الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الفساد (4)

مكافحة الفساد

الفساد (4)
علاء بكر
الأربعاء ١٣ مارس ٢٠١٩ - ١٨:٥٧ م
731

الفساد (4)

مكافحة الفساد

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فتعطي دول العالم أهمية كبيرة لمكافحة الفساد؛ إذ إن هذه المكافحة عنوان على نظافة الحكم ونزاهة الحكومات واحترامها لشعوبها، وكذلك مراعاتها إعطاء الحقوق لأصحابها ومنع المظالم في حيادٍ وشفافية؛ مما يساعد على تحقيق الدفع المطلوب للاستثمار والتنمية والتقدم.

وهناك بالطبع جهود كبيرة لمكافحة الفساد في كل دولة على حسب جديتها ورؤيتها المتكاملة في ذلك، وعلى قدر توفر الإرادة السياسية والجهود الإيجابية مِن الحكومة وتجاوب الشعب معها تكون فاعلية هذه المكافحة.

وهناك منذ عقود جهود دولية غايتها كبح جماح الفساد عالميًّا ودفع الحكومات لتحمل مسؤولياتها في مكافحة الفساد داخل دولها، ويتجلى ذلك في منظمة الأمم المتحدة التي أصدرت عام 1988م قرارات بشأن إجراءات مقاومة الفساد عالميًّا، كما قام البنك الدولي بدراساتٍ في هذا الشأن، وامتد هذا الاهتمام إلى الكثير مِن المنظمات الدولية، منها: منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، ومنظمة الثقافة الدولية، والإنتربول الدولي والعديد مِن المؤسسات الدولية والإقليمية الأخرى.

 ولا شك أن الوعي المجتمعي بهذه القضية خطوة هامة في هذا الاتجاه، فلابد مِن تدعيم الإرادة السياسية والجهود الحكومية بتجاوبٍ شعبي واعٍ يشارِك ويساهِم في مكافحة الفساد بدفع وتشجيع المزيد مِن الجهود والخطوات الفعَّالة مِن مسؤولي الحكومة وأعضاء البرلمان في مكافحة الفساد، وتطوير هذه الجهود والخطوات لتناسِب الواقع المعاش، ومِن خلال قيام أفراد المجتمع بدورهم في مواجهة الفساد والحد منه وتحطيم معاقله، وذلك مِن خلال وضع تصور ورؤية كاملة متكاملة لمكافحة الفساد.

خطوط عريضة لمكافحة الفساد:

تتطلب مكافحة الفساد في أي مجتمعٍ أمورًا، منها:

1- الاعتراف أولًا بوجود الفساد واستشعار خطره على الأمة.

2- إيجاد الرغبة والإرادة الجادة ثانيًا في مكافحة الفساد سياسيًّا وشعبيًّا، أي مِن الحاكم والمحكومين.

3- السعي والعمل المتواصل الجاد والفعَّال في إحلال الصلاح محل الفساد في كل مكان.

وهذا السعي حتى يكون جادًّا وفعَّالًا يتطلب:

1- التعرف على أسباب الفساد على اختلاف أنواعه وأشكاله؛ إذ يتعذر علاج الفساد دون معرفة أسبابه والتعامل معها.

2- رصد الفساد بأشكاله وتتبع مراحله وخطواته، والتعرف على درجاته، فالفساد متفاوت في درجاته وبالتالي تتفاوت خطورة صوره بما يتطلب:

أ- البدء بمواجهة الفساد الأخطر، فالفساد الأقل خطورة.

ب- تتبع الخطوات بعد رصدها والتعامل مع كل خطوة بما يناسبها مِن إجراء وتعامل مضاد.

ج- التدرج في مواجهة الفساد حتى تكون المواجهة فعالة، ويمكن مِن وقتٍ لآخر تقييم الجهود القائمة المبذولة، ومدى نجاحها في تحقيق أهدافها.

حاجة مكافحة الفساد إلى رؤية متكاملة:

ولما كان الفساد عملية مستمرة ومتجددة، تتجدد صوره وتتكرر صوره كل يوم، ويحتاج الأمر أن نسعى لإزالة صوره التي في الأيام الماضية، فنحن أيضًا نحتاج أن نسعى لمنع ما يمكن وقوعه مِن صور الفساد غدًا، وفي الأيام القادمة؛ لذا فالرؤية المتكاملة لمكافحة الفساد تقوم على السير في خطين متوازيين في وقتٍ واحدٍ لا غنى لأحدهما عن الآخر:

أ- خط وقائي يتعامل مع مقدمات الفساد وأسبابه ليمنع بقدر الإمكان ظهور المزيد مِن الفساد في الأيام القادمة واستفحاله.

ب- خط علاجي يتعامل مع صور الفساد الموجودة بالفعل مِن خلال رصد أجهزة الرقابة والمتابعة لأنواع الفساد التي في المجتمع، وتتبع خطواتها، والتعرف على درجاتها والتعامل معها بما يزيلها ويقضي عليها بالكلية.

والوقاية مِن الفساد تتطلب:

منع مقدمات الفساد عن طريق:

1- وضع الأجور العادلة المنصفة التي تناسب مستوى المعيشة السائد في المجتمع وظروف الغلاء إن وجد، حتى يشعر الفرد بالرضا عما يتقاضاه؛ كل حسب جهده وعمله، وتحسين دخول الموظفين بما يسد حاجاتهم وحاجات أسرهم الأساسية مما يمكِّنهم مِن مواجهة ومقاومة الإغراءات المادية التي قد يتعرضون لها، فلا يعاني الموظف مِن شدة الصراع بيْن قوى الشر المتمثلة في صور الفساد وبين قوى الخير النابعة مِن فطرته السوية، ويتطلب ذلك حسن التدريب ورفع الكفاءة للموظفين عامة والجدد منهم خاصة، وكذلك تقديم الحوافز المادية والمعنوية للموظفين في مقابل الأداء الجيد للعمل المطلوب منه.

ومِن صور الحوافز المعنوية: الإعراب عن التقدير لكفاءة العامل المجد والاعتراف والإشادة بجهده تشجيعًا له ولغيره على المزيد مِن العطاء والإخلاص فيه، والابتعاد عن أوجه القصور أو الفساد.

ومما ينبغي التنبه إليه في هذا الشأن: أن ترتيب الحاجات الإنسانية تكون على شكل هرم قاعدته الحاجات المادية الفسيولوجية الأساسية، وتتدرج الحاجات ارتفاعًا حتى تصل في قمة الهرم إلى الحاجات المعنوية، ومنها الحاجة إلى تحقيق الذات وإلى التقدير والاحترام.

2- التوعية بخطر الفساد بكل صوره، الكبيرة والصغيرة مِن رشاوى وهدايا، ومِن وساطة ومحسوبية ومحاباة، ومِن ابتزاز واختلاس ونهب للمال العام وإهداره، وآثار ذلك السلبية الكثيرة على اقتصاد الدولة ونموه، وعلى المجتمع وصلاحه ومحاولة إصلاحه.

3- تغيير المسؤولين والإداريين وأصحاب النفوذ المساهمين في حدوث الفساد بأنواعه، أو غير الجادين في مواجهته ومكافحته.

4- الحرص التام على إيجاد البطانة الصالحة مِن المسؤولين والإداريين الأكفاء والمؤهلين لتحمل مسؤولياتهم، ممَن عندهم الرغبة الجادة في محاربة الفساد ومواجهته.

5- تفعيل أجهزة الرقابة والمتابعة الموجودة، لكشف الأخطاء وتصحيح الانحرافات قبْل استفحالها، واستكمال ما تظهر الحاجة إلى استكماله مِن أوجه النقص أو التقصير نوعًا وكمًّا، مع تقوية دور الإشراف على العمل للاطمئنان على سير العمل وفقًا لما هو مطلوب منه وموضوع له، مع المساءلة والمحاسبة، مع ضرورة التفريق بيْن صور الإهمال والتراخي وصور الفساد المتعمد، وكمال المراقبة أن تكون مسؤوليته مسؤولية جماعية، يقوم فيه الفرد بمراقبة نفسه بنفسه رقابة ذاتية، ويقوم به القادة والمديرون، ويقوم به أفراد المجتمع مجتمعين، فالرقابة تكون بذلك مِن الدولة والمجتمع بأكمله.

ورد عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن قال: "أرأيتم إن استعملت عليكم خير ما أعلم، ثم أمرته بالعدل فيكم، أكنت قضيت ما علي؟" قالوا: نعم. قال: "لا، حتى أنظر في عمله: أعمل بما أمرته أم لا؟".

6- مراعاة استقلالية وحصانة أجهزة الرقابة في الدولة، والفصل بينها وبين الأجهزة الحكومية التنفيذية، فلا يصلح -مثلًا- قيام الجهات التنفيذية بتعيين رئيس جهاز المحاسبات والمراقبة؛ إذ إن مهمة هذا الرئيس مراقبة هذه الجهات التنفيذية فربما راعاها أو نافقها في بعض الأمور إذ بيدها اختياره وتحديده وتثبيته أو التخلص منه؛ لذا الأولى أن يتم اختياره -لا تعيينه- عن طريق جمعية عمومية، وإعطائه درجة مِن الاستقلالية والحصانة تشجعه وتدفعه على التفاني في محاربة الفساد بلا خوفٍ أو ترددٍ.

7- وضع القوانين والأحكام واللوائح التي تساعد فعليًّا على مواجهة الفساد، وتفعيل القوانين الموضوعة من قبْل وتناسب المواجهة، وإلغاء أو تعديل القوانين السابقة مما ثبت عدم جدواها أو كفاءتها في مواجهة الفساد؛ إذ إن هناك قوانين بالية لا تتناسب مع وسائل الفساد المتقدمة، بل هناك تشريعات وقوانين تكون -في غفلة وبدون وعي- مقننة للفساد وتزيد مِن حجمه، وتعد ثغرة مِن الثغرات التي يمر منها الفساد وتمر معه الملايين مِن الجنيهات، ولا قضاء على الفساد بدون سدها والقضاء عليها أولًا بأولٍ، وبدون بطءٍ.

8- مراعاة استكمال بناء كل المؤسسات واستكمال أطرها القانونية إذ عدم استكمال بناء بعض المؤسسات أو عدم استكمال أطرها القانونية يوفِّر بيئة مناسبة للفاسدين، كذلك استكمال المرافق والخدمات المكملة في المؤسسات الحكومية العامة إذ ضعف هذه المرافق والخدمات المكملة يسمح بظهور الفساد.

9- الحد مِن صور تنازع الاختصاصات وتداخلها بيْن الوزارات والجهات الحكومية إذ تنازع وتداخل الاختصاصات يحول أو يقلل مِن مواجهة الدولة للفساد.

10- إصلاح كل صور الفساد في القضاء إن وجدت، والحفاظ التام على استقلاليته ونزاهته، وضمان عدم التدخل في شؤونه أو تسييسه، والتأكد التام مِن حماية القضاء لحقوق المواطنين والبت فيها في سرعةٍ وحيادٍ كامل لا تفريق فيه بيْن فئةٍ وأخرى، والاطمئنان إلى الجدية في رفع المظالم عن المظلومين، والمرجع في تحقق ذلك توفر الإحساس بالعدل وزوال الشعور بالظلم لدى أفراد المجتمع ككل.

11- تشجيع دور الرقابة مِن المجتمع ككل على مظاهر الفساد والمشاركة الواعية في الحدِّ منها، وفي مقدمة ذلك تهيئة الأجواء للنخبة التي تتولى قيادة المجتمع مِن المصلحين مِن علماء الدين والمفكرين والمثقفين والأخصائيين الاجتماعيين وعلماء النفس والإعلاميين للقيام بدورهم في توعية المجتمع مِن جهة وتربية أفراده على الصلاح مِن جهةٍ أخرى، بما يحقق دور الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع في صورةٍ توافق متطلبات العصر وضخامة المسؤولية في ظل مدن ومحافظات تكتظ بالملايين تحتاج إلى الاستفادة مِن كل الوسائل والإمكانيات وجهود كل مَن له قدرة على المساهمة في هذا الدور بلا استثناء.

12- إشاعة جو وبيئة تساعد على صلاح أفراد المجتمع؛ إذ إن بناء الإنسان الصالح هو محور عملية التغيير وضمان بقائها.

 13- الاعتناء بالتربية الدينية القويمة مِن سنِّ الطفولة وغرس القيم والأخلاق الحميدة في النفوس مِن الصغر.

14- التأكيد الدائم على حرمة المال العام، وتوعية الجميع بما لهم مِن حقوق وما عليهم مِن واجبات، وهذا يتطلب وضوح قواعد العمل والسلوك داخله، وإلزام المسؤولين بتدوينها وإظهارها وإطلاع الجميع عليها، في كل قطاعات العمل العام والخاص والأهلي.

15- التيسير على الأغنياء وأصحاب الأموال والأعمال لأداء ما عليهم مِن حقوق للدولة كاملة وعدم التهاون أو الانتقاص منها، وتشجيعهم على القيام بدورهم في مساندة الدولة في تخفيف المعاناة عن الفقراء والمحتاجين وسدِّ احتياجاتهم الأساسية.

16- وضع نظام سياسي مناسب لا يسمح باستبداد الحاكم والأجهزة التنفيذية، ويمنع طغيان السلطات التنفيذية على السلطة التشريعية، ولا يسمح باستغلال أصحاب السلطة لنفوذهم.

17- معالجة آثار العولمة وما يترتب عليها مِن تدخلات خارجية بغرض تحجيم دور الدولة والحكومة، أو التقليص مِن دورها أو التقليل مِن صلاحياتها، بما يفتح الباب لمنظمات وجمعيات لها أجندات وتوجهات خارجية لممارسة صور مِن الفساد الاجتماعي والأخلاقي والثقافي والفكري، وينبغي ألا يتعارض ذلك مع المحافظة على دور منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الخاصة وتنشيطها وتقويتها فيما يخدم المجتمع، إذ هي صورة مِن صور تكاتف المجتمع عن طريق هذه المنظمات والمؤسسات الوطنية مع الدولة والحكومة في إصلاح المجتمع وتقويته.

18- السماح بحرية الإعلام وحرية التعبير عن الرأي وحرية الحصول على المعلومات؛ إذ إن غياب حرية الإعلام بوسائله المختلفة وغياب حرية الرأي وغياب حرية الحصول على المعلومات يؤثِّر على الدور الرقابي للمجتمع، ويُضعِف مِن الدور الرقابي لمؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الخاصة، إلى جانب افتقاد الشفافية وغياب الحياد.

19- وضع الضوابط المناسبة التي لابد منها للحريات المطلقة والاحتكارات المطلقة، والمراد الضوابط التي لا غنى عنها لمنع استغلال الحريات المطلقة والاحتكارات المطلقة في فتح الأبواب للفساد، أي الحد مما يسمَّى بـ(الحرية غير المسؤولة)، دون المساس بالحد المطلوب مِن الحرية الاقتصادية والشخصية بعيدًا عن القيود المبالغ فيها والكبت، ومحاربة حرية التملك والعمل والتعبير، التي لا ازدهار للمجتمع ولا تقدم إلا بمراعاتها؛ أي: فتح الباب لحرية مسؤولة تفيد ولا تضر.

ومعالجة الموجود مِن الفساد يتطلب:

1- مواجهة الفاسدين، ومصارحة أهل الفساد بفسادهم، ومعاقبتهم مهما كانوا، وذلك بعد ثبوت الفساد المتعمد منهم، وانتفاء أن يكون انحرافهم عن إهمالٍ وتراخٍ وتكاسلٍ غير مقصود؛ إذ إن تحطيم معاقل الفساد خطوة مهمة لإصلاح المجتمع.

2- وضع العقوبات الرادعة المناسبة لأنواع الفساد، وبحسب درجاته المتفاوتة.

3- شمولية المواجهة للفساد، مع مراعاة الأولويات والتدرج عند اقتضاء الوضع لذلك، وسرعة المواجهة للفساد؛ إذ إن البطء في المواجهة والمعالجة تقلل كثيرًا مِن جدوى هذه المواجهة.

4- تطبيق معايير الجودة، حيث تسعى إدارة الجودة إلى التحسين المستمر الذي لا يقتصر على المنتج أو الخدمة فقط، بل يمتد ليشمل الكفاءة في الأداء الوظيفي.

5- تطبيق الإصلاح الوظيفي في القطاعات المختلفة، والمراد بالإصلاح الوظيفي: "إدخال تعديل في تنظيمات إدارية قائمة، أو استحداث تنظيمات إدارية جديدة وإصدار الأنظمة والقوانين واللوائح اللازمة لذلك".

وتحقيق هذا الإصلاح الوظيفي في القطاعات التي تعاني من الفساد الإداري يتطلب آليات وإجراءات منها:

1- إصلاح النظام المصرفي لمنع الفاسدين مِن التعدي على المال العام مِن خلال التخفي في النظم المصرفية.

2- مراقبة العمل في الهيئات الحكومية والخاصة والإشراف عليها مِن خلال أجهزة رقابية خاصة مستقلة.

3- الحد مِن البيروقراطية، ووضع العراقيل أمام مصالح المواطنين، والتي تجعل المواطنين يلجؤون إلى الطرق الملتوية لإنهاء المعاملة.

4- وضع القوانين والعقوبات الرادعة لمعاقبة الجناة الفاسدين، حيث إن ضعف العقوبات في النظم الحكومية تشجع على الفساد، مع إمكانية جعل تعويض الحكومة للمتضررين جزء مِن العقوبة.

5- إعطاء الأهمية لترسيخ أخلاقيات الوظيفة العامة وتقوية الوعي الإداري، وتعميق الإحساس بالمسؤولية.

6- إلزام الموظفين بالتعامل طبقًا للأخلاقيات والسلوكيات الإدارية والمهنية الجيدة، ويكون التوجيه لذلك مِن خلال دوراتٍ تدريبيةٍ مؤهلة يُلزم الموظفين باجتيازها قبْل أو أثناء القيام بأعبائهم الوظيفية.  

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة