الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

فوائد مِن قصة أصحاب الجنة

فإذا أصاب الواحد منا بلاءً أو تغيّر حال يحبها فليرجع إلى نفسه يحاسبها

فوائد مِن قصة أصحاب الجنة
عصام حسنين
السبت ١٠ نوفمبر ٢٠١٨ - ١٦:٤٤ م
12466

فوائد مِن قصة أصحاب الجنة

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

ففي قصة أصحاب الجنة التي ذكرها الله -تعالى- في سورة القلم كثيرٌ مِن الفوائد والعِبَر، نحاول أن نقف في هذا المقال على أهمها، مما نحتاج إلى تذكير أنفسنا به.

قال المفسرون: "كانت هذه الجنة لرجلٍ مِن أهل اليمن، كان يؤدي حق الله -تعالى- منها للفقراء والمساكين، فلما مات، قال بنوه مِن بعده: قلّ المال وكثُر العيال! وأجمعوا أمرهم وأقسموا ألا يُعطوا مسكينًا منها شيئًا، ولم يقولوا: إن شاء الله، مِن زعمهم أنهم قادرون على ذلك، فكانت العقوبة وهم نائمون".

قال -تعالى-: (فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ) (القلم:19): وهي النار التي أحرقتها (فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ): سوداء كالليل البهيم بعد أن كانت يانعة خضراء تسر الناظرين.  

وأصبحوا منطلقين إلى جنتهم (فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ . أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ): أي نخلكم. (وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ): أي قصد ومنع لحق الله. (قَادِرِينَ): أي جازمين بقدرتهم على ذلك. (فَلَمَّا رَأَوْهَا) وهي سوداء مظلمة (قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ): أي: تائهون عنها لعلها غيرها ثم استدركوا بعد استيقانهم أنها هي (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ): أي منها بمنعنا حق المساكين، وتركنا الاستثناء: (إن شاء الله)، فعلموا حينئذٍ أنها عقوبة مِن الله -تعالى-؛ لأن أباهم عندما كان يؤدي حق المساكين أبقاها الله له، ولما هموا هم بمنع حقها أهلكها الله -عز وجل-!

(قَالَ أَوْسَطُهُمْ): أي أعدلهم وأحسنهم طريقة (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ): أي ألا تستغفرون ربكم مِن فعلكم، وتتوبون إليه مِن خبث نيتكم. (قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ): أحسنوا التوبة بتنزيه الله -تعالى -عن الظلم فيما عاقبهم به، وأقروا على أنفسهم بالظلم. وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "نستغفر ربنا مِن ذنبنا، إنا كنا ظالمين لأنفسنا مِن منعنا المساكين".

(فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ): أي يلوم بعضهم بعضًا، كأصحاب المعصية عندما يُعاقبون فيلوم بعضهم بعضًا، وهذا مِن التحسر، ولكن لات حين مندم. (قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ): أي يا هلاكنا احضر، إنا كنا متجاوزين حدنا في حق ربنا وحق عباده، ثم رغبوا إلى ربهم -تعالى- فقالوا: (عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ): رجوا أن يبدلهم الله خيرًا منها، ووعدوا بأنهم سيرغبون إلى الله في طلب ذلك، وأنهم إن رحمهم الله وأعطاهم، أنهم سيفعلون كما كان يفعل أباهم فيها، والظاهر أن الله -تعالى -أبدلهم خيرًا منها؛ لأن مَن تاب، تاب الله عليه، ومَن رغب إليه ورجاه، أجابه.

قال الله -تعالى-: (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ) (التوبة:59).  

ثم يخبر -عز وجل -عن سنته الماضية في خلقه: (كَذَلِكَ الْعَذَابُ): أي كما فعلنا بهم ذلك لطغيانهم، كذلك نفعل بمَن تعدى حدودنا، وخالف أمرنا. (وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ): أي مِن عذاب الدنيا. (لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ): أي لو كانوا يعلمون ذلك لأوجب لهم انزجارًا عن كل سببٍ يوجب العذاب ويحل العقاب.

فوائد القصة:

قال ابن كثير -رحمه الله-: "وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ هَاهُنَا دُعَاءَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى قُرَيْشٍ، حِينَ اسْتَعْصَتْ عَلَيْهِ، بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ، وَأَوْرَدَ مَا أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: خَمْسٌ مَضَيْنَ: اللِّزَامُ، وَالرُّومُ، وَالدُّخَانُ، وَالْبَطْشَةُ، وَالْقَمَرُ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "إِنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبْطَؤُوا عَنِ الْإِسْلَامِ، قَالَ: (اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ). قَالَ: فَأَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ حَتَّى فَحَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ، حَتَّى أَكَلُوا الْجِيَفَ وَالْمَيْتَةَ، وَحَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ كَانَ يَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الْجُوعِ، ثُمَّ دَعَا فَكَشَفَ اللَّهُ عَنْهُمْ. ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ هَذِهِ الْآيَةَ: (إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ) (الدخان:15). قَالَ: فَعَادُوا فَكَفَرُوا فَأُخِّرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَوْ قَالَ: فَأُخِّرُوا إِلَى يَوْمِ بَدْرٍ" (البداية والنهاية).   

أي لعلهم إذا عاقبهم الله بالضراء (الجدب) تفكروا في أنفسهم، ورجعوا عن الكفر إلى الإيمان، ولكن (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (الحج:46)، وفي هذا فائدة عظيمة أن الله -تعالى- مِن رحمته بعباده إذا وقعت منهم المعاصي أنه يؤدبهم ببعض العقوبات رجاء أن يرجعوا إلى ربهم -تعالى- نادمين، قال الله -عز وجل-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم:41)، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ العُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

- فإذا أصاب الواحد منا بلاءً أو تغيّر حال يحبها فليرجع إلى نفسه يحاسبها، ويُحدث توبة ويُحسن، وقد وعد الله المحسنين ألا يضيع عملهم.

- الحذر مِن الهمِّ السيئ، فإنه يعاقب به، كما في هذه القصة، وكما قال الله -تعالى-: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) (الحج:25).

- الحذر مِن منع الزكاة (حق المسكين في المال)، فإن هؤلاء لما عزموا على منعهم حق المساكين، فأذهب الله مالهم.   

والراحمون يرحمهم الرحمن، فمَن رحم ضعيف المسلمين -رحمه الله تعالى-، وزاده بركةً وخيرًا، عن أبي هريرة -رضى الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ، فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ، فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: فُلَانٌ - لِلِاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ - فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، لِاسْمِكَ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ قَالَ: أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا، فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ) (رواه مسلم).

- قال بعض العلماء بكراهة حصاد الثمار بالليل كراهة أن يأخذ الفقراء نصيبهم لنهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الجذاذ بالليل.

- المعصية مِن أسباب العقاب الديني والدنيوي: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (الشورى:30)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا،) (رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني).

- الاعتراف بالذنب والتوبة منه: (وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ) (رواه أحمد والترمذي، وحسنه الألباني).

وبعد، فما أحوجنا إلى الوقوف عند هذه العَبَر، والعمل بها.

نسأل الله -تعالى- مِن فضله، إنا إليه راغبون.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً