الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

عقيدة الولاء والبراء -4

ضرب السلف الصالح رضوان الله عليهم من الصحابة والتابعين وتابعيهم أروع المواقف البطولية في الولاء للإسلام وأهله، والبراءة من الكفر وأهله

عقيدة الولاء والبراء -4
محمد إسماعيل المقدم
الخميس ٠١ سبتمبر ٢٠١٦ - ١٣:٤٣ م
5989

عقيدة الولاء والبراء [4]

محمد إسماعيل المقدم

الولاء والبراء أحد قلاع التوحيد، وأحد أركان الإسلام التي يجب على كل مسلم أن يفهمها ويطبقها في عقيدته ومعاملاته مع من حوله، وقد ضرب السلف الصالح رضوان الله عليهم من الصحابة والتابعين وتابعيهم أروع المواقف البطولية في الولاء للإسلام وأهله، والبراءة من الكفر وأهله.

 

حكم إقامة المسلم في بلاد الكفار

         

 

حكم الإقامة في بلاد الكفار فيها تفصيل؛ فإنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: أن يقيم عندهم، ويرضى ما هم عليه من الكفر، ويعاونهم على المسلمين، فهذا كافر، قال صلى الله عليه وسلم: (من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله)، وصح عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: من نشأ في بلاد الأعاجم فصنع نوروزهم -يعني: اشترك في احتفالاتهم ومهرجانهم- وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وهذا يقتضي أنه جعله كافراً بمشاركتهم في مجموع هذه الأمور. فمن رضي بما هم عليه من الكفر، وانشغل بمدحهم وعيب المسلمين، وعاونهم على المسلمين فهذا كافر مرتد بهذا الفعل وهذه الموالاة. القسم الثاني: أن يكون همه لأجل مصلحة دنيوية من مال أو ولد أو بلاد وهو لا يظهر دينه مع قدرته على الهجرة، ولا يعينهم على المسلمين بنفس ولا مال ولا لسان، ولا يواليهم بقلبه ولا بلسانه، فهذا لا يكفره العلماء لمجرد جلوسه ومكثه بين أظهرهم، ولكن يقولون: إن هذا قد عصى الله ورسوله بترك الهجرة، وإن كان مع ذلك يبغضهم في الباطن؛ لقول الله سبحانه وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:97]. قال الإمام ابن كثير رحمه الله: (ظالمي أنفسهم) أي: بترك الهجرة، ثم قال: فهذه الآية عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة، وليس متمكناً من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه مرتكب حراماً بالإجماع وبنص هذه الآية. وتجد العلماء لهم كلام شديد جداً يصل إلى التكفير في حق من يتجنس بجنسية هذه البلاد، وبعض الناس لغفلتهم عن الولاء والبراء، وعن العمل بلوازم لا إله إلا الله يأخذ جنسية بعض هذه البلاد الكافرة، ويعتبره مكسباً، وهو يدفع لقاء ذلك ثمناً من دينه، والإنسان إذا تجنس بهذه الجنسيات إذا لم يجند هو في جيوش هذه البلاد فأولاده سيصبحون من هذه البلاد، ويدخلون جيوشهم، ولابد أن يشتركوا معهم في حربهم إذا حاربوا المسلمين، ويصبحون يعاملون كأي مواطن من تلك البلاد، له حقوق وعليه واجبات تجاه هذه الدولة الكافرة، فلا ينبغي التساهل في أمر أخذ الجنسيات؛ لأن العلماء لهم كلام شديد يصل إلى تكفير من يتجنس بجنسيات هذه البلاد الكافرة. روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن ناساً من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين، يعني: أن بعض المسلمين ممن كانوا قادرين على الهجرة من مكة إلى المدينة بقوا في مكة وهم قادرون على الهجرة، فكان المشركون يظنون أنهم مثلهم من الكفار، فحينما خرجوا لمقاتلة المسلمين كانوا يخرجونهم معهم؛ لأنهم في الظاهر مع المشركين! يقول ابن عباس : إن ناساً من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأتي السهم فيرمى به، فيصيب أحدهم فيقتله أو يضرب فيقتل، فأنزل الله: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ [النساء:97] بأنهم لم يهاجروا. وقد سد الله سبحانه وتعالى باب الأعذار الواهية، فأي إنسان يعتذر عن الهجرة لا يخرج عذره عن هذه الثمانية المذكورة في قوله تعالى: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة:24]. فإذا كانت مكة هي أشرف بقاع الأرض، وأوجب الله عز وجل الهجرة منها، ولم يجعل محبتها عذراً في عدم مغادرتها حينما كانت الهجرة واجبة فكيف بغيرها من البلدان؟! القسم الثالث: ممن يكون في بلاد المشركين فهو من لا حرج عليه في الإقامة بين أظهرهم، وهم نوعان: النوع الأول: أن يكون مظهراً دينه، فيتبرأ منهم وما هم عليه، ويصرح لهم ببراءته منهم لأنهم ليسوا على حق، بل إنهم على باطل، وهذا هو إظهار الدين الذي لا تجب معه الهجرة كما قال تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون:1-6]، فأمره أن يخاطبهم بأنهم كافرون، وأنه لا يعبد معبوداتهم، وأنهم على الشرك وليسوا على التوحيد، وأنه قد رضي بدينه الذي هو عليه، وبرأ من دينهم الذي هم عليه كما قال تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يونس:104-105]. فمن قال مثل ذلك للمشركين لم تجب عليه الهجرة، وليس المراد بإظهار الدين أن يترك الإنسان يصلي ولا يقال له: اعبد الأوثان، إظهار الدين الذي يذكر العلماء أنه شرط في جواز الإقامة بين المشركين ليس مجرد أن يلتزم شعائر الإسلام من إقامة الصلاة مثلاً أو أنهم لا يجبرونه على عبادة الأوثان، فإن اليهود والنصارى لا ينهون من صلى في بلدانهم، ولا يكرهون الناس على أن يعبدوا الأوثان، بل المقصود بإظهار الدين هو التصريح للكفار بالعداوة، وإذا لم يحصل التصريح للمشركين بالبراءة منهم ومن دينهم لم يكن إظهار الدين حاصلاً. وإظهار الدين بهذا المعنى يرخص في عدم الهجرة من تلك البلاد. وهنا نذكر حادثة بئر معونة الحادثة المشهورة، فإنه لما قدم عامر بن مالك المشهور بملاعب الأسنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرض عليه الإسلام، ولكنه لم يسلم ولم يبعد، وقال: يا محمد! لو بعثت رجالاً من أصحابك إلى أهل نجد فدعوهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك، فقال صلى الله عليه وسلم: (أخشى عليهم أهل هذه البلاد) فقال له: أنا لهم جار، وتعهد أنه سوف يحميهم، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين رجلاً من أصحابه من خيار المسلمين رضي الله عنهم، وكان ذلك في شهر صفر على رأس أربعة أشهر من غزوة أحد، فساروا حتى نزلوا ببئر معونة، فلما نزلوها بعثوا أحدهم -وهو حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عامر بن الطفيل ، فلما أتاه لم ينظر في الكتاب، بل عدا عليه وقتله، فلما طعن حرام بن ملحان بالرمح صاح وقال: فزت ورب الكعبة! ثم استنفر عامر بن الطفيل بني عامر يستعديهم على بقية الدعاة السبعين من الصحابة الذين خرجوا لدعوة هؤلاء في دار الكفر في بلادهم، فأبوا أن يجيبوه وقالوا: لن نخفر عهد عامر بن مالك ، فاستدعى عليهم قبائل من سليم من عصية ورعل وذكوان، فأجابوه وانطلقوا فأحاطوا بالقوم في رحالهم، فلما رأوهم أخذوا سيوفهم وقاتلوهم فقتل المسلمين عن آخرهم، وكان من الدعاة رجلان بعيداً عنهم لم يشهدا هذه الوقعة الغادرة، أحدهما عمرو بن أمية الضمري ، ولم يعرفا النبأ إلا فيما بعد، فأقبلا يقاتلان عن إخوانهما فقتل زميله معهم، وأفلت هو فرجع إلى المدينة. فمكث الرسول عليه الصلاة والسلام شهراً كاملاً يقنت ويدعو على قبائل سليم: رعل وذكوان وعصية. وفي هذا الحادث يقول الدكتور البوطي في كتابه فقه السيرة: لا يجوز للمسلم المقام في دار الكفر أو الحرب إن لم يمكنه إظهار دينه، ويسن له ذلك إن أمكنه إظهار دينه، والذي يدل عليه هذا المشهد من سيرته صلى الله عليه وسلم أنه يستثنى من ذلك ما إذا كان مقام المسلم في دار الكفر ابتغاء القيام بواجب الدعوة الإسلامية هناك، فذلك من أنواع الجهاد التي تتعلق مسئوليته بالمسلمين كلهم على أساس فرض الكفاية الذي إن قام به البعض قياماً تاماً سقطت المسئولية عن الباقين وإلا اشتركوا كلهم في الإثم، وهذا الكلام أشار إليه صاحب مغني المحتاج في فقه الشافعي . فالقسم الذي لا حرج عليه في الإقامة بين أظهر المشركين هو الذي يقدر على إظهار دينه بالمعنى الذي أوضحناه. النوع الثاني: أن يقيم عندهم مستضعفاً فيجوز، وقد بين الله الاستضعاف في كتابه في قوله: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا [النساء:98]، وفي قوله تعالى: وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا [النساء:75]. يقول البغوي رحمه الله تعالى: إن الأسير المسلم عند الكفار إذا استطاع الخلاص منهم لم يحل له المقام بينهم، فإن حلفوه أنهم إذا تركوه لا يخرج إلى دار الإسلام فحلف؛ وجب عليه الخروج، ويمينه يمين مكره لا كفارة عليه فيها، وإن حلف لهم من غير أن يحلفوه فعليه الخروج إلى دار الإسلام، ويلزمه كفارة يمين. أما حكم السفر إلى بلاد الكفار الحربية لأجل التجارة ففي ذلك تفصيل: فإن كان ي......

 

بعض مظاهر الولاء والبراء في الإسلام

         

 

نشير إلى بعض مظاهر الولاء والبراء كما بينها الشارع الشريف: ......

 

منع الكفار من الإقامة في الجزيرة العربية

         

 

من مظاهر الولاء والبراء: منع المشركين من الإقامة في بعض البلاد؛ وذلك لقول الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ [التوبة:28]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما نحن في المسجد خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (انطلقوا إلى يهود، فخرجنا معه، حتى إذا جئنا بيت المدارس قام النبي صلى الله عليه وسلم فناداهم فقال: يا معشر اليهود! أسلموا تسلموا فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك أريد، فقال: أسلموا تسلموا، فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم، فقال لهم: ذلك أريد، ثم قالها الثالثة، فقال: اعلموا أنما الأرض لله ورسوله، وإني أريد أن أجليكم من هذه الأرض) متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)، وقال أيضاً: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلماً). فبعض البلاد الإسلامية لا يجوز أن يدخلها هؤلاء المشركون، وهذا من مقتضيات الولاء والبراء.

 

 

 

 

حرمة مشاركة الكفار في أعيادهم

         

 

أيضاً: من مقتضيات الولاء والبراء: عدم مشاركتهم في أعيادهم، وهذا أمر يحتاج إلى تفصيل كثير كما بيناه من قبل، وهو حكم مشاركة المسلمين الكفار في أعيادهم، وأن هذا لا يجوز؛ لأنه من الموالاة المحرمة، وأن المسلمين ليس لهم إلا عيدان: عيد الفطر وعيد الأضحى، وما زاد عن ذلك فهو من البدع إن كانت أعياداً في الدين أو من جملة هذه الدعوات الوطنية والقومية التي هي من الباطل ومن الزور، قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ [الفرقان:72]، وهذه الأعياد الوطنية كلها ليست من الإسلام في شيء، بل ليس للمسلمين إلا عيدان وهما الفطر والأضحى.

 

 

 

 

الجهاد في سبيل الله

         

 

من لوازم الولاء والبراء جهاد الكفار، بمعنى مقاتلة أعداء الله سبحانه وتعالى بكل أنواع الجهاد المعروفة. فالجهاد من أعظم مظاهر الموالاة للمؤمنين والمعاداة للكافرين والمنافقين، بل هو ذروة سنام الإسلام كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وفهم الجهاد في الإسلام أمر مطلوب، ونجد أن تشويه هذا التصور لم يسلم منه كثير من خواص المسلمين في هذا الزمان، حتى إن بعض كبار الشيوخ يتكلم أن الإسلام يترك الحرية لكل صاحب عقيدة أن يدعو إليها في سلام وأمان وبلسانه في حرية مطلقة، وأكثر الناس يحتارون من مثل هذا الكلام من خواص المسلمين، ومن عالم يمثل مشيخة الأزهر ومع ذلك يقول هذا الكلام، ولعلها تأتي فرصة إن شاء الله لنوبخهم، فكثير من المنهزمين أمام أعداء الإسلام يحرفون حقائق الجهاد حتى يرضوا أسيادهم من غربيين، وحتى يتقربوا إليهم بعمليات البتر هذه، والله المستعان.

 

 

 

 

انقطاع التوارث والولاية والزواج بالمسلمة من الكافر

         

 

من مظاهر الولاء والبراء: انقطاع التوارث بين المسلمين والكفار، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يتوارث أهل ملتين شتى). فالمسلم لا يرث الكافر، والكافر لا يرث المسلم، وهذا نوع من الاستعلاء، وليس كما عبر عنه بعض الشيوخ ليبين سماحة الإسلام فيقول: إن الإسلام سوى بين المسلم والكافر في الحرمان من الميراث! فيريد التزلف للمشركين بأن هذا نوع من العدل، والصواب أنه من الاستعلاء بحق، فالمسلم لو كان قريبه الكافر يملك مال قارون فهو يستعلي عن أن تكون بينه وبين هذا الكافر موالاة تفضي إلى أن يرثه، وليس المقصود بذلك أن الإسلام يساوي في الحرمان بين المسلم وبين الكافر في الميراث. أيضاً: انقطاع الموالاة، الكافر لا يصح أن يكون ولياً لابنته في عقد نكاحها، فتنقطع الموالاة في مثل هذا. أيضاً: المسلمة لا تتزوج كافراً بأي حال من الأحوال.

 

 

 

 

من قصص الصحابة في الولاء والبراء

         

 

نختم هذا البحث ببيان بعض المواقف العملية من قصص الصحابة رضي الله عنهم في الولاء والبراء، ونقدم بين يدي ذلك قول المقداد بن الأسود رضي الله عنه حينما قال: والله! لقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم على أشد حال بعث عليه نبي من الأنبياء في فترة وجاهلية لا يرون ديناً أفضل من عبادة الأوثان، فجاء بفرقان فرق به بين الحق والباطل، ففرق بين الوالد وولده، حتى إن الرجل ليرى والده أو ولده أو أخاه كافراً، وقد فتح الله تعالى فقل قلبه بالإيمان، ويعلم أنه إن هلك دخل النار؛ فلا تقر عينه وهو يعلم أن خليله في النار، وإنها للتي قال الله عز وجل: رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ [الفرقان:74]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك للصحابة رضي الله عنهم: (إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم -يعني: كأنهم معكم في هذا الجهاد- قالوا: وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة، حبسهم العذر)، فهذه موالاة ومناصرة للمسلمين حتى الذين لم يخرجوا معهم في الجهاد في غزوة تبوك، فيكنون للذين حبسهم العذر الموالاة القلبية والوجدانية كأنهم يسيرون معهم في كل واد وفي كل مكان، والمعذورون مع إخوانهم بالدعاء والمتابعة والارتباط القلبي، فذكر أنهم كأنهم معهم في مثل هذا الجهاد، وهذه من أعظم صور الموالاة.......

 

قصة المرأة الدينارية

         

 

نختم بقصة المرأة الدينارية، أي: من بني دينار، هذه المرأة لما كان النبي صلى الله عليه وسلم عائداً من غزوة أحد إلى المدينة خرج الناس من المدينة للاستفسار عن النبي صلى الله عليه وسلم وذويهم الذين كانوا مشتركين في المعركة، وهذه المرأة قد قتل أبوها وزوجها وأخوها وابنها، فلما نعوا لها ذلك لم تكترث كثيراً، بل كانت قلقة على حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا كلما يقولون لها: احتسبي عند الله أباك، تقول: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! يقولون: احتسبي عند الله أخاك.. احتسبي عند الله ابنك.. احتسبي عند الله زوجك.. كانت في كل مرة تقول: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قالوا: خيراً يا أم فلان! هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه، فلما رأته سالماً قالت مشيرة إلى مصيبتها بفقد أبيها وزوجها وأخيها وابنها: كل مصيبة بعدك جلل، تعني: أنها تهون كل مصيبة بعد سلامة النبي صلى الله عليه وسلم!

 

 

 

 

قصة عثمان بن مظعون ومصعب بن عمير

         

 

وكان عثمان بن مظعون رضي الله تعالى عنه جوار الوليد بن المغيرة فرأى إخوانه المؤمنين يعذبون، فرد عليه جواره، ثم جلس في مجلس كان فيه الشاعر لبيد وكان ينشد شعراً ويقول: ألا كل شيء ما خلا الله باطل قال: صدقت، فأكمل البيت وقال: وكل نعيم لا محالة زائل قال: كذبت، فغضب لبيد وقال: يا معشر قريش! ما كان يؤذى جليسكم، فقالوا: هذا سفيه في سفهاء معه قد فارقوا ديننا، فغضب عثمان بن مظعون رضي الله عنه وقام، واشتجروا، وأتى ذلك الرجل فضربه على عينه حتى خضرها -يعني: اخضرت من الضربة-، فقال له الوليد بن المغيرة حينئذ: أما والله -يا ابن أخي- لقد كنت في ذمة منيعة، يعني: ما حملك على أن تخرج من ذمتي؟ فقال: أما والله إني لفي جوار من هو أعز منك في جوار الله عز وجل، وأنشد شعراً قال فيه: فإن تك عيني في رضا الرب نالها يدا ملحد في الدين ليس بمهتدي فقد عوض الرحمن منها ثوابه ومن يرضه الرحمن يا قوم يسعدِ فإني وإن قلتم غوي مضلل سفيه على دين الرسول محمدِ أريد بذاك الله والحق ديننا على رغم من يبغي علينا ويعتدي ومن ذلك ما هو معروف من قصة مصعب بن عمير رضي الله عنه وانتقاله من النعيم والترف إلى الزهد نصرة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

 

 

 

 

قصة بلال وحبيب بن زيد

         

 

كان بلال رضي الله تعالى عنه يصبر على تعذيب المشركين له، حتى كانوا يضعون الصخرة العظيمة على صدره في شدة الحر، ويأمرونه أن يشرك بالله فيأبى عليهم ويقول: أحد أحد، ويقول: والله! لو أعلم كلمة أغيظ عليكم منها لقلتها. وكذلك حبيب بن زيد الأنصاري لما قال مسيلمة الكذاب له: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم، قال: أتشهد أني رسول الله؟ فقال: لا أسمع، فلم يزل يقطعه إرباً إرباً وهو ثابت على ذلك رضي الله تعالى عنه.

 

 

 

 

قصة أنس بن النضر

         

 

كان أنس بن النضر رضي الله عنه قد غاب عن قتال بدر فقال: غبت عن أول قتال قاتله رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين؛ ولئن أشهدني الله قتالاً للمشركين ليرين الله ما أصنع. فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون -يعني: انهزموا- فقال: اللهم! إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني: أصحابه، اعتذر عنهم ولم يتبرأ منهم، وقال: وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء، يعني: المشركين، والمعنى أن المسلم يشرع لك أن تتبرأ من فعله إذا كان مخالفاً للشرع، لكن لا تتبرأ منه كلية، أما الكافر فالبراءة منه من كل الوجوه. ثم تقدم فلقيه سعد بن معاذ ، فقال: إني لأجد ريح الجنة دون أحد، فقاتل حتى قتل، قال سعد : فلم أستطع أن أصنع ما صنع، فوجد فيه بضع وثمانون ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم، فكانوا يقولون: فيه وفي أصحابه نزل قوله تعالى: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا [الأحزاب:23].

 

 

 

 

قصة خبيب بن عدي

         

 

ومن مظاهر الولاء للمؤمنين والبراء من الكافرين ما كان من خبيب بن عدي رضي الله عنه حينما اعتقله المشركون، فساقوه إلى مكة، ووضعوه أسيراً لابن أبي إيهاب التميمي ليقتله بأبيه الذي كان قد قتل في غزوة بدر، ولما حددوا موعداً لقتله أخرجوه إلى التنعيم ليقتلوه، فقال: إن رأيتم أن تدعوني حتى أصلي ركعتين فافعلوا، فأذنوا له، فركع ركعتين أتمهما وأحسنهما، ثم أقبل على القوم فقال: أما والله لولا أن تظنوا أني إنما طولت الصلاة جزعاً من الموت لاستكثرت من الصلاة، ولما رفع على الخشبة قال له المشركون: ارجع عن الإسلام نخلي سبيلك، فقال: والله! لا أحب أن أرجع عن الإسلام وأن لي ما في الأرض جميعاً، قالوا: ارجع يا خبيب ! قال: لا أرجع أبداً، قالوا: أما واللات لئن لم تفعل لنقتلنك، قال: إن قتلي في الله قليل، وصرفوا وجهه لغير القبلة، فقال: أما صرفكم وجهي عن القبلة فإن الله تعالى يقول: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115]، ثم قال: اللهم إني لا أنظر إلا في وجه عدو، اللهم إنه ليس هاهنا أحد يبلغ رسولك عني السلام فبلغه أنت السلام، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الوقت بين صحبه في المدينة فأخذته غيبة ثم قال: (هذا جبريل يقرئني من خبيب السلام)، واقترب من خبيب أربعون رجلاً من المشركين بأيديهم الرماح وقالوا: هذا الذي قتل آباءكم في بدر، فقال خبيب : اللهم إنا قد بلغنا رسالة رسولك فأبلغه الغداة ما يصنع بنا، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً. ولما دعا هذه الدعوة كان بين هؤلاء المشركين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه و حكيم بن حزام و جبير بن مطعم ، ولم يكونوا قد أسلموا بعد، فلما سمعوه يدعو بهذه الدعوة؛ ألقى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بنفسه إلى الأرض فرقاً من دعوة خبيب ، وهرب حكيم بن حزام ، واختفى جبير بن مطعم ، وعندما أخذت الرماح تمزق جسده استدار إلى الكعبة وقال: الحمد لله الذي جعل وجهي نحو قبلته الذي ارتضى لنفسه ونبيه والمؤمنين، ثم استدار إلى القوم وأنشد: لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا قبائلهم واستجمعوا كل مجمع وقد جمعوا أبناءهم ونساءهم وقربت من جذع طويل ممنع إلى الله أشكو غربتي ثم كربتي وما جمع الأحزاب لي حول مصرعي فذا العرش صبرني على ما يراد بي فقد بضعوا لحمي وقد ياس مطمعي وقد خيروني الكفر والموت دونه وقد ذرفت عيناي من غير مجزع وما بي حذار الموت إني ميت ولكن حذاري حر نار ملفع وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع فلست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي ولست بمبد للعدو تخشعاً ولا جزعاً إني إلى الله مرجعي فقال له أبو سفيان : أيسرك أن محمداً عندنا نضرب عنقه وأنك في أهلك؟ قال: لا والله ما يسرني أني في أهلي وأن محمداً في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه صلى الله عليه وآله وسلم.

 

 

 

 

قصة سعد بن أبي وقاص

         

 

عندما أسلم سعد بن أبي وقاص امتنعت أمه عن الطعام والشراب حتى يرجع عن الإسلام، وقالت له: لن أذوق طعاماً حتى تموت فتعير بذلك أبد الدهر يقال: يا قاتل أمه، ثم إنها مكثت يوماً وليلة لم تأكل ولم تشرب ولم تستظل، فأصبحت قد جهدت، ثم مكثت يوماً آخر وليلة لم تأكل ولم تشرب، فجاء سعد إليها وقال: يا أماه! لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني، فكلي وإن شئت فلا تأكلي. فلما أيست منه أكلت وشربت، فأنزل الله هذه الآية: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ [لقمان:15] وأمره بالبر بوالديه، والإحسان إليهما، وعدم طاعتهما في الشرك؛ لأنه (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

 

 

 

قصة عبد الله بن حذافة السهمي

         

 

من صور الموالاة ما كان من الصحابي الجليل عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه، فإن الروم أسروا هذا الصحابي. فجاءوا به إلى ملكهم فقال له: تنصر، وأنا أشركك في ملكي، وأزوجك ابنتي، فقال له: لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ما تملكه العرب على أن أرجع عن دين محمد صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما فعلت، فقال: إذن أقتلك، فقال: أنت وذاك، فأمر به فصلب، وأمر الرماة فرموه قريباً من يديه ورجليه وهو يعرض عليه دين النصرانية فيأبى، ثم أمر به فأنزل، ثم أمر بقدر -وفي رواية: ببقرة من نحاس فأحميت- وجاء بأسير من المسلمين فألقاه وهو ينظر في هذا النحاس المصبوب المذاب، فإذا هو عظام تلوح، وعرض عليه النصرانية بعد هذا الإرهاب فأبى، فأمر به أن يلقى فيها، فرفع في البكرة ليلقى فيها، فبكى فأخبروا الملك بأنه قد بكى، فطمع فيه، وظن أنه بكى خوفاً من هذا العذاب فلعله أن يتنصر، ودعاه فقال له: لم بكيت؟! قال: إنما بكيت لأن نفسي إنما هي نفس واحدة تلقى في هذا القدر الساعة فتموت في الله، فأحببت أن يكون لي بعدد كل شعرة في جسدي نفس تعذب هذا العذاب في الله! وفي بعض الروايات أنه سجنه، ومنع عنه الطعام والشراب أياماً، ثم أرسل إليه بخمر ولحم خنزير فلم يقربه، ثم استدعاه فقال: ما منعك أن تأكل؟! فقال له: إنه قد حل لي -يعني: أصبح حلالاً؛ لأنه مضطر- ولكن لم أكن لأشمتك في، فقال له الملك: فقبل رأسي وأنا أطلقك، قال: وتطلق معي جميع أسارى المسلمين؟ قال: نعم، وأطلق جميع أسارى المسلمين، فقبل رأسه فأطلقه وأطلق معه جميع أسارى المسلمين عنده، فلما رجع قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة وأنا أبدأ، فقام فقبل رأسه رضي الله عنهما.

 

 

 

 

قصة كعب بن مالك

         

 

من مظاهر الولاء والبراء ما وقع في قصة كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه، فحينما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة أن يهجروا كعب بن مالك وصاحبيه؛ لتخلفهم عن غزوة تبوك، فلم يكلموهم، ولم يسلموا عليهم، فكعب بن مالك هجره كل الناس حتى زوجته، يقول كعب : فبينما أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن مالك ؟! فطفق الناس يشيرون إليه، يعني: هذا هو كعب بن مالك احتياطاً في تنفيذ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بعدم الكلام معه، فلم يتكلموا، ولكن أشاروا فقط بدون الكلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن الكلام معه، يقول: حتى إذا جاءني دفع إلي كتاباً من ملك غسان. انظروا إلى سرعة التجسس، فقد وصل إلى ملك غسان أن هؤلاء الثلاثة قد قاطعهم النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، وشق ذلك عليهم مشقة شديدة، فقد استمرت المقاطعة لمدة خمسين يوماً. يقول: فإذا فيه: أما بعد: فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك. فقلت لما قرأتها: وهذا أيضاً من البلاء، فيممت بها التنور -الفرن- فسجرتها. أي: فأشعل النار في هذا الكتاب. وهذا أيضاً من أعظم مظاهر الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين رغم هذا الإغراء من عدو الله اللعين، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من علامات الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.

 

 

 

 

قصة عبد الله بن عبد الله بن أبي

         

 

من مظاهر الولاء والبراء ما كان من عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول ، يقول جابر بن عبد الله : (كنا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار فقال الأنصاري: يا للأنصار! وقال المهاجري: يا للمهاجرين! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال دعوى الجاهلية؟! قالوا: يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار. فقال: دعوها فإنها منتنة) يعني: دعوى الجاهلية، فسمعها عبد الله بن أبي فأشعل نار الفتنة عندما سمع بهذا الحديث فقال: قد فعلوها! فوالله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فقال عمر : دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال صلى الله عليه وسلم: (دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه). فلما بلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي ما كان من أبيه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلاً فمرني به، فأنا أحمل إليك رأسه، فوالله! لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبر بوالديه مني، وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل أبي عبد الله بن أبي يمشي في الناس فأقتله، فأقتل مؤمناً بكافر فأدخل النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا). وقد ذكر عكرمة وغيره أن الناس لما قفلوا راجعين إلى المدينة من الغزو وقف عبد الله بن عبد الله بن أبي على باب المدينة، واستل سيفه، وجعل الناس يمرون عليه، فلما جاء أبوه المنافق قال له ابنه: وراءك! يعني: لم يسمح له بالمرور، فقال: ما لك ويلك؟! قال: والله! لا تجوز من هاهنا حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم. وظاهر الحديث يدل على أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يسير خلف أصحابه؛ لأن الناس كانوا يمرون ولم يكن الرسول عليه الصلاة والسلام قد دخل بعد، فقال له: لا تجوز من ها هنا حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما أتى الرسول صلى الله عليه وسلم أذن له بالدخول.

 

 

 

 

من قصص المتأخرين في الولاء والبراء

         

 

من مواقف الولاء ما حكاه الأستاذ عبد الله عفيفي في بعض كتبه، يحكي قصة من القصص التي عاشها ورآها بنفسه يقول: في أصيل يوم من صيف سنة (1914م) كنت واقفاً في جمهور الواقفين في محطة طنطا أترقب القطار القادم من الإسكندرية لأركبه إلى القاهرة، لقد كان كل الواقفين في شغل في تلك الدقائق المعدودات في توديع وإشفاق وترقب وانتظار وحمل متاع، وكنت في شغل بصديق يجاذبني حديثاً شيقاً ممتعاً، وفي تلك اللحظات الفانية وبين ذلك الجمع المحتشد راع الناس صياح وأصوات، وتردد واضطراب ومسابة ومدافعة، ثم أسكتوا، فإذا فتاة في السابعة عشرة من عمرها يقودها إلى موقف القطار شرطي عات شديد، وساع من سعاة معتمد الدول قوي عتيد، ومن خلفها شيخ أوروبي جاوز الستين، مكتئب مهموم، وهي تدافع الرجلين حولها بيدين لا حول لهما، أقبل القطار ثم وقف، فكاد كل ينسى بذلك الموقف موقفه وما حصل له، ثم أقعدت الفتاة، وصعد معها من حولها، وعجلت أنا وصاحبي فأخذنا مقاعدنا حيث أخذوا مقاعدهم، كل ذلك والفتاة على حال من الحزن والكرب لا يجمل معها الصبر، ولا يحمد منها الصمت، سألت الشيخ: ما خطبه؟ وما أمر الفتاة؟ فقال وقد أطرقه الدمع وقطع صوته الأسى: إنني رجل أسباني، وتلك ابنتي، عرض لها منذ حين ما لم أعلمه، فصحوت ذات صباح على صوتها تصلي صلاة المرأة المسلمة، ومنذ ذلك اليوم احتجزت ثيابها لتتولى أمر غسلها، وأرسلت خمارها الأبيض على صفحتي وجهها وثغرها، ثم أخذت تقضي وقتها في صلاة وصيام وسجود، وكانت تدعى رون ، فأبت إلا أن تسمى فاطمة ، وما لبثت أن تبعتها أختها الصغرى، وصارت أشبه بها من القطرة بالقطرة والزهرة بالزهرة، ففجعت لهول ذلك الأمر، وقصدت أحد أساقفتنا، فأخذ يعاني رياضتها ولم يجد إلا ثباتاً وامتناعاً، وعزت على هذا القسيس شيبته، فكتب إلى معتمد الدولة الأسبانية بأمر الفتاة الخارجة عن دينها، وهنالك أمر المعتمد حكومة مصر فساقت إليه الفتاة كما ترى برغمها ورغم أبيها ليقذف بها بين جوانب الدير تسترد فيها دينها القديم، قلت: أو أرضاك أن تساق ابنتك سوق الآثمات المجرمات على غير إثم ولا جريمة؟ فزفر الرجل زفرة كادت تجزع لها قلبه وأحناء ضلوعه، ثم قال: لقد خدعت، وغلب أمر الحكومتين أمري، فما عساني أفعل؟! على أثر ذلك انثنيت إلى الفتاة وهي تعالج من أهوال الحزن وأثقاله ما تخشع الراسيات دون احتماله، فقلت: ما بالك يا فاطمة ؟! وكأنها أنست مني ما لم تأنسه ممن حولها، فأجابتني بصوت يتعثر من الضنا: لنا جيرة مسلمون أذهب إليهم فأستمع أمر دينهم، حتى إذا أخذني النوم ذات ليلة، رأيت النبي محمداً صلى الله عليه وسلم في هالة من النور يقول وهو يلوح إلي بيده: اقتربي يا فاطمة . يقول: ولو أنك أبصرتها وهي تنطق باسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ لرأيت رعدة تمشي بين أعطافها وأطرافها حتى تنتهي إلى أسنانها فتخالف بينها، وإلى لسانها فتعقله، وإلى وجهها فتحيل لونه، فلم تكد تستتم كلمتها حتى أخذتها رجفة فهوت على مقعدها كأنها دماء منسكبة ... إلى ذلك الحد! وغشي الناس ما غشيهم من الحزن، وأبصرت بشيخ يتمشى في ردهة القطار، فطلبت منه أن يؤذن في أذنها، فلما انتهى إلى قوله: أشهد أن محمداً رسول الله، تنفست الصعداء، وأمعنت بالبكاء، وعاودتها سيرتها الأولى، فلما أفاقت قلت لها: ومم تخافين وتفزعين؟! قالت: إنه سيؤمر بي إلى دير حيث ينهلون من السياط دمي، ولست من ذلك أخاف إلا أن أخوف ما أخاف يومئذ أن يحال بيني وبين صلاتي ونسكي، فقلت لها: يا فاطمة ! أولا أدلك على خير من ذلك؟! قالت: أجل، قلت: إن حكم الإسلام على القلوب، فما عليك لو أقررت بين يدي المعتمد بدينك القديم، وأودعت الإسلام بين شغاف قلبك حتى لا يفوتك أن تقيمي شعائره حيث تشائين، وهنالك نظرت إلي نظرة ازدراء حتى خشيت على نفسي، ثم قالت: دون ذلك حز الأعناق، وتفصيل المفاصل. يعني: فإنني إن أطعت نفسي عصاني لساني، وكان ضلالاً ما توصلت به أنا وأبوها ومن حولها، يقول: كان ذلك حتى أوفينا على القاهرة، فحيل دونها، ولم أعلم بعد ذلك شيئاًَ من أمر فاطمة ؛ لأني لم أستطع أن أعلم، رحمة الله وبركاته عليك يا فاطمة ، فما أنت بأولى سديدات الرأي الحر والإيمان الوثيق. قد أطلنا في هذه القضية لما ترون من أهميتها البالغة، وإن شاء الله نفرد الكلام عن السفر إلى الخارج، ونريد ممن لهم تجارب في هذا الأمر أن ينصحوا لنا؛ نظراً لأن كثيراً من الناس تعشش في عقله بعض هذه الأفكار، وصاروا ينظرون إلى هذا الجانب حسناً، ويتغافلون عن كثير من الفساد والضياع والانهيار الذي يلقاه من يذهب إلى بلاد الكفار وهو غير مسلح بالإيمان.......

 

أهمية الحديث عن الولاء والبراء في الإسلام

         

 

قد أطلنا في هذه القضية لما ترون من أهميتها البالغة، وإن شاء الله نفرد الكلام عن السفر إلى الخارج، ونريد ممن لهم تجارب في هذا الأمر أن ينصحوا لنا؛ نظراً لأن كثيراً من الناس تعشش في عقله بعض هذه الأفكار، وصاروا ينظرون إلى هذا الجانب حسناً، ويتغافلون عن كثير من الفساد والضياع والانهيار الذي يلقاه من يذهب إلى بلاد الكفار وهو غير مسلح بالإيمان. قضية الولاء والبراء أحد قلاع التوحيد، وأحد أركان الإيمان التي يجب على كل مسلم أن يفهمها وأن يطبقها في عقيدته وفي معاملاته مع من حوله، وككل مسائل العقيدة تكون لها مساحة واسعة في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم للتأكيد على معانيها وتوضيحها حتى لا يلتبس الأمر على أحد، فكل مسائل العقيدة موضحة مبينة في القرآن الكريم في غير موضع، وربما تكون آيات الأحكام معدودة ومعروفة مواطنها، وآيات العقيدة تنتشر في أكثر سور القرآن، ويتبين لنا بذلك أهمية الموضوع الذي تتناوله، ومن هذه القضايا قضية الولاء والبراء، من نوالي ومن نعادي، من نحب ومن نبغض، وسنبين بإذن الله تبارك وتعالى أهمية عقيدة الولاء والبراء من آيات الله سبحانه وتعالى ومن أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم.......

 

الولاء والبراء في نصوص السنة

         

 

أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في الولاء والبراء كثيرة، منها ما رواه الإمام أحمد بسند حسن عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (بايعه على أن ينصح لكل مسلم، وأن يبرأ من الكفار). وروى ابن أبي شيبة بإسناد حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أوثق عرى الإيمان: الحب في الله، والبغض في الله). وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: لن يذوق عبد طعم الإيمان حتى يحب في الله ويبغض في الله، وقال: من أحب في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يذوق عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك، وأما عامة مؤاخاة الناس اليوم فقد صارت على أمر الدنيا، وذلك لا يغني عنهم شيئاً. فإذا كان على عهد ابن عباس قد صار أمر مؤاخاة الناس على أمر الدنيا فكيف بزماننا هذا؟! فلابد لنا أن نفهم هذه القضية، وأن نفهم معناها ونلتزم بها، ونعلم معالم الموالاة وصورها التي يجب على المسلم أن يفهمها وأن يلتزم بها.

 

 

 

 

الولاء والبراء في نصوص القرآن

         

 

بين الله سبحانه وتعالى أن من يتخذ اليهود والنصارى وكذا من سواهم من الكفار أولياء فإنه منهم والعياذ بالله، ومقتضى ذلك أن من تولاهم فإنه يكون كافراً مثلهم والعياذ بالله، قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51]. وقال الله عز وجل في سورة آل عمران لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ [آل عمران:28] أي: فالله عز وجل بريء منه، وهذا والعياذ بالله وعيد شديد على من اتخذ الكفار أولياء، إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران:28]، استثنى الله عز وجل التقاة، وسيأتي بيانها وما يجوز منها إن شاء الله. وقال الله سبحانه وتعالى في بيان لمن تكون هذه الموالاة: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة:56]. فانتماء المسلم واضح بين بهذه الآية الكريمة، فهو لا يقف تحت أي راية ولا يكون في أي حزب إلا حزب الله الذي بين الله صفته بقوله: (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ). وبين الله سبحانه وتعالى أن الإيمان لا يجتمع مع مودة الكافرين ولو كانوا من الأهل والإخوان والآباء والأمهات ومن سواهم من الأقارب، فقال عز وجل: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ [المجادلة:22] أي: الذين عادوا من كفر بالله ومن حاد الله ورسوله ولو كانوا من الأهل والأبناء والإخوان هؤلاء كتب الله في قلوبهم الإيمان، وأيدهم بروح منه، ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار، ثم أخبر سبحانه وتعالى برضاه عنهم فقال: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة:22]. وقال سبحانه وتعالى محذراً المؤمنين من مغبة اتخاذ أعدائه وأعدائهم أولياء، وعاقبة ذلك في الدنيا والآخرة، ويكشف لهم ما في قلوب هؤلاء الأعداء فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ * إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ * لَنْ تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة:1-4]. وقال عز وجل عن إمام الحنفاء إبراهيم الخليل: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الزخرف:26-28]. قال المفسرون: هي كلمة لا إله إلا الله، فجعل الله سبحانه وتعالى تفسير كلمة التوحيد أنها البراءة من الشرك وأهله، وأنها تولي الله سبحانه وتعالى باتخاذه سبحانه وتعالى مولى لا مولى للمؤمنين سواه ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ [محمد:11]. وبين الله عز وجل أن من اتخذ الكفار أولياء فإنه ملعون مسخوط عليه من الله سبحانه وتعالى فقال: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [المائدة:78-81].

 

 

 

 

معنى الولاء

         

 

كلمة الولاء تطلق على معان كثيرة كما ذكر أهل العلم من أهل اللغة، جاء في لسان العرب: الموالاة كما قال ابن الأعرابي : أن يتشاجر اثنان فيدخل ثالث بينهما للصلح، فيكون له في أحدهما هوى فيجاريه أو يحابيه، ووالى فلان فلاناً إذا أحبه، والمولى اسم يطلق على معان كثيرة منها الرب والمالك والسيد والمنعم والمعتق والناصر والمحب والتابع والجار وابن العم والحليف الذي معه حلف مع صاحبه والمتعاقد معه على النصرة والصهر والعدل والمعتق والمنعم عليهم. هذه معاني الموالاة، وهي تدور في مختلف صورها على معنى القرب، يقال: ولي فلان فلاناً إذا قرب منه أو إذا تابعه، وأهم معانيها الحب والنصرة، والله سبحانه وتعالى قد بين في غير موضع أن الحب لابد أن يكون لله سبحانه وتعالى وفي الله عز وجل كما قال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54]. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وجوب الحب في الله: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار). فأول شيء في الموالاة الحب في الله سبحانه وتعالى والبغض في الله، فلابد للمؤمن أن يحب المؤمنين، وأن يحب الله عز وجل حب العبادة، وأن يحب الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين حباً في الله سبحانه وتعالى، فهذا الحب تابع وأثر من آثار حب المؤمن لربه عز وجل.......

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً

رسالة من غريق
1904 ١٢ يناير ٢٠١٧
آداب التخلي -3
2385 ٠٨ ديسمبر ٢٠١٦
آداب التخلي -2
1859 ٠١ ديسمبر ٢٠١٦
البيع بالتقسيط
2834 ١٧ نوفمبر ٢٠١٦
السيرة البازية
1468 ١٠ نوفمبر ٢٠١٦