الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الفتاوى القاتلة

قارن معي بين الفتوتين: بين الراهب وفتوى العالم

الفتاوى القاتلة
أحمد عبد السلام ماضي
الاثنين ٠٣ أغسطس ٢٠١٥ - ١٢:٥٠ م
1537

الفتاوى القاتلة

كتبه/ أحمد عبد السلام ماضي

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛

إن مما يرفع وتيرة العنف ويشجع على سفك الدماء وانتهاك الحرمات، تلك الفتاوى الضالة المنحرفة التي تنشأ نتيجة الجهل والهوى أو التعصب والتهور والاندفاع؛ فتجد فتاوى فيها وضع النصوص في غير موضعها مِن النصوص التي فيها دفع الظلم أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو التي تأمر بالجهاد وقتال الكفار وأهل البدع مِن الخوارج، ويستدل بالنص في غير موضعه مع عدم قراءة متأنية للواقع كما نسمع في هذه الأيام مَن يُفتي بقتال الجيش المصري ويصفه بالردة، أو مَن يفتي بعدم الصلاة خلف أئمة الأوقاف والسلفيين، وكذلك عدم إجابة دعوتهم للإفطار؛ لأنهم يؤيدون النظام الحاكم بزعمه، كل ذلك على الفضائيات منتشرًا، يسمعها كثير مِن الشباب المغرر بهم، مما يؤجج مشاعر الغضب والغل والحقد، ويدفع لارتكاب أعمال متهورة مجنونة، وأنكى مِن ذلك فتاوى التكفير لأشخاص ومؤسسات فاعلة في البلاد مما يؤدي إلى شر مستطير .. وقد ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم مثلًا في الفتوى في قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على راهب، فأتاه، فسأله: هل له مِن توبة؟ فقال: لا. فقتله فأكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على رجل عالم، فقال: مَن يحول بينك وبين التوبة؟! انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسًا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك؛ فإنها أرض سوء .. قارن معي بين الفتوتين: بين الراهب وفتوى العالم.

 

1- فتوي الراهب نابعة مِن الجهل ومخالفة الدليل، يدل على ذلك وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالراهب، بينما وصف الثاني بالعالم.

 

2- كما أن الراهب افتقد إلى الفطنة، كما قال الحافظ بن حجر في فتح الباري، فلم يستعمل المعاريض والمداراة مع هذا القاتل، وهذا يدل على جهله بالواقع أيضًا، وليس بالشرع فحسب.

 

3- وتجد في الفتوى روح التهور والاندفاع؛ فكان مِن الممكن أن يستمهل القاتل للمراجعة والبحث، لكنه اندفع بفتوى صادمة أدت إلى مزيد مِن سفك الدماء، بل إنه أعانه على قتل نفسه، ولولا رحمة الله بأن هيَّأ له عالمًا ربانيًّا صحَّح الخطأ، وتدارك الموقف، ودله على الطريق، وسد باب الشر؛ وإلا لانطلق هذا الرجل يسفك الدماء في كل فجٍّ.

 

4- فبهذه الفتاوى الجائرة تصنع الطواغيت وتسفك الدماء الذين إذا سد في وجوههم باب التوبة بسبب الجاهلين والمتهورين ازداد شرهم وفسادهم.

 

5- وفي هذه الفتوى تشويه صورة الدين بأنه ليس فيه مجال للتوبة والإنابة.

 

6- ومِن الأخطاء أن فيها روح التعالي والتألي على الله، وكأن الله لا يقبل التوبة إلا من الراهب وأمثاله وأتباعه.

 

7- مِن أخطاء الفتوى أيضًا أنها نتاج عاطفي دون رجوع للشرع وتحكيم للعقل، فكأن الراهب استعظم قتل كل هذه النفوس، ولا يدري أنه بذلك يؤدي إلى مزيد مِن سفك الدماء.

 

8- كما أنها افتقدت لبُعْد النظر وفقه المآلات وعواقب الأمور .. فلو أنه تفكَّر في عاقبة فتواه ما أقدم عليها وربما أدرك خطورة الموقف، ولكن أصر ليثبت بطولة زائفة وشجاعة في غير موضعها.

 

9- الفتوى تفتقر لفقه المصالح والمفاسد؛ حيث إنها زادت الشر وسدت باب الخير، وهذا ينافي مسلك أهل العلم؛ فإذا نظرت إلى فتوى العالم تجد عليها النور والهداية والشفقة والرحمة بالخلق ومتابعة الدليل والرفق والحرص على صيانة الدماء وعافية الناس في الدنيا والآخرة وتقليل الشر وتكثير الخير، بل زاده العالم الرباني الدلالة على طريق النجاة، فكم سفكت وتسفك دماء مِن الشباب والجنود وغيرهم مِن معصومي الدم بسبب فهم مغلوط للنصوص وفتاوى باطلة تضع النص الشريف المعصوم في غير موضعه، وقد جاء في الحديث مَن أفتى فتوى غير ثبت، فإثمه على مَن أفتاه، فليتقِّ الله أهلُ العلم وطلابه في كلماتهم وفتاويهم، خاصة في ظل هذه الفتنة التي تحياها بلادنا؛ فرُبَّ كلمة أو فتوى مِن هنا أو هناك في سفك دم برئ وحبس مظلوم، وفي الأثر: "أجرؤكم على الفُتيا أجرؤكم على النار"، وفي الحديث الصحيح: "مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليسكت"، فلابد لمن يتكلم في الفتن المعاصرة أن يتحلى بالحلم والتأني، وأن يكون عالمًا بالأدلة بصيرًا بالواقع فقيه النفس معروفًا بالشفقة على الأمة خبيرًا بفقه المصالح والمفاسد مطلعًا على أحداث التاريخ والفتنة التي وقعت بسبب الخروج على الحكام بالسلاح، ومآلات الأمور كفتنة ابن الأشعث ووقعة الحرة ومقتل الحسين وعبد الله ابن الزبير رضي الله عنهما، وأقوال السلف وأهل العلم في ذلك، وندم مَن شارك في الفتن منهم.

 

أسأل الله أن يحفظ مصر وأهلها مِن كل مكروه وسوء.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً

من فقه الخلاف
778 ٠٦ يناير ٢٠٢٠
من محاسن الشريعة
646 ٢٤ ديسمبر ٢٠١٩
المرجع عند الخلاف
752 ٢٤ نوفمبر ٢٠١٩
نظرة الإسلام للمال
1033 ١٨ نوفمبر ٢٠١٩
هل تفرِّط في النعم؟!
1035 ١٧ مايو ٢٠١٨