الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الاتحاد الأوروبي وخروج بريطانيا منه (3)

لا بد من التحسب في اتخاذ القرارات المصيرية لكل الاحتمالات ووضعها في الحسبان

الاتحاد الأوروبي وخروج بريطانيا منه (3)
علاء بكر
السبت ٣٠ يوليو ٢٠١٦ - ١٨:٣٨ م
1544

الاتحاد الأوروبي وخروج بريطانيا منه (3)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ترتبط الدول العربية -خاصة دول الخليج ومصر- بشراكة تجارية وباستثمارات مع بريطانيا، إذ أن بريطانيا شريك أول للعديد من الدول العربية، فهناك شركات بريطانية تعمل في العديد من القطاعات الحيوية مثل الغاز والبترول والكهرباء في الدول العربية، و يخشى معها أن تتأثر حركة التجارة البينية والاستثمارات العربية والبريطانية بما قد تتعرض له بريطانيا وأوروبا من جراء خروج بريطانيا المنتظر من الاتحاد الأوروبي.

كما إن بريطانيا بحكم علاقاتها التاريخية مع الدول العربية خاصة النفطية جعلتها جاذبة للاستثمارات العربية لاسيما الخليجية، كما أنه يعيش في بريطانيا الكثير من أغنياء العرب والمنتمين للطبقات الوسطى منذ أجيال، وتقدر الاستثمارات الخليجية في بريطانيا بأكثر من 120 مليار جنيه مستثمرة في العقارات والأسهم و كودائع في البنوك بالجنيه الإسترليني.

ويتوقع المراقبون للأحداث حدوث انكماش للناتج الإجمالي المحلي لبريطانيا مع تراجع قيمة الجنيه الإسترليني، وأن تقوم بريطانيا بعقد اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي واتفاقات تجارية مع باقي دول العالم من جديد، وإلا فهي مرغمة على الالتزام بقوانين منظمة التجارة العالمية، وهو ما سيعيد الحواجز الجمركية مما يكبد بريطانيا خسائر اقتصادية.

ويتوقع الكثيرون في ظل ترقب أن تقوم بريطانيا بالإقدام على تعديلات في قوانين الاستثمار نتيجة فقدها التمتع بالمعاهدات والاتفاقيات التي كانت في ظل الاتحاد الأوروبي أن تتجه أنظار المستثمرين إلى خارج بريطانيا، ونأمل  أن تكون مصر في مقدمة الدول التي تنتقل إليها الاستثمارات الخليجية حال خروجها من بريطانيا، وهذا يستدعي توفير المزيد من المناخ الجاذب لهذه الاستثمارات، وتقديم المزيد من الحوافز للفوز بها، خاصة وأن مصر أعادت من جديد علاقاتها الدولية مع العالم الخارجي في السنوات الأخيرة، واستعادة تجاوب دول العالم معها، كما وقعت مع العديد من الدول العربية الخليجية اتفاقيات تمهد لضخ المزيد من الاستثمارات الخليجية في مصر.

الاستثمارات البريطانية في مصر:

تستثمر بريطانيا في مصر ما قيمته 25 مليار دولار لا علاقة لها بالاتحاد الأوروبي، ولا يتوقع تأثرها بخروج بريطانيا من الاتحاد.

أثر الأزمة على احتياطي النقد في مصر:

 رغم تعرض الجنيه الإسترليني لهزّة لم يتعرض لها من سنوات طويلة كنتيجة سلبية لاختيار البريطانيين الخروج من الاتحاد الأوروبي فإن هذا لا يؤثر بشكل واضح على احتياطي مصر من العملات الأجنبية إذ إن أغلب احتياطي مصر من العملات الأجنبية بالدولار الأمريكي، واستخدام مصر لليورو الأوروبي والإسترليني في الاستيراد محدود.

ولكن ألقى الحدث بظلاله على أسعار الذهب فساهم في زيادة ارتفاعها في السوق المصري لارتفاعها عالميا.

كذلك فرغم التداعيات السلبية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على أسواق المال الذي أدى إلى تراجع في مؤشرات الأسهم الرئيسية في العالم فإن هذا لم يؤثر على العملات الأجنبية في البنك المركزي المصري إذ أنها تستخدم في استيراد السلع وليس المضاربة، كما أن الدولار هو المكون الرئيسي لهذه العملات الأجنبية، وما عداه فعملات فرعية.

وفي ضوء ما ذكرناه فإن على المسئولين في مصر:

- مراجعة بنود الصادرات والواردات المصرية إلى ومن الأسواق الأوروبية وبريطانيا للتعرف على أفضل الفرص للتعامل مع كل من الطرفين.

- التحرك بسرعة لعقد اتفاقيات ثنائية مع بريطانيا والوقوف على أفضل الشروط المتاحة نظرا لما هو متوقع من أن تكون هناك منافسة في الفترة المقبلة من دول كثيرة من دول العالم لعقد اتفاقيات جديدة للتجارة الثنائية  والاستثمار مع بريطانيا بعد الانفصال.

- مراقبة أداء البورصة في الفترة القادمة تحسبا لأي تطورات تستدعي التعامل العاجل معها وإيجاد البدائل المناسبة حال ظهور أي اضطرابات تؤثر على الاقتصاد المصري، أو تتعرض لها أي أسهم مصرية مدرجة في بورصة لندن.

-  التحسب لما قد تتعرض له حركة التجارة العالمية من ركود، وبالتالي انخفاض التبادل التجاري العالمي، وتأثر حركة الملاحة الدولية بذلك، كتداعيات لتأثر الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بقرار الانفصال وبدء تنفيذه واقعيا.

وبعد : 

فقد جاء تصويت البريطانيين بالخروج من الاتحاد الأوروبي و الإعلان عن احتمالية أن  تحذو بعض دول الاتحاد حذو بريطانيا بمثابة زلزال هز بشدة جهودًا أوروبية استمرت  طوال العقود الست الماضية، واستطاعت أن تكلل جهودها بتكوين أكبر منطقة تجارية حرة تضم هذا العدد الكبير من الدول الأوروبية، والتي  تضم قرابة 500 مليون نسمة، ويشير هذا الزلزال إلى دلالات هامة، منها:

- ضرورة وجود درجة كبيرة من الترابط والتوافق والتناسق بين الدول التي تسعى للترابط الاقتصادي والسياسي والاجتماعي فيما بينها، تجعل مواطنيها تقدم دائما المصلحة الجماعية على أي مصالح خاصة.

- خطورة الانقسامات والحملات الانقسامية داخل المجتمعات، حتى وإن كانت تنعم بالاستقرار والازدهار، والتي قد تؤدى في النهاية إلى الأخذ بقرار قد يكون بغير التقدير المطلوب للعواقب المترتبة عليه.

-  الانقسامات تطال حتى الأحزاب الرئيسية التاريخية، حتى في الأمور التي تبدو فوائدها واضحة كما هي في فوائد أكبر منطقة تجارية حرة في العالم، كمنطقة اليورو الأوروبية، والاختلاف داخل الأحزاب الرئيسية التاريخية –المحافظين والعمال-  في بريطانية حولها. 

- خطورة الأحزاب الهامشية المناهضة لاتجاه المجموع  والتي يمكنها أن تغير السياسية العامة للدولة حتى ولو لم يكن لها فرصة في الوصول للسلطة. لقد  اضطر ديفيد كاميرون –رئيس وزراء بريطانيا– إلى إجراء الاستفتاء على الخروج لمواجهة خطر انضمام بعض مؤيدي حزبه إلى أحزاب أخرى هامشية تدعو إلى الانفصال، دون أن يقدر خطر تنامي تيار الانقسام داخل المجتمع البريطاني ككل.

-  تأثر التيارات السياسية داخل المجتمع بالتيارات السياسية المشابهة لها خارج المجتمع، إذ يرى الكثيرون أن ظهور المرشح الأمريكي (دونالد ترامب) بفكره المعادي لوجود  الأجانب والمهاجرين في أمريكا غذى هذا الاتجاه المشابه له في بريطانيا، وهو الاتجاه الأكبر الداعم للانفصال.

- التفكك السياسي والاجتماعي في المجتمع يجعله يرفض ما تؤيده النخبة السياسية والاقتصادية ويدعو إليه الخبراء والمتخصصون ويحذرون من مغبة مخالفته. 

- أن في السياسية لا يوجد ما يستحيل وقوعه، حتى وإن كان احتمالا ضعيفا، فلا بد من التحسب في اتخاذ القرارات المصيرية لكل الاحتمالات ووضعها في الحسبان.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة