الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

قصة واحدة .. وتساؤلات شتى

الحاجة مَاسَّةٌ لِغَرْسِ تَحَمُّلِ المسؤولِيَّةِ في نُفُوسِ الجيل

قصة واحدة .. وتساؤلات شتى
أحمد جميل
الخميس ٢٣ مارس ٢٠١٧ - ٢٠:٢٤ م
983

قصة واحدة .. وتساؤلات شتى

كتبه/ أحمد جميل

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

كان عائدًا من عمله مُنْهَكًا  والوقت وقت ذروة، تُزاحِمُ الأفكارُ الهُمومَ في رأسِه، وأعباءُ الحياةِ تكادُ لا تجعله ينتَبِهُ لشيئ في طريقه..

وفجأة.. إذ بكلماتٍ تخترق عالَمَهُ الخاص اختراقًا؛ تقطَعُ عليه تفكيرَه، تَنْقِلُه بعيدًا بعيدًا عما كان فيه..

" ..... حَفِظُوا كلامَ الرسول -صلى الله عليه وسلم- ونَقَلُوه ..... "

هكذا قالت المَرْأَةُ التي مَرَّت بجواره ومعها ثلاثة صبية أعمارُهم بين السابعة والحادية عشر، يلتَفُّونَ حولَها وقد أصغوا أسماعَهم باهتمام..

ولِلَحظاتٍ .. تَأَمَّلَ الرجلُ في المَشْهَدِ مُندَهِشًا.. لكن المرأة تابعت -بهدوء- وهي تتجاوزُه: " .... سافَرُوا للبلادِ البعيدةِ لِيَنْقِلُوا الحديثَ .... "

ولفَرْطِ سعادته بما سَمِع -مع دهشته مما لم يَعْتَدْ على رؤيتِه- أَسْرَعَ الخُطَى لِيَلْحَقَ بالمَوكِبِ الصَّغِير، والمرأة حينها تقول للصِّغارِ: " .... والأَئِمَّةُ أصحابُ المذاهبِ أَرْبَعَةٌ: الإمامُ مَالِك والإمامُ الشافِعِيّ والإمام أحمد، .....  مممم "

مَرَّ بِجِوارِهم مُفَكِّرًا .. هل يعود ليشكر تلك المرأة؟، هل يُشَجِّعُ الصِّغَارَ؟

تَحَسَّسَ مِعْطَفَهُ وأَخْرَجَ بعضَ الحَلْوَى مِن جَيْبِه وقد حَزَمَ تَرَدُّدَه سريعًا .. الْتَفَتَ واسْتَوقَفَهم -والمرأةُ مُتَوَجِّسَةٌ- مَدَّ يَدَهُ بالحَلْوَى، ورَبَّتَ على كَتِفِ أكْبَرِ الصِّبْيَةِ قائِلًا: "أَنْصِتُوا لكَلَامِها واحْفَظُوه .. أنتُم حَمَلَةُ هذا الدين .. أنتُم جِيل المُستَقْبَل"..

ابْتَسَم مُغَادِرًا وقد ارْتَسَمَتْ على وجهِ المرأةِ علامات الراحة والطمأنينة .. لكن قَبْلَ أن يَتَوارَى نَادَتْهُ: "ومن الإمام الرابع؟"، قال: "الإمام أبو حنيفة"..

 

لم يكن مُجَرَّدَ مَوقِفٍ عَابِرٍ مَرَّ بِهِ، ولا قِصَّةً اعتيادية تَحْدُثُ كثيرًا..

بل بمُجَرَّدِ ابتعادِه عنهم -مُنْهِيًا الحِوار- والكثيرُ من الأسئلة تَتَقَافَزُ إلى ذِهْنِهِ مُتَلاحِقَةً تبحثُ عن جوابٍ، بل وتُفْسِحُ مَجَالًا رَحْبًا للكثير من أَخَواتِها:

بالرغم من بَسَاطَةِ مَظْهَرِها فإنَّ الالتزامَ الحَقَّ ليس مَظْهرًا أَجْوَفًا؛ بل تطبيقًا حياتيًا يعيشُ به صاحِبُه ويَنْقِلُ مَعانيه لمن حولَه .. فمن منا كذلك؟

أَيُّ أُمٍّ تلك؟ بل أَيُّ مُعَلِّمَةٍ ومُرَبِّيَةٍ نفتَقِدُها حَقًّا في بيوتاتنا؟

نُفوسُ الصِّغارِ طاهِرةٌ نَقِيَّةٌ؛ فهلا أحَطْنَاها برعاية ووقايةٍ من مُلَوِّثاتِ العصر؟

عُقُولُ الصِّبْيَةِ وَاعِيَةٌ، وقُلوبُهم أَوْعِيَةٌ؛ فمن يملؤها بالخير قبل أن يَطغَى عليها الشر؟

حاجة الفتيان والفتيات للقدوة العملية مُتَجَسِّدَةً أمامَهم صارت ضرورة؛ فهل نحن قدوات؟

الحاجة مَاسَّةٌ لِغَرْسِ تَحَمُّلِ المسؤولِيَّةِ في نُفُوسِ الجيل، سِيّمَا في زمن التَّرَفِ والتواكل؛ فمن يُصَحِّحُ الأوضاع؟

مِثْلُ تلك القِصَّةِ -وأَخَواتُها- أَلا تُبَشِّرُ بالأَمَلِ في المستقبل القريب؟

هلا أَيْقَنَّا أن الله يَغْرِسُ غَرْسًا -وإن لم نعلمه- يَحْفَظُ به دِيْنَه؟

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة