السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

معالجة الشرع لمشكلتي الفقر والبطالة (موعظة الأسبوع)

بهذه الخطوات وغيرها تُحفظ البلاد وحقوق العباد

معالجة الشرع لمشكلتي الفقر والبطالة (موعظة الأسبوع)
أحمد جميل
الثلاثاء ١٧ يناير ٢٠١٧ - ١٤:٢٥ م
1134

معالجة الشرع لمشكلتي الفقر والبطالة (موعظة الأسبوع)

كتبه/ أحمد جميل

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

العناصر:

مقدمة عن كمال الشريعة وشمولها، ثم 9 عناصر عن علاج المشكلة.

1- الرزق بيد الله.

2- التوكل مِن أسباب الرزق.

3- التقوى سبب للرزق.

4- العمل بالنية عبادة.

5- قيمة العمل وأهميته.

6- ذم البطالة وسؤال الناس.

7- مساعدة مَن يريد العمل.

8- تشريعات حماية الأعمال.

9- مساعدة العاجز عن الكسب:

أ- الزكاة.

ب- الصدقة.

ج- تكافل المسلمين.

(تفصيل الخطبة):

بعث الله نبيه بدين الحق؛ ففتح به أعينًا عميًا، وآذانًا صمًا، وقلوبًا غلفًا، وأجاب الدين على الأسئلة الوجودية التي حيرت الناس:

مَن خلقنا؟

ولماذا خلقنا؟

وإلى أين المصير؟

ووجد الناس في شريعة الله هداية في أمور دينهم، ومساعدة لهم في أمور دنياهم، سيما وقد أكمل الله لنا الدين وأتم علينا النعمة (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (المائدة:3).

وعن سلمان -رضي الله عنه- قال: "قَالَ لَنَا الْمُشْرِكُونَ إِنِّي أَرَى صَاحِبَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ حَتَّى يُعَلِّمَكُمُ الْخِرَاءَةَ، فَقَالَ: أَجَلْ، إِنَّهُ نَهَانَا أَنْ يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا بِيَمِينِهِ، أَوْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، وَنَهَى عَنِ الرَّوْثِ وَالْعِظَامِ"(رواه مسلم).

ومما عالجه الشرع مِن مشكلات مشكلتي الفقر والبطالة، وهما مِن المشكلات القديمة الحديثة، بل أثبتت الأبحاث المعاصرة أن كثيرًا مِن الجرائم الاجتماعية والانحرافات السلوكية تنجم عنهما.

وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ مِن الفقر كما في دعاءه: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ، وَعَذَابِ الْقَبْر) (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني).

ونذكر مِن خطوات علاج مشكلتي الفقر والبطالة "بإجمال واختصار":

1- الإيمان بأن الله هو الرازق -سبحانه- وذلك مقتضى الربوبية: قال الله -تعالى-: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (هود:6)، وقال -تعالى-: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) (الذاريات:22).

2- التأكيد على معنى التوكل على الله وحض المؤمنين عليه: قال الله -تعالى-: (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (آل عمران:122)؛ وقال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران:159)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

3- ربط الرزق بالأسباب الباطنة: قال الله -تعالى-: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) (الطلاق:2-3)، وقال الله -تعالى- حكاية عن نوح -عليه السلام-: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) (نوح:10-12).

4- جعل طلب الرزق الحلال والنفقة على الأهل عبادة: ففي حدث سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-: (وَلَسْتَ تُنْفِقُ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ، إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى اللُّقْمَةُ تَجْعَلُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ) (متفق عليه).

5- تشجيع العمل والحث عليه:

فعند البخاري مِن حديث المقدام بن معدي كرب، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ، خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ) (رواه البخاري)، بل كان هو -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة في ذلك؛ فزاول التجارة ورعى الغنم، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الغَنَمَ)، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: (نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ) (رواه البخاري).

6- ذم البطالة وسؤال الناس: فالعمل محترم طالما كان حلالاً، وهو خير مِن سؤال الناس، فعن الزبير بن العوام -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ) (رواه البخاري).  

7- مساعدة المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر: فقد روي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْأَلُهُ، فَقَالَ: "أَمَا فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ؟" قَالَ: بَلَى، حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ، وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ، قَالَ: "ائْتِنِي بِهِمَا"، قَالَ: فَأَتَاهُ بِهِمَا، فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ، وَقَالَ: "مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟" قَالَ رَجُلٌ: أَنَا، آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ، قَالَ: "مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا"، قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ، وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ، وَقَالَ: "اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ، وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي بِهِ"، فَأَتَاهُ بِهِ، فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُودًا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: "اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ، وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا"، فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ، فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ، فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا، وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ: لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ" (رواه أبو داود).

8- حماية أصحاب العمل: فحرَّم النبي -صلى الله عليه وسلم- الاحتكار، فقال: (لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ) (رواه مسلم)، وحرَّم الغش والتدليس، فقال: (مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا) (رواه مسلم)، وغُلظ الوعيد في تطفيف الكيل والميزان؛ فنزلت الآيات تُتلى مِن فوق سبع سماوات (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) (المطففين:1)، وجعل الربا مِن أكبر الكبائر، قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ . يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ . إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) (البقرة:275-279).

9- تشريع الزكاة والصدقة والتكافل والحث عليهم: فالزكاة: جعلها الشرع ركنًا مِن أركان الإسلام؛ عبادة لله، ونماءً للمال، وتطييبًا لنفوس الفقراء، وإذابة للفوارق بيْن طبقات المجتمع المسلم، فتُجمع مِن الأغنياء لترد إلى الفقراء، فتساعد مَن لا قدرة له على الكسب والعمل، أو مَن ألمَّت به إحدى نوائب الدهر.

- والصدقة: مدح القرآن أصحاب الصدقات؛ فجعل -سبحانه- المتصدقين ممن لهم مغفرة أجرًا عظيمًا، فقال: (وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ) (الأحزاب:35)، وقال: (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) (الحديد:18)، وقال: (وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) (البقرة:276)، وكان -صلى الله عليه وسلم- لا يرد سائلاً، وعلَّم أصحابه النفقة وحثهم عليها في غير موضع.

- والتكافل: فتكافل المسلمين فيما بينهم مِن الأخوة الإيمانية، وأساس رباط المجتمع؛ فكان الحث التكافل والتراحم فيما بينهم، ونزل فيهم قوله -تعالى-: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) (الحشر:9).

وضرب الأنصار أروع الأمثلة في ذلك لما آخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بينهم وبيْن المهاجرين، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قَالَتِ الأَنْصَارُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا النَّخِيلَ، قَالَ: (لاَ) فَقَالُوا: تَكْفُونَا المَئُونَةَ، وَنَشْرَكْكُمْ فِي الثَّمَرَةِ، قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا. (رواه البخاري).

وبهذه الخطوات وغيرها تُحفظ البلاد وحقوق العباد، ويزدهر سوق العمل ويتكافل الناس فيما بينهم، ويترابط المجتمع؛ فيتجاوز أزماته، ويعالج مشكلاته، والله المستعان.

والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة