تربية الأولاد بين الألم
والأمل (4)
يَا أنَيْسُ، أذَهَبْتَ
حَيْثُ أَمَرْتُكَ؟
كتبه/ شحاتة صقر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا؛
فَأَرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ فَقُلْتُ: «وَاللَّهِ لَا أَذْهَبُ»، وَفِى
نَفْسِي أَنْ أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله
وسلم- فَخَرَجْتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ،
فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- قَدْ قَبَضَ بِقَفَايَ مِنْ
وَرَائِي، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقَالَ: «يَا أُنَيْسُ،
أَذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ». قُلْتُ: «نَعَمْ، أَنَا أَذْهَبُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ». (رواه البخاري ومسلم).
هذا أنس بن مالك -رضي الله عنه- خادم رسول الله -صلى الله
عليه وآله وسلم- قد أثّرت فيه معاملته -صلى الله عليه وآله وسلم- له؛ فوصف النبي
-صلى الله عليه وآله وسلم- بأنه مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا، ويذكر موقفًا يدل
على ذلك الخلق الرفيع، قد حدث له مع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وهو طفلٌ
صغير، فقد طلب منه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يرسله يَوْمًا لِحَاجَةٍ
فَقَالَ: «وَاللَّهِ لَا أَذْهَبُ». تخيل نفسك أيها الأب الحنون وقد حدث معك مثل
هذا الموقف مع أحد أبنائك، ماذا ستفعل؟ كيف ستتصرف مع عصيان ابنك لأوامرك؟
إن ما صدر عن أنس -رضي الله عنه- إنما صدر في حال صغره، وعدم
كمال تمييزه؛ إذ لا يصدر مثله ممن كمل تمييزه. وذلك أنه حلف بالله على الامتناع مِن
فِعْل ما أمره به رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- مشافهةً، وهو عازمٌ على فعله،
فجمع بين مخالفة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وبين الإخبار بامتناعه،
والحلف بالله على نفي ذلك مع العزم على أنه كان يفعله، وفيه ما فيه.
ومع ذلك فلم يلتفت النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لشيء
من ذلك، ولا عرَّج عليه، ولا عاقبه، بل داعبه، وأخذ بقفاه، وهو يضحك رفقًا به،
واستلطافًا له، ثم قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: «يَا أُنَيْسُ، أَذَهَبْتَ
حَيْثُ أَمَرْتُكَ». فقال أنس: «نَعَمْ، أَنَا أَذْهَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ».
وهذا كله مقتضى الخلق الكريم والحلْم العظيم للنبي الكريم العظيم -صلى الله عليه
وآله وسلم-، فعلى الآباء مراعاة حال الأطفال والتعامل مع أخطائهم بما يناسب
مرحلتهم العمرية.
موقع أنا السلفي
www.anasalafy.com