الثلاثاء، ٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

السلفية ومناهج الإصلاح - 16

من يرى التركيز على العمل الفردي في الدعوة والتربية

السلفية ومناهج الإصلاح - 16
عبد المنعم الشحات
الاثنين ٢٠ يوليو ٢٠١٥ - ١٥:٣٣ م
1393

السلفية ومناهج الإصلاح

الشريط السادس عشر

عبد المنعم الشحات

إن الحمد لله نحمده وسنعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له

وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .

ثم أما بعد ،،،

ما زلنا في الكلام على بحث السلفية ومناهج التغيير وانتهينا من الكلام على مناقشة من يرون سلوك الحل البرلماني ومن يرون حتمية المواجهة العسكرية .

والكلام اليوم إن شاء الله تبارك وتعالى نشرع في الكلام على من يرى التركيز على العمل الفردي في الدعوة والتربية .

في الواقع هذا أيضاً موضوع متشعب له كثير من الفروع نتناول أولاً ما ورد في البحث بشأن مناقشة هذا الاتجاه ثم ننظر ماذا يمكن أن نزيده في مناقشة هؤلاء .

يقول : " يتبنى هذا المنهج بعض الدعاة الذي يرون أن الدور الأساسي للدعاة والعلماء هو إصلاح أفراد الأمة مع الاختلاف حول أوليات الإصلاح فالبعض يراه في إصلاح العقيدة ونشر العلم والبعض يراه في التربية على العبادة والذكر وفضائل الأعمال ، ويرون أن انتشار الأفراد الصالحون في مجتمع كفيل بإصلاحه تلقائياً "

فإذن نحن نتكلم عن الدعاة يرون أن إنتاج أفراد صالحين كاف في انتاج مجتمع صالح .

وي الواقع المسألة بين طرفين ووسط ، هناك من يرى أنه متى فرد على المجتمع نظاماً شرعياً من خلال الانتخابات أو من خلال حتى الأعمال العسكرية فإن هذا كاف في أن ينصلح أحوال الناس لأن الناس على دين ملوكهم . وهذا فيه اختزال للقضية .

وأيضاً هناك من يقول بل المجتمع ما هو إلا مجموعة أفراد إذا انصلح هؤلاء الأفراد انصلح حال المجتمع .

في الواقع أن الأمر يحتاج إلى الأمرين معاً ، ويمكن أن تضرب لذلك مثال بالبنيان المرصوص فلابد من لبنات صالحة ولابد من مواد لاصقة وتصميم وبناء في رص هذه اللبنات ، فمجرد وجود لبنات صالحة لا يساوي أن يكون عندك جدار وإذا أتيت بمواد البناء وشرعت تبني بلبنات فاسدة يساوي أنك تبني بناءاً هشاً لا يكاد يبنى كلما بنيت منه جزءاً تهدم قبل أن تبني الآخر .

وهذه هي القضية هنا وأنه لابد من إصلاح الأفراد ولابد من تطبيق التشريعات الجماعية التي تضمن وجود مجتمع صالح ،ومن نظر إلى دين الله تبارك وتعالى وجد ما يسميه العلماء بفروض الأعيان وفروض الكفايات وسنن الأعيان وسنن الكفايات ، بمعنى أن هناك أمور تدخل في نطاق التربية الفردية للأشخاص فتكون من باب أمور الأعيان ـ سواء كانت فروضاً أو مستحبات ـ يحتاجها الإنسان لكي يصير إنساناً صالحاً ، وهناك أمور يحتاجها المجتمع لكي يكون مجتمعاً صالحاً ، فهذه يسميها العلماء بفروض الكفايات أو باب المستحبات

هذه هي القضية المحورية وهي أن البعض يرى التركيز على الجانب الفردي . ربما يتفاوت أي فكر أو أي رؤيا  ، ليس بالضرورة أن جميع من يراها على درجة واحدة فيها ، يعني هناك من يلحظ بعين الاعتبار فروض الكفايات ولكنه لا يقوم بالدور الكافي لإنجازها وإتمامها وهناك من لم يكاد يتلفت إلى فروض الكفايات  وهناك من يصل إلى درجة أن أن يزهد الناس في إتمام فروض الكفايات ، فهناك درجات متفاوتة بين أصحاب هذا الاتجاه طالما أننا جعلنا أن الرباطة بينهن أنهم يركزون على الجوانب الفردية في التربية ولا يهتمون بالجوانب المجتمعية فإنه سوف يدخل تحت هذه التعريف أناس من أخلاط شتى متفاوتين في درجة استقطابهم ناحية الفردية ودرجة ابتعادهم عن تطبيق الفروض أو الشرائع المشروعة للأمة ككل من فروض الكفايات وسنن الكفايات .

أيضاً من باب آخر سوف تجد تفاوت كبير عند هؤلاء فيما هو مفهوم الفرد الصالح ، وإذا خرجت خارج نطاق من ينتسبون إلى المنهج السلفي في الجملة لأن بعض من يرى العمل الفردي ينتسب إلى المنهج السلبي في عقيدته وفي مراعاته للدليل فيما يتكلم في مسائل الفقه والأخلاق وغيرها ولكنه في هذا الجانب يركز على الجانب الفردي .

