الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

"اللي عنده مِعْزَة يلِمّها"

الأمر يستلزم تَدَخُّلًا وبرامج توعية وتربية حقيقية -من الدولة ومن المجتمع-

"اللي عنده مِعْزَة يلِمّها"
مصطفى خطاب
الاثنين ٠٣ أبريل ٢٠١٧ - ١٧:١١ م
1600

"اللي عنده مِعْزَة يلِمّها"

كتبه/ مصطفى خطاب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

شُغِل الرأيُ العام خلال الأيام الماضية بحادثة تَحَرُّشٍ بين طِفلٍ وطِفلةٍ بإحدى المدارس الابتدائية؛ و لكن انشغالهم لم يكن بالحادثة ذاتها بقدر انشغالهم بتعليقٍ منسوبٍ لوالد الطفل في سياق الرد والتعليق على الحادثة، وهو ما جعلتُه عنوانًا لهذ المقال.

أصبَحَت هذه الجملة محلّ تَنَدُّرٍ وفُكاهة لدى الكثيرين، في حين يراها آخرون أمرًا تافهًا شُغِل به الرأيُ العام..

لكنني أعتقد أن الأمر له أبعادٌ أخرى ودلالات ومؤشرات، أخطر من كلا التصورين السابقين في التعامل مع الأزمة، واللذَيْن سَفَّها من الحادثة..

فمن دلالات هذه الحادثة:

1. هذا التصرف من الولد يوحِي بخلل تربوي في البيوت؛ مصدَرُه إما البيوت نفسها، أو التلفاز وما يبث فيه من مسلسلات وأفلام و برامج، وهو ما جعل الطفل يستمرِئُ هذا الفعل مُعتَقِدًا أنه طبيعي، لكثرة ما شاهده أو رآه.

2. خلل مجتمعي؛ من خلال عدة تصرفات وردود أفعال..

فأولًا استمراء نشر الأسرار أو محتويات المجالس (التسريبات)، وخِيانة خُلُق أمانة المجالس، وهو الأمر الذي ساعد فيه الإعلام بالدور الأكبر في تهوينه بل وترويجه واعتباره "سَبْق" يسعى الكثيرون إلى الحصول عليه..

وثانيًا إن صَحَّت نسبة هذه العبارة إلى والد الطفل فإنه يدل على استهتار وخلل فكري و إدراكي، واعتبار أنه لمجرد ذكورية الفاعل فإنه لا يُلام على فِعْلِه الشنيع، لأنه كما هو سائد في بعض الأوساط المجتمعية، بأن الذَّكَر لا يعيبه ارتكاب بعض الأفعال الشنيعة أو الكوارث، لا لشيئ إلا لمجرد أنه ذَكَر، وأنه يلزم أن تُلام المرأة فقط و يؤخذ على يديها، في حين ترك الحبل على الغارب للذَّكَر.

3. التعامل المجتمعي مع الحادثة على أنه "نُكْتة" أو فُكاهة يدل على خلل أخلاقي خطير يمر به المجتمع؛ من خلال تهوين مثل تلك الحادثة بجعلها فُكاهة، وهو ما سيرسل رسائل سلبية للبعض -كَثُرُوا أم قَلُّوا- بأن مثل تلك التصرفات والأفعال ليست بالشناعة المستحقّة، أو أن المجتمع لا ينزعج منها.

4. يمكن القول إن مثل هذه التصرفات نتاجُ غَرْسِ سنواتٍ من الثقافة والفن الهابط الذي ما ترك بيتًا إلا وغَزَاه تحت ستار حرية الإبداع!، وهو الأمر الذي يستلزم وقفاتٍ حقيقية من الدولة ومن المجتمع تجاه مثل هذه الأعمال، وتفعيل الدستور -من خلال قوانين- للحفاظ على النظام العام وحماية المجتمع.

 وفي النهاية.. أعتقد أن الحادثة ليست عابِرَةً، ولا يجب أن تمر هكذا؛ بل يجب أن تُعتَبر مُؤشِّرًا خطيرًا على أنواع الخلل المذكورة، وأن الأمر يستلزم تَدَخُّلًا وبرامج توعية وتربية حقيقية -من الدولة ومن المجتمع-؛ لتأهيل الأُسَرِ لتربية الأبناء، وتفعيل الدور التربوي للمدرسة، وتنقية الأعمال الفنية والثقافية من مثل تلك الأمور التي تساعد على تهديد السلم العام والمجتمعي.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة