلظ في قتالهم فتغنم الأموال ويستخدم السلاح في حربهم ويكون الخطر منهم أكبر وبالتالي قد يكون هناك فرصة أكبر للإمام إذا رأى أن يقتل من أسراهم من يكونون خطر في تركهم .

ثم إن الواحد المقدور عليه منهم إذا كان أثناء الحرب فهو أسير ، فهناك في أمر البغاة الذين خرجوا على الإمام بتأويل سائغ لا يجوز قتل الأسرى بينهما هاهنا قد يكون الإمام مخير فيه حسب المصلحة فإذا انقضت الحرب وكان هناك من الأسرى من لم يقتله الإمام ينظر في حال كل واحد هل كان أنه مرتد فيكون حكمه حكم المرتد وإن كان يجب عليه حد يستحق في القتل ، فهنا يختلف أمر الطائفة عن آحادها .

ولكن الطائف اكتسبت حكم القتال بغض النظر عن كون أصحابها يستحق كل منهم القتل أم لا لأنه لا يوجد تلازم لأنهم يمتنعون من أن يكون الدين كله لله ، ولذلك قتال الباطنية وغيرهم من الطوائف المرتدة كقتال الشيعة والخواج وغيرهم من الطوائف التي امتنع شيخ الإسلام ابن تيمية عن تكفير أعيانهم ، فهو يكفر أعيان وآحاد الباطنية من الإسماعيلية وغيرهم من الشيعة الغلاة كما سيأتي الكلام ، يقاتلون قتال المرتدين ، ولا يكفر آحاد الشيعة الإثنى عشرية ولا الخوارج ولكن يقاتلون كالمرتدين ،والدليل واحد في الأمرين لأن الله تعالى يقول في كتابه { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله في طائفة يتحصنون ويمنعون تطبيق شريعة من شرائع الإسلام وجب قتالهم حتى يكون الدين كله لله ، وقال تعالى { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } فلم يأمر بتخلية سبيلهم إلا بعد التوبة من جميع أنواع الكفر وبعد إقام الصلاة وإيتاء الزكاة .

وقال تعالى {  { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله } [البقرة/278] ، الحرب من الله بما يرسل عليهم من أنواع الضنق والشقاء وغير ذلك ، أما الحرب من رسول الله بمعنى أن الله يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن من يمتنع عن تحريم الربا ويصر على التعامل به فإن كانوا جماعة لهم شوكة يحاربون من أجل أن يلتزموا الامتناع عن الربا ، أما الواحد المقدور عليه فيعذر ويهدد لأن الربا لا حد فيه ، يعذر ويؤدب إلى أن يمتنع ، إذن هناك حرب لمن لم يتمنعوا من تحريم الربا ، وكما ذكرنا أن من يقول أن الربا حلال يكون مرتد ، ومن يقول أنه حرام ولن يذر الربا مثل أهل قرية أو مدينة فيأتي الإمام يؤدب من يتعامل منهم بالربا فيستعين بعضهم ببعض ويتعاونون في منع الإمام من تأتيب الذين يتعاملون بالربا فصاروا هنا طائفة ممتنعة عن الامتناع من الربا .

يقول : " فقد أخبر تعالى أن الطائفة الممتنعة إذا لم تنتهي عن الربا فقد حاربت الله ورسوله ، والربا آخر ما حرم الله في القرآن فما حرمه قبله آكد ، وقال تعالى  { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم } [المائدة/33] ذكرنا أن هذا قسم مستقل لا هو من البغاة ولا هو قتال الطائفة الممتنعة وهو قتال قطاع الطرق ، هؤلاء الذين يسعون في الأرض فساداً ،

شيخ الإسلام هنا يقول أن الآية أعم مما بوب عليه الفقهاء بأن هذا باب قطاع الطريق الذين يسعون في الأرض فساداً لأن الآية تكلمت قبل على الذين يحاربون الله ورسوله ، وآيات تحريم الربا بينت أن من حرب الله ورسوله عدم الامتناع وعدم ترك ما بقي من الربا ، فإذن لو ضم قتال الطائفة الممتنعة مع قتال المحاربين وقطاع الطرق لكان أولى ، وبعض الفقهاء يجعل كل هؤلاء قسم واحد ويسميهم البغاة ويكون هذا هو عنوان الباب لأن الذي شغل الفقهاء جداً وكان كثيراً في زمانهم قتال البغاة ، وكان هناك حركات الخروج على أئمة الجور ونحو ذلك ، فكان هذا يأخذ قدر كبير من الاهتمام فكان ربما كثير من الفقهاء يرتب عنوان الباب ـ قتال البغاة ـ ثم يفرع ويقول وأما من شهر السلاح لنهب الأموال وهتك الأعراض فحكمه ما ذكر في قوله تعالى { إنما جزاء الذين يحاربون الله } وأما شر أهل البغي ممن ليس لهم تأويل سائغ كالخوارج ومانعي الزكاة فيمكن أن تغنم أموالهم ويحاربون بسلاحهم ويجهز على جريحهم ، إذن يكون في النهاية ذكر ثلاثة أقسام ولا مشاح في الاصطلاح .

هنا شيخ الإسلام يرى أن هذه الآية بغض النظر عن ثبوت حكم قطاع الطريق أو من اصطلح عليهم بالمحاربين فالآية أعم من ذلك يدخل فيها هؤلاء من كانوا كالخوارج أو غيرهم ممن يمتنعون عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة .

يقول : " فكل من امتنع من أهل الشوكة عن الدخول في طاعة الله ورسوله فقد حارب الله ورسوله ، ومن عمل في الأرض بغير كتاب الله وسنة رسوله فقد سعى في الأرض فساداً ولهذا تأول السلف هذه الآية على الكفار وعلى أهل القبلة وهي أعم بكثير ويشمل كل هؤلاء الذين يستحقون القتال ، حتى تأول السلف هذه الآية على الكفار وأهل القبلة حتى أدخل عامة الأئمة فيها قطاع الطريق الذين يشهرون السلاح لمجرد أخذ الأموال وجعلوهم بأخذ أموال الناس بالقتال محاربين لله ورسوله ساعين في الأرض فساداً وإن كانوا يعتقدون تحريم ما فعلوه ويقرون بالإيمان بالله ورسوله .

وكأن شيخ الإسلام يرى أن دخول الطائفة الممتنعة تحت هذه الآية أولى من دخول قطاع الطرق ، فإذا كان الفقهاء استدلوا بها على قطاع الطرق فيكون من باب أولى يدخل معهم الطائفة الممتنعة .

يقول : " فالذي يعتقد حل دماء المسلمين وأموالهم ويستحل قتالهم "  كالخوارج والروافض ، فالسؤال هنا على الروافض ، يقول الخوراج والروافض يعتقدون حل أموال المسلمين لأنهم يكفرونهم ، فإذا كان نطبق هذه الآية على قطاع الطريق الذين يقطعون الطريق وهم يعلمون أن هذه معصية فتطبيقها على من يستحلها وإن كان بتأويل من باب أولى ، هذا التأويل قد يمنع من التكفير كما سيأتي ولكن يجعلهم من شر أهل البدع ، لأنهم ما وقعوا في هذا التأويل إلا بكبرهم وغرورهم وسوء نيتهم إلى غير ذلك من الأسباب التي يقعون في مخالفة الأدلة المتواترة فيستحلون أموال المسلمين ودمائهم ، وحتى لو كان فيهم معذور ولو قدرنا عليه وحده علمناه وأما طالما كانوا طائفة فلا يمكن إزالة شرهم إلا بقتالهم ثم يكون المقدور عليه منهم يعامل كل بحسبه ، فإذن توصف الطافة بأنها تفعل عمل من شر الأعمال ومن أعظم المحاربة لله ولرسوله تستحق القتال ، فإن كان فيهم من هو جاهلاً معذوراً بجهله أو من هو مكرهاً كما سيأتي فكل يعامل بحسبه متى قدرنا عليه وحده ، وأما والأمر وأنهم طائفة فيعاملون على أنهم طائفة .

هنا يقول في باب أن الدخول الطائفة الممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة في آية الحرابة أولى من دخول قطاع الطرق لأن قطاع الطرق يقطعون الطريق وينهبون الأموال ويسفكون الدماء وهم يعلمون حرمة ذلك ، فالذي يعتقد حل دماء المسلمين وأموالهم ويستحل قتالهم أولى من أن يكون محارباً لله ورسوله ساعياً في الأرض فساداً من هؤلاء .

ثم يذكر قتال أبي بكر للمرتدين ومانعي الزكاة ويذكر قتال علي رضي الله عنه للخوارج 

بعد أن ذكر شأن الروافض بطوائفهم الثلاث : المفضلة ، الإمامية ، والغلاة الإسماعيلية ، وذكر ان الغلاة مرتدين إجماعاً ، ثم قال : " وكل هؤلاء ـ الغلاة ـ كفار يجب قتالهم بإجماع المسلمين وقتل الواحد المقدور عليه منهم " لأنهم كفار فيقاتلون كطائفة والواحد المقدور عليه منهم يقتل .

قال : " وأما الواحد المقدور عليه من الخوارج والرافضة "

الفتوى من أولها تنظر لوجوب قتال الخوارج الغلاة والرافضة ، ولكن هاهنا استطرد في ذكر الغلاة وبين أن الغلاة الكفار يقاتلون والواحد المقدور عليه منهم يقتل وهذا هو موضع الفارق بينهم وبين الخوارج والروافض .

قال : " وأما الواحد المقدور عليه من الخوارج والرافضة فقد روي عنهما ـ عمر وعلي ـ قتلهما أيضاً ، والفقهاء وإن تنازعوا في قتل الواحد المقدور عليه من هؤلاء " إذن هناك نزاع في قتل الواحد المقدور عليه من الخوارج والرافضة لن يتنازعوا في وجوب قتالهم إذا كانوا ممتنعين فإن القتال أوسع من القتل كما يقاتل الصائلون العداة والمعتدون البغاة وإن كان أحدهم إذا قدر عليه لم يعاقب إلا بما أمر الله ورسوله به .

في الواقع أن هذه الفتوى طويلة فيها استطراد في حال الروافض وعقائدهم وبيان خبثها ولكن هذا القدر الذي اردنا أن نجتزأه منها لبيان كيف نظر شيخ الإسلام ابن تيمية لبيان الطائفة الممتنعة والأدلة التي استدل بها وكيف بين أن الرافضة من أول من يدخل في هذه الطائفة الممتنعة ، ربما في باقي الفتوى يبين أن الروافض هم من الخوارج بل هم أفحش أنواع الخوارج ، الخوارج يكفرون العصاة والرافضة يكفرون خيار الأمة من الصحابة ، فإذن الروافض أخطر من الخوارج وهم بهذا المعنى خوارج بل أشد ، من خرج على إجماع خير الناس بل خرجوا عليهم بالسيف وخرجوا عليهم بالأذى عندما كفروهم ونحو هذا .

ثم قال في نهاية هذه الفتوى بعد أن بين أقوال الروافض : ( وأما تكفيرهم وتخليدهم ففيه أيضاً للعلماء قولان مشهوران " وكأن القول بقتل الواحد منهم فرع على القول بتكفيرهم ، وحكى في القول قتل الواحد المقدور علهي منهم قولان ، وحكى في التكفير قولان ، فكأن من رأى أنهم كفار بأعيانهم ألحقه بالشيعة الباطنية وهذه فتوى منتشرة الآن عند كثير من علماء الدعوة الوهابية والبعض يغلو فيحكيها إجماعاً ، نحن لا ننكر أن بعض السلف كر الشيعة الإمامية الإثنى عشرية ، ولكن هذا ليس إجماع وكلام ابن تيمية واضح ، فمن وضح قول ينبغي أن يبين الدليل ولا يغلوا فيصور هذا القول على أنه إجماع . غير مسألة الإجماع وعدمه أيضاً لا ينسب إلى إمام قول لم يقله ، فالبعض إذا عدها إجماع تسأله عن مستند الإجماع يقول كلام ابن تيمية ، فابن تيمية حكى الخلاف فضلاً عن أن ابن تيمية يرجع عدم التكفير ، الذي ينسب دعوى الإجماع لابن تيمية وقع في أكثر من خلل والسبب أنه إما أن يأتي لمواطن يتكلم فيها ابن تيمية على الشيعة الغلاة على اعتبار أن كل أهل البدع غلاة ولكن هناك اصطلاحات لابد من مراعاتها ، فهو يقول الشيعة بطوائفها الثلات : المفضلة والغلاة والرافضة ، إذن هو فرق ، والأمر الآخر أن يتكلم ابن تيمية على القتال فيظنون أن هذا يلزم منه التكفير رغم أن ابن تيمية بين أن هناك فرق بين القتال وبين التكفير . الأمر الآخر أن يتكلم ابن تيمية على عقائد الروافض ويصفها على أنها عقائد كفرية فيرون أنه يلزم من هذا أنه يكفر الروافض وهذا كله غير صحيح .

نقرأ هذه الفقرة يتبين حقيقة مذهب ابن تيمية

نسب إلى السلف الخلاف في تكفير الروافض والخوارج .

قال : " وأما تكفيرهم وتخليدهم ففيه أيضاً لعلماء قولان مشهوران ، وهما روايتان عن أحمد "

فحتى القول في أن الإمام أحمد يكفر الروافض قول يحتاج إلى تحقيق لأن شيخ الإسلام ابن تيمية يقول أن للإمام أحمد روايتان .

قال : " والقولان في الخوارج والمارقين من الحرورية والرافضة ونحوهم " إذن الكلام هنا واضح جدا ًعمن يتكلم شيخ الإسلام ابن تيمية ، تكلم عن الخوارج والروافض وأنه حكي الخلاف عن السلف في تكفيرهم .

يقول : " والصحيح أن هذه الأقوال التي يقولونها التي يعلم أنها مخالفة لما جاء به الرسول كفر وكذلك أفعالهم التي هي من جنس أفعال الكفار بالمسلمين هي كفر أيضاً ، وقد ذكرت دلائل ذلك في غير هذا الموضع ، لكن تكفير الواحد المعين منهم والحكم بتخليده في النار موقوف على ثبوت شروط التكفير وانتفاء موانعه ، فإنا نطلق القول من نصوص الوعد والوعيد والتكفير والتفصيل ولا نحكم بالمعين بدخوله في ذلك العام حتى يكقوم فيه المقتضي الذي لا معارض له وقد بسطت هذه القاعدة في قاعدة التكفير "

طبعاً ذكرنا في دروس الإيمان والكفر أن كلام ابن تيمية في العذربالجهل مضطرد لا يكاد يتعرض لبدعة كفرية إلا وينص على هذا الكلام بهذه العبارات الواضحة "

إذن هو يرى ان دين الخوارج والروافض كفر وكذا المعتزلة ولكن هذه الأقوال فيها من الشبهات التي لا يمكن أن تجزم بأنه من قال هذا القول كافر ، ومن يقولون بهذه الأقوال لديهم أدلة ، هذه الشبهات قد تكون في حق البعض عذر تام إذا لم يحسن في حياته غير هذا ، وقد تكون في حق البعض مانع من التكفير وليس مانعاً من استحقاقه بالعقاب لأنه كان أمامه أهل السنة وذهب إلى أهل البدعة وتعلم منهم أو غير ذلك ولكن في الجملة صار الانتماء للخوراج أو إلى الرافضة لا يساوي الكفر ، طالما أنه لا يساوي الكفر فيكون كل من انتمى إليهم ممن لا تعرف حقيقته باقي على الإسلام وينطق الشهادتين وينتسب إلى الإسلام ويتلبس ببدعة لو إقيمت عليه الحجة فيها لكفر ، فعندما نقول أن رجل ينتمي إلى الإسماعيلية الذين يعقتدون أن صفات الإله تحل في بشر كافر بمجرد أن تعرف انتماؤه لهذه الطائفة ، لأن هذا من بديهيات الإنتماء لهذه الطائفة ، وهذا من معنى الإجالي لـ لا إله إلا الله ، فهذا لم يقل لا إله إلا الله أو قالها وهو ينقض معناها أيضاً فيكون كافر مرتد من ساعته ، فتقول كل من انتمى إلى الإسماعلية أو القديانية فهو كافر بعينه ، أما أقوال الروافض والخوارج فهي كفر لمن تأمل ولكن لأن عامتهم جهال فلا يكفرون ، إذن سيكون الأصل فيهم الإسلام حتى تقدر على واحد منهم فتقيم عليه الحجة ، ودائماً ما يستدل شيخ الإسلام ابن تيمية على هذا الأمر بحديث الرجل الذي ذرى نفسه فيقول هنا ولهذا لم حكم النبي صلى الله عليه وسلم بكفر الذي قال إذا انا مت فأحرقوني ثم ذروني في اليم والله لإن قدر الله علي ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين مع شكه في قدرة الله ولهذا لا يكفر العلماء من استحل شيئاً من المحرمات لقرب عهده بالإسلام أو لنشأته ببادية بعيدة ، فإن حكم الكفر لا يكون إلا بعد بلوغ الرسالة وكثير من هؤلاء قد لا يكون بلغه النصوص المخالفة لما يراه ولا يعلم أن الرسول بعث بذلك فيطلق أن هذا القول كفر فيكفر من قامت عليه الحجة ، فيطلق أن القول كفر ولكن يكفر من قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها دون غيره والله أعلم .

 هذه فتوى في قتال الروافض أصل فيها بقتال الطائفة الممتنعة .

في الواقع نفس الكلام تقريباً قاله في فتاوى التتار على اختلافها ، فنذكر بعض جوانب منها :

فهناك فتوى للتار صـ 501 وهي مختصرة نسبياً وليس فيها زيادة على ما ذكرناه في فتوى الروافض ، وهناك فتوى صــ 509 مطولة نسبياً وفيها كثير من الفوائد ، ولكنها أيضاً في جملتها لا تخرج عما ذكرناه ، ولكن نذكر هنا نصه على أن قتال الطائفة الممتنعة نوع ثالث ، وهذا مذكور في فتوى التتار الثانية في صــ 518 يقول : " فإن الأمة متفقون على ذم الخوارج وتضليلهم بينما تنازعوا في تكفيرهم على قولين مشهورين بمذهب مالك وأحمد وفي مذهب الشافعي أيضاً بكفرهم ، ولهذا كان  فيهم وجهان في مذهب أحمد وغيره على الطريقة الأولى : أحدهما أنهم بغاة والثاني أنهم كفار كالمرتدين يجوز قتلهم ابتداءاً قبل إرسال من يعظهم وقتل أسيرهم واتباع مدبرهم ومن قدر عليه منه استتيب كالمرتد فإن تاب وإلا قتل ، كما أن مذهبه في مانعي الزكاة إذا قاتلوا الإمام عليها هل يكفرون مع الإقرار بوجوبها ، وإلا لو كانوا لا يقرون بوجوبها فيكون قتال مرتدين إجماعاً ، على روايتين ، وهذا كله مما يبين أن قتال الصديق لمانعي الزكاة وقتال علي للخوارج ليس مثل القتال مثل يوم الجمل وصفين ، فقتال مانعي الزكاة ليس كالقتال الذي كان بين علي ومعاوية رضي الله عنهما ، فكلام علي وغيره في الخوارج يقتضي أنهم ليسوا كفاراً كالمرتدين عن أصل الإسلام لأن علي رضي الله عنه قال : " من الكفر فروا " ولكنه في ذات الوقت لم يعاملهم كما عامل البغاة .

فتكفير الخوارج فيها روايتين عن أحمد ولكن هنا أي الروايتين منصوص عليها عن أحمد نفسه ؟ عدم التكفير .

فيقول : " وهذا هو المنصوص عن الأئمة كأحمد وغيره ، وليسوا مع ذلك حكمهم حكم أهل الجمل وصفين بل هم نوع ثالث وهذا أصح الأقوال الثلاثة فيهم .

فقتال الطائفة الممتنعة وسط بين قتال البغاة وقتال المرتدين .

وفي الواقع أن أحكام القتال كأحكام قتال المرتدين ولكن الواحد المقدور عليه منهم في قتال المرتدين يقتل وفي قتال الطائفة الممتنعة يعامل بحسبه .

قال في الفتوى الثانية في الكلام عن التتار :" الجواب يحتاج إلى معرفة حكم الله في حال هؤلاء وحكم الله في أمثالهم " فذكر حكم الله في قتال الطائفة الممتنعة بهذه الأدلة ثم أراد أن يبين أن التتار هم طائفة ممتنعة عن كثير من شرائع الإسلام .

فهو الآن بين من الأدلة من الكتاب والسنة إيذان الممتنع عن تارك الربا بالقتال والقتال حتى يكون الدين كله لله ، وقتال أبو بكر رضي الله عنه ومنهم من منعها بتأويل ولم يرتد عن الدين كله بل منعها بتأويل من جنس تأويلات الخوارج وغيرهم ، وقتال علي رضي الله عنه بالخوارج ، فأصل هاهنا لقتال الطائفة الممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة ، وكما ذكرنا بين أنه ما لم يكن الأمر ردة صريحة لا تحتاج إلى إقامة حجة وليست فيها شبهة فيكون الواحد المقدور عليه يعامل بحسبه ، فخلاف الردة الصريحة فالواحد المقدور عليه يقتل .

فهنا يبين كيف أن التتار ينطبق عليهم التوصيف والتكييف الشرعي من أن طائفة ممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة .

يقول في آخر صـ 519 : " وأما الأصل الآخر وهو معرفة أحوالهم فقد علم أن هؤلاء القوم جازوا على الشر في المرة الأولى عام 99 وأعطوا الناس الأمان وقرأوه على المنبر بدمشق ومع هذا فقد سبوا من ذراري المسلمين ما يقال أنهم مائة ألف أو يزيد استحلال سبي المسلمين وفعلوا ببيت المقدس وبجبل الصالحة ونابلس وحمص ودارية وغير ذلك من القتل والسبي ما لا يعلمه إلا الله حتى أنهم سبوا من المسلمين قريباً من مائتي ألف وجعلوا يفجرون بخيار نساء المسلمين بالمساجد وغيرها كالمسجد الأقصى وغيره  "

يقول : " وقد شاهدنا عسكر القوم فرأينا جمهورهم لا يصلون ولم نرى في معسكرهم مؤذناً ولا إماماً وقد أخذو من أموال المسلمين وذراريهم وخرجوا من ديارهم ما لا يعلمه إلا الله ، ولم يكن معهم في دولتهم إلا من كان من شر الخلق إما ذنديق منافق لا يعتقد دين الإسلام في الباطن ـ كحال العلمانيين في زماننا ـ وإما من شر أهل البدع كالرافضة " هو لا يكفر الرافضة كما بين وهؤلاء جزء من هذه الطائفة سيقاتلهم والواحد المقدور عليه منهم فهناك من هو كافر أصلي وهناك من هو مرتد فيكون معهم من هو من شر أهل البدع كالرافضة والجهمية والاتحادية ، " وإما من أفجر الناس وأفسقهم وهم في بلادهم مع تمكنهم لا يحجون البيت العتيق وإن كان فيهم من يصلي ويصوم فليس الغالب عليهم إقام الصلاة ولا إيتاء الزكاة ، وهم يقاتلون على ملك جنكيز خان ، إذن من أبرز صفاتهم أنهم يقاتلون على الملك والعصبية ، فمن دخل في طاعتهم جعلوه ولياً لهم وإن كان كافراً ومن خرج من ذلك جعلوه عدواً لهم وإن كان من خيار المسلمين ، ولا يقاتلون على الإسلام ولا يضعون الجزية والصغار "

إذن إذا كانت الطائفة لها شوكة تجعل همها إعلاء ملك قوم ما فهذا يجعل هذا التوصيف في حد ذاته يجعلهم طائفة ممتنعة ، لأنهم امتنعوا عن تطبيق حكم الله بألا يرفع السيف إلا لإعلاء دين الله وليس لإعلاء ملك بني فلان أو ملك فلان أو أرض كذا .. إلى غير ذلك .

ويذكر جملة من الأمور من الاعتقادات والأفعال التي تدل أن عندهم من الكفر وعندهم من البدع وعندهم من الامتناع عن شرائع الإسلام الظاهرة على النحو الذي بيناه .

أيضاً الذي نريد أن نستقطعه من الفتوى للتتار الثالثة في صفحة 544 السؤال عن أجناد يمتنعون عن قتال التتار ويقولون أن فيهم من يخرج معهم مكرهاً وإذا هرب أحدهم هل يتبع أم لا ؟

في الواقع أن الفتوى التي مضت لم نتناول منها الجزء الذي يوازن فيه شيخ الإسلام ابن تيمية بين التتار وبين المماليك وأنهم مع ما فيهم من الظلم هم يقاتلون لإعلاء دين الله تبارك وتعالى ، وهذا هو خلاصة الأمر لأن البعض أحيناً يطرد فتوى التتار بطريقة عجيبة فيقول أن شيخ الإسلام قال أن التتار والمماليك فوجب أن المماليك أقرب من الإسلام من التتار فأوجب القتال مع المماليك فإذن أي طائفتين يتقاتلان ننظر إيهما أقرب إلى الحق فنقاتل معها ومع هذا فيه إغفال عن النهي عن قتال الفتنة والعصبية وأن هذا من الهرج الذي يؤمر الإنسان فيه أن يغمد سيفه وأن يكون عبد الله المقتول ولا يكون عبد الله القاتل ، وإنما القضية أن التتار هم من الأمراء الظلمة ولكنهم لهم إمارة شرعية لأنه تولوا باسم الإسلام ولأنهم كانوا يقاتلون لصد التتار الذين يمتنعون من تطبيق شرائع الإسلام والذين يعتدون على أعراض المسلمين في الشام ، الممالك كان مقرهم الرئيسي مصر وخرجوا يقاتلون التتار في الشام فكان القتال من أجل رد ضرر التتار عن أعراض وأموال المسلمين في الشام فإذن كان البعض يتزرع بما عند المماليك من معاصي أو من ظلم في بعض الامور فبين شيخ الإسلام أن المماليك يقاتلون لتكون كلمة الله هي العليا والجهاد ماض مع كل بر وفاجر . إذن هذه القضية تختلف عن إذا وجد طافتان ممتنعتان فهذه تمتنع عن تطبيق لإسلام وهذه تمتنع عن تطبيق لإسلام ويتقتلان فلا نعين هذه على تلك ، وإن كان الإمام مالك يقول : " لا يعان الإمام الظالم على الخارجين عليه " ولكن هناك فرق فالإمام ظالم وهم خارجين عليه وليسوا خارجين على شريعة الإسلام ، قال  : " دعهم ينتقم الله من ظالم بظالم " فإذن فتوى الإمام مالك في أنه إذا وجد عليه إمام ظالم وخرج عليه بغاة لا تعاونهم ، عقوبه نزلت عليه من الله بظلمه ، ولكن إن كانت هذه الطائفة لا تخرج على الإمام وإنما تريد أن تمتنع من المحرمات ، فلو أن هذا الإمام الظالم يمنع الناس من الزنا وشرب الخمر فجاء هؤلاء في قريتهم أو مدينتهم يمنعونه من هذا المنع فلما ذهب يمنعهم قاتلوه صار هنا قتال طائفة ممتنعو فيعان هذا الإمام حينئذ لأن هذا من الجهاد الواجب { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } فهو من القتال الذي يمضي مع كل بر وفاجر ، إذن قتال مع إمام ظالم لاسيما إن كان صار يرفع راية الجهاد ، يقل الظلم تلقائياً أو يكون مغمور في أنه الآن خرج لا لملكه هو وإلا لو كان يطلب الملك لما نازع هؤلاء في فجورهم أو امتناعهم من شرائع الإسلام أو سبهم لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذن إذا كان هناك إمام عنده ظلم أو جور ويخرج لقتال الطائفة الممتنعة فهذا يقال معه أن الجهاد ماض مع كل بر وفاجر ، لأن هنا الجهاد واجب شرعاً ، أما إن كان الإمام ظالم يخرج عليه طائفة وهم يخرجون عليه بتأويل سائغ ولا دفاع عن بدعة ولا دفاع عن معصية ولا امتناع عن تطبيق شرع فقال الإمام مالك " دعهم " لم يفتهم بالخروج ولكن لم يفتي الآخرين بأن يساعدوا هذا الإمام .

هنا فرق كبير بين الأحوال ، فإذا كان عندنا إمام عدل خرج عليه مجموعة بتأويل سائغ يجب معاونة الإمام العدل في محاربة أهل البغي مع أن يعتبر لأهل البغي حرمعهم على الوجه الذي ذكرناه كما قاتل علي رضي الله عنه معاوية رضي الله عنه ومن معه ، إذا كان هناك إمام جائر خرج عليه بغاة بغو عليه مع أنهم لم يكن يشرع لهم أن يخرجوا ولكن لا تقاتل في صفه فإذا كانوا هم مقصرين بالخروج فهو مقصر بالظم بل ينصح الطرفان بأن يترك هو ظلمه ويتركون هم خروجهم .

إذا كان الإمام ظالم أو عدل فيلكن إمام للمسلمين بأن يدعي أنه إمام للمسلمين أما أن يكون متغلب أو متسلط دون أن يدعي ذلك فهذا يعامل بقواعد المصالح والمفسدة ولا إشكال في هذا ، ولكن وصف الإمامة يثبت عندما يدعيه ابتداءاً ثم ننظر في الشروط بعد ذلك .

إذا وجد إمام للمسلمين جائر وأمامه طائفة ممتنعة إذن هو يريد  مع جورة في خاصة نفسه في جانب من الجوانب فأراد أن حمل هؤلاء على الحق في جانب آخر فامتنعوا فيقاتل معه لحملهم على الحق ، كما أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية أن يقاتل مع المماليك أمام التتار مع أن فيهم ظلم قاصر على أنفسهم أو تعدوا على بعض الأموال العامة ليجعلوها لأنفسهم فهذا لا ينبغي أن يترك ، وبعد أن أخذوا من هذه الأموال أو غيرها وخرجوا بأنفسهم يقاتلون التتار الذين يعتدون على أموال المسلمين وأعراضهم ويريدون أن ينصروا ملك جنكيزخان فيأتي جنكيز خان ومعه اليهود والنصارى والروافض وكل هؤلاء يتمتكنون ، بينما إذا تمكن الممالك ربما اعتدوا على بعض الأموال العامة مع بقاء الراية العامة للإسلام وللسنة .

وبالفعل عبارة شيخ الإسلام ابن تيمية في نهاية الفتوى المفصلة للتتار أنه قال أن هؤلاء الخارجين عن شرائع الإسلام يقاتلون مع كل من هو أولى بالحق منهم ولكن لا يقاتلون مع من هو مثلهم ، لا تقاتل في صف طائفة ممتنعة عن تطبيق شريعة الإسلام أمام طائفة أخرى ممتنعة .

 

وإنما كان هنا الإمام وإن كان فيه نوع ظلم إذا قام يقاتل من امتنع عن تطبيق الشرع أعين على هذا لأن هذا هو الجهاد الواجب الذي هو ماض مع كل بر وفاجر .

هذا ما استقطعناه من الفتوى " فتوى التتار الثانية " وما استفدناه منها .

في الواقع فتوى التتار الثالثة صـ 544 والسؤال عن أجناد يمتنعون عن قتال التتار . فهم أجناد من جنود المماليك تورعوا عن قتال التتار ويقولون أن فيهم من يخرج مكرهاً معهم ، ومن حيثية أخرى إذا هرب أحدهم هل يتبع أم لا ؟

في الواقع الفتوتان السابقتان كان السؤال فيهم على أصل القتال ، التتار يتكلمون بالإسلام ، والتتار في زمن شيخ الإسلام ابن تيمية كانوا قد دخلو في الإسلام اسماً ومنهم من بقي يعتقد عقائد كفرية ونمهم من صار من المسلمين العصاة او من شرهم ومنهم من صار رافضياً كما ذكر ، بخلاف التتار في أول أمرهم ، فالتتار في زمن شيخ الإسلام ابن تيمية كانوا قد تكلموا في الإسلام وأظهروا الإسلام مع بقاء الغاية من قتالهم وهو ملك جنكيز خان .

ولذا ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية اصالة لماذا اعتبر هؤلاء طائفة ممتنعة ، ثم ذكر جزء من العقائد الكفرية الموجود عند كثير من التتار رغم انتسابهم للإسلام أو عدم انتسابهم من تسويتهم لجنكيز خان وبين محمد صلى الله عليه وسلم إلى غير هذا مما هو موجود بالفتوى .

فكأن الأسئلة الأخرى كانت تسأل التتار منتسبون الإسلام أو فيهم المنتسب للإسلام فهل يجوز قتالهم ؟

أيضاً كان هناك اشارة بأن الممالك كان فيهم نوع ظلم ، فأجاب هو عن هذه الإشكالات .

فالتتار حتى وإن لم يكونوا كفاراً كلهم فتوصيفهم حيث أنهم يقاتلون على ملك وعلى جاه ويتمنعون لا يطبقون فيمن هو تحت أمرتهم لا يحملونهم على أداء الفرائض ولا يمنعونهم من ارتكاب المحرمات ، بل ولا يتورع قادتهم عن أمر الجند بسبي المسلمين وهتك أعراضهم ، فهذا كل بل النذر القليل منه يجعلهم طائفة ممتنعة بغض النظر عن حكم أحدهم وهذه هي القضية المحورية في الكلام  ، وأن الممالك خرجوا تحت راية قتال هؤلاء الممتنعين عن تطبيق الإسلام لحملهم عليه فصار معهم جهاد شرعياً لا يعطله وجود ظلم منهم في جانب آخر من الجوانب .

السؤال هنا أنه بغض النظر عن أنواع المنتمين للتار ممن هم من الكفار الأصليين وممن هم من الباطنية أو من أهل البدع والروافض أو غير ذلك فيوجد فيهم مكرهون .

والشق الثاني من السؤال عن اتباع المدبر .

وكما ذكرنا أن هذا مما يختلف فيه الحكم ، فبالإجماع لا يتبع مدبر البغاة وفر من المعركة إذا انسحب من خروجه على الإمام فانتهت الغاية من القتال فلا يقتل ، بينهم بالنسبة للطائفة الممتنعة يكون فيها خلاف ، فهناك من يسوي بينهم وبين البغاة والراجح جواز اتباع مدبرهم كما كانت سنة أبي بكر رضي الله عنه في قتال مانعي الزكاة ، وكما ذكرنا مانعي الزكاة نستثنيهم من جملة حروب الردة ما لم يرتدوا عن كل الدين ، فإذا ارتدوا عن الزكاة فقط وكان لهم تأويل يعذر مثلهم بمثله لقرب عهدهم بالإسلام ودخول الشبهة عليهم وأن الله تبارك وتعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : { خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم } قالوا لا حاجة لنا إلى صلاة أبي بكر ، وكأنهم ظنوا أن الزكاة كان الغرض والوحيد منها أن يدعوا لهم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا لا حاجة لنا بصلاة أبي بكر ، وهذا تأويل يعذر مثلهم بمثله ، وإن كان لا يعذر الناس بعد ذلك بعد استفاضة الإجماع على وجوب الزكاة .

إذن السؤال هنا في مسألة المكرهين من اللذين خرجوا من التتار ، هذه حيثية لم يتعرض لها في الفترتين السابقتين .

قدم شيخ الإسلام نفس الكلام الذي ذكره في الفتاوى السابقة من ما هي الأدلة التي يستند عليها في قتال الطائفة الممتنعة من الأدلة من القرآن

ثم يقول وقد اتفق السلف والأئمة على قتال هؤلاء وأول من قاتلهم أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه ، وما زال المسلمون يقاتلون في صدر خلافة بني أمية وبني العباس مع الأمراء وإن كانوا ظلمة ، وكان الحجاج ونوابه ممن يقاتلونهم فكل أئمة المسلمون يأمرون بقتالهم ، والتتار وأشباههم أعظم خروجاً من مانعي الزكاة والخوارج من أهل الطائف الذين امتنعوا عن ترك الربا فمن شك في قتالهم فهو أجهل الناس بدين الإسلام وحيث وجد قتالهم قوتلوا وإن كان فيهم المكره باتفاق المسلمين .

فإذن عندما نتكلم على طائفة استحقت القتال لا ينظر إلى الآحاد إلا بعد أن يقدر عليه .

يقول : " كما قال العباس لما أسر يوم بدر يا رسول الله إني خرجت مكرهاً فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أما ظاهرك فكان عليك وأما سريرتك فإلى الله ) وقد اتفق العلماء على أن جيش الكفار إذا تترسوا بمن عندهم من أسر المسلمين وخيف على المسلمين الضرر إذا لم يقاتلوا فإنهم يقاتلون وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين تترسوا بهم وإن يخف على المسلمين ففي جواز القتال المفضي إلى قتل هؤلاء المسلمين قولان مشهوران للعلماء ، وهؤلاء المسلمين إذا قتلوا كانوا شهداء ولا يترك الجهاد الواجب لأجل من يقتل شهيداً ، فإن المسلمين إذا قاتلوا الكفار فمن قتل من المسلمين يكون شهيداً ومن قتل وهو في البتر لا يستحق القتل لأجل مصلحة الإسلام كان شهيداً ، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :  يغزوا هذا البيت جيش من الناس فبينما هم ببيداء من الأرض إذ خسف بهم ، فقيل يا رسول الله : وفيهم المكره ، قال يبعثون على نياتهم ، فإن كان العذاب الذي ينزله الله بالجيش الذي يغزوا المسلمين المكره وغير المكره فكيف بالعذاب الذي يعذبهم الله به أو بأيدي المؤمنين كما قال تعالى    { قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون } [التوبة/52] ونحن لا نعلم المكره ولا نقدر على التمييز فإذا قتلناهم بأمر الله كنا في ذلك مأجورين ومعذورين وكانوا هم على نياتهم ، فمن كان مكرهاً لا يستطيع الامتناع فإنه يحشر على نيته يوم القيامة ، فإذا قتل لأجل قيام الدين لم يكن ذلك أعظم من قتل من يقتل من عسكر المسلمين .

في الواقع هذا الكلام من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في غاية المتانة .

قضية الجيش الذي يغزوا الكعبة فهذا أمر قدري إلهي ويجب أن ينتبه هنا إلى أنه لا يقاس فعل العبد على فعل الرب .

بمعنى أن الله تعالى يبتلي من يشاء بالأمراض ويقبض روح من يشاء ، ويأتي إنسان يعيث في الأرض فساداً ويقول الله يقبض أرواح من يشاء ؟!!  هذا لا يصح ، فلا يقاس فعل العبد على فعل الرب ، ولكن قد يقاس قياس الأولى بمعنى أن الله تبارك وتعالى قدر إنزال عقوبة عامة ، فهذا الجيش يحتاج إلى قتال ولكن لم يوجد لدى المسلمين قوة على قتالهم ـ هذا الجيش الذي يغزو الكعبة ـ وأنزل الله عز وجل به عقوبة عامة مع قدرته على أن ينزل العقوبة على من يستحق فقط ويترك المكره ، فإذا قدر في المسلمين قدرة على قتال مثل ذلك الجيش كان في أنهم يجوز أن يقاتلوا الجيش ككل وإن كان فيهم المكره كان هذا من باب أولى ، فإذن يجوز القياس هنا من هذه الحيثية .

وكذلك تكلم المسلمون في مسألة الترس، فإذا كان الكفار لديهم أسرى من المسلمين فوضعوهم ترس ودرع بشري كما يقولوه  بالمصطلح المعاصر ، بحيث لو أرد المسلمون أن يقاتلوا الكفار لابد أن يقتلوا المسلمين الذين في الصفوف الأمامية أولاً .

من فقه العلماء أنهم قالوا : ننظر في حالة الكفار المتترسين بأسرى المسلمين ، لو كانوا إذا تركوا نتركهم خوفاً على أسرى المسلمين الذي عندهم ، ولو كانوا إذا تركوا تقدموا وأخذوا الأرض وأخذوا مزيد من الأسرى فيقاتلون ويتقى الأسرى ما أمكن فإن قتل منهم من قتل بعث على نيته . هنا يكون موضع الاحتجاج بحديث ( يبعثون على نياتهم  ) وأما إن كانوا متحصنين بحصن أي في موقف دفاعي قال الإمام مالك : فترك حصن يقدر على فتحه أولى من قتل مسلم ولو تحصنوا به سنين 

إذن لو أن الكفار في موقف دفاعي ووضعوا المسلمين في الحصن يظل الحصار إلى أن يضطروا للإستسلام ولا يقدمون على فعل قد ينتج عنه قتل مسلم .

في الواقع هذا الكلام كان يأتي بعض التيارات المواجهة المسلحة كما أشرنا يوضعون ما يعم ضرره في طريق المسلمين ، فيضعون مثلاً شيء من أجل استهداف أتوبيس سياحي أو لأجل كذا فذكرنا هناك موانع تمنع من كل هذه الامور :

المانع العام في كل هذه التصرفات وجود المفسدة والتضيق على المسلمين والتضيق على الدعاة وإراقة الدماء وإلى غير ذلك .

يلي ذلك أن هذا المستهدف بعينه غالبا ًما يكون معصوم الدين بأن يكون كافر له عهد أمان ودخل البلاد بتأشيرة والتأشيرة عهد أمان ، فيقول أنا لا أعترف بهذه السلطان ،لكنك في ذات الوقت لم تنذر ذلك الكافر .

إن نازع في هذا تبقى الأولى . فإن نازع في أن التأشيرة عهد أمان أم لا تبقى الأولى ، لأن أي عهد أمان منهم يمنع ؟

الأمر الآخر أنه غالباً ما يعم الضرر فيصيب من آحاد المسلمين ما يصيب فيقول يبعثون على نياتهم ، وهذا تطبيق خاطئ للحديث :

أولاً لأن هذا الأمر غير شرعي ابتداءاً ، ثم لو افترضنا أنه غير شرعي فهو غير متعين .

لأنه متى يقال يبعثون على نياتهم ( جيش يغزوا الكعبة أنزل الله جائحة من السماء ، فموضع الشاهد لو قدرنا أن هناك جيش من المسلمين خرج لهم لجاز له أن يقاتلهم كجيش ، أو مجموعة من الكفار يتترسون بأسرى المسلمين ، إذن كل هذه المسائل لا تنطبق على رجل يختار هو مسرح العملية كما يقولون وهو يعلم أنه يوجد فيها من يوجد من المسلمين .

فإذن هذه الأمور خطأ من ثلاثة جهات تجتمع أحياناً وتنفرد بعضها أحياناً وأي واحد منها كاف والقاسم المشرتك في منع كل هذه الأمور هو ما يترتب عليها من مفاسد .

والأمر الآخر أنه غالباً ما يكون هناك من المسلمين الذين لا يمكون أن يطبق معهم قضية يبعثون على نياتهم فهذا فهم خاطئ وتطبيق خاطئ لهذه الفتوى .

هذا خلاصة ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة في هذه الفتاوى

ونكون بذلك قد انتهينا من هذا الإتجاه ونشرع في المرة القادمة في ذكر اتجاه آخر .

سبحانك الله ربنا وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

 

الكلمات الدلالية