لكن أيضاً لو وسعت نطاق البحث ستجد أن هناك من ينتمي إلى المدرسة العقلانية الحديثة ، بعض الدعاة الجدد ـ كما يسمونه الناس كذلك ـ له رؤيا في إصلاح الأفراد يطبقها ، وهذا التطبيق يثمر بعض الفوائد ، وقد ينخضع الناس به ويظنون أن هذا هو غاية المراد ، بعض الدعاة يتكلم على الأخلاق وربما يستطيع أن يغزوا مجتمعات كالنوادي وغيرها ويصل إلى شباب مغيب تمامًا عن قضية الإسلام ، فيوجد هذا القدر من العاطفة الإسلامية وقدر من الإلتزام ببعض الآداب الإسلامية والأخلاق الإسلامية ، ويكون هذا القدر من الخير ولابد من الفرح به ولكن المشكلة أن يظن صاحب هذا المنهج أن منهجه صحيح مائة في المائة ومتكامل وأنه مجدد هذه الأمة ، تجد الأعداء يلتقطون الخيط مباشرةً ويحاولون أن يصنعوا هالة إعلامية حول من يكون هذا منهجه بحيث أنهم يقولون أنه من أكثر الشخصيات تأثيراً أو نحو ذلك لمحاولة تكريس لدى العامة وأنه إن كان لابد من تدين فليكن تدين على طريقة فلان ، وهذا يحدث حتى داخل الصف السلفي ، وللأسف قد تجد ظروف معينة تنسج لكي يكون إن كان لابد من سلفية فتكون بالطريقة الفلانية ، وذكرن قبل ذلك أن قاعدة المصالح والمفاسد قاعدة فطرية قبل أن تكون قاعدة شرعية وكل الناس يبطقونها ، فماذا يريد الأعداء من المسلمين ؟ { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم } ولكن هل هم يطالبون كل الأمة بهذه الغايات ؟ يكونون في غاية الغباء إذا فعلوا هذا ، ولكن إن كان ولابد من البقاء في الإسلام فليكن مع الجهل به ومع ارتكاب الكبائر والمحرمات وعدم معرفة شيء عن دين الله تبارك وتعالى ، وإن كان ولابد من عاطفة دينية فلتكن عاطفة دينية مستوعبة تماماً في نطاق الخرافة أو نحو ذلك كتدين الصوفية أو نحوهم ، وإن كان ولابد من درجة من التعقل والتبصر فليكن على طريقة من يرى أن جوهر الإسلام هو إلتزام بالأخلاق والمعاملات لاسيما القدر المتفق عليه بين البشر في الأخلاق من الصدق والأمانة ونحو ذلك ، وإن كان ولابد عمل من أجل دين الله تبارك وتعالى واهتماما بقضايا الأمة فليكن من خلال القبول بالمبادئ الغربية والضغط على من يعمل في ذلك لكي يقبل هذه المبادئ ويعمل بها ، وإن كان ولابد من درجة أعلى من الحب في دين الله ودرجة أعلى من طلب العلم ودرجة أعلى من طلب الدليل فليكن من خلال دعاة يشبعون هذا الجانب ولكنهم  في ذات الوقت يغفلون بعض الجوانب التي تعطي للدعوة الإسلامية حيويتها وتجعلها قادرة على إنتاج النموذج الذي ينتشر بسرعة ويحقق التغيير المنشود في الأفراد والمجتمعات بالدرجة الكافية .

فإذن دائماً الأعداء حاضرون ، وكما ذكرنا أيضاً في مناسبة سابقة أن الأعداء هؤلاء يشملون إبليس عليه لعنة الله وجنوده ، وبالتالي الأعداء كثر ، وكل له اسلوبه في محاولة استثمار كل حدث وليس صنعه ، ليس بالضرورة أن الأعداء يصنعون الأحداث أو أن أنهم هم الذين يوحون إلى هؤلاء الدعاة بمناهجهم ولكن يستثمرون الأحداث ويتابعونها ويحاولون إيجاد المسارات الملائمة لما يريدون ، إذا كان الآن يأتي سيل منهمر وأنت تريد له أن يمر في أرض دون أخرى فتسارع بأن تحفر له الطريق لكي يمر يف المسار الذي تريده ، فهم يرقبون المظاهر في مهدها ويحاولون توجيهها التوجيه الملائم .

مما يستوجب درجة عالية جداً من درجات البصيرة والتوازن بين حسن الظن وبين البصيرة في دين الله تبارك وتعالى ـ فالبعض أحياناً يقولون حسن الظن في كل شيء ـ وحسن الظن لا إشكال فيه ولا نقول نتهم نوايا العباد ، ولكن في ذات الوقت عليك أن تعرف أن الشياطين من حولك ومن حول غيرك يحاولون أن يوجهوا تيار الصحوة الإسلامية ويحاولون أن يوجهوا كل تيار من تيارات في أهون مساراته بالنسبة لهم ، أنت على أن تحدد مسارك وفق الكتاب والسنة ، لو افترضنا جدلاً ان الله تبارك وتعالى استعمله في نصرة دينه فصاروا يقتنعون أن المسار الأمثل بالنسبة لهم هو المسار الموافق للكتاب والسنة لا بأس .

إذن كلام الأعداء مدحاً أن ذماً لا ينبغي أن يكون مؤثراً ، لأن البعض أحيناً إذا مدحه الأعداء يكون هذا دليل على أنهم يريدوننا أن نقع في هذا الشرك ، فإذا مدحوا سلكون معين أو فكر معين أو داعية معين فلا يلزم من ترك هذا كله .

والبعض يعتبر العكس تمامًا وهو أن الحق ما شهدت به الأعداء ، وبالعكس أن البعض يعتبر أن ذم الأعداء لفكر معين أو لعمل معين دليل على أنه يزعجهم ويرقهم ،والبعض يعتبر العكس .

القضية أننا لا نستقي مناهجنا من عند أعدائنا ، فلا نعطيهم أي فرصة لتوجيهنا لا بأسلوب المدح أو الذم ولا بأسلوب الترغيب ولا بأسلوب الترهيب ، نحن نحدد مسارنا فإن وجدنا أن العدو قد استعمله الله في أن يساعدنا في هذا المسار ويتوهم أن هذا الأمر حسن كما يحصل أحياناً في كثير من الأحيان تجد أن الخصوم يقولون لو وجد من يدعون إلى طلب العلم فليكن استيعاباً لطاقة الشباب أولى من أن ينفجروا ، هل نترك نحن هذا الخيار من أجل أن الخصم يراه ملائماً له ؟ بل هذا من فضل الله وهذا من رحمة الله .

إذن لابد أن تكون معايرنا نابعة من عندنا نحن ، لا نسمح للآخر أن يحدد مسارنا بأي اسلوب ، وأي تصرف من خصم من الكفار الذين يوعدون دين الله تبارك وتعالى بل ومن العلمانيين الذين يعادون الدعوة الإسلامية حتى وإن كانوا منتسبين للإسلام طالما أنه خصم للدعوة الإسلام فلا تحمل فعله إلا على التهمة ولكن في المقابل عليك أن تقيس أمورك بما يوافق الكتاب والسنة .

فإذن لدينا قطاع عريض جداً من الأفكار والمناهج التي يمكن أن تصنف حت هذا الاتجاه ، وأنهم يرون الاتجاه الفردي في الدعوة والتربية .

ثم تجد كل واحد منهم عنده مفهوم معين من التربية ، فهذا يركز على جانب الأخلاق والآخر يركز على جانب العقيدة والثالث يركز على جانب الفقه ... ونحو ذلك .

فإذن الصحيح في ذلك أن يكون هناك اهتماما بالأفراد بطريقة متوازنة متكاملة ثم أن يكون هناك اهتمام بأن يكون هؤلاء الأفراد يقومون بواجبات المناطة بالأمة ككل .

لكن كما أن الذين يهتمون بالجوانب الفردية يغفلون عن أهمية الجوانب الجماعية قد يغفلون داخل هذه الجوانب الفردية عن التكامل فيها فلا تخرج شخصية متكاملة . كما ذكرنا بعض من يسميهم الناس بالدعاة الجدد لا يمكن أن يخرج شخصية متكاملة مطلقاً ، بل يخرج شخصية يؤدي الصلاة أو الفرائض ويمتنع من المحرمات الكبرى المشهورة المتواترة وعنده درجة ما من درجات حسن الخلق ، ولكن تجد عنده منكرات وانخراط في الأغاني وفي الموسيقى وفي مشاهدة الأفلام والمسلسلات وتضييع الأوقات في الملاهي والمتنزهات وعدم وضوح العقيدة وعدم معرفة عقائد الولاء والبراء وعدم معرفة الحكم بما أنزل الله ويجهل الكثير من أصول الإيمان الستة ، وهذا يعتبر عند الناس منهج إصلاحي ولكنه منهج غير أنه فردي بل داخل النطاق الفردي منهج مبتور .

أيضاً مما ينبغي الانتباه لديه هنا أنه ماذا تعني كلمة سلفي .

فنحن نتكلم هنا عموماً عن مناهج الإصلاح ومنها مناهج موسومة بأنها سلفية ، أحياناً يكون الناس يسمون اتجاه ما بأنه اتجاه سلفي بناء على وجود سمات عامة مثل الاهتمام بطلب العلم أو مثل الاهتمام بالهدي الظاهر مثل اللحية والقميص والنقاب للنساء ونحو ذلك ، رغم أن بعض من تكون عنده هذه السمات يكون عنده خلل واضح داخل التربية الفردية ذاتها وليس التربية الجماعية فحسب .

خلل واضح داخل التربية الفردية كأن يوجد تهميش لجانب العقيدة ، كيف يمكن أن يوصف اتجاه ما بأنه اتجاه سلفي مع وجود تهميش كبير لقضايا العقيدة وهي تحتل جزء كبير جداً من الأهمية في هذا المنهج ؟

كأن يوجد اهتمام بدراسة الفقه ولكن بطريقة مذهبية فيها درجة عالية من درجات التقليد المرفوضة لدى السلفيين وفي الناهية السمت العام في درجة من الإلتزام بدين الله تبارك وتعالى

فلابد أيضاً من التركيز في هذه الجوانب كلها .

ولكن على كل حال كنوع من الاستعراض العام نقول : أن هناك بعض الدعاة يرون أن الدور الأساسي للدعاة والعلماء هو إصلاح أفراد الأمة داخل من يرون هذه الرؤيا تختلف نظراتهم في مسألة ما هو معيار الإصلاح الفردي في حد ذاته ، ثم يقول : ومن بين أصحاب هذا المنهج من لا يرون مشروعية العمل الجماعي ، أو على الأقل يحصرونه في صور محدودة لا يتعداها ، ويرون أن مدار الجماعات الإسلامية خاصة الحزبية والتعصب وكونها مستهدفة من الحكومات العلمانية أكثر من مناففه .

إذن معظم هؤلاء ينكرون العمل الجماعي على حجج مختلفة قد نتعرض لبعضها تفصيلياً ، ولكن البعض يقول أنها بدعة ابتداءاً والبعض يقول أن مفاسده أعظم وعلى رأس هذه المفاسد الحزبية .

ونحن نود ان نشير إلى أنه قد سبق أن تكلمنا عن هذا بالتفصيل في الكلام على العمل الجماعي أن العمل العمل الجماعي يقاوم الحزبية لا العكس ، لأن الفرد الذي ينتمي إلى مجموع يذوب ولاؤه في المجموع وبالتالي ينقلب ولاؤه للمنهج لا للشخص ،وراد أن يحصل تعصب للمنهج ولو أن هذا المنهج موافق للكتاب والسنة لكان التعصب له مطلوباً ولكن قد يحدث غلو فيجعل الأشياء التي يسوغ فيها الخلاف غير سائغة ونحو ذلك من مظاهر التعصب التي ينبغي إزالته ، ولكن العمل الفردي يوجد درجة حزبية أشد لأنه حزبية للأشخاص ، العمل الجماعي يذيب الولاء للأشخاص ويجعل الولاء للمنهج بدلاً من الولاء للأشخاص .

وهناك تجارب ربما يقع بعض الدعاة الذين لهم محبة في قلوب الناس ونحن نحب كل من يساهم في نشر الخير ونشر الدعوة إلى الله تبارك وتعالى ويزداد هذا الحب كلما كان هذا الشخص أقرب إلى منهج السلف ، ولكن يوجد كما ذكرنا من الأتباع أن درجة الحب تصل إلى التعصب .

مقتضى الحب أنه متى أخطأ أن تنصحه وإذا كان الخطأ على الملأ فمقدار الحب للملأ للأمة ككل أن تنصح للأمة ككل وليس أن تنصح لشخص دون آخر ، البعض أحياناً تقعد قواعد من عند نفسه أو يخطأ في تطبيق بعض القواعد .

كنموذج : مسألة أن النصيحة تكون في السر .

يأتون إلى الكلام على أن المعاصي الشخصية التي يفعلها الإنسان مستتراً بها ، فلو أنت وجدت إنسان مسلم زل زلة فإذا كنت أنت حريص عليه فلا تفضحه ، وإذا كان النصيحة فالنصيحة ان تتحرى ألا تعلم من لا يعلم حاله فتنصح هذا سراً ، وأما أن يأتي إنسان فيخطأ في أمر شرعي على ملأ من الناس ثم تقول أن حقه عليك أن تنصحه سراً ؟ وماذا عن حق هؤلاء الناس ؟ لاسيما إذا علمت أن هذا المنصوح سوف يكون أمامه فرصة طويلة إلى أن يفكر في كلامك وقد يتراجع وقد لا يتراجع ، وبالتالي لابد حينئذ أن تنصح من سمع كلامه لاسيما إن كان متبوعاً .

انظر مثلاً إلا كلام ابن عباس رضي الله عنهما في نكاح المتعة ، بالغ الصحابة في الإنكار عليه إنكاراً شديداً حتى قال ابن الزبير رضي الله عنه : " جرب بنفسك ولأرجمنك بأحجارك "، وابن عباس له من العلم والفضل ، لأن البعض أحياناً نتكلم على فضائل إنسان فيعطيه حصانة من أمور لم يعطى مثلها للصحابة رضي الله عنهم ، فحين يتكلم على خطيب أو واعظ له مكانة حسنة عند الناس فهذا حسن ولكن هنا الصحابة رضي الله عنه ومع مكانة ابن عباس رضي الله عنه في العلم ومكانته في النسب من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن الإنكار جاء شديدا وعلى الملأ ، حتى لا يأتي أحد ويفعل هذه المعصية ويقول هذه فتوى ابن عباس ، فبفضل الله تبارك وتعالى حصل الإجماع على حرمة نكاح المتعة بعد موت ابن عباس رضي الله عنهما أو تراجع هو نفسه في آخر حياته ، فهل كان من المفترض أن ينتظر الصحابة بأن ينصحوه سراً إلى أن يتراجع هو في آخر حياته بعد أن تكون التفوى قد ملأت الآفاق ؟!

هذه هي آثار الحزبية التي توجد عند من يذوب في شخص ما ، فإذا أخطأ وجئت تنكر عليه فلو وجد أن الخطأ لا يقبل الدفاع تجد أحياناً تأويلات بعيدة حتى ولو تأولتها للمخطأ لم يفهم الناس هذا الذي يتأوله هذا المتأول ، فيأتي إنسان يقول بملء فيه ويقسم بأغلظ الأيمان أنه لا يخشى في الله لومة لائم كلام خطأ أنت تنكره عليه ، فيأت من يقول لعله أن يكون مضطرا ، فأين القرينة؟ فضلاً أن باب الاضطرار في باب البلاغ الذي يترتب عليه إضلال الخلق ليس فيه إكراه ، فالإنسان يمكن أن يعطي كلمة يفدي فيها نفسه لمن يطلبه بالسيف ، مثل إنسان يؤذي آخر لكي يقول له كلمة ترضيه فهذا لا يمكن أن يحتج بها عند الله لأنه أخذها بتهديد السيف ، فأنت لم تضله حينئذ ، وأما أن تأتي أمام الخلق جميعاً وتقول خوفاً من بطش باطش . الحقيقة الإنسان لا يجوز له أن يهتك عرض غيره إذا كان سيقتل  ، لأنه لا يفدي نفسه بعرض أخيه ، كذا هنا لا يفدي نفسه بدين أخيه ، إذا افترضنا أن هناك إكراه وإذا وجد إكراه سيكون له دلائل ، فالإنسان يكون في غاية الأريحية ويقال إكراه ، ثم إنك لو تأولت هذا في حق إنسان ما إحساناً للظن به ألا يكون من المناسب هنا أن تنكر ومن المفترض في هذه الحالة أن يكون هو في غاية الرغبة في أن يوجد من ينكر نيابة عنه طالما أنه اضطر إلى أن يقول الباطل ، فإذن لا يمكن لأحد أن يأتي يدافع عن داعية يحبه أن عن شيخ يحبه بدعوى لعله أن يكون مكرهاً ، لو افترضنا هذا الاحتمال لكان الواجب ابتداءاً شرعاً هو الإنكار ولكان الواجب في هذه الحالة خاصة هو مزيد من الإنكار ولكان ينبغي على هذا الداعية وعلى كل من يحبه أن ينصح متى استطاع إلى ذلك سبيلاً وينصح الخلق أن يبالغوا في الإنكار عليه فينجوا هو من جهة ولا يضل الخلق من جهة أخرى .

نماذج من الحزبية الشدية وهذه متوقعة طالما كان هناك درجة من درجات الانبهار بشخص ما والذوبان في فلكه ونحو ذلك .

كما ذكرنا أن أبرز ما يحتجون به على عدم مشروعية العمل الجماعي مسألة الحزبية ومسألة أن العمل الجماعي مستهدف ، وفي الواقع أيضاً التجربة أثبتت أن الاستهداف لا يقتصر على العمل الجماعي وأن هناك موازين للقضية ، والموازين متعددة ، ولكن هناك فرق وهو أن العمل الفردي مهما تتضخك فإيقافه في غاية السهولة طالما أن محور العمل شخصية فإذا أوقفت هذه الشخصية وقف العمل ، ناهيك عن الواسئل الإلكترونية الحديثة كالفضائيات وغيره ، وهي بلا شك أبواب من أبواب الدعوة لابد من استثمارها ولكن لابد أن يكون هناك من ضوابط ومحاذير .

الأمر الأول : أنه لا ينبغي لا في هذه الوسائل ولا في غيرها مهما ظننا فيها من الخير أن نقدم أي تنازل ثمنًا للتواجد في هذه المساحة

الأمر الآخر : ألا نضطر ويقول الداعي مثلاً وهو يأتي إلى المسجد فيحضر له خمسة أو عشرة أو مائة أو ألف أو ألفين وأما القنوات الفضائية مشاهدوها بالملايين في القارات الست ، فإذن لنذهب إلى حيث الخير الأنفع .

هذه قضية بصفة عامة وأن الإنسان يحسن توظيف وقته وأنه إن كان يريد أن يبذل لدين الله تبارك وتعالى فليبحث عن أرجى الأعمال ، وهذا أمر لا غبار عليه إطلاقاً ، ولكن القضية ما هو الأرجى .

نعم قد يكون مشاهدي القنوات الفضائية بالملايين وفي القارات الست ولكن معظمهم بضغطة واحدة على ذر يأتي بقنوات الرقص والغناء ، فإذا كان بدلاً ان يكون كل استماعه إلى هذا الباطل يكون جزء من استماعه إلى الحق وهذه فيها مصلحة ، ولكن لا ينبغي تضخيمها أكثر من اللازم ، بلا شك أن الدعوة لابد فيها من التربية المباشرة ولابد من الاهتمام بمن يجعلون من ينتجون في حقل الدعوة لا بمن يستهلكون .

عامة مشاهدي الفضائيات مشتهلكون ، ونحن نريد أن نصل إليهم ونصل إلى غيرهم ، ولكن أنت الآن في مرحلة الأمة فيها في حاجة إلى جهود جبارة في كل الجوانب ـ جوانب تصحيح العقيدة وجوانب مجاهدة التنصير ومجاهدة التشيع ومجاهدة الدعوة إلى العلمانية والديمقراطية والدعوات التي تنتشر بين الناس وتصحيح العبادة وتصحيح المعاملة والكلام على الشبهات التشريعية والتشريعات المتلاحقة ـ فإذا كان يوجد عدد محدود من العاملين في الحقل الإسلامي سوف يوجهون جهودهم إلى شريحة عريضة من المستهلكين يوشك هؤلاء الدعاة أن يستهلكوا ولا يجد هؤلاء المستهلكون من يعطيهم شيئاً ، وبالتالي لابد أن يتوجه المجهود الأكبر إلى إفراز منتجين وإلى إفراز أفراد لديهم استعداد لطلب العلم وتعليمه .

أذا اختزلنا المسألة من باب التقريب : إذا كان داعية واحد سوف يستغرق مع هؤلاء المستهلكين ثم إذا مات انتهت القضية فلو أعطى ثلاثة أرباع وقته لإنتاج اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة مثله بحسب ما يمن الله عليه من طلب العلم وربع الوقت لهؤلاء المستهلكين لكان هذا إنصافاً ، لأن القضية تحتاج إلى جهود عظيمة كثيرة في أن يخرج من هم قادرين على تحمل المسئولية ومن هم قادرين على السد في هذه الثغرات لا المستهلكين لاسيما أن معظم هؤلاء المستهلكون يكون استجابتهم العملية بطيئة ، ولو كانت الاستجابة العملية عالية في النهاية لن يتحول إطلاقاً من خلال القنوات الفضائية إلى شخص منتج وإنما لا يتحول إلا من داخل المسجد .

لماذا نذكر هذا الكلام ؟

ليس تزهيداً في هذا الجانب ولكن وضعه في حجمه الطبيعي بحيث يحدث التكامل في نظرة من يقيمون الأمور بأن هناك أهمية كبرى لأن تستمر الجهود والتربية والشاملة التي تفرز من يعتنون بالعمل من أجل دين الله تبارك وتعالى ومن يتعلمون دين الله تبارك وتعالى ومن يقومون بأمر دين الله عز وجل .

أما من حثية الاستهداف فالكل مستهدف بدرجة ما ، بيد أن العمل الفردي متى استهدف أمكن القضاء عليه تقريباً والعمل الجماعي متى استهدف قدر يضعف ولكنه غالباً ما يعود أقوى مما كان لوجود روح العمل وروح الإنتاج وروح الإفراز للأفراد الجدد القادرين على تحمل المسئولية .

هذا خلاصة العرض السريع لهذا المنهج .

يقول : " ولقد حقق هذا النهج بعض الإيجابيات منها :

إيجاد أفراد ملتزمين

ونشر العلم ومبادئ الإسلام وأحكامه بين قطاعات من الأمة

وأيضاً التركيز على عدد محدود من الأفراد يمكن إعدادهم إعداداً جيداً من خلال المعاشرة الطويلة والمتابعة المستمرة  "

وهذا البحث كان في وقت كان النموذج الأمثل للعمل الفردي هو مسجد ، وكان تجد أن الشيخ الذي يميل إلى العمل الفردي يكون له مسجد يلتزم به فهو الذي يأم الصلاة وهو الذي يعطي الخطبة والجميع مستمعون ، الآن صارت الصورة بأن أكثر من يتبنى هذا النهج تحول إلى القنوات الفضائية على اعتبار أنه لم يخسر شيء ، المسجد بالنسبة له كما لو كان هناك جاجز بن المنضدة التي يجلس عليها وبين الناس لا يختلف عن جاجز الهواء التي بين المنضدة التي يجلس عليها في القناة الفضائية وبين الناس ، وبالتالي وجد أن هذا أفضل .

ولكن بلا شك أن حتى العمل الفردي داخل المساجد كان هناك قدر من المعاشرة تجعل أن الجزء الذي يركز عليه في دعوته تجده بارزاً في أتباعه .

ربما الآن في القنوات الفضائية الأمر ليس كذلك أصلاً ، يعني حتى محبي الشيخ فلان لا تجد عندهم أي بصمة من بصماته إلا الحب والاستماع له ، قديماً إذا كانوا في المساجد إذا كان هناك شيخ يميل إلى العمل الفردي فكان البد أن يؤثر في أتباعه فإذا كان هو يجيد الوعظ تجد أن مسجده مليء بمن يجيد الوعظ . نعم لا يكادون يفعلون شيء في ظل وجود الشيخ ولكن يحبون هذا الجانب ويتقنونه ، إن كان يجيد جانب من أبواب العلم تجدهم يحبون هذا الجانب ويتقنونه ، وإن كان يحبون باب من أبواب العلم تجد أن الطلاب يتقنون هذا الباب ونحو ذلك .

وكان أحياناً تكون هذه الصورة صورة مبهرة ، أن يكون مثلاً متقن للقرآن فتجد كل من في المسجد يحفظ القرآن حفظاً جيداً وهذا بلا شك جانب عظيم جداً ولكن يكون هذه الجوانب من جوانب الإبهار قد تخفي غيرها من جوانب العور ، وبالنسبة لقضية القرآن خاصة لأن القرآن له شرفه المعروف ولكن مع هذا استغراق جهد الملتزم بعد إذ بلغ في حفظ القرآن وفقط تضييع لمعاني شرعية .

لو أننا الآن نملك أمورنا ونستطيع أن نكرس فطرة الطفولة في حفظ القرآن لكان هذا من أفضل ما تسديه إلى أطفال المسلمين الصغار ، ولكن عندما يأتي شخص بالغ يدخل المسجد ثم تقول له لابد من حفظ القرآن أولاً وتحفظ حفص ثم تدخل على باقي القراءات ، فهذا فيه تغيير في الأوضاع الشرعية لأنه يجب عليه أن يعرف عقيدته ويجب أن يحفظ من القرآن الفاتحة ، لكن يجب عليه أن يعرف عقيدته قبل أن يحفظ من القرآن ما زاد على ذلك ، وطبعاً لا نعني من ذلك أن يعرف عن أهل البدع والرد عليهم ولكن يحتاج قدر من العقيدة يعرفه وقدر من العبادة ولا ينبغي أن ينشغل بحفظ القرآن فقط وهو لا يحسن أن يصلي .

لو أنه يمكن تعليمه الصلاة من خلال التلقين وأن يرى جميع الناس يصلون صلاة صحيحة منضبطة لا بأس ، ولكن هذا غالباً لا يتم .

إذن لابد من التوازن في هذه الجوانب كلها حتى أفضل هذه الجوانب وأشرفها وهو حفظ القرآن .

يقول : " وكان الابعتاد عن الأحداث السياسية المعاصرة حتى بمجرد التعليق أثره الواضع في توفير قدر كبير من الحماية ضد ضربات الأعداء "

في الواقع هذه قضية أيضاً من القضايا الشائكة ، فماذا نختار في جانب التعليق على الأحداث التي يسميها الناس الأحداث السياسية ؟ ، نعن نقول أن واجب الدعاة إلى الله تبارك وتعالى توضيح الأحكام الشرعية وأنه ليس من الحكمة أن تبدأ وتعيد في مخاطبة الناس بما لا يقدرون عليه وبالتالي الطنطنة والدندنة الكثيرة حول تتبع آحاد التصرفات للساسة أو غيرهم مع تضييع أوقات خطبة الجمعة ودروس العلم وتحويلها إلى نشرة تفصيلية إلى تصرفات الساسة ونحوهم أمر يضيع أوقات العباد ولا ينفعهم في شيء ، لكن في ذات الوقت التشريعات في مجال الأسرة تشريعات رفع سن الزواج وتقييد سن الزواج ومنع الختان وكل ما يتم في هذه الجوانب أمور شرعية لا يسع أن تسكت عليها بدعوى عدم الكلام في السياسة ، بالعكس بل هذه التصرفات الشرعية لابد من بيان الحكم الشرعي فيها ، البعض يختار طريق التهييج وتتبع التفاصيل والجزئيات لأن هذا يكون فرع على اختياره للحل البرلماني ، وإذا كان هو اختار الحل البرلماني فلابد ان يكون لو معارضة فعالة ، والمعارضة الفعالة لابد أن تهييج الناس على الأغلبية .

ونحن ليس نرفض هذا المسلك ليس من باب احترام حكم الأغلبية لأننا لا نحترم الديمقراطية أصلاً ، ولكن من باب أن هذا تضييع لأعمال الناس فيما لا يفيد ، ولكن في المقابل لابد من نصيحة الناس فيما يتعرضون له من أمور ، حتى إذا ما سن قانون مخالف للشرع لابد من بيان مخالفته ونصيحة الناس ألا يتلزموا به ، الآن للأسف أن الكنيسة تسقط القانون وأسقطته بالضربة القاضية كما يقولون ، مع أن موقفهم في غاية الضعف من الناحية القانونية في موضوع الأحوال الشخصية للنصارى ، ولكن سبحان الله !! يمنع المسملين من اتخاذ موقف كهذا لا على المستوى الرسمي ولا غير الرسمي ، يعني هم يقولون أن القانون فرض عليهم شيء مخالف لشريعتهم فلن يقبلوه بأي صورة من الصور ومصرين على أنه ينبغي أن يتغير القانون ، وطبعاً الموضوع له فروع كثيرة جداً أهمهما أنهم لا يوجد عندهم شريعة ، فهم يعترفون أن الإنجيل حكم ومواعظ ، وهو بالفعل كان إنجيل عيسى عليه السلام ، فعيسى عليه السلام كان حاكماً بشريعة موسى عليه السلام ، لكن قضية الطلاق خصوصاً مما أحدثوه وبدلوه ونسبوا إلى عيسى عليه السلام مع أن عندهم أنه يقول : " ما جئت لأنقض الناموس ولكن لأتممه " ، ينسبون إليه بعض نواقض ومخالفات لشريعة موسى عليه السلام ، العجيب أنهم يذمون المسلمين بأنهم يقولون بالنسخ ، وهم يقولون بالنسخ ولكن لا يسمون هذا نسخاً ، القضية ليست في الاصطلاح ، فهو نسخ تمامًا ، ولذلك ينسبون إلى عيسى عليه السلام أنه قال : " من أجل غلظة قلوبكم قال لكم موسى من طلق امرأته فليعطها كتاباً وأما أنا فأقول لكم من طلق امرأته لغير علة الزنا فهو زان " فإذن هم ينسبون إلى عيسى عليه السلام أنه حرم الطلاق إلا لعلة الزنا ، طبعاً المفترض أن يطالبوا بأن يحلو إشكالية موقفهم من النسخ وموقفهم من هذا النص ، فإما أن يقولوا بالنسخ وإما أن يتعرفوا أن هذا النص مقحم ، في الواقع معظم كنائسهم اضطرت فعلاً .

تخيل مدى الضرر البالغ الذي يقع نتيجة تحريم الطلاق ، إذا كان الرجل رزق بزوجة عقيمة وهو يستطيع أن ينجب وهذا كان وقع للملك هنري الثامن في انجلترا فاضطر يغير مذهبه من الكاثوليكية إلى البرتستاتينية لكي يستطيع أن يطلق ، إذا كان امرأته أصابها جنون أو مرض نفسي وعقلي ، فعنده لا يجوز الطلاق وأن طالما امرأته على قيد الحياة فهو متزوج ، والمرأة التي زوجها عنين أو غائب مفقود طالما أن زوجها لم تعلم وفاته فهي متزوجة ولا يجوز لها أن تطلق فضلاً أن تزوج ثانية  ، ثم ينسبون إلى عيسى عليه السلام أنه قال لهم : " ما جمعه الله لا يفرقه الإنسان " ، طيب دعك من هذا  : الزواج الموجود في شريعة موسى عليه السلام أن يتم بإرادة الزوجين على يد كاهن على ما يزعمون بأنه لابد يتمم مراسمه رجل دين ، الطلاق في شريعة موسى شرعه الله إذا أراد الزوج أو إذا طلبت الزوجة أو إذا كان هناك سبب سيتوجب لها الطلاق ويتم على يد رجل دين أيضاً ، لماذا ينسب الزواج إلى الله والطلاق إلى الإنسان ؟ فإما أن تنسب الاثنين إلى الله من باب التشريع وإما أن تنسب الإثنين من باب أنه رغب فيهم ، فكيف يمكن لعيسى عليه السلام أن يأتي بهذا النص العجيب الذي لا شك أن قائله لا يدري ماذا يقول ، يقول أن علة تحريم الطلاق أن ما جمعه الله لا يجوز أن يفرقه الإنسان ، النص نفسه يعترف بأنه كان يوجد طلاق في شريعة موسى عليه السلام ، فهل كان الزواج في شريعة موسى عليه السلام من جمع الله أم من جمع الإنسان ، والطلاق الذي كان يتم كان من تفريق الله أم من تفريق الإنسان ؟ ، هل هذه القاعدة العجيبة منطبقة على الزواج والطلاق في الشريعة اليهودية أم أنه فقط في الزواج والطلاق في الشريعة النصرانية ؟

معظم الكنائس اضطرت في ظل الظلم البالغ الذي يمكن أن يقع على الناس في أنهم ليس عندهم تعدد زوجات وليس عندهم تعدد طلاق فإذن لابد أن ينتظر حتى يموت الطرف الآخر حتى يمكن أن يتزوج ، فبدأوا يشرعون الطلاق في صور وفي أحوال بعضهم يضيقها وبعضهم يوسعها ، جاء رجل نصراني واقتبس من الشريعة الإسلامية الأسباب التي يجوز للمرأة أن  تطلب فيها الطلاق وجعلوها عموما هي الأسباب الوحيدة للطلاق ـ الزنا أو عنة الزوج أو غيابه مدة طويلة أو فقره ـ والأمر بالنسبة للزوجة قريب من هذا ، وجاء النصارى في بلادنا وأخذوا هذه التشريعات ووضعت في كتبهم الدينية إلى أن تم وضعها قانوناً فيما يعرف بلائحة 1938 وهو أنه عندما وضعوا القوانين المدنية قالوا أن الأحوال الشخصة تستقى من الشرائع الدينية للناس فطالبوا من الكنيسة أن تضع لهم تشريع فوضعوا عشرة أسباب للطلاق وظل الأمر متغاضين بالفعل عن النص الإنجيلي الذي يقول لا طلاق لعلة الزنا ، لأن هذا النص في حد ذاته نص مشكل جداً :

أولاً : لأن هذا النص فيه نسخ والكنيسة لا تعترف بالنسخ

الثاني : أن هذا أمر في غاية العسر لا يكاد يطيقه أحد من البشر لاسيما في الأحوال المذكورة

فتغاضت الكنيسة عن هذا النص الإنجيليل وعملت لائحة 1938 والمعمول بها قانوناً إلى الآن .

الآن بدى لشنودة الثالث أن هذا مخالف للإنجيل  ولا يجوز أن يحترم بل ويعاقب من يطبقه ـ رغم أنه موظف حكومي في الدولة ـ يعني ليس فقط أن يمتنع بل يعاقب أي قسيس يطبقه بالإقالة التي يسمونها بمصطلحهم الكنسي " الشلح " ، ثم يقول المخرج أن يعدل القانون لا أن تلزم الكنيسة بأن تحكم بشيء يخالف الإنجيل مع أن أربع أشخاص تعقبوا على هذه الكرسي وهم يطبقون هذا اللائحة قبله .

إذن القانون إذا وجد عصيان ممن يطبق عليهم يسقط ، في الواقع أن الكنيسة تفعل ذلك وأسقطعت القانون وبالفعل يعدون القانون الجديد عملياً ، لم تطبق القانون منذ تولي شنودة منصبه إلى أن جاء أحدهم ورفع عليه قضية تلزمه بتطبيق القانون ، فلما حكمت المحكمة بإلزامه بتطبيق القانون طالب بتغيير القانون حتى لا يلتزم بهذا الحكم ، قد تكون الحسابات مختلفة ونحن ندرك ذلك تماماً ، ولكن هناك بعد هام جداً وهي أن القوانين التي لا يقبل الناس عليها ولا يتحاكمون إليها تسقط وتموت بخلاف ما يهرع الناس إليه وينفذونه .

الكنيسة لها موقف آخر في موضوع الميراث ، فهم يقولون أنه لا يوجد ميراث في النصرانية ، وهذا الموضوع له أسبابه ، ذلك لأنهم في التوراة أن الميراث يأول إلى الأبناء الذكور بالسوية فإن لم يكن ذكور يؤول إلى البنات ، فلو أن الكنيسة عملت بهذا النص تفقد أحد أبواب طعنها في الإسلام ، يقولون أن الإسلام إعطاء الأنثى نصف ميراث الذكر ، والتوراة لا تعطي البنت ميراث طالما وجد ابن ، ولو ابن واحد على عشر بنات ينفرد هو بالميراث ، الزوجة في شريعة التوراة " نحن ليس لدينا نصوص قطعية عن الميراث في شريعة موسى عليه السلام " لكن التوراة الموجودة الآه ليس فيها ذكر للزوجة في الميراث ، فهناك واقعة ترويها الأناجيل أن شاب أتى إلى عيسى عليه السلام وقال له اقسم الميراث بيني وبين أخي فاستنكر عليه وقال : " من أخبرك أني أتيت قاسماً " وهذا أيضاً من النزعات العلمانية في الاناجيل مما يثير الشك ، لماذا رفض عيسى عليه السلام أن يقسم الميراث بالشريعة وأنبياء بني إسرائيل وهو أحدهم كانوا يأتون يجددون شريعة موسى عليه السلام ويقضون بين الناس فيها ولكنه امتنع عن قسمة الميراث ، فاستدلت الكنيسة على ذلك بأنه لا يوجد ميراث ولا يوجد طريقة لتقسيم الميراث في النصرانية ، فإذا سئلوا ما هو البديل ؟ قالوا يقسم بالحب والتراضي والتفاهم ويعطى الأحوج ، وكأننا نعيش في عالم آخر ، فهذا كله لا إشكال فيه ولكن لابد من مقاطع حقوق ،ولماذا لا يجعلون الطلاق بالتراضي والتفاهم ؟! ، فلابد من حدوث شجال ونزاع ولابد من وجود حكم وقضاء ، فكل الكنائس تحيل إلى القوانين المعمول بها عند ذي السلطان من باب " دع ما لله لله ومال لقيصر لقيصر " ، الميراث أحد أهم الجوانب التي تطبق فيها النصرانية إحالة الأمر إلى القانون ـ أي قانون إن كان ـ ، النصراني لما يعيش في أي بلد يبحث عن من يقسم له ، لذلك تجد في أوروبا وأمريكا قوانين ميراث عجيبة جداً ليست لها علاقة بأي شريعة .

بالنسبة لبلادنا ينص أن الأمور التي ليس لها تشريع خاص عند أتباع دين ما يحكم بالشريعة الإسلامية ، فالنصارى إذا ما تحاكموا إلى المحاكم في قضايا الميراث أعطي للذكر مثل حظ الإنثيين ويقبلونه !! ، لما فيه من حظ لأنفسهم ، ولذلك خرج عليهم أحدهم وقال لهم من يتحاكم إلى القانون في قضية الميراث والقانون يحكم بالشريعة الإسلامية فهو كافر بالمسيحية ، يعني إذا تحاكم من قانون يكون مستمد من أي شيء آخر لا يوجد مشكلة لأنه لا يوجد أحكام تفصيلية في النصرانية لكن إذا تحكام إلى القانون في الأبواب التي يستمدها من الشريعة الإسلامية فهذا كفر بالنصرانية ويدعوا إلى أن يذهبوا إلى أي عاقل يقسم بينهم بالتراضي أو حسب الأحوال ، يعني بلا شريعة ، ولكن هذا الدعوة لم تصمد أمام أنهم يذهبون إلى المحاكم ويطلبون قسمة الميراث وفق شريعة الإسلام لأن غالباً إذا وجد ذكور ذهبوا ليأخذوا هذا الميراث لأن لهم فيه حظ .

إذن تحاكمهم إلى الشريعة في الميراث لم يسقط لحاجتهم إليه ، ولكن في مسألة الطلاق هم يرفضونه فإما أن يسقط عملياً وإما أن يسقط عملياً ونظرياً ، فهذه قضية في غاية الأهمية وهي لابد من تعريف الناس بما يخالف شريعتهم حتى لا يتحكاموا إليه .

يقول : " ويؤخذ على هذا الاتجاه قصور النظر إلى نوع واحد من الواجبات الشرعية وإهمال واجبات أخرى نص عليها الكتاب والسنة وأجمع أهل العلم على فرضيتها ووجوب السعي على إقامتها مع كون الكثير من هذه الواجبات يمكن القيام بها أو بشيء منه على الأقل إذا اجتمعت الجهود وتضافرت إذ أن جهود الكفاية من التعلم والتعليم والحسبة وسد حاجات الفقراء والمساكين والأرامل وغيرهم وفصل الخصومات وفق شرع الله وإيصال الحقوق إلى أصحابها والسعي إلى إقامة الخلافة والجهاد ، وغير ذلك من فروض الكفاية المضيعة التي استفاضت أدلة كل منها كتاب وسنة لا يمكن أن يقام إلا على وجه الاجتماع والتعاون والملزم وليس المطلوب إقامته في جزء صغير من الأمة بل الواجب شرعاً إقامة كل ذلك في كل مكان وزمان يمكن إقامته فيه وفي كل القطاعات من المجتمع وعلى أوسع نطاق ممكن في المسجد والمدرسة والجامعة والمصنع وأصحاب المهن وغير ذلك . وهذا الكلام يأتي تفصيله في ثنايا الكلام على الجزء الأخير من البحث من الدعوة السلفية والتغيير "

قال : " كما يؤخذ على كثير من أصحاب هذا الاتجاه ترك الإنكار على المنكرات التي تتبناها الحكومات وتنشرها بين الناس كقضية الحكم بغير ما أنزل الله ومسائل الولاء والبراء ونشر الغزو الفكري والتبعية لمبادئ الوضعية للغرب "

يقول : " ولا يصح التعلل بتوفير الحماية للدعوة فإن الدعوة تفقد هويتها إذا رأت الناس يقعون في الضلال بل في الشرك وهي لا تحرك ساكنا وكأن الأمر لا يعنيها من قريب أو بعيد ، كما يؤخذ على أصحاب هذا النهج المبالغة في تضخيم سيئات الجماعات الإسلامية والإجحاف بمنافعها ومحاسنها فجعلت علاج المريض قتله أو إيقاف قلبه إذ أن جماعات الصحوة الإسلامية هي قلب الأمة الإسلامية النابض بالحياة بعد أن فقد الجسد كله مظاهر الحياة ، وكم كانت هذه الجماعات الإسلامية سبباً لهداية الشباب والشيوخ والنساء والأطفال وعودتهم إلى دينهم "

هذا ما ذكره البحث في شأن هذا الاتجاه ويبقى في البحث الكلام عن الدعوة السلفية والتغيير ولكننا قبل أن نخوض فيه لعلنا نتناول بعض النقاط التي تتعلق بالكلام على العمل الجماعي وموقف الرافضين له ببعض التفصيل ثم نأخذ بالكلام على الدعوة السلفية والتغيير .

نكتفي بهذا القدر سبحانك اللهم ربنا وبحمد أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية