الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

(صفقة القرن) كما تتمناها إسرائيل

إذ تستخدم المقاومة المسلحة لدعم التفاوض حتى يتحقق لها ما تفاوض عليه

(صفقة القرن) كما تتمناها إسرائيل
الأحد ٢٧ يناير ٢٠١٩ - ١٨:٣٤ م
972

"صفقة القرن" كما تتمناها إسرائيل

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد دأبتْ أمريكا على تبني وجهة النظر الإسرائيلية في المسائل التي تتعلق بالقضية الفلسطينية، خاصة فيما يتعلق بما تراه إسرائيل ضروريًّا لأمنها، وقد استطاعت إسرائيل القيام بكثيرٍ مِن التغييرات على أرض الواقع، لفرض تصورها للسلام الذي يمكنها فرضه على العرب في المنطقة وعلى الفلسطينيين في أرضهم، مِن خلال التهويد للقدس، وبناء المستوطنات في الضفة الغربية، وبناء الجدار العازل، وفرض الحصار الخانق على الفلسطينيين، والهيمنة على مقدرات الأرض ومواردها خاصة المياه، وتسخير السلطة الفلسطينية لخدمة أمن إسرائيل، وإضعاف قدرة حماس والفصائل الفلسطينية على الاستمرار في المقاومة المسلحة.

وقد ساعدها على ذلك: التشتت العربي، وفقد العرب لسياسة موحدة في مواجهة إسرائيل، وتخلي العرب عن دعم المقاومة الفلسطينية، والاقتصار على دعم التوجه الفلسطيني نحو العملية التفاوضية كخيار إستراتيجي ووحيد، في الوقت الذي لا يمتلك فيه الفلسطينيون مِن الأوراق ما يمكنهم به الضغط على إسرائيل لتحقيق مكتسبات حقيقية، في مقابل التعنت والتشدد الإسرائيلي في أي مباحثات، والتملص مِن كافة الاستحقاقات التي تجب عليها فيها، والسعي إلى تجميد المفاوضات والمماطلة في استئنافها؛ إذ ترى أن الوقت الآن في صالحها مِن خلال هضم ما تستطيع هضمه مِن الأراضي التي تحتلها، بحيث لا يتبقى للفلسطينيين إلا ما لا تقدر إسرائيل بالفعل على هضمه منها.

ومِن خلال الرؤية التي تسعى إسرائيل إلى فرضها، وتبني أمريكا المتوقع لها، وضعف الموقف الفلسطيني في مواجهتها، يمكن تصور ما يمكن أن تطرحه أمريكا مِن خلال رؤيتها للسلام في المنطقة، شريطة أن يكون في اعتبار الإدارة الأمريكية مراعاة بعض المطالب الفلسطينية والعربية مراعاة للمصالح الأمريكية في المنطقة.

ومعلوم أن الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي ترامب -الذي أعلن في نوفمبر 2016م في مقابلة مع صحيفة (نيويورك) عن رغبته في التوصل إلى اتفاق سلام في الشرق الأوسط، وتحقيق ما لم يحققه غيره، ممَن سبقوه في البيت الأبيض- تعكف حاليًا على إعداد صفقة تطمح مِن خلال مكوناتها الأساسية في تحقيق سلام على غرار معاهدتي السلام بيْن إسرائيل وكلٍّ مِن مصر والأردن. وهو ما اصطلح على تسميته عند الكثيرين باسم: (صفقة القرن).

وقد قام العديد مِن رؤساء أمريكا السابقين بجهودٍ لحل القضية الفلسطينية مِن خلال رؤية أمريكية تلتزم بدعم إسرائيل،

ومِن أمثلة تلك الجهود:

1- مشروع (جاما)، حينما قام الرئيس الأمريكي (روزفلت أيزنهاور) بتكليف (روبرت أندرسون) بالعمل سرًّا مع (بن جوريون) و(عبد الناصر) في النصف الأول مِن الخمسينيات بوضع رؤية لتحقيق السلام، ولكن المشروع فشل.

2- في عام 1974م قام الرئيس الأمريكي (نيكسون) في الأيام الأخيرة لرئاسته بالسفر إلى مصر وإسرائيل وسوريا، في محاولة لبناء أسس للسلام، ولكنه فشل أيضًا.

3- محاولات الرئيس الأمريكي (كارتر) التي أسفرت في النهاية عن سلام منفرد بيْن مصر وإسرائيل، وملحق اتفاقية حكم ذاتي للفلسطينيين.

4- قدَّم الرئيس الأمريكي (ريجان) خطته للسلام في سبتمبر 1982م، ولكنها باءت أيضًا بالفشل.

5- قيام الرئيس الأمريكي (بيل كلينتون) في صيف عام 2000م باستضافة الزعيم الفلسطيني (ياسر عرفات) ورئيس وزراء إسرائيل وقتها (إيهود باراك) في (كامب دافيد)، ثم قدم بعد هذه الاستضافة بعدة أشهر معاييره لتسوية النزاع، ولكنه فشل بسبب التعنت والتسويف الإسرائيلي الذي أجهض تلك المحاولة.

 6- استضافة الرئيس الأمريكي (بوش الابن) لمؤتمر للسلام في (أنابوليس) في نوفمبر 2007م، لكنه لم يسفر عن نتائج ملموسة.

7- أعطى الرئيس الأمريكي (أوباما) لهذه القضية أولوية، لكنه أعرب عن أسفه بعد فشل وزير خارجيته (جون كيري) بعد جهودٍ مكثفةٍ لمدة تسعة أشهر انتهت في ربيع 2014م دون التوصل لاتفاق سلام.

فائدة هامة:

شهدت فترة الخمسينيات مِن القرن العشرين عدة مشاريع للسلام تقوم على تصور أن القضية الفلسطينية ليستْ إلا قضية لاجئين فلسطينيين مشردين، خاصة بعد انتهاء حرب 1948م بهزيمة الجيوش العربية وتوقيع اتفاقات هدنة دائمة بيْن إسرائيل والدول العربية، فكانت هذه المشاريع تدور حول إعادة توطين هؤلاء اللاجئين.

ومِن أمثلة هذه المشاريع:

1- مشروع (جاما) الأمريكي: حيث حصل الرئيس الأمريكي في عام 1955م على موافقة (بن جوريون) و(عبد الناصر) على عقد لقاءٍ سري على متن يخت في البحر الأبيض المتوسط، ولكن عبد الناصر اشترط موافقة إسرائيل على مبدأ عودة الفلسطينيين الراغبين في العودة، وحصول مصر على ممرٍ بري يوصلها بالأردن، وقد فشلت المحاولة لرفض إسرائيل تقديم أي تنازلات.

2- مشروع (دالاس) الأمريكي: حيث عرض (دالاس) وزير خارجية أمريكا تعاون الدول العربية مع الكيان الإسرائيلي في استثمار مياه نهر الأردن، وقد رفض مؤتمر اللاجئين المنعقد في القدس في 20 مايو 1955م هذا المشروع.

3- تعاون الحكومة المصرية مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، وباتفاق مع واشنطن في عام 1954م على تنفيذ مشروع: (مشروع سيناء)؛ لتوطين لاجئ قطاع غزة في شمال غرب سيناء، ولكن المشروع قوبل بمعارضةٍ شديدةٍ مِن الفلسطينيين، تجلت في اندلاع مظاهرات في قطاع غزة عقب عدوان عسكري إسرائيلي مساء 28 فبراير 1955م على قطاع غزة ذهب ضحيته 39 جنديًّا مصري وفلسطينيًّا وسودانيًّا، حيث طالب المتظاهرون عبد الناصر بإيقاف المشروع، وإطلاق حرية إصدار صحف وتأسيس نقابات، وتحصين القطاع، وتسليح وتدريب أهله، وتكوين جيش تحرير فلسطيني، وقد لبى عبد الناصر طلب المتظاهرين بإيقاف مشروع سيناء، واستفاد عبد الناصر مِن تلك المظاهرات في إدارة ظهره لأمريكا، التي ظل لمدة ثلاث سنوات متصلة يطلب منها تسليح الجيش المصري دون جدوى؛ مما دفعه للتوجه بطلب السلاح مِن الاتحاد السوفيتي، واستجابت (موسكو) لطلبه، فكانت صفقة السلاح التشيكية لمصر.

وقد ساهمت هذه الصفقة والصفقات بعدها مع اعتراف مصر بالصين الشعبية في معاداة أمريكا لمصر، وسحب أمريكا مع لندن والبنك الدولي تمويل مشروع السد العالي، وهو ما أدى إلى تأميم عبد الناصر لقناة السويس، الذي أدى إلى العدوان الثلاثي مصر عام 1956م.

ملامح عامة لصفقة القرن:

تتكامل ملامح الرؤية للصفقة مِن خلال التعرف على وجهة النظر التي تحاول إسرائيل فرضها في المسائل المختلفة لأي سلامٍ محتمل، مع تقدير ما يمكن للمفاوض الفلسطيني أن ينجح في تعديله منها مستثمرًا تأييد ومساندة المجتمع الدولي، المتمثل في القرارات الدولية للأمم المتحدة ذات الصلة، واتفاق أوسلو، ومبادرة السلام العربية التي أيدتها الدول الإسلامية مِن خلال منظمة التعاون الإسلامي، ومبادئ اللجنة الرباعية الدولية، والتي وافق عليها كل مِن إسرائيل والفلسطينيين، وحل الدولتين الذي يلقي أيضًا قبولًا مِن المجتمع الدولي.  

ففي قضية القدس:  

وهي أهم وأخطر مسائل الصراع في القضية الفلسطينية حيث تصر إسرائيل على رفض التفاوض حول قضية القدس؛ بدعوى أن القدس تمثِّل عاصمة أبدية للدولة اليهودية، فتخرج بتلك الرؤية عن إطار أي مفاوضات، وتعمل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة باستمرار على تهويد المدينة لفرض الأمر الواقع، مِن خلال خطة شاملة متكاملة بدأتها عقب احتلالها عام 1967م، قامت فيها:

1- بتوسيع حدود مدينة القدس الشرقية مِن 7 كيلومتر عام 1967م إلى حوالي 80 كيلومتر حاليًّا لتتسع لأكبر عددٍ مِن المستوطنات والمستوطنين اليهود.

2- بالتضييق على الفلسطينيين المقدسيين لإجبارهم على مغادرة القدس، بل طرد الكثيرين منهم بالقوة بدعاوى مختلقة.

3- بالسماح والتسهيل للاقتحامات المتكررة وبصورةٍ شبه يومية مِن قِبَل المتطرفين اليهود والمسئولين الإسرائيليين لساحة المسجد الأقصى في حراسة قوات الاحتلال، في استفزاز واضح للفلسطينيين المقدسيين.

4- بمواصلة الجهود المبذولة لنقل السفارات الأجنبية في إسرائيل مِن تل أبيب إلى القدس، خاصة بعد قيام الإدارة الأمريكية بنقل سفارتها إليها، مما يعطي دفعة كبيرة لإسرائيل في هذا الشأن.

ويطالب الفلسطينيون بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية ذات سيادة وتشمل بالطبع القدس القديمة والمسجد الأقصى، مع بقاء المدينة مفتوحة لليهود والنصارى لزيارة الأماكن التي يقدسونها طبقًا لنظام يتفق عليه.

ولو راعت الإدارة الأمريكية هذه المطالب الفلسطينية، وفي حدود التصور الإسرائيلي للسلام فيمكن أن تقوم الرؤية الأمريكية لتلك المسألة على:

1- المشاركة في القدس، فتكون عاصمة للدولتين، مع حقوق خاصة للمسلمين واليهود داخل الأماكن المقدسة، وحكم مشترك للمناطق الأخرى في القدس الشرقية والقدس القديمة.

ويعوق ذلك رفض إسرائيل لمبدأ تقسيم القدس، ويساعد عليه قدرة أمريكا على تحقيق ذلك إذا رأت فيه تحقيق لمصالحها في المنطقة مِن خلال الضغط على إسرائيل، وتقديم الوعود التعويضية والمنح لها في مقابل قبول ذلك.

 2- إقامة دولة فلسطينية، ولكن منزوعة السلاح، في وجود قواتٍ مِن الجيش الإسرائيلي أو قوات أمن دولية مقبولة مِن الطرفين، تكفي لمنع العنف مِن وإلى الطرفين، ومنع إعادة تسليح التنظيمات الفلسطينية، وتسمح بحرية التحرك السلمي لكافة الأطراف.

3 - تبادل للأراضي بتعديلاتٍ مقبولة مِن الطرفين تتعلق بحدود ما قبْل 5 يونيو 1967م، يسمح فيها لعددٍ مِن الإسرائيليين أو مِن المستوطنات بالتواجد في القدس الشرقية وما حولها، والتفاوض حول المستوطنات الأخرى في الضفة الغربية.

وفي قضية الحدود:

تتمسك إسرائيل باستحالة العودة لحدود ما قبْل 5 يونيو 1967م لاعتباراتٍ أمنيةٍ وديموغرافية، وتتحاشى الدخول في تفصيلاتٍ تتعلق بالأراضي المحتلة عام 1967م إلى أن تتمكن مِن ضم وهضم أكبر مساحة ممكنة مِن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م، ويصرِّح بعض المسؤولين الإسرائيليين اليمنيين بالحاجة إلى ضم ربع مساحة الضفة الغربية لإسرائيل.

ويطالِب الفلسطينيون بدولةٍ ذات سيادة ومتواصلة الأطراف على حدود 4 يونيو 1967م، وحل الدولتين على هذه الرؤية الفلسطينية يلقي قبولًا مِن المجتمع الدولي.

ويرى الفلسطينيون إمكانية تبادل للأراضي مع إسرائيل في إطار معاهدة سلام على أن يتم هذا التبادل بنفس النسبة والقيمة، وإلا يزيد عن 2 % كحدٍّ أقصى.

 ويمكن للإدارة الأمريكية أن يكون في تصورها الأخذ بمبدأ تبادل الأرض في التفاوض حول حل مشكلة الحدود عمومًا، والمستوطنات في الضفة الغربية والقدس خصوصًا.

وفي قضية الأمن:

تتعمد إسرائيل التعلل بقضية الأمن كقضية محورية مركزية للتوصل بها إلى تجميد أي محادثات، أو الخروج منها بأكبر مكسب ممكنٍ لها، فلا وضع نهائي ولا توافق إلا بمراعاة أمن إسرائيل الكامل؛ لذا ترى إسرائيل في حال موافقتها على إقامة دولة فلسطينية أن تكون إسرائيل هي المسيطرة على النواحي الأمنية فيها، ووضع كل الضمانات لمنع أي تهديداتٍ مِن أي نوع للأمن الإسرائيلي؛ لهذا تطالب بدولة فلسطينية -إن قامت- منزوعة السلاح غير متواصلة الأطراف.

وهذا ما يرفضه الفلسطينيون؛ أن تكون دولة فلسطين المرتقبة منقوصة السيادة، أو بها تواجد عسكري إسرائيلي دائم أو مؤقت في الضفة الغربية، أو غير متواصلة الأطراف، مع الاستعداد لبحث المخاوف الأمنية الإسرائيلية.

وقد تأخذ الإدارة الأمريكية لحل قضية الأمن بمبدأ تبادل الأراضي، وبحث إمكانية قبول وجود قوات دولية في مناطق محدودة ومحددة مِن الضفة خاضعة لإشراف دولي مِن الأمم المتحدة.  

وبالنسبة لقضية المستوطنات:

تستخدم إسرائيل سياسة بناء المستوطنات وفق خططٍ مدروسةٍ بعنايةٍ لتغيير الأوضاع في الأراضي المحتلة، وبالتالي فرض الأمر الواقع على الأرض في الضفة والقدس على الفلسطينيين، وإمعانًا في ذلك تقوم إسرائيل بإدخال وإدماج المستوطنات في منظومة الدولة الإسرائيلية مِن حيث طبيعة الخدمات فيها، وإصدار القرارات التي تسهل عملية الاستيطان والاستيلاء على أراضي الفلسطينيين، بالرغم مِن القرارات والإدانات الدولية التي تؤكد على عدم شرعية بناء هذه المستوطنات في الأراضي المحتلة، وآخرها قرار مجلس الأمن رقم 2334؛ إلا أن إسرائيل لا تهتم بهذه القرارات والإدانات، وتتمسك بضم هذه المستوطنات إليها في أي تسوية سياسية محتملة، وقد بلغ عدد هذه المستوطنات أكثر مِن 150 مستوطنة يسكنها نحو مليون إلا ربع مستوطن إسرائيلي.

ويرى الجانب الفلسطيني ضرورة إزالة هذه المستوطنات في الضفة الغربية والقدس باعتبار أنها غير شرعية باعتراف المجتمع الدولي، ومخالفة لقرارات مجلس الأمن في هذا الشأن، وفي حالة إصرار إسرائيل على بقاء بعض هذه المستوطنات فيكون ذلك بالاتفاق مع السلطة الفلسطينية في المفاوضات، وفي إطار تبادل للأراضي محدود، وهي الرؤية التي يمكن أن تأخذ بها الإدارة الأمريكية لحل هذه القضية.

وحول قضية اللاجئين الفلسطينيين:

وهي أقدم القضايا العالقة إذ بدأت مع قيام إسرائيل في مايو عام 1948م، وقد نص قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 الصادر في ديسمبر 1948م على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وتعويضهم، وهو ما تتمسك إسرائيل برفضه تمامًا، أو التفاوض بشأنه في أي مفاوضات؛ ولذا تسعى في تسويةٍ سياسيةٍ محتملة إلى وجود نص يشير إلى يهودية إسرائيل، مما ينهي هذه القضية بشكل رسمي.

ويرى الفلسطينيون بالقطع أن حق العودة حق للفلسطينيين في أرضهم وأرض أجدادهم لا يمكن بحالٍ مِن الأحوال إسقاطه أو التنازل عنه باعتراف المجتمع الدولي والقرارات الدولية خاصة القرار 194، ولكن يمكن بعد الإقرار بهذا الحق مناقشة الأمر مِن حيث الأعداد التي يُسمح بها، والأماكن التي يمكن العودة إليها، داخل الدولة الفلسطينية المرتقبة أو داخل إسرائيل، كما هو الحال مع عرب 48 داخل إسرائيل حاليًّا، ومسألة تعويض مَن لا يرغب في هذه العودة أو التنازل عن حقه فيها، ولعل الإدارة الأمريكية ترى السماح بتنفيذ حق العودة بشروطٍ مِن حيث العدد والأماكن، وتحصر هذه الأماكن داخل حدود الدولة الفلسطينية المرتقبة دون داخل إسرائيل كحل للقضية.

وفي قضية المياه:

وهي قضية كبيرة؛ نظرًا لنقص المياه في المنطقة، واعتماد إسرائيل على المياه الجوفية الموجودة في بعض الأماكن الحدودية في الضفة الغربية، إلى جانب بحيرة طبرية السورية، والتي تمد إسرائيل حاليًّا بحوالي ثلث احتياجاتها مِن المياه، ويرى الفلسطينيون أن لهم وحدهم حق الانتفاع بالمياه الجوفية في الضفة، التي هي أرض تحتلها إسرائيل، وليس لها حق الاستيلاء على مواردها الطبيعية ومنها المياه، خاصة أن الفلسطينيين في الضفة وغزة يعانون مِن نقص المياه أيضًا.

ولعل الحل المقترح لهذه القضية يكمن في إقامة مشروعات لتحلية المياه للإسرائيليين والفلسطينيين والأطراف الأخرى المشتركة في هذه المسألة حال التوصل إلى سلامٍ، ومِن خلال تمويل دولي يساهِم في حل المشكلة.

وحول قضية الأسرى الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية:

وهي ورقة مساومة وضغط تستخدمها إسرائيل، حيث يوجد نحو ستة آلاف أسير فلسطيني في السجون والمعتقلات الإسرائيلية تحت مسميات مختلفة، ومنها: الاعتقال الإداري الذي توسعت -وما زالت!- سلطات الاحتلال الإسرائيلي في تطبيقه على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.

وقد شهدت الأعوام السابقة حالات مِن الإفراج عن مئاتٍ مِن الأسرى والمعتقلين مِن خلال صفقاتٍ تبادليةٍ، مِن أشهرها: الإفراج عن المئات مِن المعتقلين مقابل إفراج حماس عن الجندي الإسرائيلي المختطف (شاليت)، والذي تم برعايةٍ مصريةٍ.

ويصر الفلسطينيون على ضرورة الإفراج عن كل المعتقلين في السجون الإسرائيلية بما فيهم المعتقلين قبْل اتفاقية أوسلو 1993م، وأن يتضمن أي اتفاق للسلام ذلك، وهو أمر مقبول في ظل التوصل إلى سلامٍ وإقامة دولتين في المنطقة.

وتوصل الإدارة الأمريكية لوضع تصور ورؤية لها هذه الملامح على ما فيها مِن غبنٍ فادحٍ، وإضاعة لكثيرٍ مِن حقوق الفلسطينيين والعرب، وفرض لوجود هذا النبت الغريب -إسرائيل الصهيونية- في المنطقة، على حساب العالم العربي والإسلامي، إذ أن فلسطين جزء غالٍ مِن العالم العربي ومِن العالم الإسلامي - فإنه يحتاج إلى جهودٍ فلسطينية وعربية كبيرة في أي مفاوضات؛ إذ تشير الأحداث إلى عدم قدرة الفلسطينيين والعرب على حسن استخدام ورقة (المقاومة السلمية) في مواجهة إسرائيل أمام المجتمع الدولي، وهي الورقة التي لأجلها تركوا خيار: (المقاومة المسلحة).

وكان الواجب إبقاء خيار المقاومة المسلحة ودعمه إلى جانب أي تحرك سلمي لوضع حدٍّ للقضية سلميًّا؛ فتكون ورقة المقاومة المسلحة الفعالة وسيلة مِن وسائل الضغط على إسرائيل في أي مفاوضاتٍ تدخل فيها، وهذا ما كانت عليه كل حركات التحرر في العالم؛ إذ تستخدم المقاومة المسلحة لدعم التفاوض حتى يتحقق لها ما تفاوض عليه.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة