الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الحفاظ على رأس المال والمكتسبات أولى الأولويات

تقديم البديل الصحيح هو الأمر الشاق الصعب الذي لا يقوم به إلا الرجال فقط

الحفاظ على رأس المال والمكتسبات أولى الأولويات
أسامة شحادة
الثلاثاء ٢١ مارس ٢٠١٧ - ١٥:٤٣ م
1401

 الحفاظ على رأس المال والمكتسبات أولى الأولويات

كتبه/ أسامة شحادة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

يتفق الجميع من مختلف المرجعيات والمواقع على أن أمتنا الإسلامية تتعرض في الوقت الراهن لهجمة -بل هجمات- تستهدف ضرب مقدراتها ومكتسباتها، وبثّ الفرقة والشقاق في أرجائها، بما يهدم منجزاتها، ويبعثر خيراتها، ويضيع عوامل قوتها.

وقد تنوعت هذه الهجمات وتعددت بتعدد مصدرها ومحرّكها وما تستهدفه في الأمة، فمنها موجات الشيوعية والإلحاد التي تزاوج بين الهجمة الثقافية والسياسية، حيث تنشر الكفر في الشعوب وتوصل الأحزاب والشخصيات الشيوعية للحكم، وبين استراتيجية الفوضى الخلّاقة التي تهدف إلى تفكيك البنى القائمة وإعادة تركيبها، ونجحوا في التفكيك وفشلوا فشلاً ذريعا في التركيب، وحالة العراق خير شاهد على ذلك.

من هذه الأرضية ننطلق للتوعية بضرورة الحفاظ على المكتسبات القائمة، مهما كانت بسيطة أو كنا نعتقد أنها ليست ذات أهمية، وأن يكون ذلك نقطة اتفاق من الجميع في كافة الجهات الرسمية والشعبية، الإسلامية والوطنية، الموالية والمعارِضة، وأن ما يجري من وضع سيئ يستوجب رفضه وعدم القبول به، لكن بشرط أن لا يكون رفضنا له رفضًا ساذجًا أو غبيًا، بحيث نزيل الوضع السيء لنحضر وضعًا أسوأ!

ولتقريب الفكرة تعالوا نتأمل السعي العربي الرسمي لضرب نظام صَدّام حسين بسبب احتلاله الكويت، وهو فِعْلٌ مُدَانٌ ومرفوض، ولكن بسبب غياب الرؤية عن بديل لنظام صَدّام، وغياب العمل الجاد لمواجهة التداعيات السلبية الناجمة عن هذه الإزالة؛ وصلنا اليوم لحالة أصبح ساسة العرب وغالبية الشعب العراقي يتمنون عودة نظام صَدّام على عِلّاته وديكتاتوريته!

وأيضًا حين دافع بعض المشاهير والدعاة والكثير من العامة في سوريا وخارجها عن "جبهة النُصرة" ثم تنظيم "داعش" في بداية ظهوره ورفضوا تحذيرات العقلاء والعلماء من خطر هذا الفكر التكفيري والإرهابي على الثورة السورية وعامة الأُمّة، والذي اكتوت بناره عدة دول من قبل منها العراق وأفغانستان والصومال والجزائر، وكل ذلك بحجة أنهم مجاهدون ومهاجرون، فكانت النتيجة أن بلاء "داعش والنصرة" على الشعب والثورة السورية اليوم يضاهي بلاء إجرام نظام بَشّار وحلفائه من الإيرانيين والروس إن لم يفُقهم في ذلك!

من هذين المثالين يجب علينا -خاصة في التيار الإسلامي- أن نحرص كل الحرص على علاج الأوضاع السيئة بالحِكمة وبُعد النظر، فكم من خطوة قد تكون حقًا في ذاتها لكنها قد تتسبب في جَرّ مصائب ومفاسد تضيع علينا كثيرًا من المكاسب التي بُذِلَت في تحقيقها جهودٌ ضخمة وكبيرة عبر سنوات طويلة.

إن الحرص على بقاء حرية التدين والدعوة والتعليم قائمة في المجتمعات الإسلامية، فانتشار المساجد وامتلائها بالمُصَلّين -ولو في الجمعة ورمضان- لهو خيرٌ عميمٌ كان نادِرًا قبل بضعة عقود قريبة، والحفاظ على روح التديُّن هذه -خاصة مع تكاثر المخططات التي تستهدف الدعوة الإسلامية ومنابرها الإعلامية والتعليمية والمخططات التي تستهدف تَدُيّن المجتمعات وتسعى لنشر الفجور والفحش- لهو أولوية كبرى، فما أسهل أن يقوم شخصٌ أَرْعَنٌ أو قصير النظر -وبغض النظر عن إخلاصه ونيته الطيبة- بتصرفٍ أحمقٍ فيضيق على المسلمين القيام بدينهم، وقد حدث هذا مرارًا، ومن أمثلة ذلك تَخَفّي بعض الإرهابيين باللباس الشرعي للنساء مما كان ذريعة لمنعه في بعض البلاد!

ومما يلزم استحضاره هنا: تَبَدُّل المفاهيم؛ فمن ينكر على حفل غنائي في مكان عام أصبح هو الملام وليس من أقام الحفل في الطريق؛ وكأن الاستفزاز للتهور هو المطلوب للوصول لغايات خبيثة لضرب التدين في المجتمعات ومحاصرتها!

إن مما يجب الحرص عليه اليوم وبقاؤه: المؤسسات الدعوية والشرعية، مع بذل النصح والنقد الإيجابي لها بشكل سليم؛ أما حالة التسخُّط والشكوى والعويل التي نراها في وسائل التواصل الاجتماعي من بعض الشباب الذي يظن نفسه قد بلغ سن الرشد الفكري بمُطالَعته ومتابعته لبعض الأسماء البَرّاقة دون سند علمي حقيقي، لهي في الحقيقة معاول هدم لقوة الإسلام أكثر من كونها عملًا بَنّاءً وإيجابيًا، وأقرب مثل لهؤلاء هو من خرقوا السفينة ليشربوا ولا يزعجوا الآخرين مما يهلك الجميع، وليسوا أبدًا على نهج الخضر في خرق السفينة بعِلمٍ وحِكمة للحفاظ على رأس المال من الجبابرة والطواغيت!

ومما يجب الحفاظ عليه: بقاء الدولة قوية وقائمة، برغم كل السلبيات والأوضاع السيئة والتوجهات المرفوضة فيها، والتي قد تسير نحو التصاعد؛ لأننا نفقد القدرة على تقديم بديل شامل سليم، والبديل الأكيد هو الفوضى والكارثة.

إن نقد الأوضاع السيئة اليوم -ومع توفر المنصات الإعلامية- أصبح في غاية السهولة، ويَقدر عليه حتى الحمقى والصبيان، لكن تقديم البديل الصحيح هو الأمر الشاق الصعب الذي لا يقوم به إلا الرجال فقط، لذلك يلزمنا الصبر على ما لا نقدر على تحسينه من أوضاع مرفوضة، مع المصابرة على حماية رأس المال والمنجزات، ونهاية الصبر فَرَجٌ وتَبَدُّلٌ سليمٌ للأوضاع السيئة بإذن الله.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً