الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

لمَن يفهم!

الوحدة بيْن المسلمين أمل تهفو إليه النفوس، وترتاح لتحقيقه القلوب

لمَن يفهم!
صبري سليم
الخميس ١٥ مارس ٢٠١٨ - ١٨:٠٠ م
1489

لمَن يفهم!

كتبه/ صبري سليم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فدواء قلوبنا وحسن أخلاقنا في هدي نبينا -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: (مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيءَ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

ولمجرد أن قالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- ليهودي: "عليك السام واللعنة"، وكان قد تفحش على النبي قائلًا: "السام عليك يا محمد!"؛ عاتبها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (يَا عَائِشَةُ، لَا تَكُونِي فَاحِشَةً!) (رواه مسلم). قال لها ذلك مع أنها زوجته وهي مسلمة، والخصم يهودي وهو البادئ بالسب!

وفي زمننا هذا بدلًا من أن يتسابق الكثيرون في الإنتاج والإبداع والحضارة؛ تسابقوا في السب والقذف والفحش، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، فيسبون وكله في سبيل الله!

ويقذفون لنصرة دينه, ويتفحشون لإعلاء كلماته!

ويتفوهون غلظة وفظاظة لترغيب الناس في الشريعة!

حتى صارت أكثر القضايا المرفوعة بتهمة السب والقذف؛ فانتشرت الكراهية، وشاعت الأحقاد، ووقع الصد عن سبيل الله، والشماتة في أوليائه والتربص بهم!

يا سادة... قولوا للناس حُسنًا، وأعرضوا عن الجاهلين، وإذا خاطبوكم فقولوا: "سلامًا"، وتعلموا الذكاء مِن أحد الأتقياء، علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فقد جاءه يهودي يعيره يقول: "ما دفنتم نبيكم حتى قال الأنصار: منا أمير ومنكم أمير! فقال الإمام: أنتم ما جفت أقدامكم مِن ماء البحر بعد إذ نجاكم الله مِن فرعون حتى قلتم: (يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ) (الأعراف:138).

مَن ينقذ السفينة قبْل الغرق؟!

عندما تغرق السفينة فلن ينجو منها أحدٌ، بينما مصر والمصريون منشغلون بالأحداث التي فرَّقت ومزقت، وداهمت كل بيت، أحداث عصيبة وقرارات مريبة، ما أن يصدر القرار حتى تجد المصريين صغارًا وكبارًا، رجالًا ونساءً، الكل يقرأ ثم يحلل، ثم يناقِش ثم يحدث الخلاف وسرعان ما ترى ردود الأفعال!

والغلظة قد أصبحتْ سمة التعامل! وفي ظل الغفلة تجد أيادي الأعداء تتمادى، ومؤامراتهم تحيط بنا مِن كل جانب، ينشغل عنا الكثير مِن إخواننا في عالمنا الإسلامي الذي يزيد على المليار ونصف المليار مسلم.

وفي ظل هذا الانشغال والتغييب والاستهتار تعلن "أنجولا" في سابقةٍ خطيرةٍ حظرًا على الإسلام، وحملة شعواء لهدم المساجد ومنع المسلمين مِن أداء شعائرهم وعنوانهم: "محاربة التطرف الإسلامي!"؛ فالأمر جد خطير فاعتبار المسلمين طائفة غير مرغوب فيها على الأرض الأنجولية هو الهوان بعينه، هُنَّا على أنفسنا فهُنّا على الله، وهُنَّا على الآخرين! فلنفق قبْل فوات الأوان، فسوف يحاسبنا الله عما فرطنا وكفانا غفلة، فإن غرقت السفينة فلن ينجو منها أحدٌ! والعجيب أننا ما زلنا ننتظر أمريكا والأمم المتحدة، ومجلس الأمن واللا أمن! وإنا لله وإنا إليه راجعون!  

المعيشة الضنك:

في الوقت الذي يشتكي فيه الناس مِن تدهور كثير مِن المرافق والبنية التحتية، والذي ينتج عنه معاناة ومشقة على الناس، وخطر على حياتهم؛ إلا أن الأخطر منه والأشد ضررًا تدهور البنية الأخلاقية، والجوانب الفكرية والاجتماعية، فنحن نرى الجيل يتبع الجيل مِن سيئ إلى أسوأ، فترى الأفراح ضجيجًا وعجيجًا، وأصواتًا مرتفعة تخرق جدران الصخور، ويحدث مثل ذلك في المآتم حيث إن "الصييت" يريد أن يصل صوته إلى كل أنحاء المدينة، والغلبة للصوت الأعلى عنفًا بلا حدود!

في الشوارع تجد عنف المركبات ووسائل المواصلات، وما تطلقه مِن صافرات بأعلى الأصوات، وتجد كذلك العنف في التزاحم؛ كل يريد أن يخترق الزحام، وفي غير حقه في الطريق؛ ولو أدى ذلك إلى زيادة التزاحم وتوقف الحركة ثم ما يعقب ذلك مِن سبابٍ وشتائم وقتالٍ وقتلٍ! عنف في كل اتجاه حتى مَن يسمع مذياعًا أو يرى فيلمًا في بيته لا يروق له إلا أن يسمع كل أهالي الحي!

أضف إلى ذلك: خراب الذمم وفساد المعاملات بيعًا وشراءً، وضياع الأمانة.     

فمَن المسئول عن هدم وفساد هذه المنظومة جميعًا؟!

لا شك أن انتشار الجهل وضياع العلم، وغياب قانون الحق، وغياب المسئولية أهم أسباب هذا الخلل.

مَن الأعلم بما يصلح هذا الخلق جميعًا؟!

إنه خالقهم.

مَن الذي أصلح حكمه أهل الأرض جميعًا قرونًا متعاقبة؟!

إنه العليم الحكيم: (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة:50)؛ لذلك فإن الوحدة بيْن المسلمين أمل تهفو إليه النفوس، وترتاح لتحقيقه القلوب، وهى مطلب شرعي جليل القدر، عظيم الشأن، ومِن أجلِّ المساعي التي يسعى إليه المصلحون، وهو عمل لا يعرف قدره إلا مَن اصطلى بنار الفرقة وآلامها، فالأمة اليوم كم عانت مِن التنازع والتفرق والتشتت الذي سرى في كيانها ودب في أركانها.

والواقع الذي يعيشه المسلمون اليوم يستوجب مِن كل مسلم يخشى الله ويتقيه أن يسعى سعيًّا جادًّا حثيثًا لتحقيقها على مستوى الفرد والأمة.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة