الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

(فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ)

قال أبو عبد الرحمن السلمي: \\\"إني لأرجو ربي، وقد صمت له ثمانين رمضان\\\".

(فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ)
عصام حسنين
الأربعاء ١١ يوليو ٢٠١٨ - ١٧:٥٧ م
945

(فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ)

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فللمفسرين في قوله -تعالى-: (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ . لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (الصافات:143-144)، قولان: قول إنه أحدث الصلاة التي أخبر الله عنه بها في بطن الحوت. وقول آخر إنه كان مِن المصلين لله -تعالى- قبْل البلاء.

قال ابن جرير -رحمه الله-: "( فَلَوْلَا أَنَّهُ): يعني يونس (كَانَ مِنَ) المصلين لله قبْل البلاء الذي ابتلي به مِن العقوبة بالحبس في بطن الحوت (لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة، يوم يبعث الله فيه خلقه، محبوسًا، ولكنه كان مِن الذاكرين الله قبْل البلاء، فذكره الله في حال البلاء، فأنقذه ونجاه" (انتهى مِن تفسير الطبري). وهذا القول عليه أكثر المفسِّرين، وهو مروي عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، وهو ظاهر الآية.

وفي هذا ترغيب شديد في ذكر الله -تعالى-، والتعبد له في حال الرخاء والأمن، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالكَرْبِ، فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ) (رواه الترمذي وحسنه الألباني)، أي في حال الأمن والعافية.

وقال -عليه الصلاة والسلام-: (صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السَّوْءِ) (رواه الحاكم، وصححه الألباني)، و قال -صلى الله عليه وسلم-: (تَعَرَّفْ إلَى اللهِ فِي الرَّخَاءِ, يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ) (رواه الحاكم، وصححه الألباني).

قال ابن رجب: "يعني أنَّ العبدَ إذا اتَّقى الله، وحَفِظَ حدودَه، وراعى حقوقه في حال رخائه، فقد تعرَّف بذلك إلى الله، وصار بينه وبينَ ربه معرفةٌ خاصة، فعرفه ربَّه في الشدَّة، ورعى له تَعَرُّفَهُ إليه في الرَّخاء، فنجَّاه من الشدائد بهذه المعرفة، وهذه معرفة خاصة تقتضي قربَ العبدِ من ربِّه، ومحبته له، وإجابته لدعائه" (جامع العلوم والحكم).

كما نجَّى -تعالى- يونس -عليه السلام- مِن الشدة التي وقع فيها، وكما نجَّى الثلاثة أصحاب الغار الذين انطبقت عليهم الصخرة فدعوا الله -تعالى- بصالح أعمالهم، وكما نجَّى بني إسرائيل مِن فرعون وقومه، وكانوا مستضعفين؛ ليس لهم سلاح إلا الإيمان، وما قدَّموه مِن صلاةٍ ودعاءٍ وتضرع لله؛ ناصر المستضعفين، ومغيث المستغيثين، وكاشف كربات أوليائه المتقين.

وكذلك هي سنته في عباده المتقين الذين تعرفوا له بمحابه في أوقات رخائهم وأمنهم، يعرفهم -جلَّ في علاه- وقت شدتهم برحمته ومعونته، ونصره وتأييده، كشدائد الفتن التي تموج كموج البحر، ويصم كثير مِن الخائضين فيها آذانهم عن نصح الناصحين، والتي لا يتكلم فيها بالحق إلا القليل، ينجي الله فيها عبده الذي كان ملازمًا للكتاب والسُّنة بفهم سلف الأمة، ولازم مرجعية أهل العلم، وتجنب العجب بهواه، وكان ملازمًا لأوراده وطاعاته.

وكشدة الموت التي هي أعظم الشدائد التي تمر بالمؤمن؛ تلكم الشدة التي يكون المؤمن لها ذاكرًا مستعدًا؛ فيؤمنه الله -تعالى- عند موته بنزول الملائكة تطمئنه، قال معاذ عندما نزل به الموت: "يا رب إنني كنت أخافك, وأنا اليوم أرجوك".

وقال أبو بكر بن عياش -رحمه الله- حين حضرته الوفاة، وقد بكى ولده: "ما يبكيك؟! أترى الله يضيع لأبيك أربعين سنة يختم فيها القرآن كل ليلة؟!".

وقال أبو عبد الرحمن السلمي: "إني لأرجو ربي، وقد صمت له ثمانين رمضان".

فطوبي لعبد اعتبر بذلك، وجعل مِن دنياه زادًا لأخراه.

والله المستعان وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً