الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الثبات على دين الله وقت الفتن (1)

فليعلم المؤمن أن تثبيت القلوب بيد الله وحده

الثبات على دين الله وقت الفتن (1)
يونس مخيون
الثلاثاء ٢٥ ديسمبر ٢٠١٨ - ١٨:٣٦ م
1017

الثبات على دين الله وقت الفتن (1(

كتبه/ يونس مخيون

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن الثبات على دين الله أمنية كل مؤمن صادق يحب الله ورسوله، ويحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه.

ومعنى الثبات على دين الله: أن يستمر المرء في طريق الهداية والاستقامة حتى يلقى الله -تعالى-.

وتتأكد الحاجة إلى الأخذ بأسباب الثبات وعدم الزيغ إذا كانت أسباب الزيغ موجودة وكثيرة، فكلما كثرت أسباب الزيغ كلما اشتدت الحاجة للاهتمام بهذه المسألة.

فقد كَثُر ما يُفسد المسلمين ويُفسد عقائدهم وأخلاقهم فيما يقرؤون ويسمعون ويبصرون، وعصفت بالقلوب رياح الشبهات والشهوات، وعندما تكثر الفتن وتتكون، وتتوالى المدلهمات والخطوب يكثر المتساقطون، فقد كثرت حوادث النكوص على الأعقاب والانتكاسات؛ مما يحمل المسلم على الخوف على نفسه، وكم رأينا أناسًا استقاموا ثم انحرفوا.

وتأتي خطورة هذه المسألة -مسألة الثبات- أنها مرتبطة بالخاتمة، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالخَوَاتِيمِ) (رواه البخاري)، وقال: (مَنْ مَاتَ عَلَى شَيْءٍ بَعَثَهُ اللهُ عَلَيْهِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني)

وأصل الاستقامة في القلب كما أن أصل الزيغ في القلب، فإذا استقام القلب استقامت الجوارح، والقلب شديد التقلب، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ أَسْرَعُ تَقَلُّبًا مِنَ الْقِدْرِ إِذَا اسْتَجْمَعَتْ غَلَيَانًا) (رواه أحمد، وصححه الألباني)، وقال: (إِنَّمَا مَثَلُ الْقَلْبِ كَمَثَلِ رِيشَةٍ مُعَلَّقَةٍ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ تُقَلِّبُهَا الرِّيحُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

وعن أبي سلمة -رضي الله عنها-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُكْثِرُ فِي دُعَائِهِ أَنْ يَقُولَ: (اللهُمَّ مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ). قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوَ إِنَّ الْقُلُوبَ لَتَتَقَلَّبُ؟ قَالَ: (نَعَمْ، مَا مِنْ خَلْقِ اللهِ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ بَشَرٍ إِلَّا أَنَّ قَلْبَهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللهِ، فَإِنْ شَاءَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ) (رواه أحمد بسندٍ صحيح).

وقد بيَّن لنا ربنا -سبحانه- في كتابه وفي سنة رسوله، أسباب الثبات على دين الله -تعالى-، نذكر منها:

أولًا: الإقبال على القرآن:

فالقرآن العظيم وسيلة الثبات الأولى، مَن تمسك به عصمه الله، ومَن اتبعه أنجاه الله، قال -تعالى-: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل:102).

وبيَّن الله أن الغاية التي مِن أجلها أنزل القرآن منجمًا هي التثبيت فقال: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا) (الفرقان:32)، فالقرآن يزرع الإيمان ويزكي النفس، ويصلح القلب ويقوي الصلة بالله -تعالى-، تنزل الآيات بردًا وسلامًا على القلب فيطمئن ويسكن.

والقرآن فيه شفاء للصدور مِن أمراض الشبهات والشهوات: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) (يونس:57)، فالإقبال على كتاب الله؛ تلاوة وتدبرًا وحفظًا، وعملاً، ودعوة إليه، مِن أعظم وسائل الثبات.

ثانيًا: الدعاء واللجوء إلى الله -تعالى-:

فليعلم المؤمن أن تثبيت القلوب بيد الله وحده، قال الله -تعالى- لرسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا) (الإسراء:74).

ومِن أجمع أدعية القرآن: دعاء الراسخين في العلم: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) (آل عمران:8)، أي: لا تُمل قلوبنا عن الحق، واجعلنا مستقيمين هادين مهتدين، فثبتنا على هدايتك وعافنا مما ابتليت به الزائغين.

وكان رسول الله يكثر أن يقول: (يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)، مع أن قلب رسول الله أبعد القلوب عن الزيغ.

ثالثًا: المبادرة إلى فعل الطاعات والمسارعة في الخيرات:

قال -تعالى-: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا) (النساء:66)، أي على الحق، وهذا بيِّن واضح، فهل تتوقع ثباتًا مِن الكسالى القاعدين عن الأعمال الصالحة إذا أطلت الفتنة برأسها؟! ويقول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) (البقرة:208)، فهذا أمر مِن الله -تعالى- للمؤمنين أن يدخلوا في جميع شرائع الدين، ولا يتركوا منها شيئًا، ونهانا عن اتباع خطوات الشيطان، فإن الشيطان يبدأ معك خطوة خطوة في التحلل مِن الدين، فَتُهُمل الآداب ثم النوافل ثم السنن الراتبة ثم الفريضة، وهكذا حتى يتحلل المرء مِن الدين بالكلية؛ فكن على حذر مِن خطواته، واستمسك بالإسلام كله.

قال أبو بكر -وهو مَن هو-: "إني أخشى إن تركت شيئًا مِن هدي رسول الله أن أزيغ".

رابعًا: كثرة ذكر الله -تعالى-:

وهو مِن أعظم أسباب التثبيت: تأمل هل الاقتران بيْن الأمرين في قوله -تعالى-: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الأنفال:45).

خامسًا: تدبر قصص الأنبياء ودراستها والتأسي بها:

يقول -تعالى-: (وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ) (هود:120)، وبدراسة سيرة سيد المرسلين -محمد صلى الله عليه وسلم-.

أسأل الله لي ولكم الثبات على دينه حتى نلقاه.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة