الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الحكم بغير ما أنزل الله يشتمل على الكفر بنوعيه «الأكبر والأصغر»

خضوع الناس ورضوخهم لحكم ربهم خضوع ورضوخ لحكم من خلقهم تعالى ليعبدوه

الحكم بغير ما أنزل الله يشتمل على الكفر بنوعيه «الأكبر والأصغر»
عادل نصر
السبت ١٥ أغسطس ٢٠١٥ - ١٨:٠٥ م
2261

الحكم بغير ما أنزل الله يشتمل على الكفر بنوعيه «الأكبر والأصغر»

كتبه/ عادل نصر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

يلزمنا في هذا المقام أن نعلم أن الحكم بغير ما أنزل الله منه ما هو كفر أكبر مُخرج مِن الملة، ومنه ما هو ‏كفر أصغر، خلافًا لمن زعم أن كله من باب الكفر الأصغر، يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: «وَالصَّحِيحُ ‏أَنَّ الْحُكْمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ يَتَنَاوَلُ الْكُفْرَيْنِ؛ الْأَصْغَرَ وَالْأَكْبَرَ بِحَسَبِ حَالِ الْحَاكِمِ، فَإِنَّهُ إِنِ اعْتَقَدَ وُجُوبَ ‏الْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ، وَعَدَلَ عَنْهُ عِصْيَانًا، مَعَ اعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْعُقُوبَةِ، فَهَذَا كُفْرٌ أَصْغَرُ، ‏وَإِنِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ، مَعَ تَيَقُّنِهِ أَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ، فَهَذَا كُفْرٌ أَكْبَرُ،‏‎ ‎وَإِنْ جَهِلَهُ وَأَخْطَأَهُ ‏فَهَذَا مُخْطِئٌ، لَهُ حُكْمُ الْمُخْطِئِينَ».

قال العلامة محمد بن إبراهيم عبد اللطيف آل الشيخ: «إن مِن الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون ‏اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين على قلب محمد ‏صلى الله عليه وسلم‏ ليكون مِن المنذرين بلسان عربي مبين ...».

ويقول أيضًا: «فانظر كيف سجل الله تعالى على الحاكمين بغير ما أنزل الله بالكفر والظلم والفسوق، ‏ومن الممتنع أن يسمي الله سبحانه وتعالى الحاكم بغير ما أنزل الله (كافرًا) ولا يكون كافرًا، بل هو كافر مطلقًا؛ إما كفر ‏عمل، وإما كفر اعتقاد».

وما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيره هذه الآية من رواية طاوس وغيره يدل أن الحاكم بغير ‏ما أنزل الله كافر؛ إما كفر اعتقاد ناقل عن الملة، وإما كفر عمل لا ينقل عن الملة.

أما الأول وهو كفر الاعتقاد فهو أنواع: أحدها: أن يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله أحقية حكم الله ورسوله، وهو معنى ما روي عن ابن عباس ‏واختاره ابن جرير، أن ذلك هو جحود ما أنزل الله من الحكم الشرعي، وهذا لا نزاع فيه بين أهل العلم، فإن ‏الأصول المتقررة المتفق عليها بينهم أن مَن جحد أصلًا مِن أصول الدين أو فرعًا مجمعًا عليه أو أنكر حرفًا مما ‏جاء به الرسول ‏صلى الله عليه وسلم‏ قطعيًّا؛ فإنه كافر الكفر الناقل عن الملة.

الثاني: أن لا يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله كون حكم الله ورسوله حقًّا، لكن اعتقد أن حكم غير ‏الرسول ‏صلى الله عليه وسلم‏ أحسن مِن حكمه وأتم وأشمل؛ لما يحتاجه الناس مِن الحكم بينهم عند التنازع، إما مطلقًا أو ‏بالنسبة إلى ما استجد مِن الحوادث التي نشأت عن تطور الزمان وتغير الأحوال، وهذا أيضًا لا ريب أنه كافر ‏لتفضيله أحكام المخلوقين التي هي محض زبالة الأذهان وصرف حثالة الأفكار على حكم الحكيم الحميد.

وحكم الله ورسوله ‏صلى الله عليه وسلم‏ لا يختلف في ذاته باختلاف الأزمان وتطور الأحوال وتجدد الحوادث؛ فإنه ما مِن ‏قضية كائنة ما كانت إلا وحكمها في كتاب الله تعالى وسنة رسوله ‏صلى الله عليه وسلم‏ نصًّا أو ظاهرًا أو استنباطًا أو غير ‏ذلك، علم ذلك مَن علمه وجهله مَن جهله، وليس معنى ما ذكره العلماء مِن تغير الفتوى بتغير الأحوال ما ‏ظنه من قل نصيبهم -أو عدم- من معرفة مدارك الأحكام وعللها، حيث ظنوا أن معنى ذلك بحسب ما ‏يلائم إرادتهم الشهوانية البهيمية وأغراضهم الدنيوية وتصوراتهم الخاطئة الوبية، ولهذا تجدهم يحامون عليها ‏ويجعلون النصوص تابعة لها منقادة إليها مهما أمكنهم؛ فيحرفون لذلك الكلم عن مواضعه .. وحينئذٍ معنى ‏تغير الفتوى بتغير الأحوال والأزمان مراد العلماء منه: ما كان مستصحبة فيه الأصول الشرعية والعلل المرعية ‏والمصالح التي جنسها مراد لله تعالى ورسوله ‏صلى الله عليه وسلم‏، ومن المعلوم أن أرباب القوانين الوضعية عن ذلك بمعزل، وأنهم ‏لا يعولون إلا على ما يلائم مراداتهم كائنة ما كانت، والواقع أصدق شاهد.

الثالث: أن لا يعتقد كونه أحسن من حكم الله ورسوله ‏صلى الله عليه وسلم‏، لكن اعتقد أنه مثله فهذا كالنوعين اللذين ‏قبله في كونه كافرًا الكفر الناقل عن الملة لما يقتضيه ذلك من تسوية المخلوق بالخالق والمناقضة والمعاندة لقوله ‏عزوجل: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ ونحوها من الآيات الكريمة الدالة على تفرد الرب بالكمال وتنزيهه عن مماثلة ‏المخلوقين في الذات والصفات والأفعال والحكم بين الناس فيما يتنازعون فيه.

الرابع: أن لا يعتقد كون حكم الحاكم بغير ما أنزل الله مماثلًا لحكم الله ورسوله ‏صلى الله عليه وسلم‏ فضلًا عن أن يعتقد ‏كونه أحسن منه، لكن اعتقد جواز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله، فهذا كالذي قبله يصدق عليه ما ‏يصدق عليه؛ لاعتقاده جواز ما علم بالنصوص الصحيحة الصريحة القطعية تحريمه.

الخامس: وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع ومكابرة لأحكامه ومشاقة لله ولرسوله ومضاهاة ‏بالمحاكم الشرعية إعدادًا وإمدادًا وإرصادًا وتأصيلًا وتفريعًا وتشكيلًا وتنويعًا وحكمًا وإلزامًا ومراجع ومستندات‏، فكما أن للمحاكم الشرعية مراجع مستمدات مرجعها كلها إلى كتاب الله وسنة رسوله ‏صلى الله عليه وسلم، فلهذه المحاكم ‏مراجع هي القانون الملفق من شرائع شتى وقوانين كثيرة كالقانون الفرنسي والقانون الأمريكي والقانون البريطاني ‏وغيرها من القوانين، ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشريعة وغير ذلك.

