الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

هكذا صدقوه واتبعوه!

لما أجابهم إلى ما طلبوا صدقوه واتبعوه

هكذا صدقوه واتبعوه!
هشام عزمي
السبت ٠٢ ديسمبر ٢٠١٧ - ١٧:٣٤ م
998

هكذا صدقوه واتبعوه!

كتبه/ هشام عزمي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قام رجلٌ بيْن أهل بلدته، وهذا الرجل معروف عند أهله بالصدق والأمانة، وهو كذلك معروف بأنه أميّ لا يقرأ ولا يكتب؛ فضلًا عن أن يقلِّد خط غيره، ولم يسبق له معرفة الملوك ورسومهم وقوانينهم.

قام هذا الرجل فنادى قومه بأعلى صوته: يا أيها الناس! إني رسول ملككم إليكم، أمرني أن أبلغكم رسالته، وأشرح لكم قوانينه التي سنّها لكم، وهو يأمركم بالعمل بفحواها والسير على مقتضاها، فعليكم بتصديقي واتباعي حتى أبيِّن لكم ما يرضي ملككم، وما لا يرضيه، وها هو كتاب ملككم بيدي، وفيه علاماته الظاهرة التي تدل عليه.

فلما نظروا جميعًا في خطاب الملك انقسموا طوائف شتى:

فطائفةٌ كانوا يعرفون خط الملك أتم المعرفة، وأنه لا يقدر أحدٌ أن يقلده، فصدقوا الرسول واتبعوه.

وطائفةٌ كانت تعرف ختم الملك الموجود على الخطاب، وأنه لا يقدر أحدٌ أن يقلده، فصدقوا الرسول واتبعوه.

وطائفةٌ كانوا يعرفون أسلوب الملك في الألفاظ والعبارات، وأنه لا يقدر أحدٌ أن يضاهيه، فصدقوا الرسول واتبعوه.

وطائفةٌ كانوا يعرفون أن لدى الملك في خزائنه كنوزًا وذخائر مخصوصةً، لا توجد عند سواه، وتحت الحراسة المشددة، فطلبوا مِن الرسول أن يحضر لهم منها عينة حتى يثقوا أنه رسول الملك حقًّا، فلما أجابهم إلى ما طلبوا صدقوه واتبعوه.

وطائفةٌ كانوا على علم برسلٍ للملك سابقين على هذا الرسول، وكان الرسل قد أخبروهم بأن هناك رسولًا سيأتيهم وأخبروهم بعلاماته، فلما نظروا في هذا الرسول ووجدوا فيه هذه العلامات، صدقوه واتبعوه.

وطائفةٌ قالوا: ننظر فيما جاء به الرسول مِن قوانين ورسوم، فلما وجدوها على ما ألفوه مِن جنس قوانين الملك ورسومه، وأوامره ونواهيه التي تدعو لكل خير وتنهى عن كل شر، صدقوه واتبعوه.

وطائفةٌ قالوا: لا شك أن كل ما يدعيه هذا الرسول بيننا قد بلغ الملك ووصل إلى علمه، ولا يمكن أن يترك الملك مَن يكذب عليه بهذه الصورة دون عقابٍ أو عذابٍ، ولا يمكن أن يدعه دون أن يرسل مَن يكذبه ويقبض عليه، فلما وجدوا أن الملك قد تركه كل هذه الفترة الطويلة دون أن يكذبه أو يعاقبه، علموا أنه رسول الملك حقـًّا فصدقوه واتبعوه.

وطائفةٌ نظروا في حال هذا الرسول وحال مَن اتبعوه مِن طوائف شتى، وأنه لا يمكن أن يجتمع كل هؤلاء العقلاء بأدلةٍ متباينة على أمرٍ واحدٍ إلا أن يكون حقـًّا، فكان اجتماعهم في نفسه دليلا إضافيًّا على صدقه وصدق رسالته، فصدقوه واتبعوه.

هذه القصة التي سمعتموها ليستْ عنا ببعيدٍ، فمَن قرأ سيرة محمد -صلى الله عليه وسلم- يعلم أنه كان أميًّا، لا يقرأ ولا يكتب، وعُرف بالصادق الأمين بيْن قومه، ولم يكن له دراية بمعارف وعلوم الأمم المتحضرة، فلما قام في قومه يدعوهم إلى عبادة الله الواحد الأحد، ونبذ الشرك والأصنام، ويأمرهم بالمعروف والبر والطيبات، وينهاهم عن المنكر والخبث والفواحش؛ انقسم الناس في أمره طوائف شتى:

فطائفةٌ كانوا أهل الفصاحة والبلاغة، فلما وجدوا القرآن في أعلى درجاتها بما لا يمكن أن يبلغه بشرٌ، عرفوا أنه مِن كلام الله الذي لا يقدر على مضاهاته البشر؛ فصدقوا رسول الله واتبعوه.

وطائفةٌ كانوا مِن أهل الخبرة في نقد الكلام ومعرفة مراتبه، ومضامينه ومحتوياته، فلما وجدوا القرآن قد اجتمع فيه مِن الخصائص ما لا يمكن أن يجتمع لبشرٍ مهما بلغ مِن الإحاطة بالعلوم والمعارف، والتاريخ والفنون، والحكم والآداب والسياسات، والاطلاع على الغيب؛ عرفوا أنه مِن عند الله حقـًّا، فصدقوا رسول الله واتبعوه.

وطائفةٌ لم يكونوا مِن أهل الفصاحة والبلاغة، ولا مِن أهل الخبرة بنقد الكلام، لكنهم لما رأوا عجز الفصحاء والبلغاء عن معارضة القرآن رغم تحديهم السافر، وأنهم بدلًا مِن معارضته سلكوا سبيل الحرب والقتال، وتحملوا في ذلك فتّ الأكباد وتيتيم الأولاد، وسبي النساء والذرية، وسلب الأموال؛ علموا أنه لو كان للبشر طاقةٌ على معارضة القرآن لما سلكوا هذا المسلك، فدلَّ ذلك على أنه مِن عند الله حقـًّا، فصدقوا رسول الله واتبعوه.

وطائفةٌ طلبوا منه المعجزات والخوارق التي لا يقدر عليها إلا الله، فلما أجابهم إلى ما طلبوا علموا أنه رسول الله حقـًّا، فصدقوه واتبعوه.

وطائفةٌ كانوا مِن أهل الكتب السابقة التي فيها ذكر الرسول والبشارة بمجيئه، فلما نظروا في هذه البشارات وما فيها مِن علامات الرسول القادم، وجدوا أنها تطابق رسول الله، فصدقوه واتبعوه.

وطائفةٌ كانوا أهل عقلٍ ونظرٍ وفلسفةٍ، فلما نظروا في خصال النبي -صلى الله عليه وسلم- وأحواله، ثم نظروا في الشريعة التي جاء بها، وجدوا أن في محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- صفاتٍ فاضلةً هي مِن صفات الرسل الذين يرسلهم الله -عز وجل-، وفي شريعته مِن الاعتقادات الصحيحة الموافقة للعقل، والمنافية للخرافة، ومِن الأوامر والنواهي الموافقة للفطرة السليمة ما هو مِن جنس ما يدعو إليه دومًا الرسل والأنبياء؛ فعلموا أنه رسول الله حقـًّا، فصدقوه واتبعوه.

وطائفةٌ قالوا: إنه لا يمكن لله العليم القدير الحكيم أن يمكّن للمدعيّ الكاذب، وينصره ويرفع أمره، ويعلي قدره، ويجعل له العاقبة والغلبة على جميع مَن خالفه، ويفتح له مشارق الأرض ومغاربها، وهو يكذب عليه، ويفتري عليه أعظم الفرية، ويدعي أن الله بعثه وأرسله كذبًا وزورًا! وينسب إلى الله الدين الباطل والشريعة المفتراة، ويجعل كل ذلك مِن كلام الله إليه ووحيه النازل عليه، ثم يبقى منصورًا مظفرًا في حياته وبعد وفاته، والناس مغترةٌ به مقبلةٌ على كذبه وزوره على الله! فإن كان أمر محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- كما نعلم مِن النصر والرفعة والتمكين؛ فلا بد أنه رسول الله حقـًّا، فصدقوه واتبعوه.

وطائفةٌ قالوا إن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- قد آمن به مِن الناس طوائفُ شتى مِن العقلاء، وقد سلكت كلُ طائفةٍ منهم مسلكًا مختلفًا في الاستدلال على صدقه وصحة رسالته، فصار اتفاق كل هؤلاء القوم على تصديقه -مع اختلاف مذاهبهم في البحث والدراسة- دليلًا مستقلًا يُضاف إلى جملة الأدلة والبراهين على صدق نبوته، فصدقوه واتبعوه.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة