الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

هل كانت حرب اليمن أحد أسباب هزيمة 1967م؟

كيف بدأت حرب اليمن؟- أوضاع اليمن قبْل الثورة (الانقلاب)- دور الغرب في استمرار حرب اليمن...

هل كانت حرب اليمن أحد أسباب هزيمة 1967م؟
علاء بكر
الاثنين ٠٦ أغسطس ٢٠١٨ - ١٩:٤٦ م
966

هل كانت حرب اليمن أحد أسباب هزيمة 1967م؟

كتبه/ علاء بكر 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فتعد "حرب اليمن" التي خاضتها مصر في الستينيات مِن القرن الميلادي الماضي أحد الأحداث الهامة التي مرَّت بها مصر، حيث كان لها انعكاسات كبيرة ومؤثرة على الحياة السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية في مصر والمنطقة العربية، بل لم يسلم هذا الحدث مِن تدخل القوى العالمية مِن وراء ستار في تسيير أحداثها، وتوجيهها واستغلالها في تحقيق أهدافها في تلك الفترة الهامة مِن تاريخ مصر والأمة العربية.

ولكن هل كانت هذه الحرب التي استمرت مِن 1962م وحتى 1967م عاملًا مِن عوامل هزيمة مصر المريرة في يونيو 1967م؟

خاصة وأنها شغلت مصر واستنزفتها -بشدة- اقتصاديًّا وعسكريًّا، وأشعلت صورًا مِن "الصراع العربي - العربي"؛ مزقت الوحدة العربية الشكلية وقتها، وعمقت مِن التفكك والتشرذم العربي، فلم يفق العرب منها إلا وقد احتلت إسرائيل مساحات كبيرة مِن الأراضي العربية في مصر والأردن وسوريا إلى جانب الاستيلاء على ما تبقى مِن فلسطين بالاستيلاء على القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، ولعل معرفة الجواب تتضح مِن خلال هذا العرض الموجز عن حرب اليمن. 

كيف بدأت حرب اليمن؟

أعلن في اليمن عن قيام الثورة اليمنية (الانقلاب العسكري) بقيادة اللواء "عبد الله السلال" في 26 سبتمبر 1962م، الذي سارع إلى طلب المعونة العسكرية مِن مصر لمواجهة القبائل اليمنية المتوقع تمردها على الثورة، ووافقت القيادة المصرية سريعًا على إرسال قوات مصرية إلى اليمن لمساندة ثورة الجيش اليمني.

لماذا قبل "عبد الناصر" دخول اليمن؟!

قيل في أسباب ذلك:

1- كانت مصر تعاني عند قيام الثورة اليمنية مِن توابع الانفصال عن سوريا، بعد فشل الوحدة بيْن مصر وسوريا، والتي استمرت مِن 1958م حتى 1961م، بطلبٍ مِن سوريا في قيامها، وطلب مِن سوريا في إنهائها، ولم يسع عبد الناصر إلا قبول الطلبين على تناقضهما؛ فربما وجد "عبد الناصر" في مساندة اليمن عسكريًّا رفعًا لأسهمه في المنطقة العربية، ورد الاعتبار له، مع ما فيه مِن إحياء روح الوحدة العربية مِن جديد.

2- وجدت مصر في دخول اليمن -بعد دورها في تحرير الجزائر- خطوة للأمام في الصراع مع الاستعمار الأوروبي عامة، وبريطانيا خاصة؛ إذ يمكن بالتواجد في اليمن السعي لتحرير عدن مِن الاحتلال البريطاني، الذي يؤثر على تحكم بريطانيا في مضيق باب المندب المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.

3- زاد الأمر قبولًا موافقة -وتأييد- الاتحاد السوفيتي كقوة كبرى داعمة لدخول القوات المصرية في اليمن.

4- كانت المعلومات لدى القيادة المصرية تجعلها تظن أن المهمة في اليمن ستكون سهلة وقصيرة، لا تحتاج لأكثر مِن كتيبة مصرية مِن الجيش المصري تكون كافية لحماية الثورة اليمنية، وإخضاع اليمن ككل.

بدأ توافد القوات المصرية جوًّا مِن 28 سبتمبر1962م، وتبع ذلك إرسال قوات إضافية بحرًا، وأدى تفاقم الأحداث إلى تزايد وتضاعف القوات المصرية في اليمن، مع تزايد العتاد والمعدات، مِن مدفعية ومدرعات وطائرات، حتى أصبح لمصر جيش كامل يقاتل في اليمن ولعدة سنوات.

أوضاع اليمن قبْل الثورة (الانقلاب):

كان "الإمام أحمد يحيى" مِن أسرة "حميد الدين" يحكم اليمن منذ عام 1948م، بعد أن تولى السلطة بعد مقتل والده ونجاحه في استعادة الحكم مِن قتلة أبيه بمعاونة قبائل (بكيل) و(حاشد)، وقد راح ضحية لاستعادة السلطة ما لا يقل عن 6 آلاف يمني، وقد حكم الإمام أحمد اليمن طوال حياته وحتى موته بقبضةٍ مِن حديدٍ، ورأى معارضوه أنه باستبداده وديكتاتوريته يحول بيْن اليمن والتقدم والمدنية الحديثة.

وقد عين الإمام أحمد ابنه الأمير محمد البدر وليًّا للعهد، وكان البدر غير راض عن أسلوب والده في الحكم، ويتعاطف مع اتجاه الإصلاح، بل وله صداقة مع عبد الناصر، ومع وفاة الإمام أحمد وإعلان البدر نفسه إمامًا لليمن خلفًا لوالده، ولما كان الإمام البدر ليس له سطوة وقوة في الحكم كوالده، قام عبد الله السلال -الذي كان مع كونه مِن المقربين مِن الإمام البدر ويرأس تنظيمًا عسكريًّا مِن صغار الضباط- بانقلابٍ عسكريٍ ضد الإمام البدر للإطاحة بحكم بيت حميد الدين، حيث قام في 26 سبتمبر 1962م بمحاصرة قصر البشائر في العاصمة صنعاء حيث إقامة الإمام البدر بالدبابات التي أطلقت قذائفها على القصر، في الوقت الذي قامت فيه قوة أخرى بالاستيلاء على الإذاعة، وإعلان البيان الأول للثورة اليمنية، وأعلن معه مقتل الإمام البدر، وقيام الجمهورية.

هرب الإمام البدر إلى السعودية:

في الوقت الذي أعلن فيه عن مقتل الإمام البدر، كان الإمام قد خرج مِن قصره المتهدم متخفيًا، وتجاوز أسوار صنعاء، ومِن صنعاء إلى منطقة (جيحانة)، ومنها واصل سيره سرًّا حتى بلغ حدود المملكة العربية السعودية، ومِن السعودية أعلن بعد فترة أنه ما زال حيًّا، وخلال ذلك جاء إلى (جدة) قادمًا من (نيويورك) الأمير (حسن) -ابن عم الإمام البدر، والذي كان يمثِّل اليمن في الأمم المتحدة- وأعلن نفسه إمامًا لليمن خلفًا للإمام البدر عقب الإعلان عن مقتله وقيام الثورة، وبعد ظهور الإمام البدر في السعودية مِن جديد تنازل الأمير حسن عن الإمامة للأمير البدر.

تجمعت أسرة حميد الدين في السعودية، وقد عزمت على استرجاع السلطة والحكم بالقوة مِن ضباط الانقلاب العسكري، وقد استضاف النظام الملكي في السعودية أسرة حميد الدين، وقدَّم لها العون لمواجهة الثورة في اليمن، وبالتالي الدخول في مواجهة مع الوجود المصري هناك.

حشد الأمير البدر قوات مِن القبائل اليمنية بلغ عددها 20 ألف مقاتل لاسترداد الحكم في اليمن، ووزعها لتدخل اليمن مِن أربع جبهات: قوة مِن شرق اليمن بقيادة الأمير حسن، وقوة مِن جهة مدينة (صعدة) يقودها الأمير البدر، وقوة مِن جهة منطقة (الجوف)، وقوة مِن جهة (حريب). وقد اتخذت أسرة حميد الدين مِن (نجران) -القريبة مِن حدود اليمن- مقرًّا سياسيًّا وعسكريًّا لها في مواجهة العسكريين الجمهوريين.

لماذا ساندت السعودية الإمام البدر؟

قيل في أسباب ذلك:

1- خشية العائلة المالكة في السعودية مِن امتداد المد الثوري مِن اليمن إلى المملكة العربية السعودية، وبالتالي القضاء على النظام الملكي في السعودية.

2- خشية السعودية مِن إحياء اليمن في ظل نظامها الجديد المطالبة بـ(جيزان) و(نجران)، وكان الشريف الإدريسي قد تنازل عنهما للملك عبد العزيز آل سعود، بعد حرب بينهما في الثلاثينيات انتهت بتوقيع معاهدة الطائف عام 1934م بعد استيلاء السعودية على المدينتين بالقوة، وإن بقت الأمور بعد المعاهدة غير مستقرة.

ولم تنجح المحاولات العربية التي جرت لإيقاف الحرب في اليمن، وإيقاف نزيف الدم والأموال مِن الطرفين المتصارعين: الجيش اليمني وتساعده مصر عسكريًّا وماديًّا، وقوات الإمام البدر والقبائل اليمنية وتساعدها السعودية عسكريًّا وماديًّا.

وبدا أن هناك أطرافًا خارجية حريصة على بقاء التورط المصري في اليمن، واستنزاف قدرات مصر، وإنهاك قواتها المسلحة في حربٍ طويلةٍ الأمد، كثيرة التكلفة، كبيرة الخسائر، وبات واضحًا أن مِن الذين ملكوا شن الحرب لم يعد بقدرتهم وقفها، وأن مَن يمكنهم وقفها يريدون لها الاستمرار.

 لقد رأى الغرب في هذه الحرب ما يشغل مصر عن التركيز على الصراع مع إسرائيل، ووجد فيها بعض العرب إبعادًا لعبد الناصر عن التدخل في شئونهم الداخلية؛ في الوقت الذي أوجدت هذه الحرب حربًا أخرى سياسية ودبلوماسية بيْن النظام الملكي في السعودية ومَن يؤيده مِن الحكام العرب، ونظام عبد الناصر ومَن يؤيده مِن الحكام العرب.

وقد شهد عام 1964م عقد مؤتمر القمة العربي في القاهرة لمناقشة المواجهة مع إسرائيل عقب قيامها بتحويل روافد نهر الأردن في انتهاك صريح، ومخالفة صارخة للقوانين الدولية، وانتهت القمة بدون أي خطوات إيجابية في مواجهة الخطوة الإسرائيلية، أو في إنهاء حرب اليمن.

دور الغرب في استمرار حرب اليمن:

بتواصل القتال تحولت اليمن إلى مستنقع للقوات المصرية، وعمل الغرب على تواصل الحرب وتصاعدها:

1- فكانت أمريكا تقدم للسعودية السلاح لمساندة القوات الملكية في اليمن.

2- وجعلت بريطانيا مِن الجنوب العربي ممرًا للملكيين يهاجمون منه القوات المصرية.

3- وتحالفَ رجال المخابرات الغربية، وتجار السلاح، وشركات البترول الكبرى للعمل ضد الثورة اليمنية والقوات المؤيدة لها؛ فكان تقديم المعونات المخابراتية والمادية وتيسير الحصول على السلاح بصورة غير معلنة للسعودية واليمنيين.

4 - وأسقطت إسرائيل أسلحة وذخائر بالطائرات لجيوب الملكيين المحاصرة في جبال اليمن انطلاقًا مِن قاعدة جيبوتي الواقعة تحت الاحتلال الفرنسي، بل وتم إسقاط أعداد مِن اليهود اليمنيين الذين هاجروا إلى إسرائيل لكي يقوموا ببعض العمليات الخاصة، ثم التسلل بعد ذلك داخل المدن والقرى اليمنية.

تطور الأحداث في اليمن:

مع زيادة الدعم السعودي للملكيين زاد تدفق القوات المصرية حتى بلغ عدة ألوية، وساهم الطيران المصري بدورٍ كبيرٍ في القتال، حيث كانت سماء اليمن مفتوحة أمامه بلا اعتراض، حيث قامت الطائرات القاذفة المصرية بضرب التجمعات للقوات الملكية، خاصة في المناطق الجبلية المحيطة بصنعاء، خاصة أن القوات المصرية لم تحارب مِن قبل في مثل هذه الجبال، ولم تعتد مواجهة مقاتلي القبائل.

وزادت تكلفة الحرب اليومية بالنسبة لمصر حتى بلغت ما قيمته مليونين مِن الجنيهات يوميًّا -بسعر وقتها- ترتب على إنفاقها تأثر الاقتصاد المصري، وتأثر مشروعات التنمية والبنية التحتية للبلاد، وبدأ الشعب المصري يعاني مِن هذه التداعيات، إلى جانب سقوط قتلى كثيرين في مواجهة القوات الملكية والقبائل اليمنية.

وفي مارس 1963م شارك المشير عبد الحكيم عامر في قيادة القوات المصرية في اليمن بنفسه، وترتب على السيطرة المصرية على أنحاء اليمن بقاء الثورة، وإن لم يترتب عليها توقف القتال؛ إذ استمر الصراع.

وفي 23 أبريل 1964م قام جمال عبد الناصر بزيارةٍ تاريخيةٍ لصنعاء -عاصمة اليمن- بمرافقة المشير عامر، حيث ألقى فيها خطابًا هاجم فيه السعودية والاستعمار البريطاني في الجنوب العربي، ثم ألقى خطابًا ثانيًا في تعز يوم 26 أبريل، وقد شهدت مصر تزايد المعارضة الداخلية للتواجد المصري في اليمن وانعكاساته السلبية على الاقتصاد المصري، وسقوط الآلاف مِن المصريين في حرب طويلة الأمد، ولكن النظام الحاكم في مصر كان لهذه الآراء المعارضة بالمرصاد، واعتبر أصحابها مِن الخارجين عن النظام الحاكم في البلاد.

قام عبد الناصر بزيارة للسعودية للقاء الملك فيصل الذي تولى الحكم بعد أخيه الملك سعود، في محاولة لتحقيق السلام في اليمن، على أساس توقف السعودية عن تقديم العون والمساعدة للملكيين مقابل انسحاب القوات المصرية مِن اليمن، فيما عرف باتفاقية (جدة)، ولكنها لم تكلل بالتنفيذ والنجاح، واستمر القتال.

مِن اليمن إلى سيناء:

مع تصاعد المواجهة السياسية بيْن مصر وإسرائيل بسبب الحشود الإسرائيلية على الجبهة السورية عدها عبد الناصر فرصة للانسحاب مِن اليمن بدعوى الاستعداد للحرب مع إسرائيل، فبدأ في إعادة القوات المصرية مِن اليمن وانتقالها إلى سيناء بصورةٍ علنيةٍ واستعراضية.

وقد عد كثيرٌ مِن العسكريين أن إعادة القوات المصرية وتوجهها مباشرة لمواجهة إسرائيل في سيناء يشوبه خطأ كبير أقدمت عليه القيادات السياسية والعسكرية في مصر، لأسبابٍ عديدةٍ، منها:

حاجة هذه القوات المنهكة العائدة مِن اليمن لوقتٍ مِن الإعداد المناسب، وإعادة التدريب قبْل توجهها للمشاركة في القتال في صحراء سيناء عقب سنواتٍ مِن الحرب في جبال اليمن، وفي مواجهة قبائل غير نظامية، كان مِن الواجب الإعداد الجيد للحرب عن طريق:

- تهيئة هذه القوات على مواجهة الجيش الإسرائيلي النظامي في صحراء سيناء، خاصة وأن الجيش الإسرائيلي قد بلغ وقتها درجة كبيرة مِن الإعداد والتسليح -يفترض أن المخابرات المصرية على دراية بها- تستلزم التدريب الجيد على الأساليب الحديثة في القتال والمواجهة.

- تهيئة وتدريب الطيران المصري العائد مِن اليمن مِن جديدٍ على القتال في سيناء، ومواجهة سلاح الطيران الإسرائيلي المزود بطائرات غربية حديثة، بعد قتالٍ لسنواتٍ لم يواجه الطيران المصري فيها أي مقاومة جوية في اليمن، إلى جانب إعادة التنسيق بيْن هذه القوات بريًّا وجويًّا للحرب في صحراء سيناء، فلن تكون سماء سيناء خالية مِن طيران للعدو كما كان الحال في اليمن.

تهيئة هذه القوات على الحركة السريعة في قتال العدو بعد سنواتٍ مِن القتال في جبال اليمن امتاز بالبطء في الحركة والتمركز الدفاعي تنفيذا لسياسة النفس الطويل في مواجهة القوات والقبائل المتمردة على الثورة اليمنية.

- وجود أعدادٍ كبيرةٍ مِن القوات المصرية خارج مصر، حيث يتواجد نحو 50 ألف جندي مصري في اليمن عند تصاعد الأحداث.

- إعداد الدولة -فعليًّا وواقعيًّا لا إعلاميًّا ومظهريًّا- لحالة الحرب اقتصاديًّا وداخليًّا؛ إذ دخول حرب قد تمتد لأيام أو أسابيع يحتاج إلى تهيئة مناسبة، وقد اعتمد عبد الناصر على تأكيدات معاونيه في هذا الشأن دون مراجعة شاملة وجادة لحقيقة الأمور على الجبهة وفي الداخل.

مناورة سياسية أم مجازفة عسكرية؟

يرى بعض المحللين أن القيادة المصرية في تصعيدها للأحداث مع إسرائيل عقب ما أثير حول حشودها على الجبهة السورية في الأيام السابقة لبدء حرب يونيو 1967م، كان مناورة سياسية مِن عبد الناصر، لكنه استدرج بها إلى حرب ومواجهة عسكرية مع إسرائيل لم يكن مستعدًا لها؛ وإلا فدخوله الحرب بغير الاستعداد الكامل لها يعد مجازفة لا يحتملها وضع البلاد.

فقد عقدت مصر معاهدة دفاع مشترك مع سوريا ثم الأردن قبْل حرب يونيو بشهور، وسارعت إلى تفعيلها والعمل بها مع ظهور حشود إسرائيلية على الحدود السورية، رغم عدم توتر الأوضاع على "الجبهة المصرية – الإسرائيلية" نتيجة وجود قوات الطوارئ الدولية في سيناء مِن بعد العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956م، بل كان طلب مصر سحب قوات الطوارئ الدولية ينتج عنه توتر هذه الجبهة، إلى جانب إعادة قوات مصرية مِن اليمن وحشدها مع القوات العسكرية المصرية في سيناء، وإدخال قوات وأسلحة ثقيلة في سيناء وقطاع غزة، في الوقت الذي أغلقت فيه مصر (مضيق تيران) في وجه الملاحة الإسرائيلية ومنعت وصول أي سفينة تحمل البترول أو المواد الإستراتيجية لإسرائيل؛ هذا في الوقت الذي زاد فيه نشاط الفدائيين ضد الإسرائيليين داخل إسرائيل، إلى جانب دخول قوات عربية إلى الضفة الغربية؛ فهذه أحداث تدفع للحرب دفعًا، وكانت إسرائيل تعد نفسها مِن بعد 1956م لحربٍ لابد منها مع العرب، وتنسق مع أمريكا للوقوف بجانبها فيها، فجاءت الأحداث مِن مصر والعرب لتعطيها الفرصة المناسبة للقيام بحرب استعدت لها جيدًا مِن سنواتٍ، فلم تكن الضربة التي وجهتها إسرائيل لمصر وسوريا والأردن بهذه الكيفية والتخطيط والإعداد وليدة الساعة، ولم يكن وقوف أمريكا والغرب إلى جانب إسرائيل رغم أنها التي هي التي بدأت بالعدوان والهجوم بعد التعهد -مِن مصر وإسرائيل- أمام القوتين الكبيرتين -أمريكا وروسيا- بعدم البدء بالقتال وليد السعة؛ لذا فلم يجبروا إسرائيل على الانسحاب مِن سيناء كما تم بعد عدوان 1956م؛ لأن هذه الحرب قد أعد لها مِن قبْل، وبيت لها بليل، وجاءت الأحداث المتصاعدة لتعجل بها وتمهد لها، ولم تضيع إسرائيل تلك الفرصة.

نهاية مأساة مصر في اليمن:

جاءت الهزيمة القاسية للقوات المصرية التي حشدت في سيناء بغير مهامٍ واضحةٍ وإعدادٍ كافٍ، وفرض عليها الانسحاب بعد تدمير سلاح الطيران المصري، وفي ظل سيطرة إسرائيلية كاملة على سماء سيناء، لتكتب نهاية حزينة للمواجهة مع إسرائيل، وكان لزامًا على عبد الناصر أن يخرج بقواته مِن اليمن، فتم الاتفاق بوساطة سودانية على انسحاب مصر مِن اليمن في مقابل توقف السعودية عن دعم الملكيين في اليمن، ويترك للشعب اليمني تقرير مصيره، وعليه تم نقل نحو 50 ألف جندي مصري مِن اليمن على بواخر مصرية ويونانية، حيث نزلوا على شواطئ مصرية على البحر الأحمر بعيدًا عن متناول الطائرات الإسرائيلية ومدى نيران العدو.

وهكذا انتهت مأساة مصر في اليمن بعد قرابة 5 سنوات قدمت فيها مصر نحو 20 ألف قتيل، وبتكلفة بلغت في المتوسط مليونين مِن الجنيهات يوميًّا، أثرت على التنمية في مصر، وتمادى عبد الناصر طوال هذه السنوات الخمس في التنكيل بكل مَن يعارض وجود مصر في اليمن، فأبعد الكثير مِن أصحاب الكفاءات والمكانة العلمية عن الصدارة لكونهم ليسوا أهلًا لثقته، وفرَّ كثيرون إلى خارج البلاد هروبًا مِن استبداد عبد الناصر، وشهدت هذه الفترة العصيبة مِن حكم عبد الناصر تغيرات كثيرة في المجتمع المصري اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا، انتهت بهزيمة مفجعة كانت بمنزلة سقوطًا لحقبة الناصرية في مصر، وعاني مِن تبعاتها جيل الهزيمة ومَن جاء بعده!

اليمن بعد الخروج المصري:

بعد رحيل القوات المصرية عن اليمن وخلال زيارة خارجية قام بها عبد الله السلال للقاهرة وبغداد استولى الجيش اليمني على السلطة في صنعاء، وأسند رئاسة البلاد للقاضي عبد الرحمن الأرياني، الذي كان يحمل أفكارًا إصلاحية، اعتقل بسببها وسجن في عهد الإمام أحمد، وتعرض بسبب الاختلاف مع عبد الله السلال على أسلوب الحكم بعد قيام الجمهورية في اليمن إلى النفي إلى القاهرة، وحددت إقامته هناك، فلما عاد لصنعاء بعد خروج القوات المصرية مِن اليمن، حيث ظلت إقامته أيضًا محددة بمنزله في صنعاء، اختاره رجال الجيش في النظام الجديد لرئاسة اليمن بدلًا مِن عبد الله السلال.

للاستزادة راجع:

- كتاب (أسرار حرب اليمن) تأليف الكاتب وجيه أبو ذكري، ط. كتاب اليوم - أبريل 1986م، وقد طبع مِن قبل باسم (الزهور تدفن في اليمن) في عام 1972، وفي عام 1977م.

- كتاب (يوميات ضابط في حرب اليمن) تأليف محمود مبروك، ط. الهيئة العامة للكتاب عام 2014م.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة