الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

(فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)

فإذا كنا لا نتحمل هذه المناظر المروّعة أو ألم الحرق؛ فما بالك بعذاب الله؟!

(فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)
أحمد حمدي
الاثنين ١٨ مارس ٢٠١٩ - ١٨:٣٧ م
967

)فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)

كتبه/ أحمد حمدي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد أمرنا الله -تعالى- بالاعتبار والاتعاظ والتذكر، والاستفادة مِن دروس وتجارب ومواقف الحياة، قال الله -تعالى-: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ) (فاطر:37)، وقال -تعالى- (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (ق:37)، وقال -تعالى-: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) (الحشر:2).

وقد حدث تصادم لجرار قطار رصيف محطة رمسيس يوم الأربعاء ??/?/????م، الساعة التاسعة والنصف صباحًا؛ مما أسفر هذا الحادث المروع عن وفاة ?? شخصًا، وإصابة قرابة الخمسين معظمهم مات حرقًا في منظرٍ مرعبٍ وسط صراخ وعويل الأطفال والنساء، وحالة مِن حالات الهرج والارتباك، وتصاعد ألسنة اللهب والدخان، وأشارت أصابع الاتهام الأولى بعد التحقيقات إلى إهمال سائق الجرار لنزوله مِن الجرار دون إيقاف المحرك لمعاتبة زميله، وكذلك عدم انطلاق صفارات الإنذار لتحذير الناس، وفي لحظة مفاجئة حدثت المصيبة.

ولابد هنا مِن وقفة صادقة مع الدروس والعِبَر والمواعظ مِن الحادث:

أولًا: نقدِّم العزاء والدعاء للمتوفين أن يرحمهم الله ويغفر لهم، وأن يتقبلهم في الشهداء، قال -صلى الله عليه وسلم-: (وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

قال العلماء: يُقاس عليه مَن مات في حادثٍ، وكذلك الدعاء بالشفاء للمرضى والمصابين، وأن يفرغ على الجميع الصبر والسلوان، وأن يفرّج كرب المكروبين، إنه ولي ذلك والقادر عليه، فالواجب الصبر والرضا بقضاء الله، قال -تعالى-: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة:155-157).

ثانيًا: خطورة موت الفجأة والبغتة: قال -تعالى- (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) (الأعراف:34)،   وقال -تعالى-: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (الجمعة:8)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ) (رواه البخاري)، ومَن عاش على شيء مات عليه، ومَن مات على شيء بُعِث عليه، فالخوف مِن سوء الخاتمة كان شغل الصالحين مِن عباد الله، فموت الفجأة يأتي دون سابق إنذار أو خطأ منك أو سبب، فالموت لن يطرق عليك الباب ليستأذنك، ويقول لك: أمامك ساعة أو يوم لتتوب، ولكن فجأة تُقبض الروح بمرض وبحادث وبغيره، دون تفرقة بين صغير ولا كبير، ولا شيخ ولا شاب، ولا رجل ولا امرأة، ولا فقير ولا رجل أعمال، هادم اللذات ومُفرّق الجماعات.

الكل في هذه اللحظة كانت له خواطر وآمال، وطموحات وأماني، فهذا طالب ذاهب إلى جامعته، وهذا موظف وعامل ذاهب الى عمله، وآخر ذاهب الى بيته، وهذا رجل مع زوجته وأولاده يذهب لزيارة اقاربه وأرحامه، وهذا كان يفكر في التخرج مِن الجامعة والمستقبل، وهذا يفكر في الزواج، وهذا يفكر في همومه وآلامه ومشاكله الأسرية، وهذا يفكر في جمعيته وديونه، وفجأة انقطعت الحياة!

قال ابن عمر -رضي الله عنه-: "إذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وخذ مِن حياتك لموتك، ومِن صحتك لسقمك"؛ فهل أنتَ مستعد للقاء الله؟!

فتخيل: لو أنك في ذلك اليوم كنت قد صليت الفجر في جماعة وجلستَ لشروق الشمس وصليت الضحى وحصّلت ثواب الحج والعمرة، أو كنت صائمًا يومًا مِن أيام الشتاء -الغنيمة الباردة- أو كنت تذكر الله في لحظات انتظار القطار فمت ولسانك ذاكرًا لله أو كنت تقرأ في المصحف أو كنت مواظبًا على أذكار الصباح، فيُختم لك بطاعةٍ أو بصيام يوم، فكانت حسن الخاتمة.

أما الأخرى -والعياذ بالله-: إذا كان الإنسان لم يصلِّ الفجر أو تاركًا للصلاة أو عاقًّا لوالديه أو قاطعًا للرحم أو آكلًا للربا والرشوة أو ميراث اليتامى أو ظالمًا للناس، أو يبخسهم حقهم أو مؤذيًا لجيرانه فلقي الله على ذلك، فكانت سوء الخاتمة -والعياذ بالله-.

وكان يُسَوّف بالتوبة، فأكثر صراخ أهل النار مِن التسويف، فينبغي المسارعة بالتوبة والاستغفار والرجوع الى الله والمحاسبة للنفس على تقصيرها، قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم"، وقال -تعالى-: (إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا) (النبأ:40).

ثالثًا: خطورة الإهمال والفساد مِن سائق أو غيره، ولا يقل عن أمر الإرهاب في تدمير الأسر والمجتمعات، فينبغي محاسبة المُقصّرين ومعالجة الأسباب حتى لا تتكرر الحوادث، وعقوبة القتل الخطأ: كفارة صيام شهرين متتابعين عن كل قتيل، ودفع الدية عن الذكر بمائة مِن الإبل، وعن الإناث بخمسين مِن الإبل، وإن لم يستطع هو وعائلته، فتتحملها الحكومة والدولة لتعويض أسر الضحايا والمصابين.

رابعًا: موقف الشهامة والنخوة والرجولة والإيجابية مِن الشباب أمثال: "وليد مرضي، ومحمد عبد الرحمن" وغيرهما ممَن خاطروا بحياتهم لإنقاذ حياة المصابين بالإطفاء بالماء والبطاطين، فجزاهم الله خيرًا.

خامسًا: مِن الخلل الشديد إدخال هذه الحوادث في الخصومة السياسية بين الأطراف، فالإعلام الموالي للإخوان والمعارضة والمتعاطفون يظهرون الشماتة، وربما الفرح بحدوث هذه المصائب كأنها عقوبة مِن الله لهذا الشعب الذي لم يؤيدهم، أو انتقامًا وثأرًا لإعدام التسعة، والإعلام المؤيد للدولة يشير بأصابع الاتهام إلى تدخل جماعة الإخوان بسبب بيانهم الأخير في المسئولية عن الحادث، ولابد من الجانبين أن ينتظروا نتيجة التحقيقات، وعدم التعجل في تحميل الآخر المسئولية.

سادسًا: منظر الأجساد المحترقة بالنار التي شوّهت الوجوه ومزّقت الأبدان، يذكرنا بالخوف مِن نار الآخرة التي فُضِّلت على نار الدنيا بتسعة وستين جزءًا، قال -تعالى-: (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) (الكهف:29)، وقال -تعالى-: (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) (الأعراف:41)، وقال -تعالى-: (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ)، وقال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا) (النساء:56)، فالجلد موضع الإحساس بالألم وأطراف الأعصاب.

فإذا كنا لا نتحمل هذه المناظر المروّعة أو ألم الحرق؛ فما بالك بعذاب الله؟!

فينبغي على كل واحد منا يشعر بمشقة أو ألم الطاعة، أو المحافظة على صلاة الفجر، أو ألم ترك لذة وحلاوة معصية أو شهوة تعود عليها مِن غناءٍ أو مخدراتٍ أو مصاحبة فتيات أو تبرج أو تدخين، أن يتذكر عذاب الآخرة، فينبغي المسارعة بالتوبة ومرضاة الله ومحاسبة النفس

نسأل الله أن يهدينا ويهدي بنا، وأن يهدي شبابنا، وأن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين مِن الفتن.

اللهم آمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً

آداب العمل الجماعي -3
621 ٣٠ أبريل ٢٠٢٠
رمضان في ظروف خاصة!
781 ٢٧ أبريل ٢٠٢٠
فضل العمل الجماعي -2
612 ٢٢ مارس ٢٠٢٠
فضل العمل الجماعي -1
930 ١٩ مارس ٢٠٢٠
الطموح -2
621 ١٠ مارس ٢٠٢٠
الطموح (1)
677 ٢٧ فبراير ٢٠٢٠