فهذه المحاكم الآن في كثير من أمصار الإسلام مهيأة مكملة مفتوحة الأبواب والناس إليها أسراب إثر ‏أسراب، يحكم بينهم بما يخالف السنة والكتاب من أحكام ذلك القانون وتلزمهم به وتقرهم عليه وتحتمه ‏عليهم، فأي كفر فوق هذا الكفر وأي مناقضة لشهادة أن محمدًا رسول الله بعد هذه المناقضة؟!‏

وذكر أدلة جميع ما قدمنا على وجه البسط معلومة معروفة لا يحتمل ذكرها هذا الموضع.‏

فيا معشر العقلاء، ويا جماعات الأذكياء وأولي النهى؛ كيف ترضون أن تجري عليكم أحكام أمثالكم ‏وأفكار أشباهكم أو من هم دونكم ممن يجوز عليهم الخطأ، بل خطؤهم أكثر من صوابهم بكثير، بل لا صواب في ‏حكمهم إلا ما هو مستمد مِن حكم الله ورسوله نصًّا أو استنباطًا، تدعونهم يحكمون في أنفسكم ودمائكم ‏وسائر حقوقكم، ويتركون ويرفضون أن يحكموا فيكم بحكم الله ورسوله الذي لا يتطرق إليه الخطأ ولا يأتيه ‏الباطل مِن بين يديه ولا مِن خلفه تنزيل من حكيم حميد؟!‏

وخضوع الناس ورضوخهم لحكم ربهم خضوع ورضوخ لحكم من خلقهم تعالى ليعبدوه، فكما لا يسجد ‏الخلق إلا لله ولا يعبدون إلا إياه ولا يعبدون المخلوق، فكذلك يجب أن لا يرضخوا ولا يخضعوا أو ينقادوا إلا ‏لحكم الحكيم العليم الحميد الرءوف الرحيم دون حكم المخلوق الظلوم الجهول الذي «أهلكته الشكوك ‏والشهوات والشبهات واستولت على قلوبهم الغفلة والقسوة والظلمات، فيجب على هؤلاء العقلاء أن يربئوا ‏بنفسوهم عنه لما فيه من الاستعباد لهم والتحكم فيهم بالأهواء والأغراض والأخطاء، فضلًا عن كونه كفرًا بنصِّ ‏قوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾.

السادس: ما يحكم به كثير من رؤساء العشائر والقبائل من البوادي ونحوهم من حكايات آبائهم ‏وأجدادهم وعاداتهم التي يسمونها «سلومهم» يتوارثون ذلك منهم ويحكمون به ويحضون على التحاكم إليه عند ‏النزاع، إبقاءً على أحكام الجاهلية، وإعراضًا ورغبة عن حكم الله ورسوله ‏صلى الله عليه وسلم،‏ فلا حول ولا قوة إلا بالله.‏

وأما «القسم الآخر» من قسمي كفر الحاكم بغير ما أنزل الله وهو الذي لا يخرج من الملة، وذلك أن تحمله ‏شهوته وهواه على الحكم في القضية بغير ما أنزل الله مع اعتقاده أن حكم الله ورسوله هو الحق واعترافه على ‏نفسه بالخطأ ومجانبه الهدى، وهذا وإن لم يخرجه كفره عن الملة فإنه معصية عظمى أكبر من الكبائر كالزنا ‏وشرب الخمر والسرقة واليمين الغموس وغيرها، فإن معصية سماها الله في كتابه كفرًا أعظم من معصية لم ‏يسمها كفرًا .. نسأل الله أن يجمع المسلمين على التحاكم إلى كتابه انقيادًا ورضاءً، إنه ولي ذلك والقادر عليه».‏

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وَالْإِنْسَانُ مَتَى حَلَّلَ الْحَرَامَ -الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ-، أَوْ حَرَّمَ الْحَلَالَ ‏‏-الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ- أَوْ بَدَّلَ الشَّرْعَ -الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ- كَانَ كَافِرًا مُرْتَدًّا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ»، ويقول في موضع ‏آخر: «وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا - حَيْثُ أَطَاعُوهُمْ فِي تَحْلِيلِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَتَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ ‏اللَّهُ يَكُونُونَ عَلَى وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا): أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّهُمْ بَدَّلُوا دِينَ اللَّهِ فَيَتْبَعُونَهُمْ عَلَى التَّبْدِيلِ فَيَعْتَقِدُونَ ‏تَحْلِيلَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَتَحْرِيمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ اتِّبَاعًا لِرُؤَسَائِهِمْ مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّهُمْ خَالَفُوا دِينَ الرُّسُلِ فَهَذَا كُفْرٌ وَقَدْ جَعَلَهُ ‏اللَّهُ وَرَسُولُهُ شِرْكًا - وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا يُصَلُّونَ لَهُمْ وَيَسْجُدُونَ لَهُمْ - ...».

وكذلك فرقوا بين التعيين والعموم؛ فالمعين لا يكفر حتى تقام عليه الحجة الرسالية ولا يقيمها إلا عالم بها ‏أو ذو سلطان، فليس كل مَن أتى كفرًا يكون كافرًا حتى تثبت في حقه الشروط وتنتفي الموانع، وتكفير ‏الحكام بأعيانهم أمر جلل سيترتب عليه أحكام عظيمة، ولذا فلا بد من الرجوع إلى العلماء الأثبات والأئمة ‏الثقات حتى لا يتحول الأمر إلى فتنة عمياء.‏

وكما فرق أهل الحق والوسطية بين الكفر الأكبر والأصغر والمعين والعموم في هذا الباب، فرقوا بين ما كان ‏من باب النظم الإدارية والتي يراد بها ضبط الأمور وتحقيق المصلحة، وبين النظام التشريعي الذي يخالف تشريع ‏رب الأرض والسماء؛ فالأول: لا مانع منه ما دام لا يخالف شرع الله، أما الثاني: فتحكيمه كفر بالله.

وهم في العزلة والخلطة والانفراد والاجتماع وسط بين فريقين؛ فريق فرط وقصر فرأى العزلة والتفرد مطلقًا ‏بدون تمييز بين الخير والشر، والطاعة والمعصية، مؤثرًا للسلامة -في ظنه-، زاعمًا أن كل اجتماع محظور، ‏أما الفريق الآخر فقد غلا وجاوز الحد؛ فأوجب الاجتماع مطلقًا بغض النظر عما سيجتمع الناس عليه، ‏وقاعدتهم في ذلك: «لنتعاون فيما اتفقنا فيه، وليعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه»، معتقدين مع ذلك ‏أيضًا أن جماعتهم جماعة المسلمين التي لا يجوز الخروج عنها بحال، ولم يميزوا بين الإمامة الكبرى الموضوعة ‏لسياسة الدنيا بالدين وبين تلكم الاجتماعات على طاعة من الطاعات.

وبين هؤلاء وهؤلاء كان أهل الحق الذي جمعوا بين الفقه والنظر والحديث والأثر ، حيث ميزوا بين ‏الاجتماع على الخير والاجتماع على الشر، فرقوا بين التعاون على البر والتقوى وبين التعاون على الإثم ‏والعدوان، فالأول مشروع والثاني ممنوع.

كما فرقوا بين الطاعات الفردية التي يستطيع المرء إنجازها بغير حاجة لغيره، وبين الطاعات الجماعية التي ‏يعجز الفرد عن الإتيان بها مع أمر الشرع بتحصيلها، فقالوا بوجوب الاجتماع عليها، إذ ما لا يتم الواجب ‏إلا به فهو واجب، والوسائل لها أحكام المقاصد.

والمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس، فتعاونهم على البر والتقوى لا ‏الإثم والعدوان، ومخالطتهم في الخير دون الشر، واجتماعهم لتحصيل الطاعات لا اقتراف المعاصي، وكلمة ‏التوحيد عندهم قبل توحيد الكلمة.

وفي ضوء ما سبق تفصيله وبيانه من وسطية أهل السنة بين أهل الغلو من جهة وأهل التفريط من جهة ‏أخرى يتضح لنا أن هذه الوسطية تعني اتِّبَاع الحق وامتثال الأوامر الإلهية واجتناب النواهي، ولذا كان أهل هذه ‏الوسطية عدولًا خيارًا وكانوا أسعد الناس لما سلَّموا للوحيين، إذ لا يثبت الإسلام إلا على ظهر التسليم ‏والاستسلام، والدعوة السلفية بمنهجها السني هي التي تلزم هذه الوسطية.

فليست الوسطية إذن كما فهم الكاتب وغيره، وقوفًا بين الحق والباطل، كيف وقد ذم الله المنافقين فقال: ‏‏﴿مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء﴾، ولو كان ما عليه جمهور المسلمين اليوم على الرغم من ‏تفريطهم وتقصيرهم هو الوسطية لكان الأمر غير ذلك؛ ولحازوا التمكين ونصرهم الله على عدوهم ولسادوا ‏الدنيا وفتحوها كما فعل أجدادهم من الصحابة الكرام، ولما كان الواقع خلاف ذلك من تسلط الأعداء على ‏الأمة وتشرذمها وضياع مقدساتها وسفك دمائها ونهب ثرواتها علمنا قطعًا أنها ليست على الوسطية التي ‏ارتضاها الله عز وجل لها حيث قال: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾، بل على الأمة اليوم أن تجتهد في ‏تحقيق هذه الوسطية لتنال الخيرية ويرفع الله عز وجل عنها البلاء، إذ ليس من الوسطية في شيء أن تهمل أمة ‏الإسلام -لاسيما أهل الدعوة منهم- أن يهملوا تحقيق التوحيد والدعوة إليه وهو أوجب الواجبات على الإطلاق ‏وأصل الأصول كما نطقت بذلك الأدلة حيث قال تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾، وليس مِن الوسطية ‏أن يترك الناس منغمسين في الشرك بدون نكير بزعم أن هذا سيفرق صف الأمة، كيف وقد قال تعالى: ﴿إِنَّ ‏اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾، وليس مِن الوسطية في شيء أن تميع مفاهيم ‏الولاء والبراء وهو مِن أظهر الأحكام وأكثرها ذكرًا في كتاب الله، حيث قال تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ‏وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ ‏كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ ‏عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، وكذلك قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا ‏الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء﴾، وقوله ‏صلى الله عليه وسلم‏: «أَوْثَقُ عُرَى الإِسْلاَمِ: الْحُبُّ فِي اللهِ، ‏وَالْبُغْضُ فِي اللهِ»؛ فالوسطية في هذا الباب تعني محبة المؤمنين وموالاتهم وبغض الكافرين والبراءة منهم.

وليس مِن الوسطية في شيء التفريط في هدي الرسول ‏صلى الله عليه وسلم‏ وهو خير الهدي وبه تحافظ الأمة على هويتها ‏ويبقى تميز الشخصية المسلمة عن غيرها، بل اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، وإننا لنقطع ‏بأن من أعظم أسباب جلب البلاء على الأمة اليوم تفريطها في هدي رسول الله وتشبهها بالكفار.

ولما كانت الوسطية التي بها تدخل الأمة دائرة الخيرية ويصبح أهلها عدولًا لما كانت هذه الوسطية تعني ‏التمسك بنصوص الوحيين كتابًا وسنةً كان تعلق السلفية بهما والتماسها الهداية فيهما هو الحق الذي لا مرية ‏فيه، وإن اعتبر الكاتب ذلك تهمة راح يشنع عليها بأنها تتعلق بالنصوص وهي والله تهمة لا نتبرأ منها وشرف، ‏نحمد الله تعالى على أن مَنَّ به علينا .. وفي المقال القادم تفصيل لهذا الإجمال إن شاء الله تعالى.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة