الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

علاقة الدين بالسياسة

إن الله لا يعجل لعجلة أحد، بل له -سبحانه وتعالى- سنة في التغيير لا تتبدل ولا تتغير

علاقة الدين بالسياسة
صلاح عبد المعبود
الأحد ٠٩ ديسمبر ٢٠١٨ - ١٧:٥٨ م
843

علاقة الدين بالسياسة

كتبه/ صلاح عبد المعبود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ 

فإن الانزواء والتقوقع في البيوت والمساجد والبُعد عن ساحات الجهاد وميادين التربية والإصلاح، علامة على خوار العزيمة ونقصان الإيمان؛ فأصحاب هذه العزلة السلبية اتخذوا الدين طقوسًا من العبادات تُؤدَّى في أوقاتٍ محددةٍ وأماكن معينةٍ لا صلة لها بالحياة وواقع الناس!

فالدين داخل المساجد وبيْن صفحات القرآن، وفي بطون الكتب، وأثناء حلق العلم، ولا علاقة له بالسلوك ومجريات الأمور والأحداث؛ فهذا أشبه بالرهبانية، ولا رهبانية في الإسلام، وهذا هو اتجاه أصحاب الهمم الخائرة الذين اتخذوا الدين متعة روحية فحسب وظنوه مادة للتسلية والكلام، وعطلوا منه الجهاد في الحياة، وهو فريضة ماضية إلى يوم القيامة، وعزلوا أنفسهم عن دنيا الناس وضنوا بأموالهم أن ينفقوها في سبيل الله، وبخلوا بأنفسهم أن تكون فداءً لنصرة شرع الله؛ فهذا هو داء الأمم مِن قبْل؛ الشح والجبن، والحرص على الدنيا بأي ثمنٍ، فالعزلة تؤدي إلى انتشار الفساد.

وإن الفساد إذا استشرى في الأمة وعمَّ أرجاءها؛ فلا يمكن زواله وتطهير المجتمع منه؛ إلا بالدعوة إلى الله -تعالى-، والتربية الصحيحة للنفوس والقلوب؛ فالإسلام قد أنشأ أمة مؤمنة قابلة لمنهج الله -تعالى-، فالمجتمع المسلم هو الذي وُجد أولًا، وبعد ذلك جاء النظام والتشريع والفقه الذي يضبط حركة هذا المجتمع النظيف؛ ففي الفترة المكية كان الجهد مُنصّبًا على القلوب حتى تأتّى فيها عظمة الآمر -عز وجل-؛ ولذلك عندما نزلت الأوامر في المدينة سهل على المسلمين امتثال الأمر والنهي؛ لأن القلوب كانت عامرة حينئذٍ بتعظيم مَن أمر، وتلك هي سنة الأنبياء في تربية أقوامهم على المنهج الإلهي الصحيح؛ فليس الأنبياء طلاب سلطة، ولا نفوسهم تواقة إلى الزعامة والسلطان، بل جاءوا مربين مصلحين زاهدين في حطام الدنيا الزائل؛ ولذلك فهناك أسئلة كثيرة تحتاج إلى أجوبةٍ شافيةٍ كافيةٍ.

ومِن هذه الأسئلة:

1- ما معنى كلمة السياسة؟

2- ما هو الإطار الشرعي لعلاج الأحداث الجارية؟

3- ما هو فهم الصحابة لتغيير الواقع الفاسد والأحوال المعوجة؟

فالسياسة لغة: القيام على الشيء بما يصلحه، فإذا كانت تعني إصلاح العباد، وإعطاء كل ذي حق حقه، وإقامة الحدود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فهي مِن صلب الإسلام، وإذا كانت تعني الكذب والزور، والخديعة والخيانة، وشهوة الملك، والوصول إلى السلطة لنزوةٍ في النفس؛ فليستْ حينئذٍ مِن الدين في شيءٍ، قال الله -سبحانه وتعالى-: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (الحج:41)؛ ولذلك فهؤلاء ناطحوا أهل السياسة وجاروهم في كذبهم وحيلهم الملتوية، وأكاذيبهم السافرة؛ فضلوا وأضلوا!

وأما عن الإطار الشرعي لعلاج الأحداث الجارية: فلابد أن نعلم أن الحكم على أيٍ شيءٍ يجب ألا يخضع لأهواء النفوس ووجهات النظر البشرية القاصرة الخاطئة، بل يجب الرجوع فيها إلى كتاب الله وسنة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وفهم الصحابة والعلماء مِن أهل الخبرة والبصيرة، فما مِن قضيةٍ عامة أو خاصة إلا للإسلام فيها رأي جلي واضح صحيح لا تزل معه الأقدام، ولا تلتبس فيه الحقائق، والذي يجمع الأمة ولا يفرِّقها ويوحد كلمتها، ولا يشتتها هو رجوعها إلى أصلٍ واحدٍ لا يختلف عليه اثنان، وإلا تشعبت آراؤها، واختلفت أهواؤها، وافترقت كلمتها.

وقد سئل علي -رضي الله عنه-: "كيف يختلف أهل الحق والحق واحد؟"، فقال للسائل: "الأهواء!"، فالحق لا يختلف عليه اثنان، وأما إذا دخل الهوى في القضية، فالهوى يصد عن اتباع الحق، ويطمس معالم الصواب والرشد!

وأما عن فهم الصحابة -رضي الله عنهم- لتغيير الواقع الفاسد: فقد كانوا يربطون دائمًا بيْن أحوال العباد وأعمالهم، فصلاح الأحوال مرتبط بصلاح الأعمال، وصلاح الأعمال مرتبط بصلاح القلوب، وتغيير الأمم والمجتمعات ليس وليد يوم ولا ليلة، ولا يحدث طفرة بيْن لحظةٍ وأخرى، وإنما هو سعي دؤوب للتربية والدعوة والإصلاح، فإذا تغيرت النفوس الفاسدة وأصبحت الأعمال الصالحة على الجوارح، وانضبط السلوك بضوابط الإيمان فحينئذٍ تكون الأمة كلها ربانية صالحة، فلم يوجد المجتمع المدني إلا بعد التضحية المكية.

إن الله لا يعجل لعجلة أحد، بل له -سبحانه وتعالى- سنة في التغيير لا تتبدل ولا تتغير: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11).

وإن النفوس إذا اُكرهت على الدين تربى فيها النفاق، وهو داء يبغضه الله -تعالى-، ويضع صاحبه في الدرك الأسفل مِن النار، أما الدعوة بالحكمة فهي تبعث الشوق والرغبة في القلوب للإقبال على الله عن رضا، وشتان بيْن أجسادٍ مقهورة على الطاعة وبيْن قلوبٍ منيبة مشتاقة إلى ربها وكسب رضاه.

والله مِن وراء القصد.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com